الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرار خفض إنتاج النفط سياسي وليس تقني وفقراء العالم يدفعون الثمن

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2022 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


بِعكسِ كلِّ ما كان متوقعا، فقد اتّخذت (أوبك +) قرارا يوم الأربعاء 5 أكتوبر/ تشرين أول، بخفض إنتاج النفط مليونَي برميل يوميا.. وهذا سوف يرفعُ من أسعار النفط كثيرا، ويؤثِّر على الاقتصاد العالمي..
أوبك +، هو اتفاق يضمُّ 23 دولة مُصدِّرة للنفط، منها 13 دولة أعضاء في منظمة (أوبك)، والباقي من خارجها، ومن بينها روسيا..
كان هناك غضبا في الغرب من هذا القرار، لاسيما في الولايات المتحدة التي اعتبرت القرار انحيازا لروسيا، وخرجت أصوات من الكونغرس تطالبُ باتخاذ إجراءات بحق السعودية..
**
لا يعنيني، الغضب الأمريكي والأوروبي، ولا تأثير هذا القرار على اقتصاديات تلك الدول الغنية،
ما يعنينا هو تأثير ذلك على الدول الفقيرة، والأشدُّ فقرا، وعلى شعوبها التي لا ينقصها بالأساس معاناة اقتصادية ومعيشية وفقر وبطالة وغلاء، وخاصّة بعد الحرب في أوكرانيا، سواء في أمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي، أم في أفريقيا وآسيا والمحيط الهادي.. أم في الشرق الأوسط..
في العالم العربي دولٌ نفطية ثرية، كما دول الخليج العربي، وشعوبها مُرفّهة.. وهناك دولٌ نفطية غنية بالنفط والغاز، ولكن شعوبها فقيرة، كما الجزائر وليبيا والعراق، نتيجة الفساد وسوء الإدارة، أو الصراعات الداخلية..
وهناك دولٌ شعوبها تعاني الأمُرَّين، من شدّة الفقر والجوع والغلاء ونُدرَة موارد الطاقة، كما في لبنان وسورية واليمن والسودان والصومال.. وهذه أكثر الدول التي ستتأثرُ بارتفاع أسعار النفط، وخاصّة في بلادي سورية، التي يصرخُ شعبها ليلا نهارا من شدّة الفقر والغلاء ونُدرة مصادر الطاقة، دون أن تتحرّك مشاعر دولة نفطية عربية، أو صديقة لإنقاذ شعبها من هذه الحالة الكارثية.. وإن قدّموا شيئا، فإنما كل شيءٍ بثمنهِ، مع الابتزاز أيضا..
**
الدول المتقدمة صناعيا، كما في أوروبا وأمريكا، واليابان وكوريا الجنوبية، وغيرها، ومهما ارتفعت أسعار الوقود، فإنما تواجهها بكافة السبُل كي تخفِّف من انعكاس ذلك على شعوبها.. من خلال زيادة الرواتب والاعفاءات الضريبية، والإعانات الاجتماعية للطبقات المُحتاجَة.. أمّا الوِبال على الدول الفقيرة التي بالأساس شعوبها تكابدُ الفقر والأمراض والبطالة والغلاء، وتقفُ عاجزة عن فعلِ أي شيء، ولا ينقصها مصائب جديدة بارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع النفط، الذي بارتفاعهِ سيرتفع معه كل شيء..
وهذه ستقوم برفعِ أسعار الوقود، ومزيدٍ من رفع الدعم حتى عن الطبقات الأشدُّ فقرا.. لاسيما أنها بالأساس رفعت الدّعم عن كل شيء، كما حصل في سورية، وغيرها..
**
الرياض وموسكو، لم تُوجِّها ضربة لواشنطن بهذا القرار، وإنما لكافة الدول الفقيرة، وشعوبها المحرومة، والتي ستزدادُ حِرمانا.. فأمريكا لديها الاحتياطات النفطية ولديها عشرات البدائل، لمواجهة أي ارتفاع لأسعار النفط.. ولكن العَترة على الدول الفقيرة.
**
الرئيس بوتين، وولي العهد السعودي، يلتقيان ضدّ شخص الرئيس الأمريكي "بايدن" شخصيا.. الأول بسبب تزويدهِ لأوكرانيا بالأسلحة والمال لمواجهة روسيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، والثاني بسبب عدم نسيانِ "بايدن" لمقتل الخاشقجي، الذي اتُّهِم ولي العهد السعودي بأنه من يقف خلفهُ، ورفعهِ السرية عن تقرير المخابرات الأمريكية الذي يُحمِّل المسؤولية إلى ولي العهد.. مما أساء جدا لصورته في الغرب، وغطّى على كافة مساعيهِ الإصلاحية.. وكذلك بسبب الدعاوى القضائية المرفوعة أمام المحاكم الأمريكية بهذا الشأن..
**
فلا شكّ أن ولي العهد يقلقهُ جدّا أن تُتّخذ أحكامٌ بحقهِ في القضاء الأمريكي، ويباتُ مطلوبا لهذا القضاء.. ومن هنا اشارت بعض الصحُف الغربية أنه تم تعيينهِ رئيسا لمجلس الوزراء كي يتمتّع بالحصانة السياسية التي تحولُ دون مُحاسبتهِ.. ويبدو هذه كانت مشورة المحامين الذين يمثلون ولي العهد السعودي في الولايات المتحدة.. وهؤلاء أبلغوا محكمة أمريكية في واشنطن، أنّ تعيينه رئيسا للوزراء ضمِن له الحصانة من المُلاحقة القضائية.. أي يُمكن إسقاط الدعاوى المرفوعة بحقهِ، وهذا ما طالبَ بهِ هؤلاء في التماسٍ قدّموهُ للمحكمة الفيدرالية الأمريكية في واشنطن..
وطلبَ قاضٍ أمريكي من إدارة بايدن التفكير في ما إذا كان يجبُ حماية ولي العهد السعودي بالحصانة السيادية في الدعوى المرفوعة ضدّهُ من خطيبةِ خاشقجي، وهذه الحماية تُمنَحُ عادة إلى زعماء، كما رئيس وزراء او رئيس أو ملك.. ولكنّ إدارة بايدن طلبت فترة زمنية مدتها 60 يوما قبل إصدار قرار قد يمنح ولي العهد الحصانة أو يدينهُ.. وأعلنت وزارة العدل الأمريكية في كتابٍ إلى محكمةٍ محلية أمريكية أن إجراءات اتخاذ القرار في هذا الشأن قد بدأت، ولكنها لن تكون قادرة للالتزام بالموعد النهائي الذي طلبتهُ المحكمة، والذي كان مُحدّدا في الأول من آب الفائت 2022.. وقد وافق القاضي المُكلّف بالقضية على طلب الحكومة الأمريكية وأمهلها حتى 3 أكتوبر/ تشرين أول، وقد انتهت المدّة، وعلى ما يبد(وحسب اعتقادي الشخصي) لم تلُح نتائج إيجابية تصبُّ في مصلحة ولي العهد، لاسيما أنه بالأساس منزعج من مواقف واشنطن في اليمن، وفي رفع الحوثيين من قائمة الاتهامات القديمة، وفي المفاوضات مع إيران.. فكان القرار بالاتفاق مع موسكو على تخفيض إنتاج النفط مليوني برميل باليوم، على حسابِ المزيد من فقرِ وجوعِ ومعاناة البلدان والشعوب الفقيرة..
**
شخصية ولي العهد السعودي شخصية جدلية، فهو يبدو شابّا طموحا، ولكنه يستعجل اتخاذ القرارات، برأي الكثيرين.. فقد ذهب للحرب في اليمن بقرارٍ مفاجئ، وقطع العلاقات مع دولة قطر بقرار مفاجئ أيضا، وسجنَ الكثير من الأمراء والأثرياء بقرار مفاجئ، وفرض عليهم تسديد المبالغ التي حدّدها، واعترف بالمسؤولية عن مقتل خاشقجي، ولكنه قال هذا لم يكُن قرار الحكومة.. واليوم يقبل بتخفيض انتاج النفط مليوني برميل في اليوم..
ويبدو أدركَ لاحقا أن ما كل ما يتمنى المرء يُدرِكه..
**
فكلٍّ من الرئيس بوتين، وولي العهد السعودي، يطمحان إلى إضعاف الرئيس بايدن في الولايات المتحدة من خلال ارتفاع أسعار الطاقة وانعكاس ذلك غلاءً على المُستهلِك الأمريكي، وبالتالي إحجام الناخبين عن انتخاب الديمقراطيين في انتخابات مجلس النواب النصفية القادمة، وبالتالي نجاحُ أغلبيةٍ جمهورية، تُعيقُ سياسات ومشاريع بايدن..
ولكن السؤال: ماذا لو جاءت أغلبية جمهورية تدعمُ أكثر كيِّيف في حربها مع موسكو، وتدعمُ الإجراءات القضائية بحق ولي العهد السعودي، لاسيما أن القضاء في الولايات المتحدة مُستقلّا ولا يُمكن لأي جهة، أن تتدخّل في عمله؟.
قرار تخفيض انتاج النفط هو قرار سياسي وليس تقني، كما يزعمُ البعض..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو