الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجرد حلم

فرزند عمر
طبيب قلبية ـ ناقد أدبي ـ باحث في قضايا السلام

(Farzand Omar)

2022 / 10 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


عندما كنّا في الشرق حيث ولدت، كان الغرب يشكل قاعدة أحلامنا، الغرب الذي حصل فيها الجميع على حقوقه من خلال نظام ديمقراطي لا يضام عنده أحد، كذلك التطور والتقدم في تلك البلاد هي في أوج وجودها، وكان هناك العديد من الاثباتات على ذلك، فكل ما هو تقني، حضاري،،،،، نووي، هو غربي بامتياز.
الشرقي الذي يتفوق على الغربي أن كان لديه حلمان، حلم الاغتراب وحلم الاشتراق، حلم الحضارة الغربية أو حلم الخلافة الإسلامية، الغربي لديه حلم واحد وهو الاشتراق ، الاشتراق الذي استقاه من كتاب ألف ليلة و ليلة.
كنّا نحن الذين عشنا جزءاً من حياتنا في الشرق، ننظر إلى هذا الحلم بشاعرية ابن البادية، لكن لم يصح لنا أن نعيش تحت ظله، كما هو حال المسلمين الحالمين بدولة الخلافة لكنهم أبداً لم يجربوها الا في أحلامهم، مؤخراً يبدو أننا تمكنّا أن نعيش حلمنا، معظم الشرق جرب كلا حلميه، الذين بقيوا في ديارهم جربوا حلم الخلافة الاسلامية، والذين هاجروا جربوا أن يكونوا تحت المظلة الغربية المتطورة، الحضارية، التي يسود فيها العدل والنظام ولا يضام أمام محاكمها أحد.
الغربي جرب حلمه أيضاً، فقد جاء إلى سوريا محارباً في دولة الخلافة الإسلامية، ملاحقاً حلمه في الاشتراق.
في الشرق جربنا كلا الحلمين، أنا شخصياً لا أعلم أي شيء عن الذين جربوا حلمهم تحت مظلة دولة الخلافة ما هي معايشتهم مع هذه الدولة التي نسميها نحن أصحاب الحلم الآخر دولة الخلافة الارهابية، نحن أصحاب الحلم الذي اختار الغرب بوصلة لوعيه.
أنا لا أعلم رأيهم فهم وحدهم قادرين أن يحكوا تجربتهم، لكن تعالوا أخبركم عني أنا، أنا الذي خاض وما زال يخوض تجربة العيش ضمن حلمه، الحلم الذي أفنيت عمراً لأصل إليه، أنا الآن هنا موجود ضمنه، في منتصفه، حيث العمل، ودفع الضرائب، والحسابات التي لا تخطأ، أنا في عين المكان الذي حلمت أن أعيش تحت ظل حضارته، تعالوا لأشرح لكم ما هو الغرب بعد معايشتي له.
كل ما كان يصلنا من اثباتات على أن الغرب يتفوق على الشرق بمسافات شاسعة من ناحية التيكنولوجيا صحيح مئة بالمئة، هناك بعض الأسطرة التي لا بد منها لكن في العموم هي قريبة مما سمعناه، الغرب لم يكذب علينا في شيء كما يدعي البعض، قالوا أن القانون فوق الجميع، ما اكتشفناه قريب لذلك، و أن العمل أولاً، و النساء لهم ما للرجال، و كل شيء مباح فيها حتى مثلي الجنس لهم أماكنهم العلنية دون أن يزعجهم أحد، بل في كثير من الأحيان المثلية تفتح أمامك أبواب الشهرة و السلطة، كذلك الطب متطور جداً، و عندهم تقنيات تستطيع كشف المرض قبل حدوثه، و الدليل على ذلك متوسط طول الأعمار، هي الأعلى على سطح الكوكب، فالغرب أطول عمراً من الشرق، أو من باقي أنحاء العالم، هذا ما تؤكده كل الدراسات، و أنا من طبيعتي لا أشك في الدراسات العلمية، و أعتقد أنها تحوي جزءاً كبيراً جداً من الحقيقة.
السويد تتعرش على قمة الدول الغربية لا يسبقها في متوسط طول الأعمار الا اليابان، هذه الخاصية الجميلة في التغلب على الموت التي كنا نحلم بها نحن من عشنا شبابنا في الشرق، حلم البشر الأبدي، الإشكالية تحدث عندما تعيش حلمك، الواقع مسألة أخرى، طول العمر في أوربا هو مشكلة وليس حلماً، مشكلة معاشة، بل مشكلة المشاكل، طول العمر هنا مخيف، مرعب، كئيب، تشاهده بأم عينك، تشاهد كيف يأتي المريض إليك في العيادة، كم هو حزين، كم هو بائس، كم هو يعاني، كم هو وحيد.
مشهد بروفيسور يعاني من الزهايمر، أو عالم ملقى على أحد السرائر لا يزوره أحد يجعلك تختار عدم الانجاب أو الاتجاه نحو الانتحار، فأنت لا تريد هذه الحياة، فالسويد أكثر البلدان إصابة بالاكتئاب المؤدي الى الانتحار، كذلك يتصدر دول العالم في قلة الانجاب، فالسويديون قسم لا يأس منه عازف عن الانجاب نتيجة القلق الذي يعيشه، قلق وجودي ليس من نوع متى سأموت الذي نعرفه نحن الذين عشنا في الشرق، سؤال السويدي الوجودي هو كيف سأموت.
عندهم دور عجزة أكثر من عدد المشافي بعشرات الأضعاف هذا صحيح، وهي نظيفة نوعاً ما، ويؤمن لهم الطعام والدواء والنظافة الشخصية إلى حد ما، لكن لا تؤمن لهم العاطفة، فهم وحيدون، وحيدون جداً، حتى أن كثير منهم اقتنعوا أن الوحدة شيء جيد.
الغرب لم يكذب علينا، لم نجد كثيراً من الأقوال المناقضة لما نشروه عن أنفسهم، حتى تلك الأفلام الاستعراضية التي تأسطرت، كحكاية البطات التي تغلق شارعاً مرورياً كي تمر بسلام، أو الكلب الذي ينتظر إشارة المرور الخضراء كي يمر، حتى هذه موجودة على الأقل في الوجدان الغربي، لديهم جوع هائل لممارسة انسانيتهم، فهي السبيل الوحيد لمسح الخطايا، فالله في الغرب كما ملوكهم، عاجز عن الفعل، لا يستطيع المغفرة لمن كان ومن يشاء كما هو الحال في الشرق.
الغرب لم يكذب، نحن حلمنا بالغرب على طريقتنا، الانسان يحلم دائما بما ينقصه، مثلنا في ذلك مثل الأوربي الذي جاء ليحارب مع دولة الخلافة، هو أيضاً كان يلحق حلمه، حلمه الذي استقاه من ألف ليلة و ليلة، أن يكون بطلاً تركع عند قدميه النساء العذراوات، كي يمارس معهم رجولته التي سلبت منه هنا تحت ظل القوانين والقيود التي حولت الجميع إلى جنس ثالث، لا علاقة له بالأنثى و لا بالرجال، جنس ثالث متعالي، حقود على كلا الجنسين الذين سبقوه، لا يشبع يظل يطلب المزيد، شره للحياة، يطيل الأعمار، و مستعد للانتحار من أجل ذلك.
الفرق بيننا شاسع جداً، نحن كان لدينا حلمان، عاش معظمنا أحلامه، بغض النظر اننا كلنا تفاجئنا بواقع أحلامنا، الغرب المسكين كان لديه حلم واحد، حتى أن جزء ضئيل جداً عاش حلمه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????


.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر




.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن


.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس




.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا