الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذابح وتطهير عرقي في الوثائق الإسرائيلية الجديدة

عليان الهندي

2022 / 10 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


مذابح وتطهير العرقي
في الوثائق الإسرائيلية الجديدة

عليان الهندي[. عليان الهندي: باحث وكاتب في الشئون الإسرائيلية، رام الله - فلسطين.]
بعد إندلاع الحرائق في الغابات المحيطة بمدينة القدس المحتلة خلال صيف عام 2021 اللاهب، وانكشاف أثار الدمار والتهديم الشامل الذي أحدثته آلة الدمار الصهيونية-الإسرائيلية في المدن والقرى العربية الفلسطينية، التي سبقها طرد الشعب الفلسطيني. وفي أعقاب موافقة محكمة العدل الإسرائيلية، على طلب معهد "عقبوت" لدراسات الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، الكشف عن جلسات الحكومات المتعلقة بالمذابح والاغتصاب والسرقة التي حدثت للشعب الفلسطيني قبل عام 1948، أفرج أرشيف دولة إسرائيل عن بعض جلسات الحكومة الإسرائيلية المؤقتة المنعقدة في شهر تموز عام 1948[. لم تستخدم الوثائق الإسرائيلية كلمة فلسطين أو الفلسطينيين، بل استخدمت كلمة عربي وعرب. والمصطلح استخدمته ككاتب. ]، التي وقعت حتى بعد وقف إطلاق النار والإعلان عن قيام الدولة العبرية، بهدف طرد الفلسطينيين من وطنهم التاريخي.
وبهذا الكشف تنضم هذه الوثيقة، مع غيرها من الوثائق التي نشرت خلال الأعوام الماضية، في كشف حجم القتل والاغتصاب والدمار والتخريب الذي أحدثته العصابات الصهيونية، ودولة إسرائيل من بعدها، بالشعب الفلسطيني بهدف طرده من أرضه وإقامة ما يسمى بالدولة اليهودية.
وخلال عملها على تحقيق أهدافها، وإضافة إلى المذابح والقتل والتخريب، وفي السنوات الأولى من إقامتها، استغلت دولة الاحتلال الإسرائيلي كل الوسائل لتحقيق مأربها بما في ذلك، استغلال اليهود العرب المتحدثين باللغة العربية ،المستعربين أو المتأسلمين، بالتجسس على الفلسطينيين والاطلاع على مخططاتهم ومشاريعهم، بواسطة مخططات شريرة تتمثل بالزواج من مسلمات من دون علمهن أنهن يتزوجن يهود.
رغم الكشف عن الكثير من هذه الجرائم في صحيفة الاتحاد الصادرة عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي "راكاح" السابق في أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، ودور بعض المؤرخين الجدد أمثال إيلان بابيه وآفي شلاييم وسمحا بلبلين والعائد إلى أحضان الصهيونية بيني موريس، الذي كان السبب في إطلاق هذا المصطلح. إلا أن التفاصيل الجديدة أصبحت متاحة أمام الجمهور الواسع، ليقرأ ويحلل بطرقته، تفاصيل هذه المذابح على لسان القتلة والجزارين أنفسهم الذين مارسوا عمليات القتل ،بدما بارد، والاغتصاب والسرقة والنهب بشكل جماعي وممنهج.
ما تم كشفه باللغة العبرية، وغيرها من المقالات القليلة المنشورة ،رغم قلته، يستحق منا فضحه وكشفه، لفضح المعايير المزدوجة لما يسمى بالمجتمع والقانون الدولي، خاصة أننا تعرضنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، إلى عشرات المذابح مثل مذبحة الخليل التي نفذها باروخ غولدشتاين في مدينة الخليل، والمذابح الجماعية التي حصلت بسبب اقتحامات للمسجد الأقصى والمذابح التي يمر بها قطاع غزة منذ ما يقارب العقدين من الزمن، إضافة إلى الممارسات والقرارات الحكومية الهادف لطرد الشعب الفلسطيني من أراضيه وممتلكاته في الشيخ جراح وسلوان في مدينة القدس، وفي مسافر يطا جنوب مدينة الخليل والأغوار الفلسطينية، والخان الأحمر والتجمعات البدوية، وهي ممارسات وسياسات اتخذت شكلا جماعيا خلال العقدين الماضيين، كما كان عليه الحال قبل وبعد الاعلان عن دولة الاحتلال الإسرائيلي.

طرد السكان
رغم احتلال فلسطين، ورغم الروايات الصهيونية التقليدية بأن الفلسطينيين تركوا أرضهم وهربوا، تكشف الوثائق الجديدة الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية أن معظم الشعب الفلسطيني، لم يغادر أراضيه وظل متمسكا بها حتى الرمق الأخير، ما استفز القيادات السياسية والعسكرية الصهيونية على حدا سواء، ودفعها إلى إصدار أوامر مكتوبة وغير مكتوبة بممارسة عمليات القتل ،بما في ذلك قتل الأسرى، والسرقة والنهب والاغتصاب بشكل جماعي، من قبل المدنيين اليهود والجيش وحتى طلاب المدارس، الذين وصفهم أول رئيس حكومة ،دافيد بن غوريون، بأنهم شبان جميلون ولطفاء يسرقون وينهبون، وجيد أنهم لا يكسرون[. جلسة الحكومة المؤقتة المنعقدة بتاريخ 21-7-1948، التي أفرج عنها أرشيف دولة إسرائيل في أعقاب التماس تقدم به مركز "عقبوت" لمتابعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ].
واستشهد وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة باروخ شالوم شطريت باللد والرملة التي لم يهرب سكانها منها، لكنهم اختفوا بعد 48 ساعة من احتلالها، حين تشارك المدنيين والعسكريين والطلاب، بشكل جماعي في قتل والفلسطينيين وممارسة عمليات الاغتصاب ونهب ممتلكاتهم[ . نفس المصدر. ص 10.]. ويضيف الوزير شطريت أن الجيش يقوم باجتثاث العرب من أماكن سكناهم وطردهم. في حين رفض الوزير مردخاي بنتون، في نفس الجلسة، الاتفاق مع رئيس الحكومة ومع غيره من الوزراء بأن سكان المدينيتن التي تواجد فيهما 50 ألف شخص ،بعد احتلالهما، قد هربوا بمحض إرادتهم[ . نفس المصدر، ص 37. ]. وأكد أن عمليات القتل والنهب والاغتصاب والطرد المباشر، كان لها الدور الفعال في عمليات إخراج الفلسطينيين من المدينتين، أسوة بغيرها من المدن والقرى.
واكد وزير الزراعة في الحكومة المؤقتة أهارون تسيزلينغ، أن ممارسات الجيش كان هدفها فتح الباب أمام العرب للهروب، ولم ينزعج الوزير المذكور من عمليات الاغتصاب، بل انزعج من قيام جنود الجيش الإسرائيلي حينها بإجبار النساء الفلسطينيات، على خلع أسوار الذهب والفضة من أياديهن وقطع عقود المجوهرات من أعناقهن[. عوفر أديرت، خطأ تقني من أرشيف الدولة كشف لماذا اتخذ قرار بإخفاء المعلومات للمحافظة على الصورة، صحيفة هأرتس، 25-1-2022.].
ولتأكيد الطرد وعدم الموافقة على أية عودة للشعب الفلسطيني اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا :"بوضع معايير لهدم القرى الفلسطينية خاصة القريبة من المستوطنات اليهودية"[. مصدر سبق ذكره، جلسة الحكومة المؤقتة، ص 52. ]. وفي السياق المذكور، قال رئيس الحكومة بن غوريون "علينا مسح الكثير من الأماكن من على وجه الأرض".
الروايات المذكورة أكدها، البروفيسور اليعازر شبيد الذي شارك وهو شاب في احتلال مدن اللد والرملة وصفد والقدس والنقب بقوله :"الزهور المزروعة في بيوت الاغنياء في صفد أخرجت الجنود عن طوعهم، وأصبحوا كالحيوانات الجائعة، حيث سرقوا كل ما يقع تحت أيديهم ووضعوه في جيوبهم وحملوه على أكتافهم: وبخصوص طرد سكان اللد قال شبيد :"أوامر الطرد صدرت بواسطة السماعات في الشوارع. ولتسريع طردهم دخلنا وأخرجناهم، حيث جمعوا حاجياتهم البسيطة وحملوها على الحمير". وأضاف :"رأينا كبار السن والنساء والأطفال يبكون وينتحبون ويولولون وصرخون ويحتجون، لكنهم في النهاية يرضخون ويذهبون"[. موشيه بن عطار، اليعازر شبيد 1929-2022 الوطني الذي لم يرتاح من الواقع الإسرائيلي، رابط المقال في الموقع الاليكتروني لصحيفة هأرتس، haaretz.co.il/literature/study/2022-01-24/ty-article. 22-1-2022. ]. وقال :"بعد ذلك رأينا على الطرقات الامتعة التي ألقوها على قارعة الطريق، بعدها سألت نفسي ما الذي فعلناه لهؤلاء الناس التعساء في عودتنا من المنافي لأرضنا[ . نفس المصدر. ]".
لكن يبدو أن البروفيسور العلماني، ندم على الفقرات الانسانية التي كتبها وانضم كموريس وغيره من المثقفين، إلى صفوف اليمين الإسرائيلي، الذين اعتبروا التطهير العرقي أفضل وأخف ضررا على الفلسطينيين من الابادة والمجازر.

اعترافات القتلة
كشف خلال العقود السبعة الماضية عن عشرات المذابح التي نفذتها العصابات الصهيونية ودولة إسرائيل من بعدها، بهدف إجبار الشعب الفلسطيني على ترك أرضه ووطنه التاريخي، لكن مرات قليلة جدا، هي التي كشفت فيها الجهات الرسمية الإسرائيلية عن هذه المذابح وتفاصيلها ودور القيادة السياسية والعسكرية العليا في إعطاء الأوامر لأفراد العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي، المهيئان لممارسة القتل والمذابح وعمليات الاغتصاب والسرقة والنهب بشكل جماعي.
ولا بد من الإشارة، أن الممارسات المذكورة ،المنفذة بحق الشعب الفلسطيني، لم تتوقف حتى بعد قيام الدولة العبرية، التي وضعت نماذج ومعايير للقتل الجماعي، التي كان أشهرها تجميع أبناء القرى الفلسطينيين ،الذين احتلت قراهم، في أحد البيوت أو الحفر وإلقاء القنابل فيها، وتمشيطها بالرصاص لقتل من تبقى من الأحياء، كما حدث في قرى الحولا والصالحة والصفصاف والدوايمة والبرج والطنطورة.
في قرية الحولا قام اللواء الثاني في الجيش الإسرائيلي بقيادة الضابط شموئيل ليس، بتجميع 60 فلسطينيا كانوا قد استسلموا من دون مقاومة، الذي استمتع هو وجنوده بهواية قتل الفلسطينيين، حعندما قتلوا في اليوم الأول 18 فلسطيني، وفي اليوم الثاني أحضر 15 من أبناء القرية وأمروهم بالاتجاه نحو المقبرة، وهناك أوقفوهم على الحائط وأفرغ الضابط المسئول مخزنين من رشاشه (ستين) في أجساد المدنيين. وخوفا من بقاء بعضهم أحياء، تجول جندي باسم ميرون بين القتلى، وقام باستكمال إطلاق النار على من اعتقد أنهم ما زالوا أحياء. ولم يتوقف الأمر على القتل الجماعي فقط، فقد تم اغتصاب 3 نساء وقتلهن. لذلك لم يكن غريبا في كل روايات من هجر من فلسطين رفع مقولة "العرض ولا الأرض"، لأن حوادث الاغتصاب تكررت في كل عمليات الطرد تقريبا[. أدم راز، دير ياسين لم تكن المذبحة الوحيدة، الكشف عن برتوكولات الحكومة لعام 1948، 19-10-2021، الرابط الاليكتروني لصحيفة هأرتس https://www.haaretz.co.il/magazine/2021-12-09/ty-article-magazine/. ].
أما كتيبة الايتسل الإرهابية ،التي قاد تنظيمها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن، فقد تحدثت وثيقة لا يعرف مصدرها، عن استسلام 35 فلسطينيا من ضمنهم نساء وأطفال، وهم يرفعون الاعلام البيضاء في قرية ميرون. لكن القوة العسكرية الارهابية لم تهتم بستسلامهم وحمايتهم كما ينص القانون على ذلك، بل قامت بتجميهم، وأمرتهم بحفر بئر. وبعد انتهائهم من ذلك، قام جنود الايتسل بإلقائهم في الحفرة وقتلهم بالسهام الفرنسية، في حين تم اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 20 عاما، وبعد ذلك طعنوها بالسهام ووضعوا عصا شجرة في جسدها. وللتأكد من قتل الجميع تجول جندي بين الجثث، مطلقا النار للتأكد من مقتل الجميع[. نفس المصدر.].
النهج في التعامل مع المدنيين والأسرى ظل هو النهج السائد في دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى بعد قيام دولة إسرائيل، حين اعترف العميد احتياط أرييه بيرو أنه وقوات الجيش الإسرائيلي الخاضعين لأمرته قاموا بقتل الجنود المصريين خلال عدوان السويس عام 1956، وأنه بنفسه قام بقتل أسرى. وأضاف، من نجحنا بقتله قتلناه[ . تقرير اخباري عن صحيفة يديعوت أحرنوت، مصر تدرس إمكانية طلب تعويضات عن قتل الأسرى، رابط المقال الاليكتروني https://www.ynet.co.il/Ext/Comp/ArticleLayout/CdaArticle-print-Preview/0,2506,L-2942305,00.html ] لأنه لم يجد الوقت للانشغال بهم.
أما في قرية الرينة، وتحديدا في شهر يوليو من عام 1948، فقد جمع 14 فرد، من بينهم إمرأة بدوية وجاسوس يعمل مع الجيش الإسرائيلي الغازي، وقام أفراد الجيش بإطلاق النار عليهم من دون أي اهتمام حتى بالمتعاون معهم[ . نفس المصدر. ].
أما ما حصل من مذبحة في قرية الدوايمة، ورغم الشهادات الفلسطينية المتنوعة حول المذبحة، لا بد من التنويه إلى ما ذكرته صحيفة هأرتس، بأن المصادر الإسرائيلية تشير إلى مقتل ما يقارب من 120 فلسطيني من أبناء القرية، من بينهم أطفال حطمت جماجمهم بالعصي، ما دفع بضابط الاستخبارات إلى القول، لا يوجد بيت في قرية الدوايمة لا يوجد فيه قتلى عرب.
لكن ما حصل في قرية البرج الواقعة في منطقة راس الواد، يشير إلى شهوة القتل التي تمتلكت أفراد العصابات اليهودية، التي احتلت القرية ووجدت فيها 4 أشخاص طاعنين في السن، من بينهم إمرأة مريضة والحاج ابراهيم الذي أجبروه على مساعدتهم في المطبخ الذي أقاموه في القرية. وبعد ثمانية أيام قرر الجنود التخلص من الأربعة، حين طلبوا من ابراهيم الذهاب لجمع بعض الخضروات لهم. بعد ذهابه جمع الجنود الفلسطينيين الثلاثة ووضعوهم في غرفة، وأطلقوا عليهم قذيفة دبابة، التي أخطأت هدفها، ما دفعهم إلى إلقاء 6 قنابل يدوية في الغرفة التي تجمعوا فيها، ما تسبب بقتل اثنين منهم، الأمر الذي دفع باحد الجنود إلى إطلاق 4 رصاصات على الشخص الثالث. إثر ذلك قاموا بحرق الغرقة على من فيها من جثث[ . مصدر سبق ذكره، ملحق صحيفة هأرتس، 10-12-2021. ].
وعندما عاد ابراهيم إلى الجنود، سألهم عن زملائه، أبلغوه أنهم أرسلوهم إلى مستشفى رام الله، لكن يبدو أن ابراهيم لم يصدقهم، وبعدة عدة ساعات أطلق عليه 4 رصاصات أردته قتيلا.
وبخصوص قرية الطنطورة، التي أقيم على أنقاضها كيبوتس نحشوليم، التي قتل فيها ما بين 250-300 فلسطيني مدني بعد انتهاء الحرب ،وحاولت دولة إسرائيل التغطية على هذه المذبحة بشتى الطرق، بعد كشفها من الباحث والطالب ثيودور كاتس في بداية ثمانينيات القرن الماضي، الذي جمع شهادات مروعة من الضحايا عن تلك المجزرة، والذي أجبر فيما بعد على الاعتذار والتراجع عما كشفه، بعد أن قام مشاركين في لواء الاسكندروني برفع دعوى قضائية ضده.
لكن اعترافات القتلة المتأخرة، الذين بلغوا جميعهم أكثر من 90 عام، والذين جمعت شهاداتهم وعرضت في فيلم وثائقي "الطنطورة" من إخراج الفنان ألون شفارتس، تفيد بأنه كان هناك مذبحة مروعة اشترك فيها كل جنود لواء اسكندروني. وفي شهادته، يقول الجندي السابق حاييم لفين من لواء الاسكندروني الذي قاده خلال تلك الفترة المقدم دان إيفن :"جاء أحد الجنود وأبلغنا وهو في حالة هستيرية أنه قتل من 15-20 شخص من قرية الطنطورة". فرد عليه زملائه :"لماذا تنفعل، لا تدري كم قتلوا من اليهود[. نفس المصدر.]".
أما الجندي عاميتسور كوهين، فيقول في شهادته :"لم أخذ أسرى، ولو كان هناك صفا من المقاتلين العرب المستسلمين لأطلقت عليهم النار". وعندما سئل كم قتلت :"لم أحصي القتلى، كان معي رشاش فيه 250 طلقة، أطلقتها جميعها على المدنيين الفلسطينيين"[. نفس المصدر.].
وفي شهادة اخرى يقول الجندي ميخا فيتكون أن أحد الضباط ،الذي أصبح فيما بعد من كبار موظفي وزارة الدفاع، أخرج مسدسه وبدأ بقتل كل فلسطيني واحدا وراء الأخر من دون أي إزعاج، ومن دون أية انفعالات". وبعد الانتهاء من قتل الفلسطينيين أوضح لجنوده أنه قتلهم لأنهم رفضوا تسليم السلاح الذي أخبئوه في القرية"[. نفس المصدر.]. ويكمل فيتكون شهادته بالقول :"أنهم أحضروا مجموعة الفلسطينيين ووضعوهم في برميل، وقاموا بإطلاق النار عليهم، ما تسبب بسيلان الدماء من البرميل". ويكمل الجندي حديثه بالقول أنهم :"بكل بساطة لم يتصرفوا كبشر".
في حادثة الطنطورة، لم يجري أي تحقيق، وإنما تم توبيخ ضابط لأنه لم يهتم بدفن الموتى، الذين خشي الموبخين من انتشار الأمراض في صفوف القتلة الجدد الموجودين في القرية[. نفس المصدر.].
القبر الجماعي الذي حفر فيما بعد يبلغ طوله 35 ميتر وعرضه 4 أمتار وهو موجود اليوم أسفل كراج للسيارات يقع على شاطيء بحر قرية الطنطورة.

الغاية تبر الوسيلة
الأمر لم يتوقف على القتل والذبح، فقد امتدت الوحشية والهمجية اليهودية في التعامل مع الشعب الفلسطيني، حتى في المجال الأخلاقي، حين عمل رئيس جهاز المخابرات والموساد السابق إيسار هرئيل على تجنيد عشرات من شباب يهود العراق للقيام بأقذر واحقر الممارسات بحق الفلسطينيين خاصة النساء منهن، حين طلب من هؤلاء المجندين العمل في أوساط الفلسطينيين بالمدن والقرى العربية وفي تجمعات البدو بالنقب، في بداية عام 1952، والتزوج من بناتهم من دون علمهن أنهن يتزوجن يهود[. ب. نيساني، الشاباك (جهاز الامن العام -المخابرات) زوج عامليه من العربيات: عشرات الاطفال سجلوا كيهود، صحيفة "كيكار هشبات" المتدينة، الرابط الاليكتروني للمقال m.kikar.co.il/security-news/62465 11-2-2018.].
وبعد تدريبهم لمدة عام في معسكر بريطاني (استولى عليه الشهيد حسن سلامة وجعله مقرا له بعد خروج الانتداب من فلسطين) على اللهجة الفلسطينية، وإرسالهم للعمل في المصانع والورشات التي ضمت عمال فلسطينيين، منحوهم هويات تشير إلى أصولهم الفلسطينية وديانتهم الإسلامية، وأرسلوهم إلى المدن والقرى العربية للتجسس على السكان الفلسطينيين الذين اعتبرتهم الدولة حديثة المنشأ "طابور خامس"، وخشيت من مشاركتهم بأي حملة عسكرية عربية لاستعادة ما تم احتلاله[ . نفس المصدر.].
بعد فترة من وجودهم في التجمعات الفلسطينية، تم إقناعهم بالزواج من مسلمات للمساعدة في الدفاع عن دولة الاحتلال. وبعد موافقتهم تزوج عدد من العاملين في جهاز المخابرات الإسرائيلية من فلسطينيات في أعراس فلسطينية كاملة، من دون أن علمهن أنهن متزوجات من يهود[. نفس المصدر.].
استمر الوضع على حاله مدة عقد نقريبا ،بداية الستينيات، حتى رفض المجندين الاستمرار بالحياة المتناقضة التي يعيشونها، ولرغبتهم بالعيش كيهود. حينها قرر جهاز المخابرات العامة الكشف عن هذه القضية المثيرة للاشمئزاز للنسوة الفلسطينيات. وعندما أحضرت العائلات إلى مقرات جهاز المخابرات العامة وأبلغن برواية الزواج من غير مسلمين أغمي على بعضهن، في حين أجهشت الأخريات بالكباء، ورفضت معظمهن الاستمرار في هذه الحياة، في اختارت واحدة منهن ،وكانت تحمل أفكارا قومية عربية الاستمرار بالعيش في إسرائيل وهربت مع ابنها إلى الأردن، وتزوجت هناك[. نفس المصدر. ].
ولم تنج من "المستعربين" اليهود، التجسس حتى على المقاهي الفلسطينية، مثل مقاهي حيفا التي تجسسوا عليها قبل قيام دولة إسرائيل، وبعثوا عنها تقارير مختلفة تشير إلى روادها الذين صنفتهم لثلاثة فئات هي: الأولى، تضم نشطاء ضد الحركة الصهيونية وضد الانتداب البريطاني في الماضي والمستقبل. والثاني، نشطاء متعاطفين مع المقاومة. والثالث، نشطاء شاركوا في السابق بثورة عام 1936[. إليشا بسكين، الوثائق تكشف: هكذا تجسس تنظيم "الهاغاناة" على مقاهي العرب في حيفا، مقالة في مدونة "هسفرنيم – مدونة الكتب الوطنية، 16-7-2017.].


خلاصة
التطهير العرقي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، وما زال متواصلا حتى هذا اليوم، تستخدم فيه الدولة التي تدعي أن أبناؤها ضحايا المذابح، كل الوسائل المتاحة لها، من دون أية كوابح قانونية أخلاقية لتنفيذ مبتغاها بإقامة ما يسمى بالدولة اليهودية على أرض فلسطين.
قيل في البداية، لتبرير قتل واغتصاب وسرقة الفلسطينيين، أن اليهود يحتاجون دولة من أجل وقف التمييز العنصري الذي يتعرض له اليهود في أوروبا والمذابح التي تعرضوا لها من قبل النازية الالمانية، وحالة الشتات التي يعيشونها. أما اليوم، فهم يحتاجونها لإقامة الدولة الشريعة اليهودية للتسريع بالخلاص وإقامة الهيكل المزعوم، وذلك على حساب الشعب الفلسطيني المالك الاصلي لهذه الأرض عبر كل الأزمان.
التفاصيل الجديدة حول عشرات المذابح التي كشف عنها، والتي تنتظر الكشف، المعروفة مسبقا لدى القيادات الصهيونية ومن بعدها قادة الدولة العبرية، أنهت المقولات المشهورة التي استغلت في استعمار فلسطين مثل "لشعب لأرض، لأرض بلا شعب" و "وجاء اليهود لتعمير الخراب والصحراء"، تثبت بشكل قاطع أن استمرار احتلالها لفلسطين، قائم على القوة المسلحة، وليس على حقوق دينية أو تاريخية أو ديمغرافية كما تدعي.
في المقابل، ورغم المذابح وعمليات الطرد الجماعي والفردي للفلسطينيين، المتواصل حتى هذا اليوم، ما زال الشعب الفلسطيني أغلبية في أرض فلسطين. ومن أجل المحافظ على هذه الأغلبية، عليهم توحيد صفوفهم، وتبني برامج صمود ومقاومة إلى أن يشاء الله أمرا كان مفعولا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة