الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية الفاسدة

حسين موسى البناء
أكاديمي وكاتب

(Hussein Albanna)

2022 / 10 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية الفاسدة!

كثيرون هم المؤمنون بقيم الحرية على اختلاف أشكالها، بدءًا بالحرية السياسية والمشاركة ضمن مفهوم الديمقراطية، مرورًا بالحرية الاقتصادية كنيوليبرالية اليوم، وليس انتهاءً بالحرية الدينية والفكرية وغيرها من امتدادات هذا المفهوم الجذاب والمثالي أحيانًا.

جاءت الديمقراطية نتاج قرون مظلمة من التسلط والقمع واحتكار السلطة والنفوذ والموارد بيد نخبة ضئيلة تقليدية في المجتمعات، لكن الملفت هو أن الحرية السياسية كلصيق للحرية الاقتصادية قد تحمل في طياتها مخادعة عميقة؛ حيث أن الديمقراطية تنشر السلطة والنفوذ والقوة على عموم الناس بدون احتكار، ولكنها تحتكر الثروة في يد نخبة ضئيلة من المجتمع، وكأن عموم الناس يتمتعون بجانب ويفقدون جانبًا آخر! وهنا تتجلى بداية النقد لتطبيقات مفهوم الحرية ابتداءً.

لم تكن الديمقراطية يومًا مثالية، والثابت أكثر هو أن الدكتاتورية هي الخيار الأسوأ عمومًا؛ فالديمقراطية تحمل آليات تصحيح ذاتي وتعلم تراكمي للشعوب تجعل منها نموذجًا جذابًا لإدارة الحياة، أما الدكتاتورية فإنها قرينة القهر والظلم والتعسف والتهميش والاحتكار.

الديمقراطية الاشتراكية هي أكثر النماذج من حيث الاتساق الذاتي؛ ففيها يتم نشر وتعميم السلطة والقوة على الشعوب بنفس مقدار تعميم ونشر الثروة. وهذا الشرط لا يتوافر في الديمقراطية النيوليبرالية ولا في أي نظام آخر دكتاتوري أكان رأسماليًا أو اشتراكيًا.

النظام الديمقراطي يحتمل الفساد، وهناك من تجارب التاريخ والأمم ما يؤكد ذلك؛ فالحزب النازي فاز بالانتخابات الديمقراطية في ألمانيا، والرئيس الأمريكي الشعبوي دونالد ترمب هو إفراز للديمقراطية، وجيورجيا ميلوني ذات الميول الفاشستية هي إفراز للديمقراطية، والسلطة في العراق ولبنان وإيران واليمن هي كذلك إفراز للديمقراطية، وهذه كلها صور واضحة تثبت بأن ثمة صيغة فاسدة للديمقراطية، بذات الوقت الذي تحقق فيه الصين كدولة مركزية سلطوية أكبر صور الازدهار الاقتصادي والتنمية وإدارة الموارد وضبط الأمور كما شوهد في جائحة كورونا الأخيرة كمثال.

ثمة جملة شروط موضوعية لصلاحية النظام الديمقراطي للأمم، وبدون توافر هذه الشروط فإن ديمقراطية مشوهة هي النتاج الطبيعي والمتوقع، من هذه الشروط والتي تختص بدول العالم النامي تحديدًا هو وجود هامش تقدم اجتماعي واقتصادي يتمثل بتعليم واسع ودخل فرد مقبول، بحيث يجعل ذلك الأمر صعبًا على المتاجرين بقوت الناس وجهلهم من القفز على السلطة كرجال الأعمال مثلًا. مضافًا لذلك تحرر الناس من هيمنة ثقافة وعقلية الطائفة الدينية وعصبة دم القبيلة، بحيث يجعل ذلك الأمر صعبًا على زعماء القبائل وقادة الطوائف من تسويق قيم تناقض مفهوم المواطنة والمساواة.

الشعوب التي ينتشر فيها الفقر والجهل والأمية والطائفية والقَبَلية هي المرشحة أكثر من سواها لبناء هيكل ديمقراطي هش وفاسد لن يحقق التنمية ولا الكرامة للإنسان، والشواهد تملأ الدنيا.

د. حسين البناء
كاتب في الاقتصاد السياسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصين ديكتاتورية رأسمالية وليست ديمقراطية اشتراكية
د. لبيب سلطان ( 2022 / 10 / 14 - 17:29 )
استاذنا الفاضل
الاشتراكية الديمقراطية مصطلح دقيق نوعا ما وهو يمثل الاتجاه الفكري بتطوير العدالة الاجتماعية من خلال ادوات ديمقراطية مثل تشريعات البرلمان وهي لاتمس اقتصاد السوق بقدر ما تحاول وبشكل مواز تحقيق سياسات اجتماعية للعدالة والاشتراكية لاتعني وضع الاقتصاد بيد الدولة انما تضع سياسة ادارة الثروة لتحقيق العدالة ااجتماعية ..ونموذجه بلدان اوروبا الغربية التي قادت الحكومات هذه السياسة فيها وهي دولا ديمقراطية ..وليست الصين حيث حكم دكتاتوري يشغل عمالتت بالسخرة ويلغي الحياة الديمقراطية فيها
الديمقراطية واقتصاد السوق قادت بلدا متخلفا جنب الصين، وهي كوريا الجنوبية، الى عاشر اقتصاد في العالم ومثلها الهند وقبلهما اليابان
بلداننا التامية لايطورها اليكتاتوريون ولا نظام ديمقراطي ناقص ومشوه مثل العراق بل دولا وطنية وانظمة ديمقراطية واقتصاد حر ينمو في استقرار سياسي توفره استقرار النظام السياسي ومهمة مثقفينا تنوير الناس باهميتهما لاربط الرأسمالية بالنيوليبرالية كما يرد في مقالتكم فهذه مصطلحات تدخل عالمنا العربي لتشويه الصورة امام مشاكله وكيفية معالجتها
شخصيا ارحب بمقالتكم وتفاعل الاراء

اخر الافلام

.. احتجاجات متواصلة في جامعات أوروبية للمطالبة بوقف إطلاق النار


.. هجوم رفح.. شحنة قنابل أميركية معلّقة | #الظهيرة




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل الغربي شمالي إسرائي


.. فصائل فلسطينية تؤكد أنها لن تقبل من أي جهة كانت فرض أي وصاية




.. المواطن الفلسطيني ممدوح يعيد ترميم منزله المدمر في الشجاعية