الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل بنيوي لفشل الديمقراطية في العراق-2

لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)

2022 / 10 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


2. نحو التغيير في شكل وهيكلية ووظائف الدولة والسلطة في العراق
ان البحث في الظاهرة الشاذة لسيطرة الحكومة المكوناتية التحاصصية على مفاصل ومؤسسات الدولة في العراق، وعملها على اضعافها لتصفيتها تدريجيا ،كما تم عرضه في الجزء الأول، تقف وراءه عدة عوامل ابرزها:مصالح الميليشيات الطائفية والمافيات للأحزاب المحاصصتية ( الطائفية والمكوناتية ) للاستمرار في سرقة ومصادرة ثروات العراق وميزانيته من خلال تقاسمها مؤسساته ووزاراته، والثاني بتأثير مباشر من ايران ودعمها للميليشيات لغرض فرض وتوسيع نفوذها الاقليمي، والثالث دور اقليم كردستان والأحزاب الكردية الحاكمة والمتنفذة لأضعاف الدولة والمركز اعتقادا منها انه سيقوي الأقليم ويهيئ لأعلان دولة مستقلة مستقبلا عند سواد الفوضى واللادولة في بغداد ، وهو اعتقاد خاطئ لأن تدمير الدولة في العراق سيؤدي لتدمير الأقليم ، ويمكن مناقشته منفصلا.
ان هذه، على ما اعتقد،هي أمورا واضحة لكل العراقيين. ولكن البحث الأعمق في الجذور من اين اتى هذا الوضع الشاذ، سيؤدي الى ان الخلل القاتل يكمن في الدستور لعام 2005 والذي صمم بطريقة غريبة جعلت من المكونات عنصر تشكيل ادارة الدولة والسلطة والحكومة في العراق، وجعلها جميعها محصورة في برلمانه المكوناتي التحاصصي ونظام حكومته التحاصصية المنبثقة منه. ان الدستور قد صمم ليكون البرلمان مجلس مكونات وليس برلمانا لشعب اسمه الشعب العراقي. لقد شرعن ومن خلال نصوصه تسليم سلطات الدولة الى الحكومة المكوناتية المحاصصية التي تشكل في البرلمان المحاصصي. فهو دستور غريب يفتقد في مواده الى الفصل بين الدولة والحكومة وجعل الحكومة تحل محل الدولة في ممارسة جميع السلطات في العراق. ان فصوله مثلا لاتعرف ماهي هيكلية مؤسسات الدولة ووظائفها خارج مجلس الوزراء، بل تعرف فقط مناصب ووظائف حكومية سلطوية تعين من البرلمان وتضع جميع مهام وصلاحيات الدولة بيد الحكومة (اي مجلس الوزراء) دون وجود اية هيكلة للدولة والمؤسسات الوطنية التنفيذية خارجها ، وان حدد وظائف ومهام مستقلة عن الحكومة فهو لم يحدد هيكلية تنفيذية اعلى من مجلس الوزراء لتديرها باعتبارها مؤسسات للدولة منفصلة عن الحكومة وتراقب عملها وتحرم تدخل الحزبية والطائفية والمكوناتية في عملها كمؤسسات تنفيذية وطنية وليست مسيسة او تخضع للحكومة والاحزاب.
ان العلة في دستور 2005 هي انه جاء مستنسخا بصورة جاهلة وناقصة للنموذج البرلماني البريطاني ، ومتناسيا ان هناك في بريطانيا دولة وملكة متوجة ومجلس لوردات اعلى من البرلمان ،ومؤسسات قضائية وهيئات ومؤسسات رقابية ومالية تمثل الدولة جميعها قائمة خارج البرلمان وخارج الحكومة التي تشكلها الاحزاب ، فهو جاء نقلا ناقصا ونقل السلطة من مؤسسة ادنى في هيكلة الدولة ، أي الحكومة ،لتحل محل الدولة نفسها ، وبه عمليا تم الغاء الدولة وسلم وظائفها الى الحكومة . انه اشبه بعملية طبابية لزرع قلب لمريض ليقوم مقام الدماغ والقلب معا في جسم واحد، اي انه عمليا اصبح دون سيطرة كالتي يمارسها الدماغ على اعضاء الجسم،ان هذا هوفعلا مصير العراق الذي نشهده اليوم، فهو بلا رأس ، أو رأسا دون دماغ ، فهو الأقرب لوصف حالة العراق بعد 17 عاما من اقرار دستوره عام 2005. ان الدستور انكر الدماغ وركز على الأطراف (المكونات والطوائف والمناطق المتنازع عليها وماشابه من مواد فرعية ) وجعلها اساسا لتعريف جسم السلطة في العراق. ان الدولة في بريطانيا ممثلة بالملكة ومجلس اللوردات ومجلس القضاء والمؤسسات الملكية المستقلة عن تحزب الحكومات مثل الجيش والمخابرات والشرطة والرقابة المالية والمدعي العام وعشرات الهيئات المستقلة ،حتى هيئة الأذاعة البريطانية ، وفصلها عن الحكومة ، فهي لا تخضع للحكومة أوللتحزب ،ولها قوانين تمثل ثقل الدولة واعلوية هذه المؤسسات على الحكومة وعن الحياة الحزبية ، فاين هي الدولة وهيكلية مؤسساتها ومبدأ عدم المساس بوطنيتها واستقلالها من قبل الحكومة في الدستور العراقي؟
لقد وضع الدستورالدولة والسلطة والحكومة جميعها بيد حكومة تحاصصية مكوناتية تشكل من برلمان مكوناتي دون اي سلطة او هيكلة للدولة ومؤسساتها ،وجعلت رئيس الجمهورية ، الذي يفترض به ان يمثل رأس الدولة ، بدون سلطات فعلية ، وبذلك الغت عمليا الدولة الوطنية في العراق وجعلت مؤسساتها تحت سيطرة الحكومات التحاصصية. انه أهم خلل يسود النظام السياسي في العراق اليوم. انه هو الذي جعل السلطة والأحزاب الطائفية وميليشياتها تسيطر على مقدرات الشعب وعلى مؤسسات الدولة لتقوم بسرقتها واضعافها.
ان الدولة في المفهوم الحقوقي والقانوني الدولي المعاصر كيان دائم ذومؤسسات وطنية دائمة منها الجيش لحماية السيادة والمخابرات لحماية امن البلد والشرطة لحماية المواطن والمؤسسات المالية الرقابية لحماية المال العام وجهاز القضاء المستقل ليحكم وفق دستور الدولة وقوانينها وليس للتغطة على فساد الحكومة و ومافياتها، ويقاضي أي مسؤول حكومي مهما كان منصبه وفق قوانين صارمة عند خرقه لأدارة الدولة والمال العام ، وجهاز أعلى لهيئة المدعي العام ومنفصل عن القضاء وهو الحارس اليومي على مصالح الشعب واموال وممتلكات الدولة ويتابع يوميا ويحقق حتى بابسط تبذير للمال العام او أي تجاوز على الملكية العامة او خرق لحقوق مواطن من أي جهاز أو مسؤول حكومي ويضعه في قفص الأتهام مع الادلة امام القضاء ، ان جميع هذه الاجهزة وغيرها لأدارة المصالح العليا للشعب والدولة يجب ان تعمل خارج سيطرة و تدخل الحكومة ومجلس الوزراء، فاين هذه الأحهزة في الدستور العراقي الحالي الذي حتى في تسطيره الانشائي عن استقلالية القضاء او عدم تحزب الجيش اومنع تكوين ميليشيات لا يحدد من المسؤول في الدولة في حالة خرقها واختراقها؟
واهمل الدستور حتى اهم مهام الدولة مثل منع الطائفية السياسية وتنمية روح المواطنة المشتركة ، وذكر منع التمييز بين العراقيين ومساواتهم مثلا، ولكنن لم يحدد من يشرف على هذه الوظيفة في الدولة، او منع التمييزللتمثيل الخارجي للدولة، والزام الحكومات بجعل المؤسسات والهيئات الوطنية خارج تأثير الحكومة والسلطة والتحزب والطائفية وحماية الهوية الوطنية الواحدة لمواطني العراق .
ان برنامج الحكومات ومهامها في العالم المعاصر ليس سياسيا ،كما يتم فهمه خطأ من اغلب الأحزاب السياسية التي رسخت هذا الفهم الخاطئ في الوعي الأجتماعي العراقي، وهو خطأ متوارثا من الديكتاتوريات المتوارثة والفكر المؤدلج السائد في العراق. فالسلطة ( أي الحكومة) في كل العالم لاتحكم بل تطبق القانون في اعمالها كجهاز خدمي لايمس ثوابت الدولة ووطنية مؤسساتها ومواطنيها ، بل تعمل على تطويرها وتنمية قدراتها ومنها تنمية الاقتصاد الوطني والرفاه العام للشعب وخلق فرص العمل وتطوير التعليم الوطني والصحة والبنى التحتية وغيرها من الخدمات العامة ووفق المصلحة الوطنية العليا للشعب والدولة . كما وتحاسب على كل فلس تصرفه من مؤسسات الدولة في تنفيذ خدماتها وبرامجها ،سواء من قبل الاجهزة الرقابية الوطنية والقضائية التابعة للدولة التي هي منفصلة اساسا عن الحكومة ومحرم عليها التحزب كي تكون محايدة ووطنية وشفافة مع الرأي العام لتشكل أهم اركان وأدوات الدولة الوطنية.
لقد اثبتت التجربة ومن خلال 17عاما فشل دستور عام 2005 في اقامة دولة وطنية ناجحة في العراق وتطوير نظام حكمه وتطويرالمجتمع والأقتصاد العراقي ،بل بالعكس ادت الى تشرذم المجتمع وانحسار دولته ومؤسساته الوطنية وتدمير اقتصاده ووحدته . انه اقام نظاما ديمقراطيا خاطئا وناقصا ومتناقضا، كونه قام بنقل مشوه لسلطات غير مكتملة كما هي قائمة في بريطانيا او فرنسا ، الى العراق ، فهو لايحمي الدولة بل يضعفها من فساد السلطة ولايصلح للعراق ولابد من تغييره .
ان حسم موضوع سيطرة الحكومة على الدولة يتطلب تغيير أو اصلاح الدستورالحالي لصالح تعريف هيكلة الدولة ووطنية مؤسساتها وفصلها عن الحكومة . وكلاهما مفصل بوضوح في بابين منفصلين احدهما مخصص للدولة ومؤسساتها وطريقة ادارتها وفق ثوابت وطنية، والثاني مخصص للحكومة ووظائفها ومحددات سلطاتها وسلطانها من قبل السلطات الرقابية للدولة.
ان لهذا الموضوع اهمية بالغة لأصلاح هيكل ووظائف النظام السياسي الفاشل القائم حاليا في العراق . ان عدم انجاز هذا الأصلاح الجذري للدستورسيؤدي لنتائج وخيمة منها تفتتيت وتقسيم الدولة العراقية الى دويلات متصارعة ونشوب حروب اهلية بينها ،كما رأينا في يوغسلافيا مثلا.
لابد من اعادة هيكلة مؤسسات الدولة وجعلها تحت رئيس ينتخبه الشعب مباشرة ، ويكون ملزما باحكام دستورية تقوي الديمقراطية وادارة الدولة ووطنية مؤسساتها من جهة اخرى واليات وثوابت تحمي المؤسسات من التسيس والتحزب والطائفية والمكوناتية. ان هذا الأصلاح سيقي المجتمع العراقي من المآسي الوخيمة التي تنتظره.
ان الشعب والمواطن الذي اضحى اليوم يميل حتى الى نظام ديكتاتوري يحميه ويحمي دولته من هذه الحكومات الطائفية المتحاصصة وميليشياتها، ومن هذا الدستور المكوناتي وهذا البرلمان التحاصصي الذي مزق دولته واخرج له حكومات لاوطنية بعناوين طائفية ومكوناتية. ان ميل المواطن العراقي ان يجعله يعتقد ان ديكتاتورا ربما افضل من حكومات التحاصص الديمقراطية، هو اسوء من اي وضع تصوره اي عراقي وطني طالما حلم بالتخلص من الديكتاتورية الصدامية المقيتة. انه مؤلم ان يجد امامه اليوم وواقعا ان صداميين جدد وعديدين ومع ميليشياتهم كل يدير مؤسسات لطوائف دويلات لهم حلت بدلا من نظام صدام التكريتي وعصاباته.
لابد من اصلاح حقيقي للدستور وتغييره لآيجاد هيكلة للدولة العراقية الوطنية واخرى للحكومة ووظائفها وأخلاءالبرلمان من تعيين رئيس للدولة وجعلها تحت انتخاب الشعب المباشر ليمثل الدولة ويمارس سلطته التنفيذية العليا لتحافظ على وطنية واستقلالية مؤسساته وحرمة ثرواته وحفظ سيادة البلد وامنه وامن المواطن، ولكي لايسن قانونا يمرر في البرلمان من الأحزاب دون مصادقة من رئيس الدولة والمحكمة الدستورية العليا ، ولن يمر اخلال بالمال العام دون رصده ومعاقبته الصارمة من مؤسسات الدولة ، وبدونهما لن تكون للعراق دولة.
لايشكل الأصلاح الدستوري لوحده نقطة الخروج من عنق الزجاجة في العراق ، فلابد من اصلاح اقتصادي واجتماعي يرافقه لتطوير الفهم الأجتماعي والتنويري للأصلاح في المجتمع العراقي وللحصول على دعم الناس له، ولابد لنخبنا ومثقفينا التخلص من الادلجة والوصفات الجاهزة والأخذ بالتحليل العلمي والمعرفي لتشخيص الواقع الأجتماعي والسياسي البائس والسائد اليوم في مجتعمنا العراقي. لابد من مفاتحة شعبنا بصراحة بطرق علمية مجربة وناجحة لحل مشاكله الحقيقية للبدء في شق الطريق الطويل والصعب للخروج من وضع صعب ومهمة أصعب في بناء بلد اصابه النكوص الوكني والتفتت والأنفلات الأمني واقتصاده شبه مدمر ومواطنيه تحت كبس الميليشيات والأحزاب الطائفية والمكوناتية..انها مهمات الأصلاح الأجتماعي والأقتصادي للنظام " الديمقراطي " في العراق...يتبع
د. لبيب سلطان
13/10/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج