الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية -الجحيم- -تعليقات وحواشي

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2022 / 10 / 4
الادب والفن


تمهيد نظري
يقول عبد الرحمن بدوي: الوجودية مذهب في الوجود محدد تمام التحديد. يقوم على مبدأ أساسي بسيط هو أن وجود الانسان هو ما يفعله، فأفعال الانسان هي التي تحدد وجوده وكينونته، ولهذا يقاس الانسان بأفعاله، فوجود كل إنسان بحسب ما يفعله (دراسات في الفلسفة الوجودية). أي أن وجود الانسان لا يقاس بحسب ما يقوله عن نفسه ولا عمّا يقوله عنه الآخرون. هذا القول يحمل التباساً، خاصة وأنه يلغي الفارق الذي يقره القانون الجنائي بين القتل عن سابق إصرار وترصد، أو القتل العمد من جهة، وبين القتل بالخطأ أو بغير قصد، وتحت ظروف قاهرة. بعبارة أخرى يلغي مفهوم "النية سابقة العمل"؛ "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرؤ ما نوى" وهو حديث يتعلق بالأعمال الباطنة، فإن "الدين": باطن وظاهر، أعمال باطنة تتعلق بالقلوب، وأعمال ظاهرة تتعلق بالجوارح، والذي يتعلق بالقلوب نيّة صادقة، والذي يتعلق بالجوارح نيّة كاذبة كلها تظاهر "بالإيمان" ولا "إيمان" فيها. كما أن هذا الكلام يجعل الفرق بين المؤمن والمنافق لاغياً. وإذا كان ذلك كذلك فإن هذا القول للمذهب الوجودي يلغي الأعمال الباطنة أو ماهية الوجود، كما أنه يختزل مستويات الوجود الثلاثة التي ذكرها ابن سينا، ويرجعها جميعاً إلى مستوى الوجود الظاهر المباشر.
وابن سينا يقسم الوجود الى ممتنع وممكن وواجب. الواجب الوجود ماهيته عين وجوده وهو الوجود الواجب، هو وحده المتصف بالوجود بذاته وهو القائم بذاته وشخصه، وكل ما عداه من الموجودات وجوده بمثابة عرض مضاف الى ماهيته، لذا كانت موجودات جائزة" (سيد حسين نصر: ثلاثة حكماء مسلمين). يمكن أن تُردّ مراتب الوجود المختلفة إلى بضع مقامات رئيسية تشتمل على المراتب الأصلية للوجود الكوني.
هذه المراتب للوجود ومستوياته المختلفة تحيلنا إلى قول ماركس: إن الانطلاق لا يتم مما يقوله البشر عن أنفسهم وما يتوهمونه ويتصورونه، ولا مما هم عليه في أقوال الغير وفكرهم وتخيلهم وتصورهم، بل يتم الانطلاق من البشر في فعاليتهم الواقعية، وإن تصور تطور الانعكاسات والاصداء الأيديولوجية لهذا التطور الحياتي يتم انطلاقاً من تطورهم الحياتي الواقعي ايضاً. (ماركس: الأيديولوجية الألمانية). وعلينا مباشرة التفريق بين أفعال الفرد "السيكولوجي" من جهة وبين فعالية الأفراد في حياتهم الواقعية الاجتماعية-التاريخية من الجهة الأخرى.
أما قول بدوي بخصوص المذهب الوجودي: " وذلك ضد مذهب القائلين "بالماهيّة "، أي الذين يفترضون ماهية سابقة على وجود الانسان الفرد، وعنها تنشأ أفعاله، ووفقاً لها يُحكم عليه، وبها يُحدَّد." فإن هذا القول يحمل أكثر من معنى، ويمكن أن يكون ملتبساً على سبيل نفي أي تحديد اجتماعي-تاريخي سياسي وانتاجي للأفراد. هكذا يتم تخفيض الفكر الوجودي الاجتماعي-التاريخي إلى ضرب من علم نفس سلوك الفرد وافعاله وردود فعله، قلقه وشعوره بالخطيئة والذنب.
تعمل الوجودية في شكلها الأيديولوجي المبتذل على هذا الالتباس في مفهوم الوجود بحيث يضيع عندها هذا التمييز بين الواجب الوجود والممكن والممتنع الوجود عبر اختزال مستويات الوجود إلى الوجود الفعلي المباشر. ويضيع التفريق بين الفرد المشروط اجتماعياً -تاريخياً، وبين الفرد ككيان سيكولوجي مجرّد أو "منعزل".
نعم الأفراد مشروطون بظروف وشروط اجتماعية-تاريخية، هي شروط انتاجهم المادية، لكن وعيهم بهذه الشروط ليس معطى لكل منهم منذ البدء وبنفس القدر. ووعي هذه الشروط "بكليتها" يحتاج إلى تحصيل علمي بعديّ عال، بالتالي لا نستطيع أن نقول أنّ وعي المجتمع الرأسمالي سابق على وجوده، بل هو لاحق. إنّ "المجتمع الحديث" الذي ظهر في القرن السادس عشر لم يتم وعيه وصياغته كأزمنة حديثة إلا في القرن الثامن عشر. يقول هابرماس: إن العتبة التاريخية التي تقع حوالي العام 1500 ميلادي لم يتم إدراكها كتجديد إلا في القرن الثامن عشر. يبدأ هيغل في استخدام مفهوم الحداثة، في سياق تاريخي ليشير إلى عصر “الأزمنة الجديدة" أو "الأزمنة الحديثة"، ويقابلها بالإنكليزية والفرنسية في العام 1800 ميلادي ألفاظ: Modern Times أو Temps Moderne (Nova Aetas) وتشير إلى القرون الثلاثة السابقة" [للقرن التاسع عشر] (القول الفلسفي للحداثة )
إذا كانت الأفكار هي التي تحكم حياتنا، هذا يعني أن وجود فرد مسلم في مجتمع إسلامي يفوض علينا فكرة غريبة ألا وهي؛ أن كل أفعاله نابعة من اعتقاده وشكل فهمه الإسلامي. وهذا يعني أن أفكار الناس عن واقعهم هي حقيقة واقعهم. يقول ماركس ساخراً: ذات مرة تخيل امرؤ شجاع أن البشر إنما يغرقون لأن فكرة الجاذبية تتملكهم. فإذا هم انتزعوا هذه الفكرة من رؤوسهم، مثلاً بالإعلان أنها خرافة فسوف يصبحون من الان فصاعداً آمنين من خطر الغرق. (الأيديولوجية الألمانية) ويضيف: ما دامت علاقات البشر وجميع أفعالهم، وأغلالهم وقيودهم، هي منتجات لوعيهم وفقاً لأوهام الهيغليين الشباب، فإن هؤلاء قد فرضوا على البشر المسلمة الأخلاقية الداعية إلى مقايضة وعيهم الحالي بوعي نقدي أو أناني، والتخلص بذلك من قيودهم. هذا المطلب بتغيير الوعي يقتصر على ما هو موجود بطريقة مختلفة. (ibid) ويضيف القول: المقدمات المنطقية للمفهوم المادي للتاريخ التي ننطلق منها، هم الأفراد الفعليون (التجريبيون)، نشاطهم وشروط وجودهم المادية، سواء الشروط التي يجدونها قائمة، أم تلك الشروط التي يخلقونها بفعل نشاطهم بالذات. وهكذا يمكن التحقق من هذه الأسس بطريقة تجريبية صرفه." من دون أي مسبقات اعتقادية، لهذا كان نقد الدين والأيديولوجيا مقدمة لكل نقد آخر. وكان كتاب الأيديولوجية الألمانية؛ أو نقد الأيديولوجية الألمانية بأشخاص أنبيائها: فيورباخ، بوير، شترنر (1845) أول الكتب التأسيسية لمذهب ماركس-إنجلس المادي -التاريخي.
وكما يُعبّر الأفراد عن حياتهم، كذلك يكونون بالضبط. بحيث تتطابق ماهيتهم مع انتاجهم، سواء مع ما ينتجون أم مع الطريقة التي ينتجون بها. فماهية الأفراد إذن تتوقف على شروط انتاجهم المادية. (ibid) يجب في كل حالة على انفراد أن تبين المشاهد التجريبية في الحقائق ومن دون أي غموض أو تكهن. (تُبين) الرابطة بين البنية السياسية والاجتماعية والإنتاج. (ibid)
يقول ماركس في معالجته لماهية المفهوم المادي للتاريخ – الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي. إن البنية الاجتماعية (المجتمع المدني) والدولة تنبثقان باستمرار من التطور الحيوي لأفراد محددين، لكن هؤلاء الأفراد لا كما يمكن أن يظهروا في تصورهم الخاص أو تصور الغير، بل كما هم في الواقع، يعني كما يعملون وينتجون مادياً، وبالتالي كما يفعلون على أسس وفي ظروف وشروط وحدود مادية محددة ومستقلة عن إرادتهم." (ibid).
تعتمد وجودية سارتر على هذه المقدمات في أن الوجود الاجتماعي للأفراد يسبق وعيهم بهذا الوجود، وهذا الوعي ليس معطى لهم قبلياً، ولا يكون من الضربة الأولى، كذلك الافراد في المجتمع السوفياتي، لم يعط لهم الوعي الاجتماعي بماهيتهم مسبقاً لكون ماركس كان قد درس المجتمع الرأسمالي، إن الوعي بماهية وجودهم كأفراد في مجتمع سوفييتي بيروقراطي يحتاج إلى إنتاج هذا الوعي من جديد بطريقة علمية. وهذا القول يظهر احتجاج الوجودية عند سارتر على الدوغما السوفياتية البيروقراطية.
بهذا المعنى تكون الوجودية هي المذهب الذي يعتبر الوجود سابق للماهية، أي أن الوجود المباشر للفرد سابق لوعيه بهذا الوجود. ليست هذه الفكرة الوجودية الرئيسية سوى واحدة من أفكار ماركس في كتابه: "الأيديولوجية الألمانية"، خلال نقده لماكس شترنر وأشباحه. يكتب ماركس: في الأشباح يعالج القديس ماكس "الأرواح التي هي ذرية "الروح" و "الطبيعة الشبحية لجميع الكائنات". نظرته إلى التاريخ تنص ًعلى "أن الناس هم بصورة قبلية priori ممثلو مفاهيم عامة؛ يعني أن الناس أرواح موضوعية " ظاهرة على شكل شبح جسمي (ظهورات)، تملك بالنسبة للناس طابع الموضوعات (بتعبير آخر؛ الأفراد ماهيات تتجلى وتظهر على شكل كيانات فردية). وهي تسمى عند هذا المستوى بالأطياف أو الأشباح. (ibid)
الوجودية التي ترى أنّ الوجود سابق لوعي هذا الوجود، تعطي تدرجاً متنوعاً في وعي الأفراد التجريبيين الفعليين إلى أقصى الحدود، حتى لو كانوا ينتمون إلى نفس الطبقة ونفس الفئة ونفس القطاع ونفس الاسرة. طالما أن وجود الفرد يسبق وعيه الكامل بشروط وجوده وماهية (جوهر) هذا الوجود الاجتماعي-التاريخي، إذاً الماهية أو وعي الفرد بماهيّة وجوده الذي هو عين ماهيته، غير معطى له في الوعي بصورة قبلية مسبقة.
تشكل مقولة "الوجود أسبق من الماهية " بالنسبة لهايدغر، القضية الأساسية العظمى في كل الوجودية. والوجود في أصله وجوهره هو وجودي أنا، سواء في التفكير أو الشعور أو العاطفة أو الانفعال أو القلق أو الشعور بالذنب. كلها أحوال للإنيّة. فأصل الوجود وجود إنيّة الذات المفردة (مونادة، حسب ليبنتز). ولهذا قال سقراط: اعرف نفسك! وأول وجود هو الإنيّة أو الوجود المتحقق العيني. نفس الانسان الفرد وإنيته.
في مقدمات المفهوم المادي للتاريخ يقول ماركس: ليست المقدمات التي ننطلق منها اعتباطية أو معتقدات، بل هي أسس واقعية لا يمكن التجرد منها إلا في الخيال. أولئك هم الأفراد الفعليون". الشرط الأول لكل تاريخ بشري هو وجود كائنات بشرية حية، شرط الوجود الأول هو وجود أفراد من البشر أحياء. (ibid)
أول ما تتصف به الإنية وجودها في عالم ليس هي. وهي في حالة تعيُّن مع الغير سواء أفراد آخرين أو أشياء (وسائل وعقبات)
يقول سارتر: "لقد لاحظت هذه الملاحظة دوماً: إن أي حجة من الحجج "المناوئة للماركسية" ليست إلا تجديداً ظاهرياً لشباب فكرة سابقة للماركسية. وأي "تجاوز" مزعوم للماركسية لن يكون في أحسن الأحوال، سوى اكتشاف لفِكْر قد تضمنته سابقاً الفلسفة التي ظن انها تُجوّزت" (الماركسية والوجودية)
في تمهيده للكتاب يقول مترجم "الماركسية والوجودية ": "في عام 1957 طلبت مجلة بولونية من جان بول سارتر أن يكتب لها دراسة عن موقف الوجودية من "الفلسفة الماركسية"، فكتب سارتر هذه الدراسة مبيناً فيها مكان الوجودية من "الفلسفة الماركسية"، داحضاً بذلك ما تتهم به (الوجودية) من أنها تحاول أن تحلّ محل الماركسية. ثم بين الأسباب التي تجعله لا يكتفي بأن يكون مجرد ماركسي (ستاليني) فقطً، شارحاً مآخذه على الماركسيين المعاصرين، وبخاصة موقفهم من علم النفس ومن السيسيولوجيا. كما ضمّن دراسته هذه رداً على الانتقاد الذي وجهه إلى الوجودية جورج لوكاش في كتابه "ماركسية أم وجودية؟”. حيث علّق لوكاش على رده بالقول: "إن ما رسم هنا لا يشكل إحصاءً للمشاكل البارزة. إننا لا نعتبر مطلقاً هذا المؤلف جواباً يستوعب المسائل المطروحة كافة."
يقول سيرن كيركيجور(كيركغارد): الأفراد وحدهم هم المهمون، والوجود ذو طابع فردي. والفرد الوجودي واحد في عملية الصيرورة. إنه يتحرك إلى مستقبل غير معلوم. ولما كان الموت بالمرصاد فإن لكل اختيار قيمة لا متناهية، وكل لحظة فرصة فريدة للعمل الحاسم، وكل فرد ينجز وجوده من خلال القرار." (حاشية نهائية غير علمية). ويضيف: المفكر الذاتي مفكر ملتزم بنشأته، يلتزم بفهم الحقيقة، الحقيقة التي هي نفسه من حيث كيفية وجوده. وهو يسعى لفهم نفسه، لا على أنه تجريد (فكري)، بل على أنه ذات موجودة ملتزمة التزاماً أخلاقياً. إن سقراط حسب تصريح كيركيجور في كتابه "حاشية نهائية غير علمية" هو ذلك اليوناني الشهير الذي لم يغفل لحظة عن هذه الحقيقة ألا وهي أن الفكر يظل فرداً موجوداً"
الوجودية عند سارتر هي وجود الأفراد في علاقة مع الآخرين وبأنفسهم. تشبه هذه العلاقة مع الأخرين علاقة البضاعة بالبضائع الأخرى وعلاقتها بنفسها في السوق البضاعية الرأسمالية.
هذا التخفيض لماهية الأفراد إلى علاقة مع الأفراد الآخرين ومع أنفسهم، هو رد تهكميّ من سارتر على "الحقيقة التاريخية الماركسية-السوفياتية" المكتشفة مرة واحدة وإلى الأبد بحيث نتسلمها منذ الولادة كماهية للفرد البشري. وحيث يتحول العلم الاجتماعي الاقتصادي التاريخي إلى مجرد كاتالوغ ورسم تخطيطي يمكن الالمام به بمجرد حفظه عن ظهر قلب (وربما يورث بيولوجيا؟!). إن حقيقة الفرد أو ماهيته الحقيقية هي ما وراء وجوده الفردي، أي هي كامنة في علاقات الإنتاج السائدة أو ما يسميه ماركس بالتنظيم الاقتصادي للمجتمع. فالفرد البورجوازي غير الفرد العامل بأجر. ولا يمكن فهم وجودهما كأفراد مختلفين بهذا الشكل من دون فهم المجتمع البورجوازي المنقسم إلى طبقات متصارعة، أي من دون وساطة الطبقات. كذلك هي ماهية البضاعة أو حقيقتها أو قيمتها، فهي تكمن فيما وراء جسد البضاعة. إن حقيقة قيمة البضاعة هي قوة عمل العامل باجر في نظام رأسمالي بضاعي قائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وقوة العمل هذه ينفقها العامل في زمن، هو الزمن الضروري اجتماعياً لإنتاجها وإعادة إنتاجه الاجتماعي والبيولوجي بتأمين معاشه كفرد حي مع أسرته، إن قوة عمل العامل هي الخالق للقيمة وللبضاعة، خالق لجسد البضاعة وقيمته.
الرد السارتري التهكمي على الفهم الاجتماعي التاريخي للماركسية سببه العقابيل التي تركتها الماركسية السوفياتية (البيروقراطية) على جسد الماركسية وروحها. كان لا بد من حركة ناكصة من العمق الاجتماعي -التاريخي إلى السطح، ومن الطبقة وتضامن أفرادها إلى الأفراد في تزاحمهم اليومي وتحاسدهم وتبادلهم للنميمة.
الإنيّة هي في حالة "وجود في"، أي في تعين مع الغير. فليس ثمة ذات مفردة معطاة وحدها. هذا الغير يستولي على الذات بما يفرضه عليها من أحوال وأوضاع. حتى لينتهي الأمر إلى أن تفقد الذات تفردها وتذوب في الناس او الغير، فتتطبع بطباعهم، لا تفكر إلا كما يفكرون، ولا تفعل إلا كما يفعلون ولا تشعر إلا كما يشعرون. هذا الفقدان للتفرّد من قبل الذات هو ما يسميه هايدغر بـ "السقوط". والسقوط ضروري لأنه لا سبيل إلى التخلص من الناس، ولا وسيلة إلا في إطار "الوجود مع الناس" في هذا الوجود "الزائف" تفقد الذات تفردها أي وجودها الحقّ. وهي تهرب إلى هذا السقوط هرباً من أحوال وجودية حقيقية كالوجود للموت والوجود للعدم والوجود للعدم التي تواجهها وحدها.
يربط المترجم "الجحيم" بالعقاب والثواب والجنة والنار والحساب، حسب "الليغن" الإسلامي، وهو ربط متعجل يحتاج إلى تدقيق. وربما عاد هذا الانطباع لدى المترجم إلى أثر ما للفكر اليهودي بخصوص آدم وحواء وإبليس والحيّة في عمل سارتر، خاصة وأن قصة هبوط آدم وحواء والحية متشابهة في الإسلام واليهودية. ويبدو أن هذا التأثير أصله عند الفيلسوف الوجودي المسيحي كيركيجور عبر هايدغر. إلا أن حركة أشخاص "الجحيم" لسارتر؛ أو "جلسة سرِيّة" هي "سقوط إلى أعلى"، لا هبوط من السماء إلى الأرض، في حركة عكسية، ذلك أن فيزياء غاليليو في بداية القرن السابع عشر قد قلبت كل المعايير، ومنها مفهوم الفوق والتحت. لكن سارتر بعيداً عن فيزياء غاليليو، يجعل أشخاص مسرحيته يهبطون من الأرض إلى النفس كأفكار. هذا السقوط هو موت، وذويان الذات في بحر الآخرية وفقدان كل تفرّد ومبادرة مستقلة عما هو سائد. و"السقوط" هنا فكرة منقولة عن وجودية هايدغر
يعتقد المترجم؛ مترجم (الجحيم) أن سارتر يؤمن بما يسمى يوم الحساب الاسلامي. وهذا ضرب من الظن، خاصة وأن الوجودية في أوربا الغربية كانت قد بدأت مسيحية مع سيرن كيركيجور وانتهت غير متدينة مع سارتر، سارتر، وعلى هدي هايدغر في الوجودية الحرة (مقابل الوجودية المقيدة؛ لكارل ياسبرز) ترى الوجود مأساة جاثمة لا معنى لها تأخذ بخناق الانسان. وترى في الغير (الأفراد الآخرين) مصدر عذاب الذات (نفوس معذبة) [قارن: غوغول نفوس ميتة] فتقول إن "الجحيم هو الغير" على حد تعبير سارتر (ولد سنة 1905) في مسرحية "العالم المغلق" أو "بين جدران أربعة" أو "الجلسة السرية". وتقول هذه الوجودية ان الوجود أسلم إلى نفسه كما يقول هايدغر، وحاله حال لزوجة متوسطة بين حال العدم أو سيلان الحرية، وبين ما هو في ذاته. وهذا ما دعاه سارتر "بالملء المتكتل المعتم " (دراسات في الوجودية) وهو البرزخ في لغة ابن عربي. وكأنك يا أبا زيد ما غزيت. وكأن البورجوازية عادت إلى المربع الأول بالنسبة لتحرر الانسان، رغم كل إنجازاتها العلمية-التقنية وكل أدواتها الهائلة. وكأن الانسان يبدأ وعيه بنفسه منذ البداية!
يوجد ما يسمى الأدب الوجودي يمثله جبرييل مارسيل وجان بول سارتر الأول متدين والثاني غير متدين.
لسارتر فضل التعبير عن فلسفة هايدغر بعبارة فرنسية واضحة، وفضل الربط بين الوجودية والالتزام في معركة الحياة الفعلية السياسية وغيرها. وفضل استخلاص بعض جوانب الفلسفة الوجودية عند هايدغر وإبرازها في تحليلات دقيقة وعميقة أو صور مسرحية شديدة التأثير وأهم هذه الجوانب أو المعاني: النظرة، الغير، والالتزام والنزعة الإنسانية في الوجودية، والمشاركة الفعالة في تيار الحياة العامة بالتزام الوقوف منها موقفاً فعالاً. فاتخاذ موقف من المشاكل الفعلية للعصر يقي الذات من السقوط.
يكتب كيركيجارد (كيركيجور) متهكماً بحق مارتنسن: "إن الشاهد على الحق رجل امتلأت حياته بالمعارك الباطنة والخوف والرعدة (القشعريرة)، المحن وبلاء النفس، والآلام الروحية (المعنوية). والشاهد على الحق رجل يشهد للحق في الفقر والذلّة والمهانة، إنه رجل يشهد للحق وعيون الناس تقتحمه، والكل يكرهه " (دراسات في الوجودية) هذا رجل للحق في أزمنة الانحطاط، زمن معوجّ خارج عن سكته، ومثاله الأكبر الحلاج ومن قبله سقراط.
ومرة أخرى وفي مستوى أعمق: إن الشاهد على الحق شهيد، وعيون الناس لا تستطيع اقتحامه لأن الحق محجوب عن العامّة.
هذه أحد أفكار كيركيجور التي أدهشت سارتر. ومفادها: طالما تستطيع عيون الآخرين اقتحام نفسي وتجحيمي فأنا في الجحيم. لقد قال كيركيجور عن نفسه: فقد وجد في العالم ما نشد: لقد كان هو "الفرد" وازداد شعوره بذلك بينما لم يكن غيره هكذا" (دراسات)
هايدغر هو الوسيط بين سارتر وكيركيجور(كيركيغارد). تأثر هايدغر قطب الوجودية بكيركيجور في كتابه "الوجود والزمان" 1937 وحاول أن يستخلص النتائج النهائية لفكر كيركيجور الوجودية، وقد تلمّسه خصوصاً في إنتاجه الديني، لأنه رأى أن انتاجه الفلسفي والنظري أشد تأثراً يروح هيغل، رغم صراع كيركيجور ضد هيغل. لكن هايدغر أفرغ مقولات كيركيجور من كل محتوى ديني، وجعلها وجدانية عقلية خالصة. وعلى نفس النحو تأثر به سارتر"
تكمن قيمة اسهام كيركيجور في أنه يوسّع مفهوم "الديني" بحيث بات ممكناً معه ادخال "الماركسية الثورية" وكل الحركات التاريخية التي تسعى لتحقيق انقلابات اجتماعية كبرى تحت مقولة "الديني" الكيركِجورية. إنّ الإيمانيّ بالمعنى الواسع، ومناهضة الأوضاع القائمة الفاسدة، وترقّب ثورة اجتماعية، و "يوم آخر" خلال ما يسمى بـ “الفترة"، يحاسب فيه الظالم والطاغية، هو في أساس مقولة الديني. هكذا يخرج التصنيف الكركِجوري علينا بثلاثة تحديدات: الجمالي-الحسي (الطبيعة)، الأخلاقي (الواجب الاجتماعي)، الديني (الإيمانيّ؛ الاجتماعي-التاريخي الثوري)
إن قول المترجم أن الوجودية فكرة ما عن الفارق بين الحرية والمسؤولية، تعيدنا إلى سجال المتكلمين الإسلاميين اللانهائي بين "الانسان المخير والانسان المسيّر"، بين الجبر والاختيار. وتغفل فكرة أن نقاش مسألة الحرية ليست مسألة نظرية بحتة، بل هي نظرية وممارسة. وكان قد جرى نقاش هام مفيد في روسيا بعد انتصار الثورة البلشفية الاشتراكية بين لينين وبوخارين سنة 1918 حول النقابات في علاقتها بالحزب الشيوعي، حيث قاد هذا السجال إلى سجال فلسفي بين الديالكتيك (لينين) من جهة والاختيارية (بوخارين). إن الديالكتيك يميز بين النظرية وحرية النقاش النظري من جهة (ديموقراطية: هنا تمارس أقصى حرية في التفكير والسجال) وبين القرار والبدء بالعمل(مركزية)، وهنا يكون الالتزام والانجاز الفعلي في الممارسة العملية. وإذا لم يتخذ الحزب الثوري، الذي يعتمد مبدأ "الديموقراطية-المركزية" ، قراراً بعد مناقشات وسجالات واسعة لن يكون له أي فعل أو فاعلية تاريخية، ويكون عاطلاً بالمعنى الاجتماعي -التاريخي.
لسارتر كتاب مهم بعنوان "الماركسية والوجودية" وقد نقده جورج لوكاش وساجله عبر كتابه المعنون، "ماركسية أم وجودية؟"، ثم اعتذر لوكاش لاحقاً في نقد ذاتي لعدم كفاية نقده هذا.


(الجحيم؛ أو جلسة سرية) مسرحية لسارتر، مكونة من فصل واحد- تعليقات وحواشي:
أشخاص الرواية أربعة: الخادم، وثلاثة أشخاص هم رجل وامرأتان. وهم أشخاص لأفكار أي اشباح.
المنظر: قاعة استقبال على طراز الإمبراطورية الثانية.
وهذه الإمبراطورية هي امبراطورية شارل لويس نابليون بونابرت 1808-1873 كان رئساً لفرنسا بين 1848-1852، ثم امبراطوراً لفرنسا تحت اسم نابليون الثالث بين 1852-1870. وهذه الإمبراطورية هي الإمبراطورية الفرنسية الثانية. هذا الـ "لويس بونابرت" وصعوده إلى قمة السلطة بعد فشل ثورة 1848 الديمقراطية في فرنسا، إضافة إلى تحليل فشل هذه الثورة ونتائج هذا الفشل على المستوى القاري الأوربي، كان موضوع كتابيّ ماركس: "الصراعات الطبقية في فرنسا 1848 "، و" 18 برومير لويس بونابرت"، وبرومير هو الشهر الثاني من تقويم الجمهورية الفرنسية الذي يبدأ بشهر فنديميير (شهر قطاف العنب) 22 أيلول إلى 21 تشرين الأول، ويبدأ الشهر الثاني من أشهر الخريف برومير (شهر الغيوم والضباب) من 22 تشرين الأول إلى 20 تشرين الثاني.
كتب ماركس في مقدمة كتابه 18 برومير: يقول هيغل في مكان ما أن جميع الشخصيات والاحداث العظيمة في تاريخ العالم تظهر، إذا جاز القول، مرتين، وقد نسي أن يضيف: المرة الأولى كمأساة، والثانية كمسخرة (هزل: Farce). ومسرحية الهزل أو المهزلة هي مسرحية "ساتير" هزلية يونانية كانت تعرض بين مأساتين في المسابقات السنوية حيث تعرض ثلاث مآسي وساتير هزلية.
سارتر بهذا "المنظر" يسخر من الإمبراطورية الثانية ويعتبرها كما هو حال ماركس تكرار هزلي لحكم نابليون الأول. ولسلافوي ججك كتاب بعنوان: "بداية كمأساة وأخرى كمهزلة" وهذا ينطبق على الفلسفة. مع هيغل مأساة ومع جيجك كوميديا. والأمر ينطبق على البورجوازية؛ فصعودها التاريخي مأساة وانحطاطها العالمي حولها إلى مهزلة اعتباراً من ثورات 1848 في البر الأوروبي وظهورها لاحقاً في البلدان المتخلفة كبورجوازيات رثّة.
ترد كلمة المنزل على لسان جارسان وتعني الوطن. ثم يتحدث عن السجن وأدوات التعذيب المستعارة من النار.
يقول جارسان: لماذا يرغب الانسان في ان يرى نفسه في مرآة؟ يبدو ليستطيع تقدير نفسه وقياسها. فلا معنى لبضاعة للوهلة الأولى من دون عرضها في مواجهة بضاعة أخرى. تشكل مقياساً لها.
بالطبع سوف تكتشفون أن هذا المقياس الوجودي المباشر: بضاعة موجودة مقابل بضاعة أخرى (حذاء مقابل قميص)، قياس خادع مضلل كقياس ابليس حين طُلب منه السجود لآدم: (قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍۢ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍۢ) [ص:76] والنار خير من الطين، مع أنهما عنصران متقابلان أو جسدان كبضاعتين متقابلتين.
يضيف جارسان: لا شيء سوى بضعة تماثيل من البرونز نقش عليها اسم جامعها." حيث لا أحد يتحدث عن خالقها وصانعها. إنها صمديات ثقيلة لا يمكن رفعها في حالة الثورة والغضب ولا تكسيرها، وهي كناية عن صمدية التقليد الفرنسي للإمبراطورية الثانية الذي دام أكثر من مائة عام والذي وجده سارتر أمامه حين كتب "الجحيم؛ أو جلسة سرية". وهي إشارة إلى التفاوت في سرعة حركة البنية الاقتصادية الاجتماعية وحركة البنية الفوقية، حيث تُظهر البنى الفوقية تأخراً واستمراراً، حتى بعد زوال الشروط الاجتماعية-الاقتصادية التي ولدتها.
هذه سياستكم أيها البورجوازيون، لا مرايا. أنت منشغلون بمالك الأشياء، لا بخالقها، الذي هو العامل بأجر؛ الإنسان الخالق-الصانع، منشغلون بالمالك الطفيلي ورجله صاحب السجن والبوليس وأدوات التعذيب بالنار.
تنكمش الوجودية عند سارتر كفلسفة تهكمية إلى ضرب من علم للنفس يرصد من خلالها علاقة الذوات الفردية بنفسها وعلاقتها بالذوات الأخرى. حيث يؤكد سارتر وجود برزخ (عدم؛ معبر أو مجاز) يفصل بين الأنا والغير(الآخر)، ويترتب على ذلك وجود علاقة شبيهة بالأشياء. لكن علينا التمييز بين "موضعة" النشاط والفاعلية الإنسانية للأفراد، أي تحويل هذه الفاعلية إلى شيء موضوعي مادي، وبين الاغتراب أو الاستلاب، حيث "يقف أمام الانسان الفرد نتيجة نشاطه الخاص، عمله الخاص، كشيء موضوعي مستقل عنه، ويسيطر عليه بقوانين خاصة، غريبة" (لوكاش: التاريخ والصراع الطبقي)
ويرى سارتر أن الانفصال بين الذوات الفردية يجعل معرفة الغير تقتضي تحويله الى موضوع (وجود موضوعي)، وبذلك لن يكون الغير سوى صورة ذهنية لهذا الموضوع الملقى أمامي. وهذه المقابلة المرآتية لن تُظهر حقيقة الفرد، لأن مثلها كمثل مقابلة بضاعة ببضاعة أخرى في السوق الرأسمالية، هذه المقابلة لا تظهر حقيقة البضاعة أو السلعة، لأن حقيقة البضاعة كما أسلفنا من قبل متوارية خلف جسد البضاعة، إنها قوة عمل العامل بأجر في نظام رأسمالي بضاعي، وقد تحولت إلى أشياء مادية تقف في مواجهته.
هذه العلاقة مع الآخر تزاحمية ممزوجة بالتنافس والمكيدة والحسد، بالتالي يخشى الفرد في المجتمع الرأسمالي البورجوازي دائماً من الطعن بالظهر، ومن خذلان الآخر وخيانته. يقول جارسان: لن أترك له الفرصة ليأتيني من الخلف قبل ان اتحين الفرصة لامسك زمامه"
والعبارة تتضمن تورية جنسية مثلية، وهذا يتردد في المسرحية مع اينز وأستل. إن ميل وجودية سارتر وانحدارها نحو ضرب من علم للنفس، يجعلها تهجس بالبعد الجنسيّ وانحرافاته وبالمثلية الجنسية.
جارسان: الحياة بلا نوم هي الحياة بلا راحة، هي حياة أرزح فيها تحت رقابة الآخر التي لا تكلّ. أشير هنا إلى عنوان كتاب فوكو الشهير: المراقبة والمعاقبة-ولادة السجن." حيث العقاب الأشد هنا هو المراقبة الدائمة من قبل الآخر المتسلّط. بحيث يحتاج المعذَّب إلى تعويذة؛ إلى طلسم لإبعاد هذا التسلط.
يقول جارسان: في رمشه يكون الجفن كالباب الأسود الصغير (حجاب وباب) الذي يقفل على العين لتنال قسطاً صغيراً من الراحة، وليطرّيها ويندّيها قبل أن تفتح من جديد. هذه الإغماضة راحة للعين كما النوم راحة للبدن. أما العقل فوجهه دائم لا ينام. فسُبْحَانَ مَنْ لا يَنَامُ وَلا يَسْهُو!
المراقبة الدائمة والشخوص الدائم عقاب شديد. هي الجحيم. حيث (جحم) الحرارة وشدتها، والجاحِم المكان الشديد الحر. وبه سُميت الجحيم جحيماً. ومنه الجحمة: العين، يقال انها بلغة اليمن، لأن العينين سراجان متوقدان وجحمتا الأسد عيناه. ويقال: جحّم الرجل، إذا فتح عينيه كالشاخص (من الهول والفزع) والعين جاحمه جاء في سورة إبراهيم: (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [42]. والاجحم: الشديد حمرة العين مع سعتها. وجحَّمني بعينيه إذا أحد النظر(وأطال) [معجم مقاييس ج1 ص 429-430]
في حوار بين جارسان والخادم، يظهر جناس لغوي عربي بين العمى والراحة.
جارسان: ولكن مما لا شك فيه أن لديكم أيام راحة، أين تقضيها؟
الخادم: في المكان الذي فيه عمّى، إنه رئيس الخدم، هنا ولديه حجرة في الطابق الثالث. "
نلاحظ الجناس اللغوي في العربية بين عمى، وعمّي
إن إبقاء ضوء الكهرباء في حالة دائمة ضرب من العقاب للسجناء. الإدارة يمكنها أن تقطع التيار، ولكن لا اذكر أنهم فعلوا ذلك في هذا الطابق" هذا ما يقوله الخادم لجارسان.
يقول جارسان: على الانسان أن يعيش بعينيه مفتوحتين طوال الوقت .. نور النهار في عيني ابداً" عيون الآخرين جاحمة دوماً تراقبني، أنا في الجحيم!
يتحدث جارسان عن التعذيب بالتفريق، تفريق الفرد عن أحبائه، وتتحدث اينز عن التعذيب بالجمع وحضور شخص بعينه أو أكثر أمامك طوال الوقت. وأينز اسم علم للأنثى ذو أصل أسباني-برتغالي.
جارسان وأينز كل يعتقد أن الآخر هو المعذِّب. يقول جارسان: كوننا وقعنا في مأزق واحد علينا أن نتكلم.
جارسان صحفي وكاتب محترف وأينز غير متزوجة (عذراء بتول).
جارسان يسأل أينز: هل تعتقدين حقاً أنني اشبه المعذِّبين؟ وكيف يميز الانسان المعذِّبين؟
أينز: يبدو عليهم الخوف.
وكون كل فرد حسب وجودية سارتر النفسانية هو ضحية وجود الآخر ومراقبته له، يضع على لسان جارسان هذا الكلام: وممن يخافوا؟ أمن ضحاياهم؟
لكن جارسان لا يستطيع النظر إلى وجهه في المرآة ليتأكد من صحة قول الآخر؛ أينز. يقول: يا لوحشيتهم! لقد نقلوا كل شيء يمكن أن يشبه المرآة. مهما يكن أؤكد لك أنني لست خائفاً.
أقول: إن غياب الانعكاس الذاتي للهيئة يمكن أقوال الآخرين من أن تزرع الشك في النفس. أقول هذا لأنه لا توجد مرآة في السجون. وعلى هذا الأساس يقول جارسان لإينز: أفضِّل ان أكون بمفردي.
هذا الانزعاج من أقوال الآخرين ومن البلبلة والشك التي تعمله هو الذي جعل اينز تقول لجارسان: ألا يمكنك أن تبقي فمك مغلقاً؟ يجب ان تغلقه طوال الوقت، إنه كريه. لكن فم جارسان كريه لا لأنه يتكلم كلاماً تسمعه أينز وهي مجبرة، ولكن لأنه ينقل الخوف والشك الذي يحمله جارسان، خاصة عبر شكل التوائه. نقل الخوف بين فرد وآخر كعدوى التثاؤب وهو ما يسمى في علم النفس بـ “النقلة" حيث يمكن نقل الخوف والذعر والملل والنفور الخ.
وهذا الالتواء في فم جارسان علامة شيطانية كفم الشيطان الأجنبي الملتوي في رواية بولغاكوف"المعلم ومارغريتا".
أينز لجارسان: ليس من حقك أن تشيع منظر خوفك في نفسي. تذكر أنك لست وحدك.
جارسان: وماذا عنك أنت، ألستِ خائفة
أينز: وماذا يفيد؟ لقد كان هناك سبباً للخوف من قبل، عندما كان هناك أمل
نقول نحن في الحياة اليومية: لم يعد يوجد ما يخاف المرء عليه. يقول المتنبي:
"أنا الغريق فما خوفي من البللِ"
جارسان يجلس وأينز تواصل مشيتها في الحجرة. فم جارسان يرتعش، وبعد نظرة سريعة إلى أينز يدفن وجهه بين يديه. تدخل استل مع الخادم، وتنظر إلى جارسان الذي لايزال يدفن وجهه بين يديه. وجهه مدفون في التراب، لأن إبليس في حجته ليس له حجة حين قال: أنا خير منه!
أستل: (لجارسان): لا ترفع وجهك .. فأنا اعرف ما الذي تخبئه بين يديك. هذه تورية لطيفة حيث يخبئ جارسان وجهه بين يديه، لأن ملامح وجهه وفمه خاصة تفضحه، بأنه المعذِّب. وربما أشارت العبارة إلى استطاعة أستل رؤية ما في نفسه دون أن تنظر إلى وجهه.
ويخطر لي في هذه المناسبة أن استحضر الثلاثي الإسلامي الشهير: آدم-حواء-إبليس، مقابل: جارسان-أينز-آستل.
آستل: أوه، علينا أن نظل سوياً نحن الثلاثة، هذا السيد وهذه السيدة وأنا. (تبدأ في الضحك)
وحين أمر إبليس بالسجود لآدم: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [ص:76]
قال تعالى (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:38]
آستل: لن يفيد القلق شيئاً، علينا تقبل ما نواجهه.
ولأن مصير الثلاثة واحد، وهم واحد مقعدهم نفس جارسان (أينز) وشيطانه آستل. وهو شيطان عقلي لا حسي، إنه يلوم نفسه لأنه هرب من أرض المعركة أمام العدو ولم يواجهه واتهم من معارفه ورفاقه بالجبن والخيانة. لهذا تختار آستل الأخضر. ولإبليس عينان واحدة سوداء ميتة فارغة مملوءة بتراب الأرض، وأخرى خضراء كالسماء.
آستل: سألتصق يا سيدتي بالكرسي الأخضر (تتوقف) آه الكرسي الوحيد الذي يناسب ما أرتديه بعض الشيء هو مقعد السيد (وقفة ثانية: ازدواج) يكتب بولغاكوف في المعلم ومرغريتا: كان منظره يوحي بأنه في الأربعين أو تجاوزها قليلاً ذو فم ملتو، وذقن محلوق بعناية، أسمر اللون. عينه اليمنى سوداء واليسرى لأمر ما خضراء. حاجباه اسودان إنما أحدهما أعلى من الآخر. وباختصار كان أجنبياً (غريباً)" (نايف سلوم: نقد النساء) وهذا الفم الملتوي يشبه فم جارسان حين يتكلم. وقد قيل إن الشمس تشرق في الصباح بين قرني الشيطان.
آستل: بما أن علينا أن نعيش سوياً، أظن أنه من المستحسن أن نقدم أنفسنا
يدور حوار بين أينز وآستل عن موت كل منهما. لقد ماتت آستل بذات الرئة (نيمونيا) وأينز أحرقت بموقد الغاز على يد خليلتها. نكتشف هنا أن الحوارات كانت تدور في العالم الآخر؛ عالم الأفكار (العالم الداخلي لا عالمنا الخارجي اليومي). الشخصيات المتحاورة جميعها موتى ذات قلوب متحجرة.
جارسان: 12 رصاصة في صدري. آسف إنني أخشى ألا أكون رفيقاً طيباً وسط الموتى.
أستل تعترض على استعمال كلمة الموتى وتفضل كلمة الغياب، لأنهم حين كانوا أحياء كانوا كالأموات. تقول: إننا لم نكن أحياء كما نحن الآن". نعم هم أحياء كشخصيات في ذهن سارتر المؤلف، وفي مسرحية “جلسة سرية"، أكثر من حياتهم التجريبية اليومية.
ثم يتحدث جارسان عن محاولة زوجته زيارته وهو في السجن لكنها تفشل ولا تعرف انه أعدم ب 12 رصاصة. ثم يتبع ذلك حوار الموتى. وفي تعريف الموت أقول؛ (موت): ذهاب القوة من الشيء؛ والموت خلاف الحياة" [معجم مقاييس ج5 ص 283]
هذه المضارعة في الأفعال تشير إلى حضور هذا الوضع البورجوازي الشيطاني حتى عصرنا حضوراً راهناً.
استل تُظهر عقدة نفسية: إنني أشمئز من الرجال في قمصانهم. ثم يتداخل مونولوج بالحوار الخارجي فتتحدث استل عن أولجا: أولجا تخلع ملابسها. وأينز في حديث عن الأرض: نعم بعد منتصف الليل، كيف يمر الوقت سريعاً على الأرض (إنهم في السماء في عالم الأفكار الشيطاني) لقد ختموا على حجرتي، إنها مظلمة مظلمة وخالية.
جارسان: شمروا أكمام قمصانهم فوق الاذرع .. وبدأ الجو النتن من الرجال ودخان السجاير.. لقد اعتدت على حب الحياة بين الرجال في تلك القمصان.
آستل: (بشراسة موجهة الكلام لأينز): ما رأيك أنت، هل تحبين الرجال في قمصانهم؟
يبدو أن أينز لديها ميول منحرفة (معوجة) مثلية، تقول: إنني لا أهتم بالرجال كثيراً بأي شكل من الاشكال. وحواء خلقت من ضلع آدم المعوجة المائلة (الملتوية)
آستل: إنني لا أستطيع أن أتصور لماذا وضعونا نحن الثلاثة سويا؟ لكن هذه الصحبة بين آدم وحواء وإبليس قديمة. لقد توقعت أن ألاقي أصدقائي القدامى.
ففي حديث منسوب للنبي قال: ألا لا يخلوَن رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. فالصحبة قديمة ما دام هناك رجل وامرأة في خلوة. إنها الأقانيم الثلاثة لآدم: آدم، حواء، إبليس.
جارسان: يجب أن أقول أنها مصادفة محضة .. لأينز: لماذا تضحكين؟
أينز: لأنك تسليني بمصادفاتك، كأنهم تركوا أي شيء للصدفة (لم يترك شيء للصدفة إنه قانون النفس وميولها)، ولكني أعتقد أنك تحاول استرجاع نفسك (وحدة نفسك بعد تشتتها) بعض الشيء للتأكد.
أستل: ألا تظن أنه ربما قابلنا بعضنا يوما ما في حياتنا؟
لم يحضروا جميعا باستثناء أستل حفلات المجون البورجوازي، ومع ذلك فقد اجتمعوا.
أستل: إنها صدفة غريبة تلك التي جمعتنا سوياً.
لكن هذه الصدفة تخفي وتواري خلفها ضرورة هي علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تجعل مصير الأفراد البشريين المنتصبين Homo erectus (ماري أوجان فرانسوا توماس دوبوا مكتشف أول إنسان منتصب) متشابهاً. إنها الصدفة ونفس الضرورة هي التي أسست هذه الحجرة على طراز الإمبراطورية الثانية؛ هي البورجوازية المنحطة الناكصة عن شعارات الثورة الفرنسية. هي صدفة أيضاً؛ أي نفس الضرورة التي جعلت المقعد الذي على اليمين أخضر، وهذا الذي إلى الشمال أخضر بلون النبيذ، أي جعلت الوضع في أوربا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية شيطانياً بجميع قواه في اليسار واليمين واختلط كل شيء والتبس.
أينز: حاولي فقط أن ترفعي الكراسي وسوف تدركين الفرق بسرعة كافية. أي فقط اكشفي الغطاء عن الصدفة وسوف تظهر لك الضرورة.
أينز: إنني أقول لك أنهم فكروا في كل شيء طويلاً، وبكامل تفاصيله، لم يدعوا شيئاً للصدفة. إن هذه الحجرة قد صنعت لنا ومن أجلنا تماماً. كل شيء مثبت منذ الإمبراطورية الثانية؛ منذ نابليون الثالث لويس بونابرت.
آستل: كل شيء فظيع كل شيء بزاوية غير مريحة، كزاوية التواء فم جارسان؛ كل شيء معوجّ
أينز: هل تعتقدين أنني أعيش في غرفة استقبال على طراز الإمبراطورية الثانية؟
آستل: إذاً لقد كان كل شيء مثبتاً من قبل
أينز: وقد وضعونا سوياً عن قصد
بمعنى آخر كان على البورجوازية الناكصة المنحطة أن تجعل الفرد البورجوازي في وضع منحرف؛ شيطاني رهيب.
أينز: إنني أشبهكما في الظلام تماماً، وعندما تتشخص هذه الأقانيم الثلاثة نظهر مختلفين. يظهرأن الصدفة. فوجهيكما لا ينمان عن شيء، فقط هما وجهان لحالتي، لنفسي.
نحقق بعض الألفاظ (الغلطة): الصدف، ميل عن الصواب وإعراض ووضع الأشياء في غير مكانها، وهي كالعرض، أو الانحرافات الجنسية ففي تمظهراتها الكثيرة تشير إلى نفس الداء؛ وهو الانحطاط، انحطاط المجتمع البورجوازي.
آستل: إنني أندهش إذا لم تكن هناك أية غلطة شنيعة. من المحتمل أن يكونوا قد أخرجوا بواسطة موظفين لا يدركون مهمتهم جيداً لذلك فهم يخطئون أحياناً.
إذا لم يكن هناك خطأ وأننا جئنا إلى هنا خطأ، وأن كل شيء مدبر ومقرر سلفاً فهذه كارثة، وإذا كان لاحول لنا ولا قوة فنحن أموات حقاً، وعلينا أن نفتح أعيننا قدر المستطاع ونصاب بالدهش والبهت والجَحْم.
الخطأ مجاوزة حد الصواب، والخطيئة الذنب وترك وجه الخير. هل أخطأت أستل بزواجها من صديق عجوز لعائلتها؟ كلا، فحسب "الطموح" البورجوازي لم تخطئ فهي مدفوعة بعبادة النقود.
حوار بين جارسان وآستل عن الاطلاع على الشؤون الخاصة للآخر، وهل هذا عمل إجرامي؟ أي هل انتهاك أسرار الاخر جريمة؟
آستل: إن أحدا لا يستطيع أن يلوم إنسانا على ذلك. هذه إشارة إلى خطأ تقنية التحليل النفسي وانتهاك أسرار الفرد وتاريخه الشخصي، لكن العصر يصيب الأفراد بالعصاب فيفشون مكنوناتهم، إنه عصر شيطاني. في الاعتراف المسيحي لا يرى القس أو الخوري وجه المعترِف، هذا على العكس من تقنية التحليل النفسي الفرويدي. لقد أدان ديستويفسكي هذا الانتهاك في واحدة من أهم أعماله (الأخوة كارامازوف). واعتبره عملاً عدوائياً وجريمة لا تغتفر.
يدور حوار بين جارسان وأستل حول تقييم فعل كل منهما والذي أدى إلى موتهما، إنه الشك بما نقوم بفعله، هذا مميت.
أينز لآستل: نعم، نحن مجرمون قتلة –كلنا نحن الثلاثة-ثلاثة هيئات لنفس واحدة معذبة ممزقة
إننا في جهنم، يا للأطفال المدللين، إنهم لم يقترفوا أي ذنب والناس لا تدان بلا سبب.
الإحساس بالخطيئة، بالذنب وتمزق النفس إلى هيئات ثلاث. والدخول في جهنم، وما جهنم سوى بئر بلا قرار؛ والنفس المنقسمة المشتتة بلا قرار ولا يقين فهي في جهنم. وهي تحس بالرجس والمخالطة والاختلاط
أينز: في جهنم أرواح قذرة –هي نحن-نحن الثلاثة! الشعور بالذنب وخيانة الآخرين وخذلهم
أينز: هناك أناس أفنوا حياتهم من أجلنا، وتحت على الأرض ضحكنا عليهم. نحن ندفع الثمن. جارسان يصم أينز بالنفس الملعونة. أينز: الآن أعرف، لماذا وضعونا نحن الثلاثة سوياً
العذاب نفساني لا جسدي، هو لعنة نفس معذبة منقسمة أمّارة لوامة.
أينز: لن يكون هناك عذاب جسماني أنت توافقني؟ سنبقى إذا في هذه الحجرة سوياً نحن الثلاثة إلى الابد
النفس حبيسة انقسامها وتأنيبها وإحساسها بالعار والذنب (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [النحل:18]
المُعَذّب هنا هو المُعَذِّب. قال المتنبي:
وأنا الذي اجتلب المنية طرفُه فمن المطالب والقتيل القاتل
لا تقية في العصر البورجوازي كل شيء معرض للفضح والفجور وفرط الانكشاف، إنه انتهاك الكل للكل وتلصص الكل على الكل ومراقبة الكل للكل بلا وازع. إنه عصر شيطاني مبرِّح لفرط الكشف والتفسير.
أينز: هناك شخص غائب هنا، المُعَذِّب الرسمي. إننا سنعذب أنفسنا بطاقاتنا الشريرة. إن كل واحد منا سيقوم بدور المعذِّب للآخرين. إذا كان الله غير موجود فكل شيء مباح ومبرّح
جارسان: الحل سهل كل واحد منا يقبع في مكانه ولا يأخذ أي ملاحظة على الآخرين، كما يجب ألا نتكلم، لا نتكلم كلمة واحدة. سنصنع بأيدينا خلاصنا فنتأمل نفوسنا ولا نرفع رؤوسنا. ولكن هيهات لعصر فقد كل عفّة وكل ورع وحطم كل مقدس حتى "المقدس المستقبلي" أو المجتمع الجديد، إنه ضرب من الالحاد العدمي المميت؛ إنه الجحيم. عصر بورجوازي منحط أبقى عليّ أنا وأنت في مواجهة مباشرة من دون توسط (الحقيقة والحق) جعلنا في نميمة ومراقبة ومعاقبة متبادلة بعضنا لبعض.
(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) [الأعراف:24]
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته وآدم وولده والحية. ذكره لآدم وحواء وإبليس والحية، اهبطوا من السماء إلى الأرض، بعضكم لبعض عدوّ. وأشخاص جحيم سارتر أربعة: جارسان وأينز وأستل والخادم، وقد سقطوا إلى أعلى من الأرض إلى عالم الأفكار كشخصيات في ذهن مؤلف المسرحية.
مع غياب أي توسط بين الأفراد الذين هم في حالة عداوة وتزاحم في العصر البورجوازي، أصبح أنت مرآة أنا.
استل: اسمح لي هل معك مرآة؟
النظر إلى الآخر والشعور بالذنب، والكلام علاقة بالآخر ووسيلة تواصل كبرى. حتى إذا لم تشأ أن تكلمني يمكنك أن تعيرني المرآة. المرآة بديل عنك أنت جارسان. فيها أرى نفسي.
الانسان من دون مرآة شقي، شقي في وحدته من دون وجود آخرين. قال المعري:
ولو أني حبيت الخُلْد فرداً لما أحببت في الخلد انفرادا
ولكن يا للجحيم! ففي عصرنا هذا صار وجود الأخرين هو الجحيم وهو الشقاء نفسه لأن الكل يراقب الكل، يزاحمه ويحسده، والكل في حالة نميمة ضد الكل. إنها حرب الجميع ضد الجميع
عندما ترى أستل اينز تشعر بالاشمئزاز، وقد تكون هذه كناية عن ميول مثلية تشتتها وتجعلها تتمايل وتفقد وعيها
أما بخصوص المرآة فتقول أستل: عندما لا أستطيع رؤية نفسي أبداً أبدأ بالشك، إنني أتحسس نفسي فقط لأتأكد، ولكن هذا لا يفيد كثيراً.
ومن المعروف فيزيولوجياً أن اغماض العينين يجعل توازن الجسم أصعب.
وجود الآخر الشاخص أمامنا ونحن نراه بالنظر يجعلنا نقدر أنفسنا كما لو كنا ننظر في مرآة عاكسة.
أينز قلقة على نفسها في مخيلتها لاضطراب علاقتها بالآخر(الرجال) لذلك تقول لأستل: إنك محظوظة. إنني أقلق بشكل مؤلم. لا شك القلق مؤلم وغير مريح.
كل ما يجري في مخيلة الانسان غامض، إن ذلك شبيه بالنوم بل يدفع للنوم، لأنه إذا كانت المخيلة وحدها هي التي تعمل فهذا معناه أننا لسنا في حالة يقظة، بل في حالة نوم. ويكون الآخر داخلنا على شكل تخيلات وتصورات.
وجود أستل شيطاني ها هي تقول: إن لدي ست مرايا كبير في حجرة نومي. ها هي هناك إنني أستطيع أن أراها ولكنها هي لا تراني. ليس لأستل انعكاس في المرآة ما ينعكس هو الشخص الظاهر، أما الخفي الطيفي فلا يظهر إلا في الخيال. تقول: إنها مرآة تعكس البساط والكنبة والنافذة. لكن يا لها من مرآة فارغة، مرآة لا وجود لي فيها. الوجود الشيطاني يفتقد للذات والشخص، والمرآة لا تعكسه هو حالة تشتت وتبعثر للذات، للإنية، وعين فارغة
كعين إبليس السوداء فارغة كأنها ثقب دقيق لا قرار له.
تقول أستل: عندما كنت أتحدث مع الناس كنت دائماً أتأكد من ان هناك شخصا قريباً مني أستطيع أن أرى نفسي خلاله، كنت أراقب نفسي وأنا أتكلم فهذا يجعلني متيقظة فأنا أرى نفسي عندما يراني الآخرون. إنه عصر شيطاني لا وجود للحقيقة والبحث عنها، بل وجود شاخص للآخر جاحم.
أينز نتيجة لميولها المثلية تقول لآستل: إذا كان مكتوباً علي أن أشقى فقد يكون ذلك على يديك الجميلتين. لأستل: اقتربي أكثر انظري في عيني، ماذا ترين؟
أستل: إنني هناك لكن بشكل دقيق جداً، إنني لا أستطيع أن أرى نفسي جيداً. بالطبع لأن أينز ليست رجلاً، أي أنه يوجد نقص في آخرية الآخر. استل يبدو عليها الارتباك تستدير إلى جارسان كأنما تسأل المساعدة. المثلية تشوش فكرة الآخرية. أينز: إن لي ذوقك يا عزيزتي لأنني أحبك كثيراً. ألست أجمل من مرآتك(الرجل)
آستل: إنني لا أنشئ صداقة مع النساء بسهولة.
أينز: ولكن تصوري أن المرآة (الرجل) بدأت تكذب عليك؟ أو افرضي انني اغمضت عيني –كما يفعل هو(الرجل) – ورفضت ان انظر إليك، ألا ترين أن جمالك كله سيصير سدى، لكن لا تخافي إنني لن احتمل ان أغمض عيني دونك سأكون لطيفة معك إلى الابد ولكن يجب ان تكوني لطيفة معي أنت الأخرى. (تبادل الأدوار بين أنا-أنت كبضاعتين متقابلتين)
ص 51 تسهب أينز في الحديث عن وجود الآخر الرجل سواء بالكلام أو النظر أو مجرد الحضور، وكيف يلوث هذا الحضور صوت استل وهو قادم إليها، وكيف يسرق وجهها فلا تعود تصلح مرآة لاستل.
في سماع الأصوات المتعددة المتقاربة في الشدة لا نسمع سوى الضجيج المزعج، لا بد من هيمنة صوت واحد حتى نسمع ونفهم ونتعلم. ولا تكون النجاة إلا إذا أحضرنا أشباحنا على الحقيقة لا على المثال. الحقيقة تظهر للآخر كمثال ولكنها حاضرة في ذهني على الحقيقة. علينا معرفة أنفسنا على قول سقراط: اعرف نفسك! الحقيقة ليست شخصاً ماثلاً أمامي فحسب، بل صورة نفسية وحقيقة (أيقونة: صورة الحق)
جارسان: الحقيقة انها أعجبت بي كثيراً
العَجْب: رجل تعجب النساء به، الزهو والكِبْر. والعَجَب: أمر خارق لا يصدق لاستحالته، وتعني: الانكار والدَهَش.
أينز: هناك عملي (ممارستي) مع فلورانس. قصة رجل ميْت. ثلاث جنيات. كان هو البادئ بالممارسة معها ثم انا وهي.
عناوين الرواية: قصة رجل ميْت؛ ثلاث جنيات؛ قصة ثلاثة؛ رجل وامرأتان. آدم وحواء والحية (إبليس)
أينز: لقد زحفت داخل جلدها كحية. رأت الدنيا بعيني أنا، وعندما تركته، أخذتها على ذراعي وتقاسمنا غرفة للنوم والجلوس في طرف البلدة. نحن قتلناه سوياً.
أينز: إنني قاسية. والقسوة غلظ القلب وتحجّره. لا أستطيع أن أعيش دون أن أجعل الناس يقاسون مثل الجمرة، جمرة متقدة في قلوب الناس، عندما أكون وحدي انطفئ. ستة شهور كنت الهب قلبها (قلب فلورنس عشيقتها) حتى لم يبق إلا الرماد. ثم قامت فلورنس وأحرقتها بموقد الكاز(gas).
الجحيم حوارات الموتى. الشرير من الشرر المتطاير من النار: الانتشار والتطاير، الأبلسة والشيطنة شرر، ولسان إبليس مشرشر كلسان لهب النار؛ لسانٌ مشقوق.
صورة شعرية: كان فقيراً كالفأر في الكنيسة
ص 64 حديث عن المصير المشترك للأفراد الموتى لقد شبكونا معاً، كأننا سقطنا في شباك عنكبوت.
والموت ذهاب الطاقة والحياة. تقول أينز: إنني أحس بالفراغ إنني جامدة، والجماد مالا حياة فيه، بل الواقع أنني ميْتة
يقول جارسان: فقط بحاجة لقليل من العطف، ولكن كل شيء تحجر. لا فائدة لقد تجمدت كلية، لا أستطيع أن آخذ أو أعطي؛ جيفة ميته في طريقها إلى الحرق (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ) [يس:67]
تعتقد أينز أنها تصطاد أستل برغبتها المنحرفة المخالطة لمفهوم الآخر (الرجل). ربما أنا التي سأصيدها.
جارسان: لن تصيدي شيئاً، إننا نطارد بعضنا، فقد وضعتنا العلاقة البورجوازية في تزاحم شامل؛ الكل يطارد الكل. نجري وراء أنفسنا في دائرة شريرة. هذا بالطبع جزء من خطتهم كونهم يستولون على فائض الإنتاج، ويشرفون على العمل الفكري وعلى عملية الإنتاج والتوزيع. نحن بالنسبة لهم مجرد أجساد!
اسقطيها من حسابك؛ أسقطي هذه الرغبة المنحرفة، وإلا فإنك ستجرّين القرف علينا نحن الثلاثة. والقرف: القشر ومنه القرفة تلبيس، والقرف الوباء أي المخالطة والالتباس، إنه تلبيس علاقة الرجل بالمرأة، علاقة الانسان بنفسه.
أينز: إنني ذاهبة إلى النار، إنني سأمسكها، ستراك هي بعيني أنا كما كانت فلورنس ترى ذلك الرجل الآخر. ما فائدة اشتراكي معهم عاطفياً، لا أستطيع أن أحس الأسى حتى مع نفسي. أنا قاسية غليظة القلب متحجرة-مسخ.
جارسان: لقد أصبحت جافاً جامداً، ولكن بالنسبة إليك ما زلت أستطيع الشعور بالشفقة.
(شفق): رقة في الشيء. ما يزال يستطيع الشفقة على نفسه، ما يزال لديه بقية حياة رغم الموات والجفاف. تقول أينز: إنني أكره أن يعطف عليّ الآخرون، واحتفظ بشفقتك لنفسك
توجيه مسرحي هام ص 69، حيث يوجد تلبيس بالنسبة لآستل بين أينز وجارسان: أما أينز فإنها تهمس في أذن أستل موجهة إليها أسئلة طوال الحوار القادم، ومع ذلك فإن أستل تظل ناظرة إلى جارسان كأنه هو الذي يسألها
تمر أستل بحالة هذيان كأنها منفصمة فهي تتحدث عن حياتها السابقة على الأرض مختلطاً بوضعها السماوي الراهن؛ وضع الميت.
استل تدعو جارسان كي يلحظها كرغبة ويجمع شتاتها، فيقول: يجب أن توجهي حديثك إلى تلك المرأة. لأنني ممزق، وفاقد الشيء لا يعطيه فحتى اجمع أشتاتك يجب أن أكون قادراً على جمع شتات نفسي.
أينز برغبتها المنحرفة المخالطة: سأظل أعتني بك إلى أبد الآبدين شاخصة بعيني مجمدة جفني؛ جاحمة، فأنت الجحيم بالنسبة لي.
أينز: افعل ما تريد، إنني أضعف منكما، لكن لا تنسى أنني هنا ألاحظك، لن أغمض عيني عنك سأجحمك يا جارسان. عندما تقبلها ستحس بهما يخرقان جسدك افعل ما تريد وانته. إننا في الجحيم، وسيأتي دوري (خلال المنظر الآتي تلاحظهما دون أن تتكلم. )
إننا في الجحيم: تقول استل لجارسان: ستكون تحت عيني طوال الوقت وهذا كل شيء.
جارسان نفس بلا قرار؛ إنّي في جهنم، مصاب بالرهق كإبليس: لا أستطيع أن اقرر (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن:6]
أينز تدفعه إلى الاعتراف والبحث عن بواعثه الحقيقية التي أوصلته إلى الموت الفاسد.
جارسان في سماء الافكار التي هبط إليها من الأرض، يشيد بعين إبليس الخضراء وبموطنه "السماوي" الجهنمي: تعالي هنا يا أستل، انظري إليّ أريد أن أحس أن شخصاً ينظر إلي، بينما هم يتكلمون عني على الأرض. إنني أحب العيون الخضراء أحب السماء.
إنها عين ابليس العقلية تلك التي أعجب بها جارسان الضرسان؛ إنهم موتى، مجرد أفكار.
إن العقل وقد تجرد عن الوجد والوجدان، عقل بلا اعتبار ولا موقف أخلاقي ولا التزام. عقل باع نفسه للشيطان، وغدا تسلية للطغاة كالدكتور فاوستوس!
يذكر ابن عربي أن الشياطين قسمان: قسم حسي، وقسم معنوي، حيث يفتح
الشيطان بابا لقوى النظر، والمدقق يقوده فضوله وقوة تحقيقه إلى معاني مهلكة لا
يقدر على ردها. والشيطان يجهل مآلات هذا الباب الذي دفع الإنسان إليه " (الفتوحات المكية، السفر 4 الباب 55)
جارسان: (لآستل): لا أحد على الأرض يعطيك فكرة أخرى، ولكن أنا الأوروبيّ متُّ منذ وقت طويل وتحولت إلى فكرة. سيقولون على الأرض: جبان مثل جارسان اللعين. وهذه الفكرة لن تموت سوف تتناسخ من جيل إلى آخر. لقد كنت يوماً ما رجل عمل، والآن أنا فكرة، وهم على حق لأنني مت،
في هذه المخالطة وهذا الدوران المرهق المميت تشترط أستل على جارسان شرطاً مدوخاً: إذا أردت أن أؤمن بك فلا بد أن تثق بي. هذا عهد الشيطان: إذا أراد الانسان أن يؤمن به الشيطان فيجب أن يثق الانسان بالشيطان. ولكن يا له من عهد رهيب!
جارسان المعجب بعين إبليس الخضراء يرعبه الموت العقلي، غير عابئ بآلام الجسد. يقول: سأحتمل أي شيء، أسلنتكم الحمراء الملتهبة، حديدكم المنصهر، أحجاركم وجمركم ولهيبكم، كل آلاتكم الشيطانية المستعارة من النار، كل ما يحرق ويلهب ويثير الدمع، أي شيء سيكون أفضل من هذا الموت العقلي، من الألم الزاحف الذي يقرض ويعذب ولا يصيب بما فيه الكفاية (أفضل من الموت الفاسد والانمساخ، أفضل من العار)
تظهر أينز على أنها إيزيس الربة المصرية؛ ربة النفس، السامّة كالفارماكون؛ كالكلمة المُعنّفة اللوّامة، ربّة النفس، نفس جارسان، هي حواء نفسه اللوامة. جارسان: يا لك من امرأة سامة، تملك الجواب عن كل شيء!
أينز: الآن لا تفقد قلبك(تشجع)، لم يكن من الصعب اقناعي. اجمع شتات نفسك أيها الرجل (كما جمعت إيزيس أشتات جسد أوزيريس الذي مزقه الخنزير البري الأسود؛ أخوه الشيطان ست)
آه ألم أكن على حق عندما قلت إنك قابل للانتقاد؟ والان ستدفع أنت الثمن، وأي ثمن؟ (العار) إنك جبان يا جارسان لأنني أريد ذلك، أريد ذلك أتسمعني؟ أريد ذلك وفعلا أنظر إلىّ فقط، انظر كم أنا ضعيفة، مجرد نفس في الهواء. نظرة تراقبك (من الباطن) فكرة بلا تكوين تفكر فيها (تحسها ولا تصيغها). الآن لقد فتحت الآن هاتين اليدين الكبيرتين، لكن ماذا تأمل أن تفعل؟ إنك لا تستطيع أن تخنق الأفكار بالأيدي. عليك بإقناعي عليك بامتلاك القرار.
استل: (وسوسة شيطان): انتقم لنفسك. كأنها تقول: اقتل نفسك لأن الانتقام سيكون من نفسك اللوامة. هذه النفس التي أقسم الله بها: (لآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ، وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ) [القيامة:1-2] أقسم بيوم الحساب والجزاء، وبالنفس الزاجرة. ولأفلاطون كتاب منحول عن الكتب الهرمسية المصرية بعنوان "زجر النفس" أو معاذلتها ومسّها اللاذع.
ومع انحطاط البورجوازية سوف يكون الجنس ودراسة النفسانيات والفرويدية عزاءً كبيراً
أينز: إن الجنس عزاء كبير، أليس كذلك يا صديقي؟ عميق ومظلم مثل النوم، وهو يوصف للأرق وقلة النوم، ولكن سأرى أنك لا تنام، أي حتى الجنس سوف لن يعود عزاء لك أيها الأوروبيّ البورجوازيّ المنحط.
أينز؛ إيزيس؛ النفس البشرية تراقب كل شيء وهي جميع كل شيء، ربّة القمر
أينز: يا له من منظر جميل! الجبان جارسان يحمل بين يديه الآدميتين الطفلة القاتلة آستل! عاهدا بعضكما أنتما الاثنين كما عاهد فاوست الشيطان، هل يُقبّل جارسان المرأة أم أنه لن يجرؤ؟ ما هو الرهان؟ إنني أراقبكما، الجميع كلهم يراقبون، إنني انا الجميع بنفسي، هل تسمعون، الجميع. إنهم يتهامسون: جبان جبان إنه لا فائدة من محاولة الهرب، لأنك لن تستطيع الهرب من نفسك اللوامة، لن ادعك تذهب. إنني أنا التي يجب أن تقنعني، أنا نفسك. انظري كم هو مطيع كأنه كلب أليف يأتي عندما تناديه سيدته إيزيس
جارسان: الن يأتي الليل. هل سترينني دائماً
أينز: دائماً أراقبك حتى في الليل؛ في الحلم، فأنا نفسك
جارسان: هذا البرونز (يضرب التمثال بلا تفكير) نعم الآن هو الوقت إنني انظر إلى هذا الشيء (التمثال) على رف المدفأة، وأدرك أنني في النار. لقد قلت لكما أن كل شيء قد أعد إعداداً تاماً قبل أن نأتي إلى هنا. لقد علموا أنني سأقف هنا إلى جانب أضرب هذا الشيء البرونزي لأنني ألوم نفسي على جبني وهربي. وأن كل هذه الأعين (الداخلية) ستنصب علي تريد أن تلتهمني (يستدير إلى الخلف فجأة) ماذا، انتما فقط (حواء وإبليس: نفسه الأمارة ونفسه اللوامة) ظننت أن هناك أكثر بكثير. (يضحك) إذاً فهذه هي النار. لم أكن أرضى بها ابداً (هربت من النار الحسية والآلام الجسدية فوقعت بالآلام العقلية الروحية التي تزيدها بكثير). إنكم تعلمون أننا قد سمعنا أنه سيكون هناك (في السجون وفي الأسر) حجرات للتعذيب، النار والحجر، والجير المحروق، قصص الزوجات العجائز المعذِّبات، لكن ليس ثمة ضرورة لمحركي النار الحمراء الملتهبة. جهنم هي الناس الاخرون؛ هي العار. يحركون النار بنظراتهم الجاحمه جنياً وأنسياً، باطناً وظاهراً. فالآخر في داخلي كما هو في الخارج.
والحساب يوم تجحم فيه الأبصار؛ (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم:42]
مراجع التعليقات والحواشي:
1-ماركس-انجلس: الأيديولوجية الألمانية (نقد الأيديولوجية الألمانية في أشخاص "أنبيائها" فيورباخ، بوير، شترنر)
2-سيد حسين نصر: ثلاثة حكماء مسلمين [ابن سينا، السُهرَورْدي المقتول، ابن عربي]
3-يورغن هابرماس: القول الفلسفي للحداثة
4-جان بول سارتر: الماركسية والوجودية
5-عبد الرحمن بدوي: دراسات في الفلسفة الوجودية
6-مارتن هايدغر: الكينونة والزمان Being and Time" (Sein und Zeit) كتاب لهايدغر في الوجود البشري، وهو كتابه الرئيس، كتبه سنة 1927. ويترجم أحياناً ب (الوجود والزمان)
7-القرآن الكريم
8-ابن عربي: الفتوحات المَكيّة، السفر الأول
9-ديوان أبي الطيب المتنبي
10-سيرن كيركيجور: حاشية نهائية غير علمية على كتاب "الشَّذْرات"
11-جورج لوكاش: التاريخ والوعي الطبقي
12-جورج لوكاش: ماركسية أم وجودية؟
13-نايف سلوم: نقد النساء-قراءة في عابدات باخوس
14-كارل ماركس: الثامن عشر من برومير-لويس بونابرت
15-جان بول سارتر: الجحيم، ترجمة طارق فودة
16-جان بول سارتر: جلسة سريّة، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، تقديم الدكتور زكريا إبراهيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جدعنة المصريين مع الفنان محمد القس.. شوفوا إيه اللي حصل??


.. الفنان محيي إسماعيل: أنا بصحة جيدة وشكرًا للنقيب الدكتور أشر




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعي والدة الفنان أحمد مكي


.. أول مسلسل عمله الفنان محمد القس??




.. شوفوا الفنان محمد القس لو كان مصري وطلب أوردر من مطعم??