الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهر العاشر .. زينب جدتى قصتان قصيرتان

منى نوال حلمى

2022 / 10 / 7
الادب والفن


الشهر العاشر .. زينب جدتى قصتان قصيرتان
--------------------------------------------------------
1 - الشهر العاشر
-------------------------
وتهل نسائم الشهر العاشر .
بيني وبين (أكتوبر) ، شيء خاص جدا .. علاقة حميمة جدا.
بيني وبين (أكتوبر) ، أسفار لا تحزم الحقائب ، زمن لا يعاش ، وأشعارتكسر القواعد .
بيني وبين (أكتوبر) ، دهشة لم يعرفها الفلاسفة .
بيني وبين (أكتوبر) ، ابتسـامـات مترددة ، بيننـا على الدوام ألـحـان مهاجرة .
وتهل نسائم الشهر العاشر.
أنتظر (أكتوبر) انتظار عطش يائس لمواسم المطر ، انتظار الفنانة لإلهام أطال الدلال والعناد.
وتهل نسائم الشهر العاشر .
يعـرف (أكتوبر) ، كيف يعزف على الوتر الحساس ، فتنساب في الأفق أنشودة النسيان ، أنسى غباء الناس ، أنسى كيف تُخدش إنسانيتي ، وكيف الحلم عزيز المنال. يعرف (أكتـوبـر) ، كيف لا يبقى في الذاكرة ، إلا نصف الكوب الممتلئ .
وتهل نسائم الشهر العاشر .
مرة أخـرى أستضيف (أكتوبر) ، في طرقاتي المتواضعة. هـذا العام، يدخل مستغربا المكان ويسألني (أكتوبر) ألف سؤال.
أين القهوة ، وأين الأنغام ؟ أين سطـور الحكمة ؟ أين القصائد وآخر كتاب؟ أين رائحة البخور ؟ أين شموخ القوام ؟ أين مذكرات الشهور التسع الماضية ؟ أين قراءة منتصف المساء ؟ أين راحة البال ؟ أين تأمل (النيل) وقت الغروب ؟ وأين الحوار مع الشمس وقت الشروق ؟ أين فعل الخير لوجه الله ؟ أين البكاء الفرح برحيل التحسر ؟.
يجلس (أكتوبر) على مقعده المعهـود. يتمدد ، يشرد ، يتنهـد ، ينتظرللألف سؤال جوابا ، لا يعطل في الكون مجيء الخريف .
يشرب (أكتوبر) ، الدهشة وكوب العصـير . ينتظر . طال الانتظار . وأنا لا أجيب . يعيد الألف سؤال ، وبدوري أعيد الصمت ، زادي الوحيد.
يفتح (أكتوبر) ، باب الزمان .
يلتفت مـرة أخيرة إلى المكـان ، يبعثـر رائحته في الأركـان ، يـرسـم لـوحـة خريفية بكل الألوان ، يلقيني بنظرة لها ألف احتمال .. ويتركني وحيدة ..
ما لك هذا العام شديد القسوة يا شهري المفضل ؟.
عهدتك متفهما ، رقيقا ، هذا العام أحرجتني بالألف سؤال.
بم عساي الرد يا (أكتوبر)؟ ، التهمة ثابتة ، والقرائن كلها بين يديك ؟ . أي رد يجـــدي؟ ، أي شـرح يفيد ؟ ، فلم تصـر على إحراجي ، وأنت (شهرى المفضـل) ؟.
وتهل نسائم الشهر العاشر .
أعرف أنني مقصرة في واجب استضافته . أعرف أنه راحل دون كلمـة وداع. أعرف أنني جاحدة خذلت عمر (العشرة) بيننـا ، وأعرف أنني سأظل أنتظـره انتظار عطش يائس لـمـواسـم المطر ، انتظار الفنانة لإلهــام أطال الـدلال والعنـاد .
لكنني لا أعرف ، هل سيكون رحيما ؟ . هل يسامحني ؟ .
ترى هل يشفع لي عمر الوداد ، ويأتيني العام القادم ؟ .
-----------------------------------------------------------------
2 - زينب جدتي
------------
نافذة مفتوحة .
تطل على عالم بيني وبينه كلمة لم تكتمل ..
بيني وبينه ما لم أتوقعه من شجن.
ماء .. أحلام .. زهور .. هواء ..
أشجار .. طيور .. نـار .. سماء .
أين أنا من الأشياء ؟.
الملمس الخشبي يرسل إلى روحي الشاردة تحيـة . وكم الشمس حانية . دائما ترسل فيضا من خيوطها الذهبية . لم يشهد التاريخ أبدا ، أنهـا يـومـا توقفت لتسأل ، هل نستحق الدفء ؟.
منذ استيقاظي هذا الصباح ، وهي في خيالي .
هي ، "جدتي" لأمي . اليوم ، اليوم ذكرى رحيلها .
عاشت وماتت ، دون أن يجمعني بها حوار واحد . عاشت وماتت ، دون أن أتيقن بنفسي من لون عينيها .
كل ما أعرفه عنها ، هو حديث أمى عن حياتها وشخصيتها وموتها .
وهى فى مقتبل الشباب ، رقدت على سريرهـا ، تتألم .. تصرخ .. تناجي راحتها الأبدية.
كان سريرها بأعمدة معدنية أشبه بالقضبان . وأدركت أمى ، ابنتها الكبرى التى تخرجت حديثا من كلية الطب ، أنها راحلة ، وأن تلك القضبان تسجنها وراء اليأس المطلق . وخلف السرير ، شرفة دائرية تطل على أشجـار خضراء ، لا تتردد في حجب لونها الأخضـر ، حين تسمع صراخ ( جـدتي ).
تلك الخلايا الخبيثة .. لم تجد في الكون الواسع ، إلا امرأة طيبة ذات قلب طموح ، تدعى (زينب) لتنمو في أحشائها ، وتفتك بها وهي لم تكمل عامهـا الخامس والأربعين . وتشـاء الـظـروف ، أن تكـون ( زينب ) هـذه "جدتي" ، لأمي ، التي لم يجمعني بها حوار واحد ، ولم أتيقن بنفسي من لون عينيها .
حكوا لي عن طموحها .
كـانت تريد أن تغني . فرحت مع ( ليلى مراد ) ، وأبكاهـا الشجن في صوت (أسمهان) ، وأمام الشرفة تجلس مع زوجها ( جدى ) يرتشفان الشاى بالنعناع على صوت ( عبد الوهاب ) .
كانت تريد أن تكون شاعرة .
عن أسرتها الكبيرة ، تختبئ لتكتب في سكون الليل .
كانت تريد أن تسافر إلى كل أرجاء الدنيا .
وكانت تحلم بركوب الخيل .
"جدتي" في حياتي لغز لا يفسر .
لا أدري لماذا أتذكرها ، حين أتهيأ لاستضافة فرحة تعبر زماني.
لا أدري لماذا أتذكرها ، حين يغلبني اليأس ، وتجتاحني رتابـة الزمن . وأتذكرها ، حين يصيبني البشر بغثيان يخرسني .. يرعبني .
لا أدري لمـاذا يزورني وجههـا ذو القسمات التـركـيـة ، حين - في ليلـة قمرية - يشجيني شدو الكروان . وإن غاب صوت الكروان - في صخب فقد الحياء - تظل "جـدتي" معي . تحاورني .. تسألني .. تعاتبني .. تلهمني ..تطاوعني .. تعاندني .. تنصحنى .. تعزينى أنا وهى التى تحتاج الى العزاء .
وأن أتأمل صورها القديمة ، أصبح طقسا منتظما من طقوس حياتي . مرة سماؤه صافية ، تهديني الطمأنينة وراحة البال ، مـرات تنهمر الدموع ، وتعصف بعيوني الأشجان .
أمامي الآن ، صورة تجمعها مع زوجها ( جـدي ) . حكت لي أمى ، أنه لم صوته يوما عليها ، وأنه رحـل بعدها بشهور قليلة ، حزنا على فراقها . تبـدو (جدتي) ، منشرحـة .. جالسة على حشيش أخضر فى يوم مشرق ، مع بعض من أولادها وبناتها ، تبدو وردة يانعة لا مثيل لها .
اليوم ، ذكرى رحيل ( جدتي ) . ولكن كيف لي أن أتحدث عن فراقها ، وأنا التي لم يجمعني بها حوار واحد ، ولم أتيقن بنفسي من لون عينيها ؟. كيف أفارق مـن لم أقابلها ؟ . لعل هذا هـو الفراق الحقيقي . ربما هو أصعب فراق .
(جدتي) ، يا لغزا لا يفسر في حياتي .. أورثنى أمى جيناتك ، من خلال دمها وأعصابها وأحلامها وطباعها ، فهل تفصحين عن سرك ؟.
نافذة مفتوحة .
تطل على عالم بيني وبينه كلمة لم تكتمل .
بيني وبينه ما لم أتوقعه من شجن .
ماء .. أحلام .. زهور .. هواء ..
أشجار .. طيور .. نـار .. سماء .
نافذة مفتوحة .
تطل على عالم بيني وبينه ...... زينب (جدتي) .
--------------------------------------------------------------------
**************************








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل