الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأفكار .. والأفعال

أحمد فاروق عباس

2022 / 10 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


كنت حتى وقت قريب من المؤمنين بأن النواحي الفكرية هى المؤثر الأكبر على أفعال حركات الإسلام السياسى العنيفة بدءا بالإخوان وحتى القاعدة وداعش ، ومع مرور الوقت ، ومع ما حدث خلال العقد الماضي أصبحت أكثر اقتناعاً بأن النواحي الفكرية ليس لها سوى أهمية متواضعة فى هذه المنظومة الرهيبة ، ذات الحياة السرية ..

قد يحمل إنسانا أفكارا متطرفة في جزء من حياته ، وليس من الضرورة أن تكون هذه الأفكار دينية ، فبعض الحركات غير الدينية عرفت أحيانا ما يسمى بالعنف الثورى ..
ولكن هناك مسافة طويلة ، وقد تكون طويلة جدا بين أن يحمل إنسانا فى عقله أفكارا متطرفة وبين أن يحمل فى يده سلاحا يقتل به الناس ، مسافة يستلزم لها الأتى :

١ - جهد منظم لوضع الأفكار موضع التنفيذ ، وهذه يستلزمها تنظيمات لها تراتبية ولها إطار سرى ، وهو ليس سهلا وليس متوفرا إلا فى قلة ضئيلة من الموهوبين فى شئون القيادة وبناء التنظيمات وإدارتها ..
٢ - تحتاج هذه المنظمات لعملها إلى كميات كبيرة من المال ، للشئون الإدارية والتنظيمية والدعائية ..
٣ - إذا قطعت هذه المنظمات الطريق واتجهت إلى حمل السلاح فهى تحتاج إلى كميات هائلة من المال ، لشراء السلاح والذخيرة وتأمينه ، ثم للتدريب عليه ، ثم لأعاشة المقاتلين المتفرغين واسرهم !!
٣ - يستلزم كل ذلك ( بطبيعة الأحوال ) علاقات دولية ، اى بين هذه المنظمات وبين أطراف معينة هى من توفر السلاح ومن تؤمن وصوله ، ومن تدرب على استخدامه ، ومن تقدم المال لاعاشة المقاتلين وأسرهم ، ثم من تقوم بتغطية ذلك كله بجهد دعائي مكثف ، قد يتطلب مواقع وصفحات على شبكة الإنترنت ( كما يفعل تنظيم داعش ) أو قنوات فضائية ( كما يفعل تنظيم الإخوان ) ..

ما أردت قوله إن جهد دول وليس مجرد تطرف أفراد يقف وراء هذه الحركات العنيفة ويقدم لها دوما الدعم وأسباب الحياة ..
قد يقول قائل : وهل بدون أفراد يحملون أفكاراً متطرفة تنسب إلى هذا الرجل أو غيره تقوم لهذه التنظيمات قائمة ؟
أليس الفرد - بما تم وضعه في عقله - هو أداة تلك الجماعات فى تنفيذ مخططاتها ؟

والجواب ..
أن ذلك الفرد - فى رأيي - هو أيسر الأمور ، واضعف الحلقات في هذه السلسلة الجهنمية ، فبدون جهد منظم لضمه ، وجهد منظم للانفاق عليه ، وجهد منظم لتعليمه ايديولوجية حركة ما ، ثم جهد منظم لوضع السلاح فى يده ، وجهد منظم فى تدريبه عليه ، ثم جهد منظم ومستمر لاقناعه بصواب الطريق الذي يسلكه ، وكل هذه جهود دول كاملة يستحيل أن يستطيع فعلها فرد واحد أو حتى مجموعة أو مجموعات كبرت أم صغرت ..

إن الفرد يظل فردا ضعيفاً منزوياً مهما حمل في رأسه من أفكار غريبة أو متطرفة ، ولكن توفير البيئة السياسية والإعلامية والمالية والتسليحية هو ما يجعل فرد ضعيف منزوي لا شأن له يصبح رقما في تنظيم له أهداف ولديه خطط ..

أى أننا وجهنا جهدنا كله نحو النقاش والجدال مع الحلقة الأضعف في الموضوع كله وهو الفرد ، وانتجنا المسلسلات وألفنا الكتب لنقنع ذلك الفرد أن كلام حسن البنا أو سيد قطب أو بن لادن أو أبو بكر البغدادي خطأ وغير صحيح ..
هو طبعا كلام خطأ وغير صحيح ، والجهد لإظهار ذلك واجب ، ولكن أن يستغرق ذلك جهدنا كله فهذا هو الخطأ ..

ظاهرة الإسلام السياسى ظاهرة سياسية قبل أن تكون دينية ، وظاهرة دولية قبل أن تكون محلية ..
والجهد الدولى وراءها هو أخطر واصعب حلقاتها ، وهو ما لم يتقدم أحد لكشفه أو التعامل معه !!

كلنا أصبحنا على بينة - بعد تجارب السنين الماضية ، وبعد إعادة قراءة تجارب العقود الماضية - أن دولا معينة تقف وراء هذه الظاهرة وتمدها بأسباب الحياة كلما خبت !!

كلنا أصبح يعرف بعد ما فعلته تلك الجماعات فى سوريا وفى مصر وفى ليبيا وفى نيجيريا وفى غيرهم ، ومن السيرة الذاتية - الظاهرة قبل الخفية - لكبار قادتها من الغنوشى في تونس إلى الترابى في السودان إلى عبد الكريم بلحاج فى ليبيا الى القرضاوى فى قطر وغيرهم من يقف حقيقة وراء الحركات والتنظيمات ..

لم يعد يحتاج الإنسان إلى ذكاء خارق ليكتشف شيئا أصبح معلوما من الحياة بالضرورة ، فقط من ختم الله على قلوبهم - أو ختم المرشد على قفاهم - هم من يرفضون رؤية الشمس في وضح النهار
كلنا يعرف أن الولايات المتحدة وبريطانيا وراء الجزء الأكبر من هذه الظاهرة ، ومع ذلك فضلنا الاشتباك مع الصورة وتركنا الأصل بلا أى مساءلة !!

قلة هى الكتابات التى بدأت تلتفت إلى أصل ومنشأ هذه الظاهرة ودور الغرب في نشأتها ورعايتها ، الغريب أن ذلك تم من كتاب غربيين وليس من كتاب البلدان العربية والإسلامية ، تلك التى طالما اكتوت بنيران تلك الجماعات !!

لكن نحن هنا فضلنا مناقشة حسن البنا وسيد قطب وبن لادن والبغدادي ، وتركنا من يمول ومن يوفر السلاح ومن يقدم التغطية السياسية والحقوقية لانصارهم !!

وفضلنا الاشتباك مع قطر أو تركيا ، وتركنا من يحرك الدمى فى قصور الحكم فى كلا البلدين !!
فضلنا التعامل مع الوكيل .. وتركنا الأصيل يفلت بجريمته !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا