الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبت ياثلاثاء

محمد الأحمد

2006 / 10 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أيامُ يكون الرقيب ذكياً متطلعاً متسلحا بالمعرفة، يكونُ على الاديب المجتهد أن يتسلح بمعرفة اكبر، لاجل ان يمرر عليه صراخة بدلاً ان يواجههُ التكميم، والتعتيم، فغالبا ما نجد الروائي المرهف الحس متماهيا في تأثيث روايته بسرد يخفي وراءه مقاصد لا يصلح البوح بها جهارا ويكون محلقا في حلقات من الخيال مغلفا المعنى ومموها له بتفاصيل غالبا ما تجعله قد باح بما لايباح وقد كان مسرفاً في القصد البليغ، ومقيماً الحدّ بينه كانسان، وبين عمله الابداعي، نجده قد كشف اسراراً عن ذاته بواسطة ثلة من شخصيات رسمها على الورق وقد اعطاها دما وموقفا وتلك مكونة لعالم تحكي عنه الكلمات رغما من تفككها ولكنها جزلة المعنى تشير الى اهدافها الواضحة. وهذا ما يحدث في رواية (سبت يا ثلاثاء)، للكاتب العراقي (زيد الشهيد) الصادرة عن دار ازمنة الاردنية 2006م، حيث تختفي فيها نهائيا الاحداث التي غالبا ما تعتمدها الرواية سردا، ولكنها تدغم السرد باحداث تحمل هوية عصر سمته الصمت البليغ، فالروائي يأخذنا عبر غرائبية لغة فيها تقنيات أدبية متنوعة، تذوب النثر الجميل بالشعر البليغ وكانه انصهاراً عضوياً، تنتهي عنده المسافة بل تكاد تختفي، (سكاكين الألم بأتفاق حميم مع خناجر الصمت تعلنان شعوائية حرب لا هوادة لغدر، لحظتها زحفا، حدودها جسد نجاة. مساحة بقدر بقعة، تركيزها يدور اسفل تكويرة تشبه بالونة شُبعتْ بالماء- الرواية ص 13). لأن اللغة تعتمد الصورة الشعرية اكثر مما تعتمد السرد، الذي يحول الافعال الى صور متابعة، لتنعكس الى العين، ويحدث المرسل بحديثه الى المرسل اليه، وعلى العموم تتميز الرواية كفن شمولي عن بقية الفنون بقدرتها على النفاذ و التعبير داخل إطار الزمان والمكان، كما يذهب قصد الشاعر العربي محمود درويش: (فقد حلك الضباب على طاولتك الدائخة من فرط ما كدّست عليها من أدوات التأويل)، عبر خطاب مبتكر استطاع ان يواصله بلا كلل الروائي ويحط به معان لدى القارئ، (وانا الروائي اصرخ من هول الموقف.. آه، يا الهي! كيف لي ان اكمل هذه المأساة؟! اني اتقطع ألماً- الرواية ص 47) فتميز حضورا تواصليا شغفه بالمجاز عبر تجريب شـــــعري متقن توضح عند تشكيل الاستعارة، واستيفاء مقاصدها البلاغية، أو كما أنه يستحضر لمسته السينمائية أو التشكيلية في الوصف، راسماً مشهداً، مدللا رمزياً على عبثية الزمان والمكان، عبر خلخلة في تواصل حكي الحكاية (هناك فوضى زهور واوراق واشكال تتبعثر على نسيجها قوارير وحلقات ومثلثات ودوائر واختلاطات تتمازج مع الوان فاقعة او داكنة تضيع فيها الازرار بين الزهور والدانتيلات والشرائح المخرمة، ترفعها نجاة، تدرس الاشياء بتحديق ذاهل.. يقول لها احد الاثواب: البسيني اشتقت لتضاريس جسدك؛ اروم رائحتك- الرواية ص 26). وكانها تبيت ذهانا غير مترابط بقصد خلخلة جذرية، هي التي تحكي الحكاية التي تقف عليها الرواية، يعتمد المونولوج الداخلي (interior monologue) المتمثل في حوار الذات مع الذات، لاجل ان تدوم العلاقة التفاعلية بين القارئ وبين ما يريده المؤلف قوله كلوحة سريالية.. تتخفى اكثر مما تتمظهر، تنكمش على ذاتها، اكثر مما تكشف عن نفسها. هويتها التغريب المواصل لصورة تتوسطها البطلة (نجاة) مقذوفة في العراء المظلم، المخيف، وعبرها تتثبت حيثيات بيت عراقي فيه صراعات جمة، من معاناة الحصار، ومن تكدسات العنوسة، واثقال الحاجات الفسلجية، صورة تتشكل منها اسرار البيت ونسوته، وعلاقاته المتواترة، صورتها تبقى عـــــالقة في المخيلة، مؤثثة لمسارات احداث تجري وراء المقاصد، تغطيها الالتفافات وتحوطها، لتبقى ان غادرنا النص، مشكلة اكثر من سؤال يثيره البيت العراقي الذي تتأثث الرواية لأجله، فتارة تحضر الاشياء بشبحية ليصفها المكان، والزمان، وتارة اخرى يحضر الانسان بشبحية ليصف الاشياء ويجعل الارتحال أو الانزياح ثيــــمة مركزية في ســــرده (الاشياء ماعادت باماكنها؛ والأماكن ما برحت بأشياءها- الرواية ص 90).. حيث (سطحية الشخصية لتمثل فكرة تجريدية، ولكنها الوحدة التي تسمح بانواع من الاختلاف تتفق مع طبيعة الشخصية في مجرى الحدث- محمد غنمي هلال )، فيستنتج القاريء بأن هذه الرواية نص مشاكس، عنيد وتصعب قراءته، وتخفى من وراءه القصد؛ نص رواية انسانية سكتت عن القول المباح لتفجَّ متسعاً من الصراخ، كونها رواية تحكي عن العراق الذي تقبض على مقدراته اصابع من حديد، انها رواية وثيقة احتاجت ان تكون شهادة على عصر فيأتي المكان حاضرا في امتداد لغة تتقعر تارة، وتتوضح اخرى لتحدد الزمان والجغرافيا، و يصح قول الشاعر العربي القديم مالك بن الريب: (عشت عصي القلب، قصي الالتــــفاتات إلى ما يوجعُ، ويجعل الوجعَ جهة، وإلى ما يرجع من صدى أجراس تضع المكانَ على أهبة الســــفر). يفكك اسرار هذه البطلة المحورية وهي تدور في فناء كله معقول، في زمن استثنائي قد مرّ على المثقف العراقي، ويقول عبر قوله.. انك مهما كممت فاهي فانني سوف اتكلم حالما يفك كمي. (لا تأثير للحكاية على الكلام، وليس لها مساس بالأمر طبقاً لتحليل ناقد قارئ، لكني اكتبها فقط كتذكر. ومضة خاطفة مرقتْ بسماء الذهن لحظة الكتابة؛ ونجاة تبقى اسيرة الذهول إذ يعافها الألم- الرواية ص 78)، تبقى الرواية تخترق الازمنة يوماً بيوم، واسبوعاً باسبوع، وعاماً بعام.. كفعل صراخ اراده الكاتب العراقي (زيد الشهيد) ان يبوح المه، وقهره، ونفيه في مكانه الذي ولد فيه، حيث بقي غريبا حتى عن الناس الاحبة التي خرجت معه من رحم واحد. تبقى هذه الرواية عراقية الالم والبوح والاختراق. كونها تجربة استحقت التأشير، لما فيها من كسر للشكل، ولرتابة الازمنة.

سبتٌ يا ثلاثاء
رواية: زيد الشهيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة