الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوع في الجنوب و حرب في الشمال

علي فضيل العربي

2022 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


خلّفت الكوارث الطبيعيّة و الجوائح ، في القسم الجنوبي من كوكبنا مآس إنسانيّة فظيعة ، يندى لها الجبين . فقد ازداد عدد الأفراد الجوعى والعائلات الجائعة بشكل رهيب ، بات يهدّد قبائل م مجتمعات رمّتها ، بالزوال و الفناء . ففي القرن الإفريقي ، و في دول الساحل و في شرق إفريقيا ، و في اليمن و بنغلادش و بورما ، لم يجد السكان أقوات يومهم ؛ من ماء و غداء . نتيجة موجة الجفاف التي ضربت مناطقهم ، و آثار جائحة كورونا ، و الأميّة انعدام التنميّة المستدامة ، و ندرة الإنتاج الزراعي و الاستبداد السياسي و تغوّل الشركات الغربيّة ، و الأمراض المنتشرة ، كالملاريا و التيفوئيد و الكوليرا ، و غيرها من الكوارث القاتلة .
بينا تدور في الشمال ( المتنوّر ) و ( المتحضّر ) و( الديمقراطي ) و ( الإنساني ) حرب ضروس بين روسيا و أوكرانيا . و هي حرب أسبابها ، إيديولوجيّة ، في إطار الصراع بين الشرق و الغرب حول مناطق النفوذ الاستراتيجي . و هي ، أيضا ، من مخرجات الحرب الباردة ، التي انطلقت بعد الحرب العالميّة الثانيّة ، و استمرّت مراجلها تغلي في صمت ، إلى أنّ تحوّلت إلى حرب حاميّة الوطيس ، أدواتها المدافع و الصواريخ و القنابل و الأسلحة الفتّاكة ، و ضحاياها السلم العالمي ، و الأطفال و النساء و العساكر المدفوعين إلى حتوفهم بجرعات الوطنيّة و القوميّة الكاذبة .
و السؤال الذي يحب طرحه : كم استهلكت هذه الحرب من أموال و أنفس ؟ و كم ستستهلك ، إن استمرّت ، هذه الحرب المجنونة ، و لم تتوقّف رعونة القادة السياسيين و العسكريين في روسيا ؟
ألم يكن من الأحرى و الأفيد و الأجدر و الأرحم ، أن تُنفق تلك الأموال في محاربة الأميّة و الجوع و الفقر و الأمراض و التصحّر ، في مناطق شتي من جنوب كوكبنا ؟ إنّها حرب لا منتصر فيه إلاّ الخراب و الدمار و الكوارث الطبيعيّة . فلو قمنا بعمليّة حسابيّة ، و لو بشكل نسبيّ ، حول تكاليف هذه الحرب القذرة ، فإنّنا سنتوصّل – لا محالة – إلى نتائج يشيب لها الولدان .
إنّ الأموال التي صَرفت على الصواريخ و القنابل و طلعات الطيران الحربي ، و حركات السفن و الأساطيل البحريّة ، و طلقات الرصاص ، و الإنفاق الحربي على العساكر ، في هذه الحرب الخاسرة ، كانت كفيلة بحلّ أزمات الأميّة و الجوع و المرض و الفقر و الجفاف في القسم الجنوبي من الأرض ؛ سواء في إفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينيّة . فكل قنبلة تساوي ضياع مدرسة ، و كل طائرة حربيّة تكاليفها تكفي لبناء مشفى للأطفال أو الكبار ، و كل صاروخ ، مداه قصير أو متوسط أو بعيد ، ثمنه كفيل بتوفير الغذاء لطفل جائع أو امرأة متربة أو فقير يسفّ التراب .
هناك أطفال و رضع في القرن الإفريقي – مثلا – يعانون ، أشدّ المعاناة من سوء التغذيّة . فأمهاتهم عاجزات عن تأمين الغذاء لهم .
إنّ تكاليف ، هذه الحرب المجنونة ، كافيّة – و قد تفضل – لمعالجة أزمات الجنوب ، الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و الصحيّة و التربويّة .
و السؤال الذي يبيّض له ريش الغراب ، هو : لماذا لم يسع ممارسو فنّ السيّاسيّة و قساوسة اللاهوت و فلاسفة الإنسانيّة و دعاة الليبراليّة و الديمقراطيّة و حراس حقوق الإنسان في الغرب ،- بقوّة الحجة و الغيب – في منع الحرب ، قبل اندلاعها ، و إطفاء نارها بعد اندلاعها ؟
لقد ذهبت تريليونات من الأموال هباء منثورا . و سقط الآلاف من البشر قتلى و جرحى ؛ من المعتدين و المعتدى عليهم ، من الأبرياء و المجرمين ، من الصغار و الكبار ، من الذكور و الإناث ، من الصبيان و الشيوخ ، من الأقوياء و الضعفاء . ثم ، ماذا بعد ؟ أمن أجل أن يعلّق المنتصر ( و لا منتصر ) ، على صدره نياشين البطولة ؟ و أيّة بطولة على مذابح الإنسان ؟ أيّة ، هذه ، على بحر من الدماء و الآهات و الآلام ؟

و مادامت الهيئات الدوليّة ( الجمعية العامة للأمم المتحدة ، و مجلس الأمن ، و المنظّمات الحقوقيّة و المحكمة الجنائيّة ) قد فشلت في توقيف الحرب ، فلا جدوى من وجودها . ما الفائدة منها ، من وجودها و اجتماعاتها ، إذا كانت قراراتها غير مُلزمة ، و غير محترمة ، و غير منفّذة ؟ و لم تستطع منع الانقلابات العسكريّة في إفريقيا ، و حلّ الأزمات و الداخليّة و النزاعات البينيّة ، المندلعة هنا و هناك ؛ في فلسطين و اليمن و سوريا و ليبيا و الصومال و اثيوبيا دول الساحل الإفريقي . فكم من قرار أصدرته هذه المنظّمات الدوليّة ، لكنّه ظلّ حبرا على ورق ، و بقيت ( دار لقمان على حالها ) .
سيستيقظ العالم ، يوما ما ، على نبأ عاجل ، و بخط عريض ، و سيظهر على الشاشات ، بمختلف الألوان و الأحجام – لكن بعد خراب الدار- لتزفّ لنا الأنباء ، آخر النهايات :
سيداتي ، سادتي ، لقد قررّ المتحاربون توقيف الحرب ، و العودة إلى طاولة الحوار ، و التعايش في جوّ السلام و حسن الجوار .
أيّها الأقوياء ، يا من تملكون القرار و السلاح ، في الشرق و الغرب ، يا من أعلنتم بداية الحرب ، ثم نهايتها . اذكروا لنا ، ماذا جنيتم منها ؟ اذكروا لنا الأرقام السوداء بدقّة ، لا نريد أرقاما بيضاء ، لأنها عديمة الظلّ – تماما - لديكم .
آه ، ليتكم ، تعلنون للعالم ، يا من تملكون ترسانات الأسلحة التقليديّة ، و أسلحة الدمار الشامل ، أنّكم قرّرتم – و لا رجعة في قراركم – تدميرها ، و التخلّص منها إلى الأبد . و ليعش العام في كنف السلام و التكافل و التعاون و التعارف و الطمأنينة على روح المحبّة و التراحم .
أنا على يقين ، بأن أفواهكم ، ستظل مفغورة ، فاحذروا أن تملأها أسراب الذباب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة أمريكية-سعودية مقابل التطبيع مع إسرائيل؟| الأخبار


.. هل علقت واشنطن إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل وماذا يحدث -خلف




.. محمد عبد الواحد: نتنياهو يصر على المقاربات العسكرية.. ولكن ل


.. ما هي رمزية وصول الشعلة الأولمبية للأراضي الفرنسية عبر بوابة




.. إدارة بايدن تعلق إرسال شحنة أسلحة لتل أبيب والجيش الإسرائيلي