الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد وطني لا يهم احدا ولا يعني احد !

عارف معروف

2022 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تحتفل الدول بأعيادها الوطنية التي تقترن في معظم الحالات بمناسبات تأسيسها والتي تنتج ، بدورها ، في اغلب الحالات ، عن نيل الاستقلال وتحرر الارادة الوطنية وتبلورالهوية الوطنية نتيجة حرب استقلال اومعركة وطنية ضداحتلال اجنبي ،او فرض ارادة الشعب في بناء دولته الوطنية والحصول على استقلاله عبر وسيلة من الوسائل السياسية كالمؤتمر الوطني العام او الاستفتاء الشعبي او غيرها من الصيغ ، اوعن ثورة وطنية تقتلع النظام السياسي والاجتماعي لتعيد تاسيس المجتمع والدولة وتعلن تاسيس جمهورية جديدة وفق اسس جديدة ومسارات مغايرة . وهذا مانراه في الاعياد الوطنية لمعظم الدول المعاصرة فالولايات المتحدة الامريكية ، وهي الاخ الاكبر ، والقدوة المقتداة لمعظم القوى السياسية المؤثرة لدينا اليوم ، تحتفل بيوم الرابع من تموز باعتباره يوم الاستقلال الوطني عن الامبراطورية البريطانية نتيجة حرب الاستقلال الامريكية . وتحتفل فرنسا في 14 تموز بعيدها الوطني وهو يوم الثورة الفرنسية واقتحام سجن الباستيل عام 1789 . وما تزال مصر العربية ، رغم كل التقلبات السياسية فيها ، تحتفل بيومها الوطني في 23 تموز وهو يوم الثورة المصرية ضد الحكم الملكي والملك فاروق ، آخر الحكام الاجانب ، فيها وتأسيس الجمورية المصرية 1952 . وتحتفل تركيا بيومها الوطني في 29 اكتوبر وهو اليوم الذي اعلن فيه مصطفى اتاتورك قيام الجمهورية التركية ، فيما تحتفل ايران بيومها الوطني في 30/ 31 آذار وهو يوم تاسيس الجمهورية الاسلامية نتيجة استفتاء شعبي بعد انتصار الثورة الايرانية على النظام الشاهنشاهي ...وقد اكثرنا من الامثلة لنبين ان تسمية اليوم او العيد الوطني لدولة او امة ما ، ينبع عن عرف شائع يتأسس على ولادة الامة او الدولة عبر حدث مفصلي يفتتح او يؤسس لعهد جديد في حياتها وفي مسارها .كأن تتحول من الملكية الى الجمهورية ، وهو الغالب ، او تتغير هوية واساس النظام الاجتماعي والسياسي عموما فيها ...
ومن الواضح ايضا ، ان معظم هذه الولادات ، شأنها شأن كل ولادة تاريخية مهمة لم تأت بلا حراك اجتماعي وسياسي عميق وكبير ومن خلال وسائل اتسمت ، في الغالب بالشدّة والعنف والتضحيات التي كانت في بعضها بالغة وتم لها ما ارادت من خلال انهار من الدم . لكن هذه الامم والدول ، وغيرها كثير مما لم نأت على ذكره واكتفينا بالامثلة لم تتنكر لمناسباتها تلك ولم تر فيها ما يثلم من اهميتها وتاريخيتها او يقدح في شرفها وصلتها وتمثيلها للروح الوطني ولم تتبرأ منها حتى لو تصدت ، اليوم ، على صعيد البحث التاريخي والاكاديمي للعنف البالغ الذي شاب بعضها لتستبدلها بغيرها باحثة عن مناسبات باهتة ورمادية ولا لون لها لكي يقال عنها انها " متحضرة " ، او معادية للعنف ، فالتاريخ هوالتاريخ ، ودوافعه ومحفزات الحدث فيه بنت يومها وقواها واطرها الاجتماعية والسياسية !
لكن العقل المشوش والمضطرب، للطبقة السياسية المتسلطة واعلامييها و" مثقفيها " لدينا ، ظل يبحث بارتباك عن بديل للعيد الوطني العراقي الحقيقي المتمثل في تاسيس الجمهورية العراقية واعلانها يوم ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة 1958 فوجد ضالته في يوم ضئيل ورمادي وبائس هو يوم قبول دولة العراق في عضوية عصبة الامم في 3 تشرين الاول 1932 بعد ان انهت بريطانيا انتدابه شكليا واوصت بقبوله عضوا في العصبة لخدمة غاياتها السياسية في السيطرة على العصبة من خلال جيش من الدول التابعة ، وراحت تنفخ فيه اعلاميا وسياسيا رغم انها تعرف انه لا يمكن ان يكون في افضل الاحوال اكثر من مناسبة يمكن ان تعني شيئا لوزارة الخارجية العراقية لا اكثر خصوصا وان العصبة نفسها فشلت وتوارت عن مسرح التاريخ كمؤسسة دولية ، وليس عيدا وطنيا يحتفل فيه العراقيون بتاسيس دولتهم الحديثة !
ان السرّ في اختيار هذا اليوم البائس ، التافه ، الرمادي والضئيل ، بدلا من يوم 14 تموز الأغر ، نبع من ذات الاسس التي يتم وفقها التوافق بين مكونات وقوى وشخوص ا لعملية السياسية القائمة وخضع لذات الاليات التي تُتبّع في اختيار رئيس الحكومة مثلا ، فاذا كان المطلوب في حالة رئيس الوزراء هو التوافق على شخص بلا لون ولا طعم ولا رائحة ، شخص تتوافق عليه امريكا والمعسكر الغربي مع ايران وتركيا والخليج ويسهر على مصالحها جميعا . شخص ضعيف وغير متمكن يتوافق عليه ، ايضا ، زعماء البيوتات وامراء المكونات وقادة الكتل والاحزاب والميليشيات بما يطمن مصالحهم جميعا باستثناءمصلحة العراق والعراقيين فأن اليوم المختار كعيد وطني للعراق هو الاخر بلا لون ولا طعم ولا رائحة وهو يطمن مشاعر الاطراف الدولية والاقليمية والمحلية او الداخلية جميعا والتي لا تنفر من شيء قدر نفورها من اي شيء يتعلق بالروح والمشاعر الوطنية العراقية الحقة ، لكن هذا " العيد " ولد ميتا وبعيدا عن مشاعر وتطلعات العراقيين ولسوف لن يمس عواطف احد او يعلق بذاكرة احد، ناهيك عن انه بلا مستقبل و ميّت لا محالة كما ولد !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل