الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمم المتحدة .. دعوات الإصلاح 1/7

سليم يونس الزريعي

2022 / 10 / 7
دراسات وابحاث قانونية


الأمم المتحدة..الدور المفقود
أكثر من سبعة عقود مرت من عمر الأمم المتحدة، عاشت فيها البشرية لحظات حرجة كادت أن تجر العالم إلى كارثة نووية لا تبقي ولا تذر، لولا أن أدرك الكل أنه ما من منتصر في مثل تلك الحروب، ومع ذلك فإن العالم عاش على وقع صراعات وحروب دامية كانت أكبر من مجرد حروب محدودة لكنها أقل من حروب شاملة، لقد كانت حروبا طاحنة، وإن اقتصرت في مفاعيلها المباشرة على دولة أو اثنتين،غير أن تأثيراتها ومفاعيلها غير المباشرة شملت العديد من الدول.
فمن الغزوة الصهيونية على فلسطين، مرورا بالحروب المتعاقبة في كوريا وفيتنام وكمبوديا وحرب الكيان الصهيوني على الأمة العربية، والحرب الهندية الصينية والهندية الباكستانية وحروب تشظي یوغسلافيا السابقة والعراق وإيران والغزو الأمريكي للعراق والحرب الأمريكية ضد أفغانستان، وحروب القارة الأفريقية الممتدة والمستمرة، كانت فيها الأمم المتحدة عاجزة عن أن تفعل شينا يحفظ السلم والأمن الدوليين.
وباستثناء فترات محدودة حاولت الأمم المتحدة أن تلعب فيها دورها المنوط بها، إلا أنها كانت في غالب الأحيان رهينة في يد دولة الولايات المتحدة الأمريكية عبر امتیاز حق الاعتراض، ليزداد توحش سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد هيمنتها على السياسة الدولية، بعد أن وفر لها امتیاز الاعتراض(الفيتو) مكنة التحكم بمصائر العالم بعد تفردها كقوة أولى ووحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي خارج حدود القانون الدولي ومقتضيات العقل.
ومن ثم فإن الأزمة تتعلق ببنية الأمم المتحدة التي وفرت مثل هذه المكنة للولايات المتحدة ولغيرها من الدول الدائمة العضوية، ولذلك فإن الأزمة باقية ما بقي هذا البناء بشكله الذي هو عليه الآن ما لم يتم التخلص من هذا الامتياز المجحف الذي تتمتع به بعض الدول وتستخدمه بخفة وتعسف في مواجهة معظم دول العالم.
ذلك أن الأزمة تتكئ على بناء صاغته تلك الدول منتصف أربعينات القرن الماضي، كأحد نتائج الحرب العالمية الثانية متضمنا حق الاعتراض(الفيتو)، وقصره على الدول الخمس، ولأن الأمر كذلك فإن جذر الأزمة البنيوية في الأمم المتحدة يكمن في ذلك الامتياز الذي تتمتع به هذه الدول، وهنا تكمن المشكلة ويكمن الحل.

الاستحواذ على الأمم المتحدة
أعلنت الأمم المتحدة كما جاء في ديباجة ميثاقها أنها تؤمن بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الكائن البشري وقيمته وأنها آلت على نفسها إيجاد الظروف اللازمة للحفاظ على العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وعن المصادر الأخرى للقانون الدولي وتعهدت باللجوء إلى المؤسسات الدولية لتعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي لجميع الشعوب.
غير أن العدالة وكرامة الإنسان جرى ويجري المس بهما وانتهاكهما من قبل الكبار، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية على مدى عمر منظمة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي تمسك بحق الاعتراض(الفيتو) بيد وقوتها العسكرية والاقتصادية وهيمنتها السياسية باليد الأخرى، فكان أن سخرت التنظيم الدولي لخدمة أغراضها وبكل الوسائل.
وقد قامت الإدارة الأمريكية خلال ولاية الرئيس بوش الأب بالضغط على مجلس الأمن في الأمم المتحدة من أجل تبني سلسلة من القرارات لم يسبق لها مثيل أدت إلى ضمان الصلاحية لأي دولة بناء على تقديرها الانفرادي المطلق أن تستعمل كل الوسائل الضرورية لتنفيذ تلك القرارات(1)، رغم أن ذلك يتناقض ومصالح الشعوب وكذلك القانون الدولي والعدالة.
فالولايات المتحدة الأمريكية تستخدم الأمم المتحدة إذا ما أمكنها ذلك، وكان الشرط الدولي يسمح بذلك التوظيف، لأنها في الأساس تسعى إلى إدارة العالم والتحكم في دوله وفق مصالحها التي تقررها قوانينها الداخلية، ولعل أفضل ما قيل في ذلك هو ما كتبه الصحفي الفرنسي "جان لاكوتور"
معلقا على القرار الأمريكي الإغارة على فيتنام الشمالية في عام 1966 قائلا:
"إن الأمريكيين يرون أن لديهم الحق المطلق في الهجوم على أي مكان، وفي أي زمان يختارونه، وكأن العالم بأجمعه قد أصبح بالنسبة إليهم مجرد غنيمة ملك الولايات المتحدة، يحتم على هذه الأخيرة أن تحكمها وتنظمها طبقا للمحكمة العليا الأمريكية، وأن تشرف عليها القوى الأمريكية (1).
وإذا ما أضفنا إلى ذلك امتیاز حق الاعتراض(الفيتو) الذي تتمتع به الدول الخمس، الذي كان قد ساهم بشكل أساسي في منع التنظيم الدولي من القيام بدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين بشكل جماعي يراعي مبادئ القانون الدولي والعدالة، بعد أن أسيئت ممارسة ذلك الحق من قبل بعض تلك الدول ومن الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، مما جعله بمثابة صورة جديدة للفكر الاستعماري، تحقق من خلاله بعض الدول الدائمة مصالحها، حتى لو كانت على حساب حقوق الشعوب والدول في المساواة.
لقد جرى توظيف ذلك الامتياز في تأييد وتشجيع الظواهر والنظم الفاشية والعنصرية والإرهابية، وهو ما شجع بعض الدول التي تحتمي بدولة أو أكثر من الدول دائمة العضوية على انتهاك حقوق الإنسان وبشكل مستمر، ناهيك أن امتیاز حق الاعتراض(الفيتو) قد ساهم في تهيئة شروط استمرار النظام الصهيوني في فلسطين(2).
إن التنظيم الدولي تم اختطافه بشكل مبكر لصالح الدول الكبرى عندما كافأت نفسها
بامتیاز حق الاعتراض( الفيتو) وممارسته بشكل تعسفي، وبما يخدم مصالحها ودون
وجه حق، مما جعل الأمم المتحدة ومجلس الأمن عاجزا عن أخذ دوره الذي أرادته له الأمم المتحدة عندما عملت على إقرار ذلك الميثاق عام 1945.
وبدا بعد أكثر من سبعة عقود من ميلاد التنظيم الدولي"الأمم المتحدة" أن مجلس الأمن يبدو اليوم للبعض قادرا على انتزاع شرعية كاملة بعد انتهاء الحرب الباردة والثنائية القطبية، لكنها شرعية تنطلق من تصرفه كوكيل لدولة أو مجموعة من الدول في أحسن الأحوال(1).
وفي سبيل تعزيز تلك الدول لسلطتها وسيطرتها على الأمم المتحدة، لم تكتف بذلك القدر من الحماية لسلطاتها الواسعة، بل إنها لجأت إلى وسیلتين أخریين تقومان بوظيفة صمام الأمان لاستمرار هذه الحماية في مواجهة أي عائق قد يحصل، الأول هو ربط أي تعديل في الميثاق بتصديق جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين لإمكان سريانه على الوجه المبين في الفصل الثامن عشر من الميثاق، والثانية هي ربط صدور قرارات مجلس الأمن غير الإجرائية بموافقة جميع الأعضاء الدائمين فيه بحكم المكنة التي تتمتع بها تلك الدول في استخدام حق الاعتراض(الفيتو)(2).
ومن هنا تبدأ أزمة التنظيم تتماهى في امتیاز حق الاعتراض، الذي يستحوذ عليه الخمسة الدائمون دون وجه حق ،سوى تلك الفترة التي استثمروا فيها لحظة النصر على النازية والفاشية، التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية، عندما أقر الأعضاء الدائمون الامتيازات وحصروها في أنفسهم دون غيرهم، فيما كانت الحرب على وشك أن تنهي فصلها الأخير، ليكون ضغط الحملة العسكرية الأخير على القوات النازية في برلين المدخل والغطاء الذي يمكنهم من احتجاز هذا الحق لأنفسهم.

-----------------
(1) فرانسيس ـأنتوني بويل، مستقبل القانون الدولي والسياسة الخارجية الأمريكية، منشورات مركز دراسات العالم الإٌسلامي، الطبعة الأولى 1993، صفحة17. 1
(2)مجموعة من الخبراء، قضية لوكربي ومستقبل النظام الدولي، منشورات مركز العالم الإسلامي، الطبعة الأولى 1992، صفحة 27.
(3)محمود صالح العادلي، مصدر سبق ذكره، صفحة35-36.

(1) باتريك هيرمان، مصدر سبق ذكره، صفحة 37.
(2) د.عصام صادق، المعاهدات غير المتكافئة في القانون الدولي، دار النهضة العربية 1978، صفحة524.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاقم معاناة النازحين في رفح بعد سيطرة إسرائيل على المعبر وت


.. أعداد الشهداء الفلسطينيين تتزايد جراء الهجوم على غرب رفح.. و




.. الشاباك يتخلى عن اعتقال المزيد من الفلسطينيين بسبب اكتظاظ ال


.. الأونروا تحذر من استمرار توقف دخول المساعدات من معبر رفح




.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا