الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دروس الحرب في أوكرانيا (2)

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2022 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


ـ و من هذه الدروس أيضا أن هذه الحرب نفسها تحاكي أساسا و لكن بدرجة أشد حدة ، الحرب في سورية . فمن المعروف أن المجمتع في أوكرانيا مركب من عدة قوميات تبعا للنهج البلشفي في المسألة القومية ، بحيث كان في الجزء الغربي من البلاد مزيج من سكان الأمبراطورية النمساوية المجرية أصلا ، بينما كان الروس غالبية في المناطق الشرقية . و من المعلوم أن ميول الناس في الجزئين كانت متعارضة أثناء الحرب العالمية الثانية ، فكان الذين ناصروا ألمانيا في تلك الحرب من سكان الجزء الغربي في حين أن موقف سكان الجزء الشرقي كان مطابقا لمواقف شعوب الإتحاد السوفياتي .
و لكننا لسنا هنا بصدد البحث في هذا الموضوع ، لذا نقتضب فنقول أن المعسكر الغربي تحت زعامة الولايات المتحدة أرتأى أن الظروف ملائمة لتوجية ضربة عسكرية عاجلة لروسيا في أوكرانيا ، عن طريق استفزازها بواسطة إخضاع السكان الروس لقوانين تعسفية و قمعية كما لوكانوا مواطنيين من درجة دنيا أو أجانب ، مما حدا بالأخيرين إلى المطالبة بالحكم الذاتي ، نجم عنه اشتعال الحرب بين الجانبين في سنة 2014 و ما تزال رحاها تدور الآن ، ثم تحولت في مطلع العام 2022 إلى حرب غير مباشرة بين المعسكر الغربي من جهة وروسيا من جهة ثانية .
من المعلوم في هذا السياق أن هذه الأخيرة تواجه في هذه الحرب غير المعلنة بحسب القانون الدولي ،تحالفا دوليا يضم الولايات المتحدة والدول الدائرة في فلكها ، التي تنكر انها طرف فيها ، فمشاركتها تقتصر على حد زعمها ،على تقديم العتاد لدولة أوكرانيا (روسيا تقول أن قواتها تقوم بعملية عسكرية خاصة ، بينما أوكرانيا تقول أن جيشها يتصدى للإنفصاليين في شرق البلاد ) .
لا نجازف في القول أن روسيا بما هي دولة كبيرة ، أوروبية و آسيوية ، قابلة لأن تكون أكبر ، بل طامحة لأن تستعيد قوتها كدولة عظمى قطبية ، كما كانت في عهد الإتحاد السوفياتي ، تعترض جديا إلى جانب الصين و غيرها ، اكتمال الهيمنة الأميركية على العالم و ادعائها بأحقية حوكمته على أساس وحدانيتها في القطبية . فليس مستبعدا استنادا إليه ، أن تحاول الولايات المتحدة تحجيم روسيا أو تقسيمها أوإشعال ثورة فيها " مثل ثورة الميدان " في أوكرانيا ، لفتح الطريق مرة ثانية ، إلى السلطة أمام عملائها . يحسن التذكير هنا أنه تحقق لها ذلك في المرة الأولى في سنوات 1990 ، في عهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن ، حيث كانت أبواب المؤسسات الروسية الرسمية مفتوحة أمام الخبراء والمستشارين الأميركيين .
و من البديهي أن الإشكال الروسي لا يقتصر ، على زعزعة نظام الأحادية القطبية فقط و أنما هو أيضا ذو أبعاد وجودية ، حضارية و أمنية و اقتصادية . نشير هنا باختصار إلى موضوع الهوية القومية الروسية و تماهيها مع المعتقدات الدينية خصوصا الأرثوذوكسية المسيحية ، و إلى مسألة الامن القومي ، حيث من المعروف في هذا المضمار أن روسيا قلقة جدا لجهة حدودها الغربية ، من التبعية المتنامية التي تربط الإتحاد الأوروبي يالولايات المتحدة ، كما أنها تراقب من كثب ما يجري خلف حدودها الجنوبية بالإضافة إلى المضائق المؤدية إلى البحر المتوسط . مجمل القول أنها على الأرجح أضطرت بعد غياب و بعد امتناع الأوروبيين عن " تطبيع " علاقتهم معها ، إلى منازلة الولايات المتحدة و اتباعها من جديد ، في لعبة الشطرنج على المسرح الدولي ، و الدليل الأبرز على ذلك يتمثل في الحرب الحالية في أوكرانيا و ضم جزيرة القرم بالإضافة إلى تدخلها في سورية ضد الجيوش و التنظيمات التي نهضت لاسقاط الدولة في سورية تحت رعاية المعسكر الغربي و عملائه .
أما في المجال الإقتصاي فقد اتضح لنا بالملموس من خلال متابعة تطورات الحرب أن روسيا الغنية بالثروات الطبيعية خائفة على أمنها ، و أن الدول الأوروبية لا تمتلك مثل هذه الثروات وبالتالي هي مضطرة إلى استجلابها بكل الوسائل المتاحة من روسيا ومن بلدان شرق البحر المتوسط و غيرها ، و أن الولايات المتحدة بحاجة إلى هذه الدول الأوروبية و تخشى تشابك المصالح بين الأخيرة و بين روسيا ، مثل حاجتها إلى الدول الخليجية ( السعودية و أخواتها ) . أي بكلام أكثر وضوحا و صراحة إننا حيال معاودة منازعات قديمة ، يدأت مع حملة نابليون على روسيا في بداية الفرن التاسع عشر ، أعقبها بعد قرن من الزمن ، تدخل الدول الغربية أثناء الحرب الأهلية على خلفية إنتصار الثورة البلشفية ، و لم يشذ الزعيم الألماني هتلر سنة1941 عن القاعدة حيث قام بدوره بغزو الإتحاد السوفياتي ، من أجل الإستيلاء على شرق أوكرانيا وتفكيك روسيا ، و اسقاط دولة السوفيات .
و في الختام بالعودة إلى المسألة السورية في سياق المقارنة بين الحرب التي شنت عليها من ناحية و تلك التي تدور رحاها في شرق أوكرانيا من ناحية ثانية ، لا أظن أنه يوجد اختلاف فيما بينهما لجهة الأهداف التي يبتغي كل فريق بلوغها . كان المطلوب أن يمر خط إمداد بالغاز الخليجي عبر سورية إلى البحر المتوسط ، في المقابل كانت الولايات المتحدة الأميركية غير راضية عن خط إمداد ألمانيا بالغاز الروسي عبر بحر البلطيق . وفي مجال آخر ، أعتقد أن الروس يعتبرون أن شرق أوكرانيا مثل شمال سوري هما جزءان من أمنهم القومي .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يُحطم رياضيو أولمبياد باريس كل الأرقام القياسية بفضل بدلا


.. إسرائيل تقرع طبول الحرب في رفح بعد تعثر محادثات التهدئة| #ال




.. نازحون من شرقي رفح يتحدثون عن معاناتهم بعد قرار إسرائيلي ترح


.. أطماع إيران تتوسع لتعبر الحدود نحو السودان| #الظهيرة




.. أصوات من غزة| البحر المتنفس الوحيد للفلسطينيين رغم المخاطر ا