الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنهدات زوج تعيس … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2022 / 10 / 7
الادب والفن


لم تعد العلاقة بيننا علاقة زوج وزوجة .. بل أصبحت علاقة مذنب ومحقق .. أنا طبعا المذنب بلا ذنب ، والمحقق زوجتي المصون .. سيدة جادة صارمة لا تعرف المزاح ، ولا يعرف وجهها الابتسام الا نادراً .
ورغم أنها ابنة خالي ، ولم أعرف في حياتي امرأة سواها ، فهي حبي الأول ، وربما الأخير .. حبٌ تفتحتُ عليه منذ أن تفتح وعي على الحياة .. إلا انها تغار علي بجنون ، وغيرتها الزائدة هذه .. تكاد تدمر حياتنا ، وتبدد سعادتنا ، وتعبث بمستقبلنا .. !
كنا بحكم صلة القرابة بيننا .. نتبادل الزيارات مع اهلنا وبدونهم ، وبدأنا نتكلم بالزواج عندما كانت هي في العاشرة ، وانا في الثالثة عشرة ، ونتشارك ذات الاحلام الوردية ، وعندما كبرنا ، وتخرجتُ من الكلية أقنعت أمي بأن تخطبها لي ، وهذا ما كان .. ثم تزوجنا .
وبعد الزواج بدأت زوجتى تتقمص دور المحقق بحق وحقيق ، وبدأ السؤال يزغرد على أطراف لسانها ، وكأنه ملتصق به .. تلاحقني به ليل نهار .. لا تكل ولا تمل من تكراره :
اين .. ولماذا .. وكيف ..
اين كنت .. ؟ لماذا غيرت رقم موبايلك السري .. ؟ وكيف تخرج ، ولا أعرف أين تذهب .. ؟
وحين تخاصمني لأوهام تتخيلها .. تظل صامتة معظم اليوم دون أن تضيق بصمتها أو تتنازل عما في رأسها .. رغم أن أبوها أي خالي لم يكن هكذا .. على العكس .. لقد كان رحمه الله مرحاً ودوداً متسامحاً ، وحتى زوجة خالي أيضا كانت سيدة طيبة ، وعمرها ما شكّت في خالي ، أو علا صوتها على صوته ، أو حاسبته على شئ .
وأنا والله العظيم أحبها ، ولا أفكر في أن أخونها ، أو أبحث عن زوجة أخرى غيرها .. أنا مقتنع بها ، فهي جميلة ومتعلمة وأم بيت ممتازة ومخلصة وأمينة .. ماذا أريد أكثر من ذلك .. ؟
كثيراً ما حاولت أن أعطي تصرفاتها صيغة المنطق ، لكني لم أجد جوابا .. لا عند العقل ، ولا عند المنطق .
ممكن يكون كل شيء معقول ، ومحتمل لو كنت وسيماً مثلا .. لكني رجل عادي .. شكلي لا يجذب ولا ينفر .. أبيض الشعر .. داهمني الشيب مبكراً .. عتيق القسمات .. دسمها .. أسمر .. طويل كأهبل .. أما شخصيتي ، فقديمة قِدم نوح .. تائهة .. تميل الى الانعزال والتباعد ، بربكم هل فيّ بعد كل ذلك شيء يستحق الغيرة الصفراء ، أو الخوف الأعمى من أن تختطفني امرأة أخرى .. ؟
والغريب أن زوجتي كانت على حق في ملاحقتها لي .. لقد طافت بذهني كل الخواطر والاحتمالات والتصورات ، ولم يخطر على بالي ابداً ابداً .. انه فعلا هناك من تحبني .. أليس هذا غريبا ايضاً .. ؟ كأن في الامر مقلب تلفزيوني ساخر ومحكم .. ؟!
نعم .. ( نوال ) زميلتي في الشركة لمّحت لي اكثر من مرة بانها تميل لي ، ومعجبة بشخصيتي ، وفي يوم تمادت أكثر عندما قالت لي بانها تحسد زوجتي على زوج وسيم مثلي .. انا وسيم .. بربكم ؟! وشخصية جذابة مثلي .. معقول .. أنا .. الانطوائي المعقد شخصية جذابة .. لا لا هذا كلام غير معقول ولا يمكن أن يصدق !
وقال لي مرة نصف صديق لي :
— إن الله أعطاك شيئا أهم من الوسامة .. أعطاك الحظ ، والدنيا كما يقولون حظوظ ، وأعطاك الكارزما يعني الحظور يعني شخصية مؤثرة جذابة ، وربما أعطاك أشياء أخرى لا تشعر بها .. لكن زوجتك تشعر بها وتحسها وتعيشها ، وربما تتعذب بها .. لهذا تراها متعلقة بك ، ولا تريد أن تخسرك تحت أي ظرف .. ألم تسمع بالمثل الذي يقول : أعطني حظا ، وألقني في البحر .. ؟ نعم .. أنت رجل محظوظ .. !
وعندما وصلت رائحة الشياط الى زوجتي ، ولا أدري من هذا اللعين الذي أوصلها .. كان ذلك اليوم أشد سواداً علي من يوم المحاق .. انقلبت الدنيا على رأسي ، ومنذ ذلك اليوم تحولت حياتنا الى جحيم دانتي على الارض .. حتى كدت أجن ، وضقت ذرعا بزوجتي ، وازدادت الخلافات بيننا ، وهددتها بالطلاق إن لم تكف عن غيرتها ، وشكها الدائم بي .
يبدو أنها خافت ، وأذعنت الى مشيئتي مكرهة لأنها تعرفني .. رجل جاد .. قول وفعل ، فتراجعت ، وانكمشت على نفسها ، وتوقفت عن محاسبتي ومسائلتي ، وأطلقت سراحي على ضرسها ، وتركت لي الحبل على الغارب .. !
وبعدها أخذت أخرج ، وأدخل على راحتي ، وأسهر مع ثلة من أنصاف ألاصدقاء الى ما بعد منتصف الليل ، وتعمدت أن أطيل السهر لأعوض ما فاتني أيام السجن في قوقعة الغيرة .. أحسست كأني أصبحت انساناً آخر .. كأني لم أعد أنا ، وبدت لي الدنيا جميلة بمبي ، وعندما أعود من سهرتي أجدها جالسة تنتظرني .. ذابلة مهزومة ، وغارقة في أحزانها كأنها في حالة حداد على أيامها .. تبكي بصمت ..
لكن هل تعتقدون أني كنت سعيداً حقاً بعد هذا التغيير الذي طرأ على زوجتي ، وعلى حياتنا .. ؟
قطعاً لا .. لم أكن سعيداً أبداً ، وبمرور الأيام بدأت أفتقد تلك الأيام ، وأحن اليها .. الأيام التي كانت فيها زوجتي تغار علي ، وحتى عندما كانت تتصور أوهاما ، وتبني عليها ، وتحولها الى شكوك لا أساس لها .. بدأت أشعر فعلا بالحنين الى غيرتها التي كانت تشبع غروري ، وتعزز ثقتي بنفسي ، واحساسي بأن هناك امرأة تحبني فعلا كل هذا الحب ، وتغار علي ، وتخاف أن لا تختطفني منها امرأة أخرى ، وهي أمور لم أكن اشاهدها إلا في السينما ، وعند زوجتي .. حتى عندما كنت أحدث أصدقائي .. كانوا يحسدوني ، ويتمنون أن تكون زوجاتهم مثل زوجتي .. !
وعندما عدت يوماً الى البيت قريب الفجر منتعش بعد بضعة كؤوس ، وجدتها تقف على الباب جزعة قلقة ملهوفة ، و وجهها ممتقع ، وقالت بصوت متهدج باكٍ :
— أين كنت ؟ ولماذا تأخرت كل هذا الوقت ؟ وكيف هان عليك أن تتركني قلقة عليك دون أن تتصل بي ، وتخبرني بأنك سوف تتأخر .. كدت أجن .. كدت أموت .. أرجوك لا تعيدها ؟ خذ راحتك لكن ارحمني .. انك تقتلني .. !
ثم أخفت وجهها ، وبكت في صمت .. كنت انظر اليها ، فأرى الألم ، وقد أكسبها نبلاً ، وأرى نفسي وأنا أتخبط مذهولاً في حيرتي .. !
ألا ترون معي .. ؟ بأن هناك فرقاً قد يشعر به بعض الرجال .. بين زوجة ملهوفة مثل زوجتي .. لا تبخل علي بحبها وحنانها ولهفتها ، وبين زوجة أخرى يدخل عليها زوجها متأخراً ، فيجدها جالسة تتسلى بتقليم اظافرها ، وتعيد طلائهن .. غير مبالية .. وبدلاً من أن تسأله أين كنت ، ولم تأخرت .. تسأله أي لون يناسب أظافرها .. الاحمر أم الوردي أم أم .. ألا ترون الفارق الكبير .. إن كنتم لا ترون ، فأنا بدأت أرى .
أصدقكم القول بأني استقبلت أسئلتها ، وشكواها ، وهوسها بي دون أن أشعر بأي هزة تسري في أعصابي ، وتثير اشمئزازي كما كنت أفعل سابقاً .. ولأول مرة لم أتضايق ، ولم أنزعج .. لاني أسمع أسئلة معادة ، وروتين ممل .. بل كنت فرحاً جذلاناً متسلطناً كأني كنت أسمع سمفونية منتصف الليل لبتهوڤن .. أو تراتيل فيروز الصباحية .. أو موال شجي للاستاذ فريد الاطرش أو أو .. أنا هكذا يستهويني الفن ويسكرني الجمال .. !
عانقتها وقبلتها ، واعتذرت منها ، وقلت لها أن لا تقلق ، فأنا معها ولها ، وأخذتها في أحضاني ، ورقصت معها ، ويدي تحتضن يدها لاني كنت فرحان فرحان بعودتي ، وسعيد بنفسي وبها ، وقبلتها ثانية وثالثة ، وأقنعتها ونفسي بأن أمامنا دنيا جديدة بدأت تتفتح من الاحلام السعيدة الخالية من الشوائب والمنغصات ، وعلينا أن نعيشها ، ونتمتع بها ، وأن لا نترك المخاوف العابثة تعتدي على لحظاتنا السعيدة وتلتهمها !
والغريب انها .. تصوروا ..
ابتسمت .. نعم ابتسمت ، وبدت سعيدة ، وعانقتني .. الله على تلك اللحظة النادرة ! كأني لاول مرة أرى ابتسامتها .. كم هي جميلة .. ! كم هي ساحرة .. !
لقد تفجرت ينابيع جديدة من المشاعر في داخلي تجاهها .. أدركت باني أحبها ، وأحب كلمات الاستفهام التي تلاحقني بها بلا هوادة :
أين .. لماذا .. كيف ..
ولا استطيع ان اعيش بدونها ، وبدون غيرتها .. غذاء الروح والكبرياء ..
ألا تجدون غرابة في ذلك .. ؟!!
( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا