الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقال في الوعي السياسي - أنظمتنا الهجينة : في الشمولية و الاستبداد و حُكم اللصوص

أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب

(Ayham Noursabah Hasan)

2022 / 10 / 1
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تحية طيبة
لماذا نتكلم في السياسة ؟ و لماذا يجب أن يكون لدى جميع أفراد المجتمع وعي سياسي ؟
الجواب بكل بساطة , لأنه لا يوجد شيء كالسياسة له كل هذا التأثير الشامل على حياة الأفراد و مستقبلهم و مستقبل الأجيال التي لم تأت بعد أيضاً , فالسياسة هي مفتاح الرخاء و الفقر , السلام و الحرب , البناء و الخراب .
و لا تغرك هذه اللامبالاة التي أوصلتنا إليها النخب الوضيعة و التافهة لأنظمتنا السياسية في شرخنا الأوسخ هذا , فأنت و هي و أنا - في النهاية - و مهما أظهرنا من عدم اكتراث أو من قلة اهتمام للميل إلى أحد الأشكال التنظيمية لتنسيق المجتمع البشري , فإننا لا نعدو عن أن نكون أحد ثلاث , فإما راضين بظروفنا و أحوالنا , أو ناقمين عليها , أو ساعين إلى تغييرها أو تحسينها .
إن من أثمن ضرائب اللامبالاة , أن يترك الواعي و الحر قيادته للجاهل و العبد .

لذا و قبل المضي للتحليل و الحديث عن أسباب آلامنا , لنتفق أولاً على خُلاصة منطقية في بناء النظم السياسية تقول : إن قيام الأنظمة الاستبدادية و الأنظمة الشمولية و استمرارها يعتمد بشكل أساسي على جهل العامة و انعدام وعيها السياسي أو تغييبه بطريقة ما .
ثانياً : و كنوع من المساهمة في نشر الوعي السياسي لدى أفراد شعبنا السوري خاصة و شعوب الشرق الأوسط عامة , فلنتكلم قليلاً , و ببساطة شديدة قدر الإمكان , عن الأنظمة الهجينة الشمولية الاستبدادية اللصوصية :
تتصف جميع الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط بالشمولية , بالرغم من تباين أنواع هذه النظم بين نظم ملكية و نظم جمهورية و بين نظم ديكتاتورية بحتة و نظم تدعي أنها تحاول الدخول في إطار النظم الديمقراطية .
فما هي الشمولية و ما الفرق بينها و بين الاستبداد أو السلطوية , و ما هي صفاتها , و ما أسباب نشوئها ؟
ماهية الشمولية ( أو ما يعرف بالتوتاليتارية ) :
يعني مفهوم الشمولية تركيز السلطة بيد فئة معينة من المجتمع ذات اتجاه و رؤية و أيديولوجية واحدة , بغض النظر عما إذا كانت هذه الفئة هي عائلة أم حزب أم قبيلة أم طائفة دينية أم مؤسسة دينية أو مدنية أو عسكرية , بحيث يؤدي تركيز السلطة هذا إلى نشوء نظام سياسي يسعى إلى تعبئة جميع المواطنين لدعم الأيدولوجية الرسمية للدولة , و السيطرة على كل مفاصل السلطة و الدولة , و على كل مناحي الحياة العامة و الخاصة , الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية , و تسخيرها لخدمة و مصلحة النظام السياسي في الدولة , مُكرِّساً التماهي بين أيديولوجيته و الدولة و الوطن , مانعاً بالقوة و العنف أية أفكار أو أيديولوجيات مخالفة أو معارضة لأيديولوجيته .
ظهر مصطلح الشمولية بدايةً في إيطاليا إبَّان الحكم الفاشي لها , حيث استخدمه الفاشيون بنيَّة إيجابية للتعبير عن اختلاف نظام حكمهم عن الأنظمة الديكتاتورية التقليدية , نظامهم الذي يرون أنه التمثيل و التوجيه الشامل للأمة و الأهداف القومية , بمعنى النظام الذي يُسيِّس كل ما هو روحي و بشري , أو كما يقول موسوليني " كل شيء داخل الدولة , لا شيء خارج الدولة , لا شيء ضد الدولة " , فيما بعد تم استخدام مصطلح الشمولية بشكل سلبي للإشارة إلى الأنظمة المعارضة للديمقراطية و العالم الديمقراطي .
الفرق بين الاستبداد و الشمولية :
يطلق لفظ النظام الاستبدادي على النظام السياسي الذي تكون فيه السلطة محصورة بيد شخص واحد يدعى الديكتاتور يحكم بسياسة العصا و الجزرة ( الترهيب و الترغيب ) , و لكن دون أيديولوجية خاصة تهدف للسيطرة على كل مناحي الحياة في المجتمع , و بالتالي فالنظام الاستبدادي يترك مجالاً للحياة الخاصة و يسمح ببعض التعددية في المجتمع , فما يهم الديكتاتور هو بقاء السلطة في يده فقط , بينما في النظام الشمولي تكون هذه السلطة بيد فئة معينة يتزعمها ديكتاتور يصنع من نفسه زعيماً مقدساً من خلال التلاعب بوعي الجماهير , تسعى هذه الفئة عبر أيديولوجيتها الخاصة إلى صهر جميع جوانب الحياة و أشكالها في بوتقة سلطتها الأحادية .
إن أي نظام شمولي هو بالضرورة ديكتاتوري استبدادي , بينما ليس شرطاً أن يكون النظام الديكتاتوري نظام شمولي .
ينظر الحكام المستبدون لأنفسهم كأشخاص يرغبون بالسلطة بشدة و غايتهم الحفاظ عليها بأي وسيلة , بينما يعتبر الشموليون أنفسهم أبطالاً أسطوريين تضطرهم غايتهم العظيمة المتمثلة بتغيير نواميس التكوين و الطبيعة البشرية إلى اضطهاد الشعوب و الاستبداد بها .

صفات النظام الشمولي :
1- وجود فئة معينة ( حزب , طائفة , قبيلة , عائلة , مؤسسة دينية أو مدنية أو عسكرية ) تقود الدولة و المجتمع , و تسيطر على كل مفاصل السلطة و مؤسسات الدولة .
2- وجود أيديولوجية معينة تشمل جميع مناحي حياة المجتمع , تؤمن بها هذه الفئة و تحاول تطبيقها , بل و حتى تصديرها لغيرها من الدول , باعتبارها الطريقة العبقرية المُثلى للحكم .
3- وجود جهاز أمني قمعي مهمته القضاء على أي فكر مخالف أو معارضة سياسية بالعنف و الإرهاب , و زرع الرعب في نفوس المواطنين .
4- الإدارة المركزية للاقتصاد و احتكار جميع النشاطات الاقتصادية بيد الدولة لتحقيق الأهداف الأيديولوجية .
5- احتكار وسائل الإعلام و محاولة الاحتكار الكامل لوسائل التواصل الاجتماعي أو منعها إن تعذر ذلك .

مراحل النظام الشمولي :
1- مرحلة التكون أو التشكل : في هذه المرحلة تكتمل و تستقر أيديولوجية النظام الشمولي و يكون فيها في أوج قوته .
تستثمر الفئة الحاكمة في شخصية القائد أو الزعيم الذي يُلخص و يختصر كل أيديولوجية الفئة الحاكمة و تطلعاتها في شخصيته , و غالباً ما يكون يمتلك كاريزما مرتفعة تجذب الجماهير و توحدها خلفه , فيتم إضفاء صفة القداسة على هذا القائد و يصبح معصوماً عن الخطأ .
ثم تبدأ الإشكاليات الاجتماعية و الاقتصادية بالظهور بسبب قصور و ضعف الأيديولوجية المطبقة و عجزها عن الرؤية سوى بعين واحدة , فيحاول النظام الشمولي حل هذه الإشكاليات وفقاً للطرق التي تمليها عليه أيديولوجيته , أي أنه يحاول حل الإشكاليات بناءً على نفس الأيديولوجية التي أوجدتها , مما يؤدي به بالتأكيد إلى الفشل , و الانتقال إلى المرحلة الثانية .
2- مرحلة الإصلاح الذاتي : في هذه المرحلة نكون أمام جيل قيادي جديد , أو رعيل ثاني تربى في كنف الأول و سار على نهجه , لكنه يحاول استيراد الحلول لتلك الإشكاليات من خارج الأيديولوجية الخاصة به , فيصطدم بواقع عدم القدرة على تنفيذ هذه الحلول دون الإضرار بالأسس الأيديولوجية للنظام الشمولي , و هنا تبدأ المرحلة الأخيرة لهذا النظام .
3- مرحلة الانهيار : هنا أيضاً نكون أمام قيادة جديدة تخلف السابقة , لكن يكون همها الأساسي هو الحفاظ على السلطة و السيطرة على الدولة , و لا تهتم أو تتقيد بأي أيديولوجية سابقة للفئة الحاكمة , و في سعيها للحفاظ على السلطة قد تحاول هذه القيادة أن تتبنى أيديولوجية جديدة مختلفة و مغايرة عن تلك القديمة , و قد تنجح فنكون أمام نشوء نظام شمولي جديد بأيديولوجية جديدة , أو تفشل فتكون نهاية النظام الشمولي و ظهور نظام سياسي جديد .

كان في ودِّي أن أكتب أن الأنظمة السياسية في شرقنا الأوسط و بعد " ثورات " الربيع العربي قد مرت بهذه المراحل , فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر , لكن و للأسف معظم الأنظمة في الشرق الأوسط لاتزال تدور في فلك المرحلة الأولى و الثانية , و عندما تدخل في الثالثة , تحدث المعجزة و تشاء الأقدار ( القوى العالمية ) ألا ينتهي النظام الشمولي و يفشل و يسقط , بل تجري إعادة إنتاج نظام شمولي جديد بأيديولوجية جديدة , يُعيد تثبيت الحمار بعجلة الطاحون العتيدة , و لكن هذه المرة بعمود جديد أكثر زركشة و بهاءً و دهاءً من القديم , يُرضي أغلبية الشعب الكظيم , فتحمله و تبتهج راضية سعيدة بهذا الإنجاز العظيم , و تنكص إلى مسارها الدائري اللاغائي العقيم , و لنا في قصة الحمار و البردعة من كتاب كليلة و دمنة لابن المقفع خيرُ تدعيم و تعليم .
و نظراً لما في هذه القصة من حكمة تخدم القصد , فسوف أرويها لكم باختصار شديد :
يُحكى أن حماراً سيء الطباع , كثير الأذى ، كلما دخل السوق , شهق و نهق , و رفس هذا و عض ذاك ، و أتلف بسطات الباعة ، و كسر معروضات البائعين ، و أكل خضراوات البقالين , فيبدأ أهل السوق بالصياح و الصراخ , ثم يجتمعون عليه و ينهالون على بردعته بالضرب المبرح - و البردعة هي ما يوضع على ظهر الحمار للركوب عليه , كالسرج للفرس - و يفرغون جام غضبهم عليها ، و لما رأى أهل السوق أن الحمار لا يغير و لا يبدل طبعه السيء , فقد توصلوا بعد طول تفكر و تدبر إلى أن لا حل لهم مع الحمار إلا في تغيير بردعته .
و هكذا .. فقد اعتاد هؤلاء الناس أنه كلما أساء لهم حمار , تعالت أصوات شكواهم , ثم اجتمعوا و ضربوا بردعته , ثم غيروها , فصاروا مثلاً للجاهل الذي يجتهد في الكفاح دون أن يعرف من هو غريمه و سبب بلواه , لأنه لو عرف لاستراح و استغنى , فقيل : كمن يتركون الحمار و يؤدبون البردعة .
تُحِب الأنظمة الشرق أوسطية ( أو يُحَبُّ لها ) أن تبقى متأرجحة بين النظام الاستبدادي و النظام الشمولي , و أثناء تأرجحها هذا , تُنتِج في بعض المراحل أنظمة كليبتوقراطية , تُنهِك الشعوب و تُفقِرها , و تدمر اقتصاد البلاد و تبتلع ثرواته و تستنزف موارده .
و الكليبتوقراطية , يا سادة يا كرام , هي حُكم اللصوص ( كلمة إغريقية : كليبتو : لص , قراط : حُكم ) , أي هو النظام السياسي الذي تتراكم الثروة فيه في أيدي الفئة الحاكمة نتيجة الفساد و الإفساد المُمنهج بسرية , بحيث يبدو و كأنه نتيجة طبيعية للظروف التي تمر بها البلاد , البلاد التي يجب أن يقنَع مواطنوها بأنها دائماً ما تكون إما بحالة استعداد و تهيؤ للحرب القادمة , أو بحالة استهداف دائم من قبل القوى المعادية التي لا تنفك تحيك لها المؤامرات .
هناك أيضاً شكل خاص من أشكال الكليبتوقراطية أو حكم اللصوص يسمى " اقتصاد النهب " , يعتمد اقتصاد الدولة فيه بشكل رئيسي إما على السلب و النهب من الأراضي الخارجية التي تم غزوها , أو على استمرار استجرار المال من المواطنين بحجج شتى , و إنك لتُدهَش و تتعجب من الخبث و المكر الذي تستحدث فيه فئة اللصوص هذه , أصولاً و أسباباً و موجبات جديدة لدفع الضرائب و سحب الأموال من المواطن , لدرجة أنك قد تظن أن الحكومة قد أخطأت بينه و بين مواطن في إسرائيل .
و من المؤكد يا عزيزي القارئ أنك قد أسقطت ما سبق على نظامك السياسي , وتعجبت من وجود كل هذه الأشكال من النظم السياسية فيه , و ربما تكون قد تهت و ضعت و ما عدت تعرف إلى أي النظم بالضبط ينتمي هذا النظام الذي تعيش في ظله ؟ و هنا , سأقول لك أن تهدأ و تتروى قليلاً قبل أن تطلق حكمك , فأنظمتنا أنظمة هجينة مُهجنة تشبه البغال و النغال المُعينين لقيادتها , فلا عجب إذاً , أليس كذلك ؟
نكمل .. و بعد أن يصل الشعب لمرحلة الغليان فينفجر , يُعاد تشكيل النظام السياسي من جديد على أيدي نخبة تدعي أنها تعمل على إنهاء حالة السرقة و النهب لمقدرات البلاد و رفع سوية حياة المواطنين , لتُشكل بعد فترة ( قد تطول أو تقصر ) نظام شمولي جديد يعيد استعباد الناس و تغييبهم عن حقيقة واقعهم , فسبحان من يُغير أحوالنا من دون أن يُغيرنا أو يتغير , و سبحان من بيده ملكوت أنظمتنا , و سبحان من يُشرذمنا و يجعلنا نبدو - و فقط عندما يريد - و كأننا حميرٌ مستنفرة قد فرَّت من قسورة .
فكل شيء يتغير و يتبدل إلا وجه الله و الأنظمة الشمولية العربية , مع أنني بصراحة لست متأكداً من الأولى .

لماذا تنشأ الأنظمة الشمولية ؟ أو ما هي الأسباب التي تؤدي إلى نشوئها ؟
1- تفكك المجتمع و شعوره بأنه مُهمش و مَقصي .
2- تعطش المجتمع للتنظيم و العمل السياسي ( القابلية لتشرب الأيديولوجية ) .
3- اليأس و الحاجة للأمل و الوعود بالغد المشرق .
4- خيانة المثقفين و تحالفهم مع الغوغاء و العامة بمداعبتهم لأوهامها الاستبدادية المتمثلة إما بتقديس موروثها أو بصفاء و أفضلية عرقها العنصري أو أي ميزة أخرى أو أفكار تنحصر بهذا المجتمع دون غيره , مما يؤدي إلى بداية تشكيل الأيديولوجية الخاصة . و قد حدث هذا في سورية إبّان " الثورة " , و لو قُدِّرَ للثورة أن تنتصر لأنتجت نظاماً شمولياً يفوق شمولية النظام الذي حاربته .

بعض الأفكار حول الأنظمة الهجينة ( الشمولية الاستبدادية اللصوصية ) :
 يسعى النظام إلى ضرب منظومة القيم النبيلة في المجتمع و استبدالها بمنظومة تفكير و سلوك انتهازية وصولية حقيرة , تُهيمن على سابقتها و تطغى عليها , فتصبح سلماً للصعود المناصبي و الطبقي و الاجتماعي .
ينبذ النظام الفرد المتمسك بالقيم , فيصفه المجتمع بالغباء و السطحية , و يُقرب متسلق المنظومة الانتهازية , فيوصف بأنه شاطر و " حربوق " .
 يحاول النظام إعلاء شأن عمل الفرد في القضايا التي تخدم أيديولوجية النظام , أما في ما يخالفه و يعارضه فهو يجتهد لتبخيس قيمة الفرد و عمله , و يوهم المجتمع بأن جميع نشاطاته المعارضة هي مجرد محاولات عبثية لن تُحدث أي تغيير يذكر , مما يدفع الغالبية إلى اللامبالاة و التخلي عن حقهم في ممارسة دورهم الوجودي و السياسي .
 كي تكون مواطناً صالحاً في النظام الشمولي فليست الطاعة وحدها هي التي تحقق لك الصلاح , بل يجب أن تشارك في كل الموبقات و الشرور التي يرتكبها دون أدنى مساءلة ضميرية وجدانية , و على العكس يجب أن تفاخر بقذارتك و دونيتك و بهيميتك , لأن أي محاولة للتمسك بالقيم أو للنقد أو حتى للاستغراب , ستُفهم على أنها مقاومة للنظام .
 ينزع النظام الشمولي إنسانية مواطنيه و يحولهم إلى وحوش تمارس الإجرام ( بحق نفسها و مجتمعها ) بسعادة و سرور .
 مطالبة النظام بتوعية الشعب و التوقف عن تجهيله , كمطالبة الذئب بتعليم النِعاج كيفية الفرار منه .
 يسعى النظام لتوفير الأمن كي يبقى محافظاً على صورة الدولة القوية في نظر مواطنيه , و يحتكر الجريمة المنظمة لنفسه فقط .
 تُقدم الأديان الشمولية ( الأديان السماوية الثلاث مهد الأنظمة الشمولية البدائية كونها تُغذي فكرة : الجماعة أهم من الفرد ) للنظام الشمولي خدمتان :
الأولى : سهولة الانصياع للنظام الشمولي الجديد كون الفرد فيها معتاد على الطاعة و الخنوع , و مُتقبل لفكرة النظرة الواحدة الكلية التي تفسر كل شيء و تقوده نحو النهاية السعيدة .
و الثانية : إنتاج معارضة سياسية لديها نفس العقلية و التفكير الشمولي و لكن بأيديولوجية مختلفة .
 لا حل و لا طريق ولا خيار أمام المواطنين في هذه الأنظمة سوى الولاء و الإذعان أو الاعتقال و التنكيل و التعذيب و القتل .
 عندما ترى أو تسمع أن هناك منطقة ما في الشرق الأوسط تشهد اضطرابات , فاعلم أن هناك نزاع مصالح بين القوى الكبرى فيها , أما استقرار المنطقة , و هو الاستقرار الذي تصدع رؤوسنا تلك القوى بالدعوة إليه , فهو يعني الوصول إلى رضى هذه القوى و اقتناعها بحصتها من و في تلك المنطقة .
 تقوم الأنظمة الشمولية و تعتمد على عوامل داخلية و عوامل خارجية , لذلك نرى الدول ( الأعداء قبل الأصدقاء ) لا توفر جهداً في تقديم تلك العوامل التي تطيل في عمر هذه الأنظمة .

أما بالنسبة لموقف الساحر صاحب القبعة الذي يلعب من وراء الكواليس من قضية الثورات و المعارضة لأنظمة الشرق الأوسط , فكلا فريقي النظام و المعارضة يخدمان مصالحه بشكل جيد , و لكنه يفضل من يستطيع التنازل و الدفع أكثر , و من لديه الدهاء و المكر الأكبر على تعتيم الستائر التي يختفي خلفها الساحر , فترى الاثنان ينبطحان و يتذللان له بطريقة يأباها حتى الكلب , أما الوطن و الشعب فلهم الله و عليهم السلام .
و هذا الكلام ليس تقديماً للأخذ بنظرية المؤامرة , أو دعوة لليأس , بقدر ما هو دعوة لليقظة و التنبه إلى معرفة الغريم الحقيقي , و دعم لإدراك الصورة الكلية التي تمكننا من خوض الملعب السياسي مع الخصم الحقيقي و ليس مع وكلائه , كي لا نبقى نلطم البردعة , فربما حينها نستطيع أن نرفع رؤوسنا قليلاً .
في النهاية , أرجو ألا أُفهم على أني أريد مقارعة القوى العظمى - لا سمح الله و معاذ الله و أستغفر الله - فقد قالت العرب : رحم الله امرَأً عرف قدر نفسه فوقف عنده , و إذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع , و أنا كمواطن في هذا الشرخ الأوسخ لا أطلب سوى أن نزيل هذه الستائر و الغمائم ( الغِمامة : ما يوضع على عيني الثور فيحجب عنه الرؤيا إلا باتجاه واحد كي لا يُصيبه الدوار ) من على عيوننا , و لنلعب السياسة مع أسيادنا " عالمكشوف " , فهل في طلبي هذا ما يوجب الحد و القصاص ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي