الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة -تشرين- ليست فرنسية

مسار عبد المحسن راضي
(Massar Abdelmohsen Rady)

2022 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


أمس؛ سيذوبُ شمعُ العام الثالث من "ثورة تشرين" في العراق، لتستلَّ شمعةً رابِعة، من كنيسة أُمِّنا مريم العذراء، في العاصمة بغداد. هناك حيثُ لا تنقطِعُ النذور و الشموع، مما يضطرُ العذراء، في كثيرٍ من الأحيان، إلى أن تُروِّح عن نفسِها، عند الكاظم، لتواسي كظم غيظِها بكاظمٍ ثانٍ، من أصوات آلام النذور، و هسهسةِ الشموع المظلومة. تذهبُ بعدها عند أبو حنيفة النعمان؛ فمن اشجعُ منه أمام السُلطان. حريصةٌ هي مريمُ دائماً، على سماعِ شبابيُك الاثنين لحفيفِ خُطاها. تُقدِّمُ الذهاب إلى أبو عثمان مرّةً (1)، وإلى أبو صفاء في الأُخرى (2)!؟
هذهِ الثورة كما توصفُ بذلك، في الأدبيات الإعلامية العراقيَّة، كانت قد انطلقت في الأولِّ من أكتوبر 2019. تارِكةً أكل الفطائر الطائفيَّة، الخارِجة من أفران المُناسبات الدينيَّة، مُتجهةً صوب سريرِ أمراء الطوائفِ و العرقيَّات.. المنطقة الخضراء، حيثُ يقبعُ نِظامُ الأفرانِ و الفطائر.
مقلاة تيفال "المُفيدة"
الحديثُ عن "ثورة تشرين"، يحتاجُ منّا المرور بـ "المنطقة الخضراء"، باستخدامِ مقاديرٍ، من اللُّغةِ المطبخيَّة. هذهِ الخضراء، عملت بعد 2003، كمقلاةِ تيفال رمزيَّة، لا تتركُ أثراً لاحتراقِ العراق، في الزيت الاحتلالي لليانكي. إذاً، السيد عمار الحكيم، كان مُحِقَّاً جِدّاً، في الدِفاع عن المِقلاة المُشبعةِ بالزيت، في ملتقى الرافدين الأخير: " "المنطقة الخضراء رمزُ الدولة و يجبُ حمايتُها، و الحدُّ من دخولِ المتظاهرين إليها".
الخضراء، هي الزُبدة "المُفيدة" للنِظام، المصنوعة من الجغرافيا لا من الحليب. لابيفيير، وصف أهميَّة "المناطق المُفيدة، بشكلٍ موحي، نختارُ منه: " تؤوي المراجع صاحبة القرار تقليدياً، و خطوط المواصلات الرئيسية. اُختيرت لأجل تمركز القواعد العسكرية الرئيسية والثانوية كمواقعٍ، تسمحُ لهذهِ القواعد، بأن تُشرِفَ على هذهِ الأماكن المفيدة، و أن تنتقل بينها، في ظلِّ ظروفٍ أمنيةٍ مُثلى" (ريشار لابيفيير، التحول الكبير بغداد - بيروت، ص278).
"تشرين" عادت في 2022، لتؤكِّد إنّها حيَّة و بالأعداد المطلوبة! المُفارقة التي كان يبحثُ عنها النِظام، إنّها لن تجِد الأعداد الكافيَّة، و التي غالِباً ما تجذِبُ تعاطف المجتمع الدولي؛ ففي الأنظمة ذات التمثيل البرلماني، تعملُ الديموقراطية مثل قُبعة ساحرٍ، يجب أن تُخفي أعداداً كبيرة من المتظاهرين، و لهذا تصوَّرُ: " عملية الدمقرطة على أساسٍ نخبويّ وتمثيلي" (برتران بادي، الدولة المستوردة، ص319).
حاول النِّظامُ أيضاً، أن يستولي على "الثورة"، من خلالِ السماح لشخوصٍ، أدَّعوا تمثيلها بشكلٍ مُزيَّف، بالوصولِ إلى قُبَّةِ البرلمان. النتيجة كانت ما حدث اليوم، حيثُ طرد المُتظاهِرون، النائب علاء الركابي. هذا السلوك يثبِتُ أمرين، إنَّ "التشرينيين" مازالوا يعيشون مرحلة العُذريَّة الثوريَّة، و الثاني أنهم تيَّارٌ ثقافي لا طبقي، كما حاول بعضُ الباحثين العراقيين الخواجات تأكيده: " إنَّ التيار الثقافي الذي يتزايد تفوقه بل وانفراده في ممارسة الاحتجاج، يستحوذُ من جانبه على المطلب الديموقراطي، باعتباره نتيجة تتناسب مع قدرته على التعبئة" (المصدر السابق، ص313). "التيَّار الصدري"، حاول أيضاً، استنساخ "تشرين" بـ "ثورة عاشوراء". النتيجةُ كانت رسوباً على الرصيف ونجاة الخضراء!
تعريفٌ وظيفي لـ "تشرين"
"تشرين" جلسةُ عِلاجٍ جماعي، اتخذت من الهِويَّةِ الوطنية الجامعة، صُفَّارة إنذار: أمامك نِظامٌ خطير. هذهِ الجلسة هي خارِقة للعادة، والسبب تاريخ العراق القريب، زمنُ حِصارهِ اقتصادياً: " إنَّ العراق بأكمله- من فرط ما ألمَّ بهِ- في حاجةٍ إلى علاج سيكولوجي جماعي وتحليل نفسي على المدى الطويل. فكم من مُعاناة متراكمة وصدمات متلاحقة ومتلازمة" (إليس بسيريني، الحرب الممتدة التي لا تعرف لها اسماً، ص45).
ستيفان زفايغ، كتب عن ماري انطوانيت، ولا أُغامِرُ كثيراً إذا قُلت، إنَّهُ تحدَّث عن الثورة الفرنسية من بطنِ "طوانيت" – اسمُ الدلع الخاص بها بحسب زفايغ - كاشِفاً بأنَّ الثورة لم تكُن التُّفاحة؛ التي قضمها نابوليون، سنة 1789م. هذهِ الثورة احتاجت سنيناً، حَرَصَ فيها الفرنسيون، على فرضِ إقامةٍ جبريَّة، على الملك لويس السادس عشر و "طوانيت".. قبل أن يبدأ كرنفال المقاصل التي دحرجت الرؤوس!
هذهِ المُقارنة الطريفة، تصلحُ لـ "تشرين"، من زاويةٍ وحيدة: الثورات لديها سرعتُها الزمنيَّة الخاصَّة. ليس شرطاً أن تتحوَّل من كاسيوس كلاي، إلى شقيقه محمد علي كلاي (اسم الملاكم الشهير بعد إعلان إسلامه) فوراً!
"تشرين" زادت أيضاً، نسبة الحَوَلْ في وعي المثقف العراقي. جعلتهُ ينضمُ إلى فريقين لا ثالث لهما: مع "تشرين" الفكرة، و ليس معنيَّاً بأصولِها الواقعيَّة. الفريق الآخر جعلها تحت المجهر البحثي، و رأى فيها ما يُريد كي توصِلهُ لِما يُريد! و السبب ليس عراقيَّاً، وإنّما قُدرةُ التواصل لدى المثقَّف، مع الجمهور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "ضعيفة للغاية، ويكون ثمن هذا الانفصام المزعج الاستبعاد الدائم، والنفي المستمر الذي لا يستطيع المثقف احتماله، إلَّا باللجوء إلى حُجج التطورية، والشكوى من تأخر الشعب وعدم ثقافته: والواقع أنه استنباط فادح يدعو صاحبه إلى الارتباط أكثر بعملية تغريب إجبارية" (برتران بادي، الدولة المستوردة، ص231-232).
نجح النِظام قبل أيّام، بأن يجعل من السيد محسن المندلاوي، الذي لم يعُد للعراق إلَّا بعد 2003، النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي. السيد المندلاوي كان مُقيماً في إيران (3)، و هناك تفاصيل غير موثَّقة، ذهبت إلى إنّهُ حاصِلٌ على الجنسية الإيرانيَّة. هكذا فإنَّ إيران، قد أصبح لديها حصَّة معنويَّة في البرلمان العراقي.
اللطيف إنَّ النائب حسين عرب (4)، اعتبر ذلك نصراً لـ "النوَّاب المستقلين"، و الذين استطاعوا كسر نِظام المحاصصة. لم نفهم من السيد عرب، الخطو السريع للسيد المندلاوي، لمقابلة كُل من السيد نوري المالكي (5)، و هو مستقلٌ من طراز خاص! بعد يومٍ يتيم من انتخابه، كذلك تغريدته الرائعة، بحق السيد قيس الخزعلي (5)، المؤمن بولاية السيد خامنئي على عراقيَّتِه!
نحنُ إذاً أمام نِظام، لا يعترِفُ بالشعب، و يعرِفُ تماماً إن العراقي، ليس قادرٍ على الاحتمالِ طويلاً: "يبدو أن أكثر الناس لا يستطيعوا أن يحتمِلوا طويلاً ضغط المجهود الطويل، لكي يعيشوا وفق مُثل عالية جدّاً" (كرين برنتون، دراسة تحليلية للثورات، ص224).
النِظام يُريد من الشعب، أن يرى "تشرين"، بعيونٍ سيَّئة، و بأنها سببٌ، لإرسالِ المزيد من "التشارنة" إلى الجنة، بسرعة الرصاص و القنابل الدُّخانيَّة.
(1)- https://bit.ly/3fCYnJe
(2)- https://bit.ly/3UTuiVU
(3)- https://bit.ly/3RzFi7L
(4)- https://bit.ly/3y9p3aZ
(5)- https://bit.ly/3Ry4HyK
(6)- https://bit.ly/3rlQv1p








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا