الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيطاليا: انتصار جديد لليمين المتطرف.. لكن المقاومة لا تزال ممكنة

سيد صديق

2022 / 10 / 9
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



أسفرت الانتخابات العامة الإيطالية الشهر الماضي عن فوز تاريخي لليمين المتطرف. حصد ائتلاف من ثلاثة أحزاب كبرى 44% من الأصوات، وهي نسبة كافية لتشكيل أغلبية واضحة في البرلمان الإيطالي ومن ثم تشكل الحكومة. لكن أبرز ما في الأمر هو الصعود الصاروخي لحزب “إخوة إيطاليا” ذي الجذور الفاشية الصريحة، بقيادة جورجيا ميلوني، إذ جنى وحده 26% من الأصوات ليصبح بذلك صاحب أعلى أصوات في البرلمان الإيطالي.

يأتي هذا الانتصار في أعقاب انهيار حكومة ماريو دراجي، الذي كان سابقًا رئيسًا للبنك المركزي الأوروبي، والذي أشرف على تقليص الإنفاق الاجتماعي وزاد طينة الأزمة الاقتصادية ومعاناة الإيطاليين بلة.

ستحكم ميلوني إيطاليا بالتحالف مع حزب ليجا (العصبة) بقيادة ماتيو سالفيني، الذي شغل سابقًا منصب وزير الداخلية وأوقف سفن المنظمات الحقوقية التي تنقذ اللاجئين في عرض البحر، وحزب فورزا إيطاليا، بقيادة سيلفيو برلسكوني، السياسي ورجل الأعمال الفاسد الذي ترأس الحكومة ثلاث مرات سابقًا.

الأمر الأكيد هو أن هذا التحالف سيكثف هجومه على اللاجئين والمهاجرين، وسيزيد من ضغطه على مستويات المعيشة وكذلك هجومه على العمال، وليس من المستبعد أيضًا هجومه على حقوق ديمقراطية ومدنية.

حزب فاشي
خلال حملتها الانتخابية، حرصت ميلوني على طمأنة الناخبين أن حزبها “تخلى عن الفاشية منذ زمن”، لكنها في الحقيقة ملتزمة بالسياسات الفاشية طيلة حياتها السياسية. حين كانت في الـ15 من عمرها، انضمت إلى “الحركة الاجتماعية الإيطالية”، وهي حزب أسسه فاشيون بارزون من بقايا حزب موسوليني أرادوا من خلاله إعادة الحكم الفاشي للبلاد. وعملت مع بعض هؤلاء لتأسيس حزبها الحالي “إخوة إيطاليا” في العام 2012.

وعلاوة على إصرارها على التراجع عن إقرار حق الإجهاض وحقوق مجتمع الميم، يرتكز برنامج ميلوني على مناهضة المهاجرين، وقد تعهدت بالتصدي لسفن اللاجئين في البحر، ويعج خطابها بالعنصرية تجاه اللاجئين والمهاجرين، وفي هذا السياق تهاجم اليسار أيضًا بأنه “يحاول تدمير الحضارة الغربية بإغراق القارة في المهاجرين الأفارقة والشرق أوسطيين”، على حد قولها. وقد ساهم حزبها في تمرير تشريع يصعِّب على المهاجرين الحصول على مساكن.

المُلاحَظ أن الكثير من مقالات الرأي في بعضٍ من كبرى الصحف الرأسمالية في العالم تقلل من خطورة هذا الفوز الانتخابي الذي يضع حزبًا فاشيًا على رأس الحكومة. بل وقد قوبِلَ ذلك في بعض الأحيان باحتفاء، حتى أن هيلاري كلينتون، مثلًا، قالت في مقابلة صحفية قصيرة إن “انتخاب أول رئيسة للوزراء في أي بلد يمثل دائمًا قطيعة مع الماضي، وهذا بالطبع أمر جيد”. من المدهش التحدث عن “القطيعة مع الماضي” بينما يعتلي أولئك المشتاقون لـ”الماضي الموسوليني الفاشي” السلطة!

تدرك الرأسمالية والمدافعون عنها أن الفاشيين الجدد والحكومات اليمينية المتطرفة قد تكون أحيانًا خيارًا جيدًا لتمرير أسوأ خطط التقشف، بل وتوجيه الغضب الناجم عن المعاناة الاقتصادية ليس ضد السياسات الرأسمالية بل تجاه كبش فداء لا حيلة له (المهاجرين واللاجئين)، في ظل نظام عالمي تجتاحه الأزمات الاقتصادية والاستقطاب السياسي.

ربما لا يبدو فوز حزب ميلوني أمرًا جديدًا، فمنذ الأزمة المالية العالمية في 2008 يحرز اليمين المتطرف تقدمًا في أوروبا. ومؤخرًا، حقق حزب ديمقراطيي السويد العنصري واليميني المتطرف فوزًا انتخابيًا كبيرًا الشهر الماضي، وهناك حكومة فيكتور أوربان اليمينية المتطرفة في المجر، وقد حققت ماري لوبان نجاحًا انتخابيًا كبيرًا نسبيًا بوصولها إلى الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية منذ أشهر، من ضمن أمثلة أخرى. لكن ما يجعل فوز ميلوني أشد خطورة بشكل خاص هو أنه حدث في بلد معروف بحركاته الاجتماعية الهادرة، والمعروف أيضًا تاريخيًا بتراثه المناهض للفاشية، مما يجعل هذا الفوز حافزًا أقوى للموجة اليمينية المتطرفة الصاعدة على المستوى الدولي.

كيف فاز حزب إخوة إيطاليا؟
لقد استفاد حزب إخوة إيطاليا من موقعه خارج الحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الماضية. وبينما طبقت هذه الحكومات خططًا تقشفية قاسية لمعالجة أزمة الديون، وشاركت فيها الأحزاب الكبرى كافة (من اليمين واليسار)، فقد تآكلت مصداقية هذه الأحزاب، وظل حزب ميلوني في المعارضة ليبدو أمام الناخبين حزبًا جديدًا لا يتحمَّل مسئوليةً في المعاناة التي سببتها لهم الحكومات السابقة. ومع انهيار هذه الحكومات، زادت مصداقية هذا الحزب الفاشي الجديد في أعين الناخبين، وتمكن من جذب قطاعات منهم من الأحزاب الأخرى، بالأخص أحزاب اليمين التقليدي.

ربما يشير ذلك إلى تدهور ثقة الناخبين في السياسة والأحزاب التقليدية أكثر مما يشير إلى تبني هؤلاء الناخبين لبرنامج ميلوني وحزبها. على سبيل المثال، انهارت الأصوات التي حصدها حزب ليجا (العصبة) من 34% في 2019 إلى أقل من 10% في انتخابات الشهر الماضي. وكثير من هذه الأصوات ذهبت إلى حزب إخوة إيطاليا.

وما يدل على تدهور الثقة في السياسة والأحزاب التقليدية أيضًا هو ضعف الإقبال على الانتخابات، الذي كان هو الآخر عاملًا مهمًا في فوز ميلوني. بلغ الإقبال على التصويت 64% فقط من إجمالي الناخبين، وهي أقل نسبة تصويت في تاريخ إيطاليا، انخفاضًا من 90% في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

تناقضات الائتلاف الحاكم
لكن هذا الائتلاف هو الآخر، كما الحكومة السابقة، لن يكون مستقرًا، بل هو بالفعل ائتلاف هش، لثلاثة أسباب: أولًا، لأنه يعبر عن مصالح متضاربة لقطاعات من الطبقة الرأسمالية الإيطالية. على سبيل المثال، بينما أيدت ميلوني إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا وفرض العقوبات على روسيا، وطمأنت قطاع من الطبقة الرأسمالية الإيطالية بأن حكومتها ستدعم حلف الناتو، فإن سالفيني في المقابل يشكك في جدوى استمرار العقوبات على روسيا، نظرًا لارتباطه الوثيق بالرأسماليين الإيطاليين الذين يستثمرون بكثافة في روسيا. أما برلسكوني، فهو أيضًا يدافع عن بوتين، مدعيًا أن صديقه القديم لا يريد إلا تنصيب حكومة من “أناسٍ لطفاء” في كييف.

السبب الثاني هو أنه، رغم هذا الخلاف، سوف يستمر الائتلاف وحكومته الجديدة في فرض خطط تقشف لن تقل قسوة، في ظل أزمة ديون قاربت على 3 تريليون دولار (150% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا، ارتفاعًا من 120% منه في 2011). ورغم الوجه الجديد الذي ترسمه ميلوني، والائتلاف الذي تقوده، أمام ناخبيها بأنها سوف تحل الأزمة التي فشلت فيها الحكومات السابقة، فهي لن تحلها إلا بسكب المزيد من البنزين على النار!

ثالثًا، ليست الحركة الجماهيرية في حالة ركود تام، بل من المرجح أن يواجه الائتلاف الجديد تحديًا شعبيًا، سواء على مستوى الاحتجاجات ضد السياسات الاقتصادية، أو ضد العنصرية والفاشية. في يوليو الماضي على سبيل المثال، أدى إضراب عمالي لمدة يوم واحد إلى إلغاء أكثر من 200 رحلة طيران، لمطالب تتعلق بظروف العمل ورفع الحد الأدنى للأجور. وفي أكتوبر من العام الماضي، تظاهر حوالي 200 ألف شخص للمطالبة بحظر الجماعات الفاشية في إيطاليا. ومن المحتمل أن تتصاعد مثل هذه التحركات في المستقبل.

لكن إذا كان الائتلاف الثلاثي يواجه مثل هذه التناقضات، داخله وبينه وبين الجماهير أيضًا، فإن ما يربطه سويًا بالأساس هو مناهضة الهجرة وتحويل الغضب الناتج عن الأزمة الاقتصادية تجاه المهاجرين. لذلك فإن المعركة ضد منع الهجرة وضد العنصرية في إيطاليا لهي ذات أهمية قصوى لتعميق الشقوق في الائتلاف اليميني وحكومته الجديدة، إلى جانب المعارك الاقتصادية المباشرة، والمعارك من أجل الحقوق والحريات المدنية.

ليس نهاية المطاف
يخبرنا التاريخ أن الفاشيين مثل ميلوني، الذين تلهمهم الديكتاتوريات الوحشية في العشرينيات والثلاثينيات، يفتحون آفاقًا مظلمة لمستقبل العالم. لكن انتصار ميلوني ليس نهاية المطاف، بل أنه يضيف تأكيدًا إضافيًا على ضرورة الوحدة والتضامن بين الحركات المناهضة للفاشية والعنصرية واليمين المتطرف في أوروبا والعالم، وعلى وجه الخصوص الحركات العمالية ذات التأثير الأقوى بإضراباتها ومظاهراتها وتأثيرها الجبار.

صحيح أن التحديات التي يفرضها فوز ميلوني أكبر، لكن فرص المقاومة لا تزال ممكنة. إن الأسباب التي أنعشت اليمين المتطرف والفاشيين الجدد في السنوات الأخيرة، حيث الأزمات الاقتصادية وفشل الحلول الوسط، هي نفسها التي تمنح فرصًا لليسار والحركات العمالية بتحقيق قفزات إلى الأمام، لا بتحميل اللاجئين والمهاجرين ثمن الأزمات الاقتصادية في أوروبا، بل بمواجهة السياسات الرأسمالية وتوحيد المُستغَلين والمضطهدين وضحايا العنصرية ضدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة ( مقامة ) ببغائية
جليل عبدالله ( 2022 / 10 / 10 - 14:32 )
هالمقالة نمودج كلاسيكي هي نموذج عم يحاول ترسيخه الاعلام الغربي و يردده البغائيون الذبن حفظ وا عن ظهر قلب مصطلحات الفاشية و اليمين المتطرف و معاداة المهاجرين و كلها تسميات تطلق على الاحزاب الوطنية التي لا تقبل التفريط بسيادة وطنها ، ، و حقوق مواطنيها و ترفض الركوع و الاستسلام لإملاءات النخبة التي تحكم الغرب و التي قررت محو الطابع الديني و القومي لأوروبا انتقاما لما تعرض له اجداد النخبة الحاكمة للغرب من اضطهاد و تعسف من قبل الاوروبيين عبر القرون العشرة الماضية ، انهم ماضون في تمزيق النسيج الاجتماعي الاوروبي و بواسطة هيمنتهم على الوسائل الاعلام الرئيسية يحاولون تصوير كل من يقف في وجه مخططاتهم بأنه متطرف و يميني ، اصبح الدفاع عن الوطن تجاه الغزو الثقافي من قبل ناس رافضين للثقافة الاوروبية تطرفا مدانا و يجب عليهم ان يقبلوا بفتح ابواب اوروبا لكل من هب و دب


2 - لو كنت مكان جورجيا ميلوني
جليل عبدالله ( 2022 / 10 / 10 - 15:06 )
انا لو مكان جورجيا ميلوني كنت سأقول اذا كان الدفاع عن الوطن و الشعب هو شوفينية فإنا شوفينية و افتخر
و لا اخجل من الدفاع عن وطني و شعبي فليقولوا ما يقولوا ، ، ولن اقبل من النخبة التي تحكم الغرب خلف الكواليس ان تجعل من وطني ايطاليا وطنا ممزقا مكونا من مجموعات متصارعة غير متجانسة ثقافيا ، الماذا تريدون منا ان نفتح ابواب بلادي ايطاليا امام اشخاص يرفضن الانصهار في مجتمعنا و يصرون على فرض تقاليدهم و شريعتهم علينا ، هل تقبل السعودية بهجرة المواطنين الايطاليين اليها و يعلنون على الملأ رفضهم الانصهار في المجتمع السعودي و نيتهم على نشر قيم ايطاليا في السعودية ؟ هل يقبل الاسرائيليون بفتح ابواب إسرائيل لكل من هب ودب و حتى لو يعلن انه يعارض الصهيونية ؟ فلماذا حرام علينا ان ندافع عن اوطننا امام الغزاة ، هل الوطنية اصبحت تعني فتح حدود البلاد امام الغزاة؟

اخر الافلام

.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????


.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر




.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن


.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس




.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا