الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصورة الأخيرة لحطام السفينة 1989(اليسو سوبيلا): رؤية الهية للنموذج البشري المحطم

بلال سمير الصدّر

2022 / 10 / 7
الادب والفن


هل من الممكن القول عن فيلم (الصورة الأخيرة لحطام السفية) بأنه فيلم تأملي عن المشهد الوجودي أو الموقف الوجودي...
روبرتو-الممثل -Lorenzo Quinteros
يعاني من الشعور الوجودي...هو يحدث نفسه داخليا(المونولوج):
لم شخص منا سيكون المختار....أم هم اختيرو اصلا...؟!
وهنا فقط الاشخاص المحكومين بالايام السوداء والموت العبثي
روبرتو يحارب العبث-كمصطلح وجودي-من خلال تمسكه بأمل كتابة رواية،وهذه الفكرة ستقودنا-فكريا وليس فنيا-الى ابعاد واضحة جدا تحفظنا عن الكتابة عنها في الفيلم السابق لنفس المخرج.
اليسو سوبيلا ينتقل من الحيز الانساني الى الحيز الالهي في عرض هدفه تأكيد الالحاد،أو تاكيد عدم وجود الله.
المقدمة السابقة (المونولوج) ستساعدنا على التقدم اكثر في الفيلم،فهناك فتاة تحاول الانتحار تدعى (ايستيلا)،وهي تعمل بالأساس كعاهرة تتصيد الرجال من خلال هذه الطريقة.
يستخدم سوبيلا الفخ الوجودي(الموت)،كفخ آخر لأصطياد نوعا ما اشخاص اغبياء،وبطلنا سوف يكون منهم،ولكنه سينتقل الى حيز آخر...حيز اعمق على ما يبدو:
سأدفع لك مقابل شيئا آخر،باختصار ان اعرف عن حياتك...أنا كاتب
هل هذا الالتقاء الميلودرامي،التقريري نوعا ما،سوف يحمل أي معنى خاص...؟!
يقول روبرتو:كنت اعرف ان ايستيلا تمتلك بعض المفاتيح الروائية،لم اكن اعرف أي باب سيفتح،والى اين سيؤدي،ولكن في النهاية في حياتي كان هناك الآن باب.
ايستيلا ليست الا نموذج تقليدي لعائلة محطمة هجرها الأب بعد الافلاس،وهذا النموذج المألوف للحياة أختاره روبرتو ليلعب دور من سيكتب الرواية...أو دور من سيكتب الحياة القادمة.
أخترت ان اكون في حلم وشعرت بالاسترخاء،فلن يقتل اي احد في حلم...أخترت ان لا افكر بجنون استيلا ولا بجنوني...
من الواضح أن ما يحاول ان يكتبه روبرتو هو نوع من الرواية الواقعية،فاستلهامها خارجي وليس داخلي،وهناك عنصرين للرواية بالنسبة اليه،احدهما خيالي والثاني واقعي.
وعلى ان الاستلهام خارجي،ولكن المؤكد،ان ما يدور داخل نفس هذا الكاتب هو اهم مما يحدث في خارجها.
هذا الكاتب الذي يبحث عن رواية تخلصه من عبثية الموت،أو اي شيء يدفعه للحياة،للتمسك بحياة ذات نهاية محسوسة تماما بالنسبة له وبالنسبة لأي انسان...الوهم حتى لو بدا واضحا،فروبرتو لا يؤمن بالله،فهو يحاول أن يتمسك ويفهم الحلم الذي يعيش فيه،بل هو يحاول أن يعطي معنى لهذا الحلم...
يقول خوسيه،أخو ايستيلا المجرم:
نحن حطام السفينة-يقصد عائلته تحديدا-تتعلق بأي شيء يطفو وانت تعرف ما هو الشيء الذي يطفو هنا...
تحديدا...هو من سيحرك الحطام
موضوع الاستلاب والاغتراب الانساني هو موضوع اثير للسينما،ولكن هذه السينما التي نناقشها الآن اقل كثيرا من سينما كيسلوفسكي-خاصة ان كيسلوفسكي ضرب على نغمة الالحاد والسفسطة في افلامه-وهي تبدو حتى اقل من سينما الكائنات،تلك الكائنات التي اصبح حيزها الفكري والاجتماعي هو العيش فقط-كيم كي دك.
لازال ينقص اليسو سوبيلا شيء ما...ينقصه شيء ما خاصة ضمن معطيات السرد،أي اللكنة العبقرية الخاصة بكيسلوفسكي...لنتصور مثلا ان هذا الفيلم من صناعة كيسلوفسكي...بالتأكيد فهو لن يسرد بهذه الطريقة،وابسطها سيعتمد كيسلوفسكي على الاشارة والرمز...
اليسو سوبيلا يمتلك معطيات جيدة في الكتابة،ولكن قدراته في التعبير عنها سينمائيا لازالت تقليدية مع محاولته الجادة تقديم شيء مختلف.
لنعد الى الفيلم،ونتأمل هذا المونولوج الداخلي لروبرتو طبعا:
في بعض الأحيان لم تكن البيتزا هي جواب الخواء
يحل الليل في المدينة والكل يبدو بأنه منشغل بشيء ما،أو الى مكان يذهب اليه...
كانت رغبتي في الحياة من مستوى حزن خطير،وفي هذه الحالة نبضات قلبي انخفضت حتى كان يكفي التظاهر بأنني على قيد الحياة....
ولكن في بعض الأحيان الاله يستعمل الشياطين ليعطينا الأمل بالعودة الى آمالنا
حياتي بالنسبة لزوجتي مسرحية،وبالنسبة لي رواية
حياتنا كالمؤديين،تأدية كانت تختفي....لقد قررت مغادرة المنصة
على العموم،فالحياة اقرب الى الرواية منها الى المسرح،فنحن ادوات بيد الكاتب...نحن لسنا الا احجار شطرنج،ولكنك ان غادرت المنصة أصبحت تلقائيا...شيء من اختراع كوميديا الموقف.
ويتابع روبرتو:ما الذي افعله هنا...كيف تتتمازج حياتنا؟
على اية حال كلهم كانو معي في نفس الفيلم،كنت اشعر بأننا كنا كذلك فقط،شخصيات في فيلم شخص ما كان يشاهده...لكن من الذي كان يشاهد...ربما لا أحد
الضوء سوف يخرج خارجا في يوم ما من اجلهم ومن أجلي...اريد قيادة حطام السفينة الى مكان آمن...
ويحدث الفيضان في الأرجنتين،لننتقل الى الصورة الشعرية الخيالية:
نموذج السفينة الذي يبحر في فيضان غرفة النوم
السرير الذي اصبح عائما على الماء في العراء
الأم النائمة على الكنبة يحيط بها الماء من كل مكان
كل هذه الصور-للأسف-لم تكن كافية للفت النظر الى الفيلم...
يتحقق الانفصال بين روبرتو وزوجته،ويقرر المسيح الذي كانت تجالسه استيلا النزول الى حياة العامة بعيد عن الحالة الميتافيزيقية المتحور فيها.
روبرتو اصبح يكتب سيناريوهات سطو لخوسية ناجحة جدا،وهو يسأل نفسه في المونولوج:
طبعا....مع اي جانب سوف يكون الله في هذا الحال...؟!
الفكرة القدرية...ما هو المؤشر الحقيقي للفعل البشري...؟!
يطلب روبرتو من استيلا اعادة تصوير مشهد الانتحار...يريد ان يلاحظ من الذي سوف يقوم بمساعدتها،والجوب جاء صريحا على لسانها:من أنقذك...؟
لا أحد،لقد انقذت نفسي ولا اعرف ان كانت استيلا-الشخصية الروائية-سوف تفعل،أنا لا اريد الموت...,على الأقل الآن...
ومن ثم يقول على أوراقه الروائية...على السيناريو المحبوك للخلطة الكونية
الأ يدل ذلك على ان الانسان صانع فعله بنفسه...؟!
سيتورط خوسية بجريمة قتل،ويدور هذا الحوار بين روبرتو وخوسية
يقول خوسيه:هل تؤمن بالقدر...؟!
ان كان هذا سوف يحدث فعلا على اية حال،فأنا بالكاد أداة،لأن شخص قرر بان هذا الرجل سوف يموت؟
إذا-يقول روبرتو-أنت أداة الآلهة
خوسيه:أنت مجنون تماما
بالتأكيد الفعل اعلاه لايمكن ان ينسب الى الإله،وعندما يقترح خوسيه أن تكون المعركة النهائية هي معركة مع الموت،أو معركة مع الله ان كان موجودا،فروبرتو متيقن على الأقل بانه لايستطيع أن يخوض هذه المعركة...هو لايستطيع ان يحارب الموت اطلاقا
وسرعان ما سيموت خوسيه ليمارس المعركة النهائية امام الموت
وهكذا،اقحام،اقحام...أدلة على نفي وجود الخالق،والكون عبثي،ولكن يالتأكيد سوف يكون اقل عبثية لو كان الله غير موجودا....كل ما يحدث هو رؤية الهية للنموذج البشري المحطم....
البشر كلهم حطام ...لا استثناء في ذلك
طبعا،وعلى نمط الوجودية،فالأمل غير موجود،لأن لحظة الوجود هي لحظة الجحيم بعينها،وان كانت الحياة ستنتهي بالموت،فلا مكان للفهم ولا مكان للتفسير...لا مكان للخلاص
يختم روبرتو-على نمط وجودي مألوف-بهذه الكلمات:
الغلطة كانت في كل ذلك الوقت هي البحث عن وسيلة للخلاص
انها ليست موجودة...الخلاص العظيم غير موجود وفي يوما ما ستعرف ذلك-مخاطبا المشاهد-.
بعيدا عن النواحي الفنية للفيلم-متوسط المستوى الفني- فهذه الافكار باتت مألوفة ومكررة لدرجة انه حتى لا داعي للرد عليها،لأننا اصلا في خضم رؤية نقدية وليس مناظرة عقائدية.
11/7/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال