الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تعتذر فرنسا عن تاريخها الأسود في الجزائر ؟

علي فضيل العربي

2022 / 10 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


متى تعتذر فرنسا عن تاريخها الأسود في الجزائر ؟


بيننا و بين فرنسا بحر أبيض ، و تاريخ أسود . مازال البحر الأبيض المتوسط شاهدا على الحملة الفرنسيّة في أواخر جوان من عام 1830 م . و مازال ساحل فرج ، يتذكّر سفن الغزو ، و تتسامع في أرجائه طلقات المدافع و البنادق ، و دويّ القنابل ، و صرخات الغزاة القادمين من شمال البحر ، و أنين القتلى و تكبيرات المقاومين ، المدافعين عن أرضهم و شرفهم . التاريخ هو تأريخ و سجّل ، لا يمكن محوه من ذاكرة المكان و الإنسان .

إذا كانت فرنسا ، بيمنها و يسارها و وسطها ، ترفض الاعتراف بجرائها في الجزائر ، و لا تريد الاعتذار عنها ، و التعويض ، فلماذا ، تثير – باسم حقوق الإنسان – قضايا أخرى ، مثل قضيّة الأرمن ، التي اتهمت فيها تركيا في فترة حكم الدولة العثمانيّة بالإبادة ؟ ما الذي قامت به فرنسا في الجزائر منذ احتلا لها ؟ أليست إبادة وحشيّة للأمّة الجزائريّة العريقة ؟ ألم تبد أكثر من ثلث سكان الجزائر ، دون تمييز بين المدنيين المسالمين و المقاومين الثائرين ؟

كانت حربها شاملة على البشر و الشجر و الحيوان ، و على ما هو عربيّ و إسلاميّ ؟ بل امتدّت يها إلى التراث المادي و المعنوي . فهدمت المعالم الأثريّة العربيّة الإسلاميّة ، و حوّلت المساجد إلى اسطبلات للخيل ، و إلى مكاتب و إدارات عسكريّة و مدنيّة . كتبت لجنة فرنسية عام 1833 م تصف تلك الأعمال الوحشيّة ضد الجزائريين ، ما يلي :
" أرسلناهم إلى الموت لمجرد اشتباه بسيط دون محاكمة للأشخاص الذين كانت تهمتهم موضع شك دائما .. و ذبحنا الناس الذين يتصرّفون بشكل آمن .. لقد تفوقنا على البرابرة في الوحشيّة . "
و " وصلت الأساليب المستخدمة من أجل الهيمنة الفرنسية ، إلى مستويات الإبادة الجماعيّة ، و أدت الحرب و المجاعة و المرض إلى موت ما بين 500.000 إلى مليون جزائري، من تقدير إجمالي للجزائريين بحوالي 03 مليون .. "

إنّ على فرنسا المعاصرة ، أن تعلم أن الجرائم في حقّ الشعوب ، لا تموت بالتقادم ، و لا تُمحى من ذاكرة الشعوب ، و لا تنسى ، مهما تعاقبت الأجيال و الحكومات . و أنّ الفلسفة الاستعماريّة ، القائمة على نظريّة البقاء للأقوى ، إخضاع الضعيف للقويّ ، كانت ، و مازالت ، و ستبقى ، ظلما فادحا و عارا أسود . إنّ من أوجب الواجبات على فرنسا ، قبل بناء جسور الصداقة المتينة مع الجزائر ، القيام بالخطوات التاليّة :
1 – الاعتراف :
على فرنسا أن تعترف ، أنّ ما قامت به في الجزائر ، هي حرب إبادة شاملة . ارتكب أثناءها عساكرها جرائم يندى لها جبين الإنسانيّة . لقد خلّفت فرنسا وراءها عارها ، في الشمال و الجنوب . و مازالت إشعاعات تجاربها النوويّة ، في ولاية تمنراست ( إن إينكر ) و ولاية أدرار ( وادي الناموس ) ، شاهدة على بشاعة جرائمها ، تحصد الأرواح ، و تشوّه الأجساد . و هل يكفي الاعتراف ؟ كلاّ ، لا يكفي . فالاعترف وحده لا يبرئ المجرم ، و لا يُسقط عنه جرمه .
2 - الاعتذار :
على فرنسا المعاصرة ، أن تعتذر للأمّة الجزائريّة . للأحياء و للشهداء ، و للمنفيين في كاليدونيا الجديدة ، و غيرها من بقاع الأرض . أن تبدي أسفها الشديد على ما ارتكبته فرنسا الاحتلال في حقّ الأفراد و الجماعات و القبائل و النساء و الأطفال ، و ما خلّفته عشيّة اندحارها ، من مآس اجتماعيّة و آلام نفسيّة و كوارث اقتصاديّة و جرائم أخلاقيّة ، و أميّة مميتة ، و تخلّف شامل .
و هل يكفي الاعتذار يا فرنسا ؟ كلا ، لا يشفي غليلا ، و لا يريح ضميرا ، و لا يبرّد قلبا . فلا بد إذن من التعويض .
3 – التعويض : ما مقدار التعويض المادي و المعنوي ، عن احتلال دام مائة و إثنان و ثلاثين سنة ؟ التعويض عن جرائم القتل ، و دفع ديّات قتلاها . التعويض عن نهب ثروات الجزائر الباطنة و الظاهرة ؛ من زروع و لحوم و معادن و فواكه . التعويض عن قرن و ثلث من التجهيل ، و حرمان الشعب من طلب العلم و بناء الحضارة و التقدّم ، التعويض عن التشويه الذي لحق الأسماء و الألقاب ، و زلزل البنية الديمغرافيّة ، و أخلط الأنساب . التعويض عن التلوّث البيئي النووي في جنوب الصحراء . التعويض المعنوي عن سنوات القهر و الفقر و الإذلال و الإهانة و تعطيل الفكر و الشتائم و التعذيب النفسي ، و هلمّ جرّا . و هل يكفي التعويض المادي و المعنوي ؟ كلا ، لا يكفي ، ولا يبريء الجراح الغائرة .
4 – المحاكمة : لا بد من عقد محاكمة عادلة ، لفرنسا الاحتلال . محاكمة للضمير و التاريخ و الخطايا الكبرى و الصغرى . لا يهم ، أن يقف الأبناء و الأحفاد أمام القاضي ، للذود عن آبائهم و أجدادهم ، فلهم حقّ الدفاع . و أن يدفعوا ديون أسلافهم في الجزائر ، دون نسيان أثمان القمح ، التي مازلت دينا على أجدادهم منذ قرنين (حوالي 24 مليون قطعة ذهبية ) . منذ حكم شارل العاشر .
فإذا نفذّت فرنسا المعاصرة ، هذه المطالب المشروعة ، دون شروط مسبقة ، تكون قد أزالت عن أسلافها بعض الملامة و العتاب ، و أزالت عن مراياها صدأ السنين الداميّة . و أثلجت صدور الوطنيين الجزائريين ، و نالت عفوهم و تسامحهم .
إنّ الاعتراف بالجرم ، و الاعتذار عنه ، خير من الإنكار . و هما جزء من السلوك الإنساني السامي و الحكيم . أليس خير الخطائين التوّابون ؟ و الرجوع إلى الفضيلة و الحق ، خير من التمادي في الرذيلة و الشرّ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جهود مصرية لتحقيق الهدنة ووقف التصعيد في رفح الفلسطينية | #م


.. فصائل فلسطينية تؤكد رفضها لفرض أي وصاية على معبر رفح




.. دمار واسع في أغلب مدن غزة بعد 7 أشهر من الحرب


.. مخصصة لغوث أهالي غزة.. إبحار سفينة تركية قطرية من ميناء مرسي




.. الجيش الإسرائيلي يستهدف الطوابق العلوية للمباني السكنية بمدي