الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجريمة السياسية واقعا وقانونا

فوزي نصر

2006 / 10 / 1
دراسات وابحاث قانونية


تعريف السياسة :
أن تعريف السياسة شرعا هي : القيام على الشيء بما يصلحه ، فالوالي يسوس الرعية ويسوس أمرهم أي يقوم بما يصلح شؤونهم 0
فالسياسة الشرعية هي : تعهد الأمر بما يصلحه ، والوالي يسوس رعيته ، أي يتولى رعايتهم بما يصلح شؤونهم وفي الحديث :
( كان بنو اسرائيل يسوسهم أنبياؤهم ) أي تتولى أمورهم 00
وأما تعريفها قانونا : فهي إدارة شؤون الدولة والأفراد أو هي " إدارة الحكم " وهي عند العلماء المعاصرين
" فن الحكم " وتعنى بصفة أساسية بموضوعات الدولة والحكم والقانون 0
فكل ما يعني بموضوع الدولة وإجراءات الحكم أو سن القوانين الخاصة والعامة والعلاقات الناظمة للدول وما يتعلق بالتشريع العام وما يهم شؤون الدولة مع الخارح يعتبر سياسة 0
وبذلك فالدولة هي مصدر التشريعات والأحكام السياسية بمعناها الخاص ، وهي تتشكل بحسب مصالح الدولة وتصوغها من حروف جميلة تزينها كلمات أنيقة ، دون مراعاة العقيدة أو الأخلاق أحيانا ، وأحيانا أخرى تعبق منها روائح قوية تكون مصلحة الحاكم هي المعيار 0
ومن المفيد الإشارة إلى أن في السياسة الحديثة إنحرافات كثيرة حرفتها عن مسارها الصحيح ، حيث تقدمت المدنية بالإنسانية في كل ناحية من نواحيها ، إلا السياسة فإنها لا تزال مرتعا فسيحا للغش والدس وخنق الحق والحرية 0 ـ الجريمة السياسية في الشريعة والقانون منذر عرفات زيتون ص18 ـ
وعندما تطوف في أعين الإنسان الآلام والأوجاع ، وتتعمق الجراح ضمن شرائح المجتمع ، يحمل همومه وهموم الوطن ومن خلال تراكم الأحداث في ضميره ووجدانه فهي تؤثر فيه بجريانها أمامه، وهكذا فان مجرى الأحداث وصناعة التاريخ منذ القديم جعلت من الإنسان البطل الدائم الذي يبحث عن خلاصه عندما يتعرض للإهانة والإستبداد ، أو يتعرض للظلم وعدم المساواة ، هذا الخلاص قد يكون له كفرد وأحد أفراد الجماعة ، وقد يكون للجماعة التي يعيش فيها من أجل تبديل طرق ووسائل عيشهم ، وإنقاذهم من الآلام والأوجاع القاسية التي يعانون منها 0 حينما يشعرون بأن النظام القائم لا يلبي احتياجات الشعب أو انحرف عن مضمون العقد الإجتماعي الرابط بينهم 0
وبعض الباحثين والفقهاء يرون أن الأفراد هم الذين صنعوا التاريخ ، وليس التاريخ هو الذي صنع الأفراد
على قاعدة العظماء يصنعون التاريخ ، ويرفعون شأن أوطانهم وقد تكون هذه حقيقة واقعة سطرتها الشعوب خلال جريان التاريخ منذ القدم حتى اليوم ، والتاريخ مملوء بسير العظماء 0
ويقال أيضا : أن التاريخ يسطره الأقوى حسب رغبته وهواه ، وليس حسب الواقع أحيانا 0 والمحرك الأساسي لتاريخ الإنسان هو قدرته على الإستفادة من التجارب التي تمر به 0 فمن خلال الطموح للنهضة ،
والبحث عن واقع أفضل، وحياة كريمة، أو تغيير للنظام القائم يتعرض الفرد الذي يقود جماعة ، او الحزب الذي يسعى لتطبيق نظريته ومبادئه إلى التعرض للسلطة من أجل تغييرها ، ويضع برنامجا للنهوض بالوطن وتطبيق النظام الذي يعتقد بأنه أجدى لحياة مجتمعه أو بلده متوخيا العدالة ومصلحة الشعب وإصلاح شأن البلاد ، وبعد أن تلون الأماني والآمال طموحاته للنهضة بشعبه فهو يسعى للإستيلاء على السلطة واستلامها بعد أن يسمع موسيقى الخلاص، متوخيا الحكم بطريق أفضل لخدمة الشعب 0
وعندما تفشل محاولته وتنقلب الأقدار عليه في استلام السلطة يكون قد ارتكب جرائم ومخالفات قانونية بحق النظام القائم وعن محاولته إستلام السلطة ، وقد يسأل عن إرتكابها وعن الدافع الذي حدا به للقيام بما فعله 0
وتكون الجريمة جريمة سياسية ليس القصد منها الطمع في الإستيلاء على السلطة بقدر ما هو تحقيق عدالة مفقودة أو نظام متطور ، أو القضاء على فساد مستفحل ، وعدم مساواة جائرة في تطبيق القوانين والأنظمة، ومن أجل صالح البلد أو الجماعة 0
فالجريمة بشكل عام موجودة على صعيد الواقع الإجتماعي عبر تاريخ البشرية ، وقلما يخلو مجتمع من وجود جرائم مختلفة تتباين فيها الأهداف والنوايا ، وقد تطورت أساليب المجرمين عبر العصور البشرية حتى غدت الجريمة فنا متقنا يستطيع المجرم أن يحقق غايته من خلالها ، وقد أفضى تطور الأعمال الجرمية إلى تطور العقوبات التي تفرض عليها وتدرجت العقوبات قسوة وشدة وأصبح العذاب لمن يقومون بهذه الجرائم يختلف حسب نوع الجريمة وحسب ماهيتها 0
فمن الجرائم التي تكتسي صفة خاصة ، ولها ميزات تفصلها عن غيرها ، الجريمة السياسية التي نحن بصددها فما هي هذه الجريمة ؟؟ :
تعريف الجريمة السياسية :
الجريمة السياسية هي الجريمة الماسة بنظام الحكم ، أو بالحكام أنفسهم بوصفهم حكاما ، او بأي شخص آخر لقول أو فعل كان محله ذلك
وقد عرف الشيخ محمد أبو زهرة الجريمة السياسية بأنها : (( الجريمة التي فيها إعتداء على نظام الحكم ، أو على أشخاص الحكام بوصف كونهم حكاما ، أو على قادة الفكر السياسي لآرائهم السياسية ))
لذلك نرى أن موضوع الجريمة السياسية هو الذي يحدد كونها سياسية 0
ولم يتمكن علماء القانون من الوصول إلى تعريف جامع للجريمة السياسية ، ولم يتفقوا على تعريف موحد لها حيث أن الجرائم تصنف إما بالنسبة إلى موضوعها أو إلى طبيعتها وتنقسم إلى جرائم عادية وجرائم سياسية ويقصد بالجرائم العادية التي ليس لها صبغة سياسية ، أو كل ما خلا الجريمة السياسية 0
ولقد عزفت معظم قوانين العالم عن تعريف الجريمة السياسية ، حتى لا يكون ذلك تقييدا لها في إعتبارها جرائم سياسية أو غير سياسية ، لذلك بقي تحديد ماهية الجرائم السياسية غير واضح تماما ، وكذلك تحديد طبيعة عقوباتها وأنواع هذه العقوبات 0
ولقد إختلطت بعض الأفعال المخلة بأمن الدولة بالجرائم السياسية مثل جرائم التجسس ، والخيانة ، والعمل مع العدو 00الخ ولم يكن سابقا أي تمييز بين الجرائم العادية والسياسية ولكن الفقيه " صولون " اليوناني الأصل عندما رأى بأن هناك جرائم ليس هدفها المصلحة الشخصية ولا الناحية الجرمية بل قد يكون هدفها إصلاح شأن البلاد فقام بتأسيس محكمة مستقلة للجرائم السياسية 0
ولكن الرومان عاملوا المجرم السياسي بقسوة وغلظة واعتبروه عدو الأمة والجريمة موجهة لشخص الإمبراطور وحقه 0 فيجب فرض العقاب أولا ، ثم التحقيق ثانيا
وهذا ما يحصل اليوم تفرض العقوبات على الشعوب بحجج سياسية ، ثم يجري التحقيق ليتلاءم مع هذه العقوبات وليكون متضمنا جريمة سياسية مثال ذلك ( عدم تطبيق الديموقراطية ، مخالفة قواعد حقوق الإنسان ، الإتهام بالإرهاب ، مثلما يجري في العراق ، وإفغانستان وكثير من الدول ) ، وكذلك على مستوى الأنظمة الحاكمة يجري توقيف الأشخاص ، وأصحاب الآراء السياسية المخالفة للنظم وسير الحكم
ثم يأتي الإتهام ليكون متضمنا جريمة سياسية، وإن التفسخ السياسي والتصلب القانوني ، والخشبية في التعامل تقود دائما إلى جرائم كبيرة على مستوى العالم والأوطان وتهدر جميع القيم الأخلاقية والقانونية للمحافظة على الوضع الراهن 0 من أجل أن يتلاءم مع هذه العقوبات وليكون متضمنا جريمة سياسية تحاسب عليها الشعوب والدول 0
وقد أقرت معظم القوانين وجود الجريمة السياسية وعاملتها بشكل مختلف عن بقية الجرائم 0
سيما وإن المجرم السياسي ليس كغيره من المجرمين الذين يدفعهم للإجرام مصلحة ذاتية أو أنانية فردية ، أو تحقيق مكاسب شخصية ، وإنما هو صاحب عقيدة أو حامل رسالة ورائد إصلاح يتوخى النهوض ببلاده عبر تحقيق مصلحة شعبه ويعتبر المجرم السياسي مغامر جريء ، يدفعه إيمانه بمثله الأعلى ومبادئه إلى الإقدام على تحقيقها فإن نجح كان بطلا ، وإن أخفق فينبغي أن يعتبر مغلوبا لا مجرما 0
وقد عرّف الدكتور الفاضل بأن الجريمة السياسية عمل سياسي يجرمه القانون فهي صورة للنشاط السياسي الذي تنكب صاحبه طريق القانون فحملته العجلة في تحقيق أهدافه.. أو الميل إلى العنف في مواجهة الخصوم على أن يستبدل بالأسلوب الذي يرخص به القانون أسلوباً يحظره 0
أما لجهة القانون : فقد أقر المشرع السوري مبدأ الجريمة السياسية ولم ينكر وجودها وأفرد لها عقوبات خاصة وتعريفا جاء فيه : بما نصه في / المادة 195 عقوبات /
" 1 ـ الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة التي اقدم عليها الفاعل بدافع سياسي 0
2 ـ وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع دنيء "
وكذلك جاء في المادة 196 قانون عقوبات :
" 1 ـ تعد جرائم سياسية ، الجرائم المركبة أو الملازمة لجرائم سياسية ما لم تكن من أشد الجنايات خطورة من حيث الأخلاق والحق العام ، كالقتل والجرح الجسيم والإعتداء على الأملاك إحراقا أو نسفا أو إغراقا والسرقات الجسيمة ولا سيما ما ارتكب منها بالسلاح والعنف وكذلك الشروع في تلك الجنايات 0
2 ـ أما في الحرب الأهلية أو العصيان فلا تعد الجرائم المركبة أو المتلازمة سياسية إلا إذا كانت عادات الحرب لا تمنعها ولم تكن من أعمال البربرية أو التخريب 0 "
إذن نرى القانون السوري قد جعل الدافع هو مناط الجريمة السياسية أي أن كل جريمة يكون الدافع في إرتكابها سياسيا تكون جريمة سياسية 0
فالجرائم السياسية هي عمل سياسي يجرمه القانون ، وهي صورة للنشاط السياسي الذي يقوم به بعض الأفراد بشكل مخالف لـه ، بعد أن يقوموا بعمل لتحقيق أهدافهم عن طريق العنف للحصول على مكاسب سياسية لصالح الفرد أو لصالح المجموع 0
فقد سمح القانون بالنشاط السياسي ، وبجميع الأعمال التي يزاولها الفرد أو الجماعة بحيث لا تكون مضرة بالدولة ، ولا بمصالحها ولا بأمن المواطن 0 والخروج على ما رسمه القانون يعتبر جريمة يعاقب عليها 0
لذلك تناول القانون التصرفات التي تؤدي إلى زعزعة الإستقرار والتعدي على حقوق الأفراد أو الحقوق العامة وفرض عليها عقوبات حددها ضمن مواده العامة بحيث يكون العقاب منسجما مع ماهية الجرم وقد يكون العقاب مشددا حين تتناول هذه الأعمال سيادة الدولة ، أو إشاعة الفوضى والإضطراب في الداخل 0
ونخلص من ذلك أن الأصل في الجريمة السياسية أن تتجه إلى العدوان على الحقوق السياسية للدولة ، وأن تحمل على ارتكابها دوافع بتوجيه النشاط السياسي للدولة على نحو معين من أجل مصلحة الشعب والبلاد لا من أجل مصالح خاصة ،
ثمة أسئلة تطرح في هذا السياق مثلا :
هل المطالبة بالحريات العامة والفردية تعتبر جرائم تستوجب العقاب ، من وجهة نظر عامة ؟؟
وهل الذين يسجنون بسبب آرائهم ومعتقداتهم السياسية ، أو الدينية ، أو المطالبين بالإصلاح في بلدانهم وجاهروا بآرائهم دون أن يصلوا لمقاومة السلطة وتم سجنهم وإعتقالهم فهل هؤلاء يعتبرون مجرمين سياسين ويعاملون معاملة خاصة ؟؟ 00
من وجهة نظر قانونية إن هذه المطالبة لا تعتبر جرائم لأن الدستور أباح الحرية لكل فرد واعتبر ممارسة الحرية أمرا مشروعا وحقا مقدسا لا يجوز المساس به 0
وقد جاء في الدستور / مادة 25 /
1ـ الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم
2ـ سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة
3ـ المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات ,
4ـ تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين
هل المطالبة بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان جريمة من الجرائم السياسية ؟؟!!
كذلك جاء في الدستور : /مادة 27/
{ يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون }
الحقيقة أن الإنسان ولد وقد أقرت جميع الشرائع بأن له حقوقا ، ويقع على جميع الدول والأنظمة حماية هذه الحقوق حق الحياة ، حق التعليم ، حق عدم المساس بكرامة المواطن أو إنسانيته 0
ـ وهل المطالبة بتطبيق مبادئ الديموقراطية وسيادة القانون وإجتثاث الفساد تعتبر جريمة سياسية ؟؟ 00
إن المطالبة بهذه الحقوق لا تمثل جرائم سياسية ولا جرائم من أي نوع آخر حتى ولو طالب المرء بها السلطات الحاكمة ، أو أجهزة النظام فهذه تعتبر مطالبة واقعية وحقة، وعلى النظم أن تلحظها بعين الإعتبار وتعالجها لأن لها مرجعية قانونية ودستورية ، لكن الدولة عندما تلاحق هذه المطالب فهي تخرق القوانين وتخرق الدستور وتعتبر المطالبين بحقوقهم خارجين عليه فهي تخالف الدستور من جهة ، وتخالف مبدأ العقد الإجتماعي بينها وبين المواطن الذي خولها حق ولاية أمره والدفاع عنه 0 وإن قاعدة فتح نوافذ المنزل لدخول الهواء إليه ، وتبديله بهواء نقي يفيد سكان المنزل ويبعد المرض عنهم وهو أمر صحي وليس فيه مخالفة ولا جريمة ، ولا تقتضي المساءلة من أي نوع 0 وهكذا فالمطالبة بالحريات العامة ، والديموقراطية ، وإبداء الرأي سواء من المؤسسات العامة أو جمعيات المجتمع المدني ، دون أن يؤدي ذلك إلى حمل السلاح تعتبر دستورية وقانونية ولا تحمل أي معنى لأي جريمة 0
فالجريمة السياسية إذن تتميز من جهة الباعث على ارتكابها والغرض من اقترافها كلاهما سياسي ، وتتميز كذلك من جهة ثانية بأن الحق المعتدى عليه فيها أيضاً سياسي.
ويجب أن نفرق هنا بين الأعمال التي تتناول أمن الدول وسيادتها والتآمر عليها وبين الأعمال التي تقوم لمعارضة النظام القائم ، أو لنقد هذا النظام وبرامجه من قبل حزب سياسي أو فئات من المواطنين لا ترضي برنامج الحكومة ولا طريقة أدائها 0
ماهي الضوابط التي تحدد الجريمة السياسية ؟؟ ! :
ثمة ضوابط تحدد الجريمة السياسية عن غيرها من الجرائم ، فما هي هذه الضوابط ؟
فمن المفكرين من يقول بأن اللون السياسي هو الذي يحدد الجريمة السياسية وهذا الإتجاه يستند إلى المذهب الشخصي في العقوبة : حيث يعرف الجريمة السياسية بالدافع إليها ، فكل جريمة يكون الدافع إليها سياسيا تعد سياسية 0
وتطبيقا لذلك تعد الجرائم التالية جرائم سياسية : قتل رئيس الدولة لتغيير النظام جريمة سياسية ، وقتل معارض للحكومة لتدعيم النظام الذي تقوم عليها ، سرقة مال أو تبديده لتمويل حزب سياسي 0
ومنهم من يقول بطبيعة الحق المعتدى عليه وهذا ما ذهب إليه المذهب الموضوعي حيث إعتبر إن الجريمة السياسية تقع إعتداء على الحقوق السياسية للدولة ، وهي تشمل ( الجرائم الشخصية التي تمس الشخصية القانونية للدولة ، أي الجرائم التي تهدد استقلالها وسلامة أراضيها ، وكذلك الجرائم التي تمس النظام الداخلي للحكم
ـ ص460 شرح قانون العقوبات اللبناني د, محمود نجيب حسني/دار النهضة العربية ـ
إذن الجريمة السياسية هي الجريمة التي تقع إنتهاكا للنظام السياسي للدولة كشكل الدولة ، ونظامها السياسي ، والحقوق السياسية للأفراد 0 أو هي :
الجرائم التي تكون موجهة ضد التنظيم السياسي للدولة 00
فالإعتداء على الحكومة ، أو على النظام الذي تقوم عليه ، أو على أشخاص الحكم ، تعد جرائم سياسية
وفي جميع التعريفات فإن الإعتداء ضد الحكومات أو نظامها هو نقطة الإلتقاء بين تلك التعريفات المختلفة 0
لكن من حيث الواقع فإن الأمر يختلف إذ تنظر كل دولة إلى الجريمة السياسية بحسب تشريعاتها ، وإختلاف نظام الحكم فيها 0
فالجريمة السياسية لا بد أن يجتمع فيها باعث سياسي وهدف سياسي حتى تعتبر الجريمة سياسية 0وهذا لا يمنع من إختلاط الجريمة العادية بالجريمة السياسية 0
ما هو الرأي الفقهي بذلك :
وقد جاء في كتاب الدكتور محمد الفاضل مبادئ قانون العقوبات ص236 تعريف الجريمة السياسية بأنها العمل الذي يرمي به الجاني بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى تغيير الوضع السياسي في الدولة ، والتي يفترض في الظاهر أن الوضع على صورة تختلف عن صورته القائمة بالفعل والتي يفترض في الظاهر أن الكثرة الغالبة من المواطنين تقرها ، فالجريمة السياسية إذن تتميز من جهة بأن الباعث على ارتكابها والغرض من اقترافها كلاهما سياسي ، وتتميز كذلك من جهة ثانية أن الحق المعتدى عليه هو أيضا سياسي0
وتبعاً للرغبة في عدم توسيع نطاق الجرائم السياسية وتضييقه انقسم الرأي الفقهي إلى مذهبين رئيسيين في تعريف نطاق الجرائم السياسية وتحديدها .
الأول : المذهب الشخصي ، ويكتفي بلون الباعث الذي دفع المجرم إلى ارتكاب جريمته ، فكلما كان الباعث سياسياً اعتبرت الجريمة سياسية ، وذلك بغض النظر عن موضوعها.
والثاني : المذهب الموضوعي وهو على العكس من المذهب الأول لا يكتفي في اعتبار الجريمة سياسية بأن يكون الباعث على ارتكابها سياسياً، وإنما يعتد فوق ذلك بطبيعة موضوعها.. أي الحق المعتدى عليه منها. فالجريمة السياسية موضوع الاعتداء أحد حقوق الأفراد السياسية ، أو أحد حقوق الدولة السياسية ؟. أي بوصفها سلطة عامة نيطت بها المحافظة على سلامة البلاد واستقلالها من جهة الخارج.. وضمان استقرار النظام السياسي في ربوعها من جهة الداخل.
(( ونخلص إلى القول بأن معيار الجريمة اختلفت المذاهب الفقهية في تحديده فمنها :
ـ النظرية الذاتية التي اعتبرت نية الجاني هي المعيار الوحيد لإعتبار الجريمة سياسية فالنظرية الذاتية ( أو المعيار الذاتي ) للجريمة تعتمد الدافع وتقصد منه السبب الرئيسي الذي حمل الفاعل على إرتكاب الجرم 0 وبعض الفقهاء يرون متى كان الباعث على إرتكاب الجريمة سياسيا تكون الجريمة المرتكبة سياسية
ـ والنظرية الموضوعية : التي اتخذت من طبيعة الحق المعتدى عليه المعيار الأساسي للجريمة السياسية
وهي تعتمد طبيعة الحق المعتدى عليه ، أو المصلحة التي حل بها الضرر بمعنى أن كل إعتداء على كيان الدولة أو نظامها السياسي يؤلف جريمة سياسية وبذلك تكون :
الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة المقترفة ضد كيان الدولة ، وأمنها ، أو الواقعة على رئيس الحكومة ، أو على حقوق المواطنين السياسية
ـ وهناك نظريات توفيقية أخذت بالمعيارين معا ( الذاتي والموضوعي ) 0أي أخذ بمبدأ الدافع وطبيعة الحق المعتدى عليه وقد أشارت المادة / 195/ من قانون العقوبات السوري إلى أنه أخذ بالمعيارين في تعريف الجريمة السياسية 0
وتطبيقاً للمذهبين الآنفي الذكر يمكن القول بوجود جرائم سياسية صرفة ،.. أي جرائم تعتبر سياسية سواء بالنظر إلى صفة الباعث الذي أوحى إلى المجرم ارتكابها.. أم إلى طبيعة الحق المعتدى عليه فيها، تلك هي الجرائم التي تمس سلطة الدولة السياسية أو نظامها السياسي يكون إما من الخارج وإما من الداخل.
فالاعتداء من الخارج هو المساس باستقلال الدولة أو بسيادتها، وعلة ذلك يدخل في الجرائم السياسية الصرفة: الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي والمنصوص عليها في المواعد 263 ـ291 من القانون العقوبات السوري . أما الاعتداء من الداخل فهو المساس بشكل الحكومة أو نظام السلطة العامة أو حقوق الأفراد السياسية ، وعلى ذلك يدخل في الجرائم السياسية الصرفة.. الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والمنصوص عليها بالمواد 291 ـ 311 من قانون العقوبات.
وقد جمع قانون العقوبات السوري المذهبين الشخصي.. والموضوعي على صعيد واحد، وعرف الجرائم السياسية في المادة / 195 / منه «والتعريف الذي أتت عليه المادة المذكورة مستقر من التشريع الجزائي الإيطالي».
والمذهبين الشخصي والموضوعي يعودان فيختلفان في شأن نوع من الجرائم ؟.. تدعى بالجرائم المركبة. وقد يطلق عليها أيضاً اسم: الجرائم المختلطة. ونعني بها، الجرائم التي يقع الاعتداء فيها حق فردي أو مصلحة خاصة ، ولكنها ترتكب بباعث سياسي.. أو لغرض سياسي. ومثلها التقليدي الواضح هو اغتيال رئيس الوزراء بقصد إحداث تغير في النظام السياسي ، وهذا ما يعبر عنه أحياناً بالاغتيال السياسي. وهي كذلك سواء أكان الباعث.. أو كانت الغاية سياسية واضحة ومباشرة ، كما هي الحال في الاغتيال السياسي ، أم كانت مجرد غاية سياسية بعيدة لا تظهر مباشرة في ذات الجريمة المرتكبة كسرقة الأسلحة بقصد التأهب الهياج سياسي.. أو ثورة ، أو ما إلى ذلك من الجرائم السياسية. أو كالاحتيال للحصول على موارد لمصلحة حزب سياسي ممنوع بغية الوصول يوماً إلى تحديد أهداف سياسية معينة.
أما أصحاب المذهب الموضوعي: فإنهم يخرجون الجرائم المركبة بجميع صورها من عداد الجرائم السياسية لما فيها من اعتداء على حقوق ومصالح فردية . ويبدو أن هذا هو الرأي السائد في موضوع الجرائم المركبة أو المختلطة في العصر الحاضر .
وقد أصبح من المعتاد أو المتعارف عليه لدى الدول في الاتفاقات.. أو المعاهدات التي تعقدها بعضها مع بعض حول تسليم المجرمين أن تدرج في صلبها ما يعرف بالشرط البلجيكي ، ومقتضاه تقرير قاعدة قبول التسليم في جرائم الاعتداء على حياة رؤساء الدول . وهذا بالفعل ما نصت عليه اتفاقية تسليم المجرمين التي أقرتها دول الجامعة العربية . وقد عقدت الدول الأعضاء في الجامعة العربية اتفاقية فيما بينها وافق عليها مجلس الجامعة عام 1960 أطلق عليها " إتفاقية المنظمة الدولية العربية للدفاع الإجتماعي ضد الجريمة "
وأطلق عليها اسم " المنظمة الدولية العربية للدفاع الإجتماعي ضد الجريمة " والغرض منها العمل على دراسة أسباب الجريمة ومكافحتها ، ومعاملة المجرمين ، وتأمين التعاون المتبادل ـ ص 412 التعاون الدولي في مكافحة الإجرام : د محمد الفاضل ـ
وقد أجمل الشارع السوري كل قواعد الإجرام السياسي في المادة / 196 / من قانون العقوبات كما تجاوب مع المبادئ تقضي بتقرير معاملة ممتازة للمجرمين السياسيين وتبدو مظاهر هذه المعاملة الممتازة في قانون العقوبات السوري في أمور كثيرة لعل أهمها:
1 ـ إن قانون العقوبات السوري خلق سلـَّمين للعقوبات أحدهما للجرائم السياسية والثاني للجرائم العادية ، وقد استبعد عقوبة الإعدام والأشغال الشاقة.. والحبس مع التشغيل من عداد العقوبات المقررة للجرائم السياسية.
2 ـ وذهب الشارع السوري في هذا المضمار إلى مدى أوسع فأوجب على القاضي في المادة / 197 / من قانون العقوبات إذا أحس أن للجريمة العادية المرتكبة طابعاً سياسياً أن يقضي بالاعتقال المؤبد بدلا من عقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة المقررة في الأصل لهذه الجريمة.. إلخ.
بل أن الشارع السوري لم ينس أن يستبعد من نطاق هذه الأحكام الرحيمة على الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي. « يتجلى ذلك في نص المواد 263 ـ291» عقوبات. في أن استثناء هذه الجرائم المخلة بأمن الدولة الخارجي من عداد الجرائم السياسية واستبقاء عقوبات الإعدام والأشغال الشاقة فيها له ما يبرره لأنه يتعذر أن تصدق على هذه الجرائم الاعتبارات التي أوحت في الأصل بإتباع خطة الرفق في معاملة المجرم السياسي.. إذ أن الخائن.. أو الجاسوس لا تحدوه البواعث النبيلة في ما يرتكبه من الجرائم في حق الدولة.
3 ـ وقد أوجبت المادة 198 من قانون العقوبات السوري على القاضي مقابل ذلك ـ إذا تحقق أن الجريمة التي يعاقب عليها الشارع بعقوبة سياسية قد ارتكبت بدافع دنيء أن يبدل العقوبة المنصوص عليها
قانوناً.. العقوبة التي تقابلها في المادة السابقة ـ أي المادة 197 عقوبات ـ .
4 ـ أخذ قانون العقوبات السوري بمبدأ عدم تسليم المجرمين السياسيين بنص صريح فيه ، وأقر هذا المبدأ في جميع الاتفاقات القضائية التي عقدتها سلطات هذا البلد المختصة مع الدول الأخرى ، كالاتفاق
القضائي المعقود مع لبنان ، والمملكة العربية الهاشمية الأردنية ، والاتفاق الذي أقرته دول الجامعة
العربية في هذا الصدد.
5 ـ وتقضي أنظمة السجون بمنح المجرمين السياسيين عند التوقيف أو تنفيذ العقوبات بعض الامتيازات التي لا يتمتع بها المجرمون العاديين .
6 ـ والملحوظ أيضاً أن الشارع يجري في الغالب على التساهل في منح العفو الشامل عن الجرائم التي بباعث.. أو الغرض سياسي .
ويقول محمد الفاضل في كتابه المبادئ العامة لقانون العقوبات :
" تقر الدول الديموقراطية مبدأ العطف على المجرم السياسي لعاطفة إنسانية بحتة ، أو تقديرا لنبل رسالة المجرم السياسي ، بينما مفهوم الحكم في الدول الإستئثارية يعتبر المجرم السياسي ألد الأعداء وأخطرهم لأنه يستهدف كيان الدولة وهي في نظرهم غاية لا وسيلة " ص182 ـ
وقد أقرت الدول مبدأ عدم تسليم المجرمين السياسيين 0
7 ـ وعلى الرغم من أن قانون العقوبات قد جمع بين المعيارين الذاتي والموضوعي في التعريف بالجريمة السياسية في صلب المادة / 195 / فوسع بذلك في نطاق الشمول للجرائم السياسية اقتداء بما ورد في قانون العقوبات الإيطالي الموضوع عام 1920، فإن مفهوم الجريمة السياسية أخذ بالأفول. فقد ضاق مضمونها وسلخت صفتها عن عدد كبير من الجرائم التي كانت تعتبر إلى عهد قريب سياسية، أما بحكم موضوعها ـ أو بحكم الباعث عليها، أو الغاية منها.
«للتوسع أنظر الدكتور محمود نجيب حسني والدكتور محمد الفاضل والدكتور عبد الوهاب حومد والدكتور محمود مصطفى».
ـ أما الآن فقد طغى موضوع الإرهاب على العلاقات العامة حتى بين الدولة والجماعات التي تقوم لتغيير النظام حيث تتهم بضلوعها بالإرهاب لإبعاد الجريمة عن الجرائم السياسية 0
وكذلك بالنسبة للدول وصفت بعض الدول بالمارقة أو الداعمة للإرهاب عندما تناصر حقا يتعلق بتقرير المصير أو التحرر من سيطرة المستعمر لذلك بدأت تعم المفاهيم التي تحاول الإفلات من القانون 0
الحقيقة إننا نعيش عصر التطور والإختراقات التي توحي لنا بالحذر الشديد وبالمضي في خلق رؤية سليمة واضحة ، وتحقيق آمال الشعب وطموحاته في الحرية وإرساء قواعد الديموقراطية ، وإحترام الرأي الآخر مهما كان ، وعدم الوقوف في جوانب وزوايا مظلمة ، والعمل على الوقوف في وسط الأحداث الفاعلة لخلق مجتمع تنمو في ربوعه مبادئ الحرية ، والديموقراطية ، وتبادل الرأي 0 فالحرية تجسد القيم ، وتبعث على إحياء النظام ، وترسخ قواعد الشفافية 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال


.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار




.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم


.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #




.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا