الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لحظة الحقيقة

اسراء حسن

2022 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


بعد مراجعة دروس الماضي القريب، ومعها البعيد، صرت لا أقرأ قضية العراق في ملف نظام الحكم وحده، بل هو ملفات كثيرة تتزاحم على أرفف من واقعنا التداعي، بفعل مؤامرات الداخل على نفسه - مرة أخرى - لا أشك لحظةً في أفول نجم هذا النظام - بفعل سنن التاريخ في تفاعلها مع سنن واقع مهترئ لا تحقق لهذا الواقع أسباب البقاء

رهاني في الحقيقة هو على ما يثق النظام من جانبه في أنه لن يحدث، أعني أن نصل جميعاً إلى لحظة الحقيقة التي ينطفئ عندها "الذُّبال المشتعل"، حسب التعبير الخلدوني ؛ وهي اللحظة التي يثق النظام في قدرته على إرجائها إلى أجل غير مسمى، مستعيناً بهذه الأنوار المتلألئة التي يجدد بها شبابه كلما شاخ ولو خصماً من طاقة الحياة التي يحتاجها المستقبل ... فلا أحد - من أركان الحكم، ومن قواعد المحكومين عاد يأبه بالمستقبل هو عند أكثر العراقيين مجرد حاضر متجدد : يُسكِر فريقاً، ويُسكِت آخر

كانت لحظة حقيقة النظام قد جاءت بالفعل بعد تدشين حكمه، على ما قد وعد به وهو يقدم نفسه باعتباره منقذاً للبلاد، ومبشراً بنقلة غير مسبوقة في مستويات معيشتهم لن تستغرق وقت كثير ... مضى قرابة العشرون عاما وعربة الوطن تعود إلى الخلف، استسلم فيها جانب كبير من الشعب لهذا الأمل الكاذب... مع استمرار وقوع النظام في أخطاء ، غير آبه بقوانين الطبيعة التي ستأتي حتماً بلحظة الحقيقة بعد أن يستنفد المصباح باشتعاله المجنون كل ما فيه من زيت السراج، فلا أحد عبر التاريخ استطاع أن يرجئ لحظة الحقيقة إلى ما لا نهاية، بل كلما تم إرجاؤها جاء حكمها أكثر قسوة على الجميع، وبقدر ما تتأخر بقدر ما تتعدد أبعاد الأزمة وتتعقد خيوطها، ومن ثَمَّ يكون ثمن الوصول إليها فادحاً.

ببساطة، الأجنة لا تخرج من أرحام أمهاتها قبل موعدها إلا ميتة، وموعد الولادة المنتظر لا يخضع لرغبات الأهل، فما لحظة الميلاد إلا لحظة الحقيقة التي تنتهي عندها آلام الحمل ... ستنتهي هذه الآلام عاجلا ام آجلا ، لا بشروط ذاتية كما يعتقد بعض المغامرين أو كل المتهورين ... الكارثة الحقيقية ليست بالانقضاء الذي لن يعاني منه إلا أرباب النظام وحواريوه؛ والحقيقية عندي هي كارثة أن تأتي سنن التاريخ بلحظة الحقيقة والعراق لا يمتلك من أمره شيئاً، ولا حتى مُطالِب يمسك بقيادها عن جدارة واستحقاق، أو أن تأتي ولا أحد فينا يدرك أنها لحظة ميلاد جديد للأمة، لا لحظة ترميم لوجودها المريض.

عندما تواجه أي أمة تحديات وجودية، فإنها قد تبحث فيما حولها، وفيما خلفته وراءها، عن أسباب الحياة التي تناسب مستقبلاً وليداً تتوافق كيمياء بنيته الموضوعية مع كيمياء بنية الزمن الذي تجدد فيه الأمة شبابها؛ فلا هو يرث هذا المستقبل أعراض الشيخوخة مما مضى من تاريخ الأمة، ولا هو يستنسخ ما حوله من عناصر حياة أخرى قد لا تناسب البيئة التى يولد فيها هذا المستقبل ... قد يأخذ مستقبل الأمة الوليد بعض أسباب الحياة من بذور تركها وراءه ماضيها الذي ذهب، لكنه لا يستنسخ أبداً ما شاخ من أشجار هذا الماضي ؛ وقد يأخذ هذا المستقبل الوليد بعض أسباب الحياة من تلاقحه مع ما حوله، لكنه لا يستنسخ بالضرورة ما حوله من أشجار الآخرين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه