الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السباحة في الدم العراقي

سالار الناصري

2006 / 10 / 1
الارهاب, الحرب والسلام


في أحدى مدننا المقاومة المجاهدة وتحت ظلال النخيل السامق،مأذنة ترتفع نحو السماء ،كأنها كف تمتد متضرعة
وقبة تحنو بأضلاعها على الأرض تلملم المؤمنين المجاهدين ،كأنها تحبس وشوشا ت المقاومين لتكتم أهداف عمليا تهم الجديدة وخرائط خطاهم على طول البلاد. .

على بعد أكثر من عشر كيلو متر من الطريق العام في بستان من النخيل و الأشجار المثمرة يوجد مسجد صغير يغرق في صمت عميق
صمت جليل يشعرك انك في عالم آخر،
لا ندري لما هجرته العصافير وهربت من الحمائم ،
لا ندري لما نشعر بالوحشة و الخطى تمر فوق ارض العراق الخضراء الطيبة
ما الذي يجعل القلب ينبض والروح تتألم ؟
هل بدأنا نخاف من أرضننا ؟هل أصبحنا نخشى من نخيلنا؟هل صارت المساجد تقلقنا؟
في باحة الجامع الصغير بركة مستطيلة الشكل مرصوفة بحجار منقوشة بزخارف إسلامية نباتية،
ونقترب من البركة مكتوفين الأيدي والأرجل مكممين الأفواه ،
يصفونا حولها،فينعكس وهج شديد
كانت البركة مملؤة بالدماء
خرج أخوتنا المجاهدين من مصلى المسجد بثيابهم الملائكية البيضاء تقدم أطولهم لحية،
بدأ يشتمنا ويشتم أعراضنا ،بلهجة عراقية شعبية حلوة ،
وماذا في ذلك أخي غاضب ويريد أن ينفس عن غضبه علي ،
لكنه لا يعرفني،ولا يعرف أسمي ،ولا مذهبي ،ولا عملي .
بد ليل انه يشتم مذهب ليس مذهبي،
ودين ليس ديني ،
وعمل ليس عملي ،
وأنا مثله عراقي متدين أعمل حدائقي في احد ى المشاتل ما تزل رائحة الزهور في كفي ،
وما زلت احتفظ بكمية من البذور في جيوبي،
لكنني لم اشتم أحدا ،ولم اسمع عراقي يشم بهذه الوقاحة ..
أذن المؤذن ،
ذهبوا جميعا الى المصلى ،تركونا نتوضأ بضوء الشمس ،ونركع أمام لحظة الموت ظلما ،ونسجد على أمواج حمراء متلألأة ،
دماء كلها حمراء
اختلطت فيها الأعمار والمذاهب والطبقات والقوميات والاعراق.
لا يمكن تمييز الطفل من الشيخ ،ولا المراة من الرجل ،
لا تعرف دماء السني من الشيعي ،ولا العربي من الكردي ،
وتعجز عن التفريق بين دم المسلم والمسيحي والصابيء،
دماء كلها في بركة الجامع
عادوا يحملون سكاكين صغيرة ،
ربما ربهم لم يأذن لهم بذبحنا
كنا تسعة بين صبي وشاب وكهل ،
قسمونا الى ثلاثة مجاميع،
كانوا يمدوننا على الأرض ويقطعون وريد اليد اليسرى ويجعلونها تتدلى في البركة ،
كان الدم ينبعث بقوة ،كأنه يصرخ متظلما،
بلغ تلذذهم غايته القصوى ،كانوا يرتعشون فرحا،يهلهلون ويكبرون ،
ودمائنا تنزف بغزارة لتملىء مسجدهم بالدماء .
قفز كبيرهم الى داخل البركة سابحا في الدماء الساخنة
سقطت جانبا وقد نزفت دمائي
وكانت آخر نبضات قلبي تدفع بقطرات صغيرة كدموع أطفالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر