الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يتعلم المعارضون المعارضة ؟!

أحمد فاروق عباس

2022 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لا تفهم الاتجاهات السياسية المعارضة في مصر من معنى المعارضة إلا شيئاً واحداً فقط ، وهو شتم الحكومة !!
وهو أيسر وأهون الأشياء ، ولا يحتاج إلى علم أو دراسة أو خبرة ، فقط يحتاج إلى لسان طويل ، أو - اذا كان الشخص مؤدباً - لساناً أو قلماً لاذعاً !!

وتراث وتاريخ المعارضة في مصر كله هو تاريخ هجاء وشتم الحكومات والأنظمة المختلفة ، بدون خطوة أكثر رقياً أو أكثر فائدة لتطور النظام السياسى فى مصر ..

ويمكن أن يكون ذلك مقبولاً فى بدايات عمل الاتجاهات والأحزاب المعارضة وفى مرحلة طفولتها ، ولكن بعد الطفولة تأتى مرحلة الدراسة والتعلم ، ثم مرحلة النضج وتقديم البدائل ..

لكن يبدو أن المعارضة المصرية واتجاهاتها المختلفة مازلت تصر على أن تعيش مرحلة الطفولة ، وترفض أن تتخطاها إلى الدراسة والعلم ، ثم إلى مرحلة النضج وتقديم البدائل ..

فى كل الأحزاب المصرية اليمينية منها واليسارية والدينية هل درس أحد مثلا مشكلة الصناعة فى مصر دراسة جادة وفهم أبعادها ، ووصل فى حلها إلى اجتهادات معينة ؟
وإذا كان فعل أحد ذلك - ولم يفعل أحد ذلك بالطبع - فأين هى نتيجة عمله ودراسته ؟!

هل درس أحد دراسة جادة تجربة القطاع العام فى مصر ، وأين تعثرت ، وما انسب الطرق للتعامل معها ؟
هل درس أحد دور القطاع الخاص وضوابط عمله ؟!

هل درس أحد مشاكل البيروقراطية في الجهاز الحكومى المصرى وكان له فيها رأى يستمع إليه ؟!
هل درس أحد مشاكل الاسكان فى مصر ؟!
هل درس أحد مشاكل الصحة العامة والتأمين الصحى فى مصر ؟!
هل درس أحد مشاكل التجارة الداخلية ، هل أهتم أحد بمشاكل الرى فى الريف المصرى .... إلى آخر ذلك من مشاكل داخلية ..

هل أهتم أحد فى الأحزاب السياسية والاتجاهات المختلفة في مصر بمشاكل السياسة الخارجية ، وقدم توصيفا يمكن النقاش الجاد حوله لأحوال العالم وأحوال المنطقة التى نعيش فيها ، وطبيعة دور مصر فى هذه الأزمنة الصعبة ؟

ربما - والحق يقال - كان حزب التجمع الحزب الوحيد في مصر الذى قدم مرة واحدة فى الثمانينات بعض الاجتهادات المحترمة ، أيام كان فى الحزب شخصيات عظيمة بوزن إسماعيل صبرى عبد الله وفؤاد مرسى وأبو العز الحريرى وخالد محى الدين وميلاد حنا وابراهيم العيسوى وعثمان محمد عثمان وغيرهم ..

وهى محاولة وحيدة قدمت في منتصف الثمانينات ولم تتكرر ، وكل ما استطاعت باقى الأحزاب والاتجاهات السياسية الأخرى تقديمه هو برامج حزبية هزيلة ، خلطت كلاما من الشرق على كلام من الغرب بدون فهم أو دراسة ..

فعلت ذلك كل الأحزاب المصرية من الحزب الوطني الحكومى إلى حزب الحرية والعدالة الاخوانى ، ومن حزب الوفد اليمينى إلى الحزب الناصرى اليسارى !!

وربما من الواجب تقديم تجربة ملهمة لعل أحداً فى مصر يدرسها ويتعلم من خبرتها ..

فعندما أراد المؤمنون بالاشتراكية فى بريطانيا تطبيق ما يؤمنون به ، كانت بداية عملهم إنشاء جمعية فكرية لدراسة أحوال المجتمع البريطانى من جميع زواياه ..

كان ذلك فى نهاية القرن ١٩ ، وكان يحكم بريطانيا وقتها بالتناوب حزبين يمينيين هما حزب المحافظين وحزب الأحرار ..

لم يستعجل اليساريون الأنجليز إنشاء حزبهم السياسي بدون علم وبدون فهم لمشاكل المجتمع الذى يريدون حكمه ..

وكان بداية عملهم إنشاء الجمعية الفابية عام ١٨٨٤ ، وقامت بفضلها أنشط حركة فكرية لدراسة أحوال المجتمع البريطانى من وجهة نظر يسارية ..

وهنا قدمت إسهامات عظيمة لشخصيات بوزن برنارد شو ، وويلز ، وجراهام والاس ، وسيدنى ويب وزوجته بياتريس ويب ( والاثنين الآخرين سيدنى وبياتريس ويب كان من عظم دورهما وبقاءهما معا لمدة خمسين عاما فى دراسة ظروف بلدهما وتقديم الكتب والدراسات والتقارير الممتازة أن وضعت مدرسة لندن لعلوم الاقتصاد وهى أرقى المدارس الاقتصادية فى العالم تمثالا لهما في مدخلها ) ..

وبعد سنوات طويلة من الدراسة والجهد والنشر حدث تحول هام فى المجتمع البريطانى وأصبح متقبلا ومطمئنا لهذا الاتجاه الجديد ..

وهنا قررت الحركة اليسارية البريطانية أن خطوة إنشاء حزب للطبقة العاملة البريطانية قد حان وقته .. وظهر إلى الوجود حزب العمال البريطانى ..

وفى اول انتخابات دخلها فاز بالمركز الثاني وأصبح هو المعارضة الرئيسية فى مجلس العموم ، وفى الانتخابات التالية جاء أولا وشكل الحكومة البريطانية ، بينما اضمحل حزب الأحرار الذى لم يطور من نفسه وأصبح على هامش الحياة السياسية في بريطانيا ..

وهكذا حتى اليوم .. الأحزاب السياسية والاتجاهات المختلفة في بريطانيا وأمريكا تنفق بسخاء على مراكز متعددة للدراسات الاقتصادية والسياسية تفكر وتدرس المشاكل وتقدم الحلول ، وليس الأمر كما هو عندنا ، الأمر كله مرهون بأمر رئيس الحزب أو مرشد الجماعة أو أمير التنظيم ، أو حتى اللجنة المركزية للحزب أو مكتب إرشاد الجماعة ..

هذه صيغ متخلفة للعمل السياسى ، ومرهونة بإرادة فرد أو مجموعة أفراد حتى لو اتخذ الأمر شكل الديموقراطية ..

هل يمكن أن تترك الأحزاب المصرية مرحلة الطفولة ، وأن يتم فطامها من مرحلة الشتم والسباب والهجاء، وأن تتقدم خطوة إلى مرحلة الدراسة والتعلم والفهم ، ثم مرحلة النضج وتقديم البدائل ..

وإذا حدث ذلك فيمكن أن تجد أمامها مجتمعاً مستعداً أن يفهم وأن يناقش وأن يطمئن ، وبالتالي ستجد السلطة والحكم أمامها طريقا منطقيا ومفتوحاً ومقبولاً ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل