الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم القندس

وليد الأسطل

2022 / 10 / 8
الادب والفن


"هذه صورة ل "والتر بلاك"، شخص فاقد للأمل ومكتئب.. بمكان ما بداخله هناك رجل قد وقع في الحب، قد أنشأ عائلة، ويدير شركة ناجحة.. ذلك الرجل اختفى!
أيا كان ما حاول القيام به، ولقد حاول القيام بكل شيء ولكن يبدو أن "والتر" غير قادر على استعادة ذلك الرجل. يبدو الأمر كما لو أنه مات، لكنه لم يتحل باللياقة ليأخذ جسده معه.

إكتئاب "والتر" كحبر يلطخ كل ما يقع عليه، حفرة مظلمة تبتلع كل من يقترب منها".

وجدت في "والتر بلاك" شيئا من "دون كيشوت"، فدائما ما ينظر إلى "دون كيشوت" على أنه مختل عقليا، وهذه حقيقة لا أريد نفيها، لكنني أدعو إلى أن ينظر إليه من زاوية أخرى. لقد كان "دون كيشوت" أيضا رجلا شهما، نبيلا، مضحيا، صاحب مبادئ، يحب الخير، يحلم بأناس أفضل وبعالم أفضل، عالم أكثر عدلا وأمانا. وهكذا هو "والتر بلاك"، الذي ينظر إليه الجميع على أنه شخص مصاب بالاكتئاب فقط، يعيش في عالم من الوهم، شخص تخطر على باله فكرة مجنونة تتمثل في أن يرتدي دمية على شكل قندس في يده اليسرى، وبذلك يستطيع التحدث مع نفسه ومع الآخرين من خلال هذه الشخصية الوهمية التي اختلقها بنفسه. أما أنا فأجد وصف"هنري باربوس" لبطل روايته"الجحيم" أصح تشخيص لحالة "والتر بلاك":"يرى أكثر وأعمق مما يجب".
لقد وجد "كولن ويلسون" في جملة "هنري باربوس" التي ذكرتها أفضل تعريف لمن سماه "اللامنتمي"، الذي هو عنوان كتابه الرائد، الذي عده أحد النقاد أعظم كتاب في التحليل صدر في أوربا بعد كتاب "سقوط الغرب" ل "شبنجلر".
فيلم THE BEAVER، بطولة "ميل جيبسون" و"جودي فوستر". الشخصية المحورية هي شخصية "وولتر بلاك" الذي يشغل منصب رئيس مدير عام، له زوجة تحبه وابنان رائعان، و لكنه يعاني من مشكلة داخلية كبيرة، إنه يعاني من اكتئاب حاد. لا يشعر بالسّعادة ولا بالجدوى. يقول الأديب الهندي العظيم"طاغور" على لسان بطلته "ميلاني":"قلبي يسكنه العذاب، ولست أعرف سببا لهذا العذاب".

ليس "وولتر بلاك" شخصية خيالية لا وجود لمن يناظرها في دنيا الناس، إنه بالغ الحساسية والصراحة، إنه بمثابة المرآة التي كانت تزعج زوجة والد بياض الثلج حين تخبرها الحقيقة، إنه بمثابة المرآة التي تفضح نفاقنا. ينتمي "وولتر بلاك" إلى من يسميهم "جبران خليل جبران" في كتابه "العواصف" أبناء الحزن، حتى وإن عاشوا ملوكا و أباطرة. فها هي "إيليزابيث" إمبراطورة النمسا وملكة هنغاريا، الملقبة ب"سيسي"، وتلقب أيضا ب"إمبراطورة الوحدة"، كانت شاعرة رقيقة: "أَمشي وحيدة منذ زمن بعيد على هذه الأرض، منفصلة عن ملذات الحياة، لا رفيق يشاركني سر قلبي، لم تحسن أي روح فهمي، أهرب من العالم بكل أفراحه، إنني بعيدة عن البشر، سعادتهم وآلامهم غريبان عني، أمشي وحيدة كأنني على كوكب آخر، يا أعزائي أرواح الأزمنة القادمة، التي تتوجه إليكم اليوم روحي، و ترافقكم دائما، وستجعلونها تحيا بفضل أشعاري".

لا يفوتني أن أسجل أن "كولن ويلسون" قد ضرب لنا أمثلة عن لامنتمين لا ينتسبون إلى عوالم الروايات والقصص، وإنما ينتسبون إلى الحياة نفسها، فيعتبر "فانكوخ" و "ت.ي.لورنس" و "نجنسكي" لا منتمين. ثم يعرف لنا اللامنتمي:"إن اللامنتمي ليس مجنونا، إنه فقط أكثر حساسيّة من أولئك الأشخاص المتفائلين صحيحي العقول".

قد يضطر بعضنا أحيانا بقصد أو دون قصد إلى أن يسلك طرقا غير عقلانية أو حتى إجرامية كي يفهمه الآخرون أو يستمعوا إليه على الأقل، ولا أدل على هذا من جملة"بيري سميث" في فيلم infamous، هذا الفيلم الذي يروي قصة حقيقية، إنها قصة القاتل "بيري سميث" الّذي كان قبل إجرامه قارئا نَهما وعازفا رائعا:"لقد غنيت ولم يستمع أحد، ورسمت ولم يلتفت أَحد، وحين قتلت أربعة أنفس، ماذا حدث؟ رآني العالم كله كتحفة فنية!) أقول هذا لأن الغريب في الأمر أنه من خلال القندس استطاعت عائلة "والتر بلاك" أن تتفهم مشاكله وتاريخه، وأن تتأقلم معه شيئا ما. عائلته التي تحبه، لكنها لا تعرف كيف تحبه. ويحيلنا هذا إلى فيلم What Women Want، بطولة "ميل جيبسون" كذلك، الذي ينبهنا إلى نقطة مهمة جدا، ألا وهي أن الحب مسؤولية.

إن الماضي والذكريات في حياة اللامنتمي الذي يجسده "والتر بلاك" لا يتراجعان إلى الظل كما يحدث مع غالبية الناس، إنهما حاضران عنده بقوة. تماما مثل "بيريرا" بطل رواية "بيريرا يدعي" للكاتب الإيطالي"أنطونيو تابوكي" حين يقول"لا أعلم بأي عالم أعيش". يتّجه "بيريرا" بالكلام إلى صورة زوجته، إنه يعيش ذكراها بكل جوارحه، لكنه في الوقت ذاته، يؤدي مسؤوليته حيال وطنه، كصحفي ومثقف. وهكذا هو "والتر بلاك"، الذي يمتلك شركة يديرها بنجاح.

لكي يستعيد "والتر بلاك" توازنه النفسي في آخر الفيلم يضطر إلى قطع يده اليسرى الموجودة داخل دمية القندس بعد أن تتماهى شخصيته مع الدمية تماما. لينتهي الفيلم بقول والتر بلاك: "هذه صورة ل والتر بلاك، الذي كان عليه أن يكون قندسا، الذي كان عليه أن يكون أبا، لكي يصبح في يوم من الايام بكل بساطة: هو".

إنها يقظة كلفته الكثير، يقظة شبيهة بيقظة "دون كيشوت"، بطل "سيرفانتيس"، حين يقول في آخر الرواية:"اكتبوا على قبري: هنا يرقد الرجل الذي عاش مجنونا ومات حكيما".

إن نهاية الفيلم عبارة عن دعوة للتفاؤل كذلك، دعوة مفادها أن الشقاء ليس قدرنا، وفي هذا الباب يقول "الشّاذلي القليبي": "الإنسان ينشئ مستقبلهُ ويدحض التّوقع، بذلك يمتاز وتلك هي معجزته".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع