الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة الحجاب بين الفرض والحظر

راتب شعبو

2022 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


أبعد ما يكون عن الحقيقة القول إن موضوع الحجاب الذي لا يكف عن تحريك آليات القمع (لفرضه أو لنزعه) وآليات الاحتجاج المضادة، هو موضوع ديني. الواقع أن الساعين إلى فرض الحجاب، شأنهم شأن الساعين إلى نزعه، هم فاعلون سياسيون، وأن الحجاب لم يصبح مشكلة إلا حين زج به في الميدان السياسي بوصفه مؤشراً على السيطرة.
كيف ينتمي إلى الدين ما يُفرض على الناس فرضاً؟ وكيف ينتمي إلى الدين مظهر خارجي كالحجاب، لا يمكن لأحد، سوى للعالم بما في الصدور، أن يستدل منه على طهارة القلب من عدمها؟ لا يمكن لعاقل أن يرى في النسوة الايرانيات اللواتي يرمين الحجاب فاسدات القلوب، ويرى أن السلطة التي تفرضه عليهن بالقوة، ذات قلب طاهر. ليس في احتجاج النسوة الإيرانيات ضد فرض الحجاب، معاداة للدين، كما يصور البعض هذا الأمر، بل معاداة لسلطة سياسية تتزيا بالدين وتفرض نفسها على الناس بالقمع.
بات من الواضح أن النقاشات الدينية في موضوع الحجاب لا تفضي إلى نتيجة ثابتة، فهو في النهاية موضوع غير محسوم وينطوي على تفاسير واجتهادات شتى ومتباينة بين "العلماء" أنفسهم، وبين الفرق الدينية المستندة إلى النص المقدس نفسه. على هذا يبقى تغليب تفسير على آخر، واعتماد اجتهاد دون آخر، مسألة ليست من الدين بألف ولام التعريف، والإلزام بهذا التفسير دون ذاك، لا يعدو كونه قسراً يجد منبعه في السياسة والغلبة وصراع القوى الدنيوية مستقلاً بصورة كاملة عن الدين بما هو كذلك.
يحتاج المرء إلى قدر كبير من السذاجة كي يعتقد أن السلطات الإيرانية "الإسلامية"، وأمثالها، تنطلق في فرضها الحجاب من حرص على حماية المرأة أو صون كرامتها من أذى الشارع، والحال إن ما تتعرض له النساء على يد "شرطة الأخلاق" أسوأ من كل ما يجري الكلام عنه من أذى محتمل، وقد يصل أذى هذه الشرطة "الدينية"، كما في حالة مهسا أميني، إلى الموت. ليت هذه السلطات تكترث، كما اكترثت بالحجاب الناقص للشابة الكردية، بما يتعرض له الإيرانيون، نساء ورجالاً، من أذى جراء الفقر والقمع وصرف موارد البلاد في حماية السلطة وملاحقة أحلام امبراطورية لم يستشر بشأنها الشعب الإيراني.
في فرض الحجاب بالقوة، مجهود سياسي هدفه الأول إبراز السيطرة وجعل النساء مجرد حوامل لشارة السيطرة (الحجاب)، وهذا لا يختلف في المضمون عن حرص السلطات المستبدة على ملء الأماكن العامة بصور وأعلام ورموز السلطة. وهدفه الثاني جعل الحجاب قضية بحد ذاته، فيبدو فرض الحجاب وملاحقة النساء غير الملتزمات وكأنه إنجاز للسلطة المعنية التي ليس لديها ما تقدمه للمجتمع المحكوم سوى هذا النوع من "الإنجازات".
في فرنسا، تسعى السلطات، على عكس الحال في إيران، إلى حظر الحجاب في المدارس ومؤسسات الدولة، وهناك من يدعو إلى حظره بشكل كامل حتى في الاماكن العامة. مع ذلك يبدو ما يحرك موضوع حظر الحجاب في فرنسا، هو من طبيعة ما يحرك فرضه في إيران، من حيث أن الفرض والحظر يتحركان في الواقع بدوافع سياسية، ويتستران بالدين، هذا يتستر بالالتزام بالدين وذاك بالحياد عن الدين. والحق أن هناك تكامل بين هاتين الحالتين على تعاكسهما.
حساسية السلطات الفرنسية إزاء الحجاب الإسلامي لا تعادلها في الشدة حساسيتها تجاه أي رمز ديني آخر غير إسلامي، ولكن فرنسا تغطي حظر الحجاب بمبدأ علماني يحظر الإشارات الدينية. والحق إن الحساسية الفرنسية ضد الحجاب ليست حساسية دينية بل سياسية، ومن يرى في النفور الفرنسي من الحجاب نفوراً من الدين الإسلامي، تفوته رؤية حقيقة المشكلة.
بقدر ما تحرص السلطات الإسلامية في طهران أو غيرها، على فرض الحجاب وجعله رمزاً لسيطرتها، بقدر ما ترى السلطات العلمانية في فرنسا، وغيرها، أن الحجاب هو إذن رمز لسلطة سياسية دينية إسلامية، وهذه سلطة معادية للجمهورية لأنها تجعل الشريعة فوق قانون الجمهورية. من هنا تتولد هذه الظاهرة التي تبدو غريبة، نقصد مشكلة الحجاب الذي هو بحد ذاته لا يختلف عن أي إشارة دينية لأي دين آخر، ولكنه في الواقع يثير مشكلة لا يثيرها غيره من رموز الديانات الأخرى، وهي مشكلة لا تني تتسع.
من يحول قضية الحجاب إلى قضية "نضالية"، أي يجعله رمزاً لسلطة أو لمشروع سياسي، سوف يولد حساسية مضادة لدى السلطات العلمانية التي، وإن كانت لا تحظر الدين، تلاحظ أن الحجاب ليس موضوعاً دينياً صرفاً، إنما رمزاً أو مؤشراً على تقدم مشروع سياسي مضاد للجمهورية. الطبيعة الملتبسة التي تضيف السياسي إلى الديني، فلا يسهل الفصل بينهما، وتسمح بأن يتلطى أحدهما بالآخر، هي المصدر الذي يخلق الإشكالية الدائمة للسلطات الفرنسية تجاه الإسلام، وهو ما دفع أحد أكثر المتطرفين الفرنسيين خفةً (إريك زيمور) إلى اعتبار أن المشكلة في الإسلام نفسه، متجاوزاً التمييز السائد في فرنسا بين المسلمين (أتباع الدين) والإسلاميين (أتباع الشريعة).
اللوحة لذلك تبدو خادعة، ذلك لأنه تتم مواجهة مشروع سياسي مضاد (إسلامي) لا يتقدم كمشروع سياسي صريح، بل يتقدم برموز لا تمتلك في الواقع الدولة حقاً في محاربتها. التضييق على الرموز الإسلامية هو تعبير عن خوف، مبالغ فيه باعتقادنا ويصل في لحظات إلى حد الرهاب، من خطر متنكر، من مشروع سياسي تدل عليه الرموز. زيادة عدد المحجبات، ولاسيما من الجيل الشاب، توحي للفرنسيين بتقدم المشروع السياسي الإسلامي المخاتل، وتبدو المحجبات، كما يبدو أصحاب الدقون الإسلامية ولابسو الجلباب، على أنهم جمهور لهذا المشروع، ولاسيما حين ينشط هؤلاء في الترويج للحجاب أو غيره من الرموز الإسلامية.
إن من شأن الحساسية الشديدة التي تبديها السلطات الإسلامية في إيران وغيرها تجاه الحجاب، أن تعزز حساسية الفرنسيين، وغير الفرنسيين، من انتشار هذا الرمز، ليس بوصفه رمزاً دينياً، كما تقول القوانين الفرنسية، بل بوصفه رمزاً سياسياً بالأحرى. بالمقابل، يشكل حظر الحجاب في فرنسا وغيرها، دافعاً إضافياً لدى الإسلاميين للتشدد في فرضه. بين الحساسيتين تآزر في التأثير وتعاكس في الاتجاه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو