الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيعة وحاكمية الماضي الاستراتيجية... فشل في العنوان وأنهيار في تطبيق الرية

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 10 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


قرأت ما كتبه الأخ العزيز الدكتور طالب الرماحي هذا اليوم على صفحته في الفيس بوك ما نصه (ما يحصل في ايران من تظاهرات وقمع يثبت ان الشيعة بشكل عام لا يفهمون في ادارة البلدان أي ليس في العراق فقط)، الحقيقة هذا الفهم ليس خاصا بالزميل الدكتور وحده ولا هي حالة أستثنائية بل يمكن أن يكون شعورا عند الكثير من الناس، بل تحول عند البعض من المتطرفين إلى قاعدة يتعاملون معها على أنها من المسلمات أيضا، ما حصل قد يكون ترويجا وتأسيسا لفكرة يراد تجذيرها والتعامل معها كقاعدة مستقبلية، والبعض يتبناها نتيجة ردة فعل قد تكون مؤقتة لما يحصل في العراق، لكن أخطر ما يمكن أن يكون هو الشعور عند البعض بحالتين الدونية والحالة الأخرى جلد الذات.
في عالم السياسة هناك قواعد عمل مشتركة في كل المجتمعات والنظريات الفكرية تتعلق بالمبادئ وأوليات العمل السياسي، منها أن الوظيفة السياسية يجب أن تربط بهدف أو غاية معروفة ومعلومة للناس وللسياسي، القاعدة الأخرة أن السياسة هي فن إدارة الواقع بما هو واقع لتكوين واقع أخر، أما أن يكون مختلفا أو متطورا أو ثابتا وفقا للرؤية التي تبنى عليها قواعد العمل السياسي، أخطر ما يمكن أن يواجه القائد السياسي أن يعمل بالواقع من أجل ليس فقط المحافظة على واقع غير متحرك، بل جره لواقع مات وأنتهى وتحول إلى ماضي تام، قد يعمل هذا السياسي لتحديث وتطوير مجتمعه ماديا يبني ويعمر ويفتح العديد من المشاريع ويبني نظاما اقتصاديا فعالا ووو، ويظن الناس أن هذا السياسي ناجح طالما أن المعيار المادي الذي نحكم به على الظواهر يؤيد الفكرة، لكن إيمان وعقيدة هذا السياسي لا تنصرف لبناء مجتمع يريد الأنتقال لقيم المستقبل ولا إلى روح التجدد والتطور، ولكن يفعل ذلك من أجل العودة إلى الماضي وإلى قيمه، هذا التوجه هو الذي يمنح الفشل السياسي في النهاية، وكل ما تم بناءه سيتحطم على يديه لأنه يسير وقد يسير سريعا في طريف التطور المادي، ولكن عينه وعقله تنظر للخلف وليس للأمام.
التجربة السياسية الشيعية في إيران ليس لها تاريخ يثبت فشلها قيل التحول الأيديولوجي الذي جرى عام 1979 على يد الخميني رجل الدين الماضوي المتطرف في رؤيته للماضي وللتاريخ وبعدها للعقيدة، قبل هذا التاريخ لم يكن يحكم إيران غير الشيعة فالشاه شيعي ومنظومة الحكم في أغلب رجالاتها كانوا من الشيعة، لكن الأيديولوجية والنظرة السياسية كانت لا تمت للماضي كليا في رسم أهدافها، كانت منظومة الشاه الفكرية تقوم على فكرة يعث إمبراطورية فارسية بروح الواقع، صحيح أنه أستقى مفهوم الفكرة من تاريخ إيران ولكنه لم يريد بعث تلك الإمبراطورية بتفاصيلها ورموزها، بل أراد إمبراطورية جديدة باسم جديد وروح مغايرة هو رأسها وسلالته على رأس عمل حضاري مستمر، إذا لم يسعى شاه ايران محمد رضا بهلوي إلى مقابر التاريخ لبناء هذه الإمبراطورية بالحجارة السابقة، لذا لم يكن فاشلا حقيقيا لولا مسألة الطغيان الذي أراده مكابرة لصنع واقع حضاري ترفضه قيم الحاضر والمنطق العملي في القرن العشرين، عندما قدم الهدف الشخصي على مصلحة المجتمع وحاجاته وتناسب الظروف مع الأهداف.
رغم ما قيل عن الثورة الإيرانية وما تم من تضخيم لدورها السياسي في بلورة فكرة الحاكمية الشيعية عند الكثيرين، فالواقع التجريدي والتجريبي يشير إلى أن ما حدث ليس بثورة ولا حتى بانتقاله تاريخية مغايرة لعهد الشاه، الموضوع برمته كان صراعا دينيا في جوهره بين رغبة الشاه بسلخ إيران من قيم ومفاهيم وروحية يتمسك بها رجال الدين الماضويون، لأنها تمثل لهم المثل العليا والنموذجية لبقاء فكرة الدين سلطان على السلطان، وبين رغبة الشاه في التحرر من هيمنة طبقة متضخمة تتمسك بمقاومتها للسلطة ما لم تكن خانعة لها ومنفذة لاستراتيجيتها القديمة، هذا الصراع لكونه يحمل بعدا روحيا قداسيا مرتبط مع طبيعة الشعب الإيراني الذي مزج بشكل فريد شعوره القومي مع شعوره الديني في خلطة لا يتمكن اي مجتمع من قبولها وأستقبالها، أنحاز للمؤسسة الدينية ضد الشاه ليس لأنه لا يؤمن بمشروع الشاه السياسي، ولكنه أراد أن يظهر فيم الولاء لله ظانا أن هذا الولاء قادر على إخراجه من دائرة الفقر والضعف إلى دائرة القوة المستقبلية عندما تتزعم إيران العالم الإسلامي وتتحول إلى قوة عالمية بر حدود، فتصبح قضية الشعور بالإمبراطورية حقيقي وليس وهما مصطنعا كما أراد الشاه أن يجسده.
هذه الحقيقة لا يراها الكثيرون ولا يربطون بين الأهداف والمقدمات ولا بين الايدلوجيا الفكرية مع الشعارات، إنما ينظرون للتجربة ونتائجها مباشرة حرة وخالية من أي خلفيات، الأستعصاء التاريخي الذي تمر به التجربة الشيعية في إيران لا تمثل فشل التجربة الحاكمية الشيعية بقدر ما تمثل فشل المشروع الأستعماري الإمبراطوري الفارسي الذي يقوده الشيعة الفرس للهيمنة على الإسلام جغرافيا وتاريخ وقرار ووجود، الموضوع لا يتعلق إذا بالفرد الشيعي أبدا ولا بالمذهب من حيث هو فكرة دينية حولها الفرس أنفسهم إلى منهج سياسي مشغول ومفتون بفكرة الماضي والصراع من أجله، لذا أرى أن القول بأن الشيعة لا يصلحون للعمل السياسي هي غمط لحق إنسان لم يمارس السياسة بشكل منفصل عن منظومة تاريخية ماضوية.
فشل التجربة العراقية والإيرانية لا تعني أبدا فشل الشيعة بقدر ما تعني فشل التجربة الدينية السياسية عندما تتوظف وتسخر لهدف غير ديني ولا يتصل بها، حتى التجربة العراقية كانت فرعا مشوها ملحفا بالتجربة الخمينية الفارسية، لم يمارس شيعة العراق من ليبراليين ووطنيين ومدنيين تجربة مصاغة وفقا لمصالح وواقع العراق وشعبه، فالتجربة الممتدة من 2003 لليوم في العراق لا يمكن عدها تجربة شيعية عراقية أبدا، إنها نتاج أستعمار وأحتلال متعدد الوجهات والأتجاهات أنخرطت فيه المؤسسة الدينية الشيعية بمنهج برغماتي لتطبيق النظرية الخمينية في العراق، لكن بلا عنوان مثل عنوان التجربة الفارسية التي كانت هدفها المعلن والنهائي السيطرة على العالم الإسلامي تحت شعار "تصدير الثورة"، أما العراقيون الحكام الجدد فكان شعارهم الفاشل والذي حطم العراق هو السير والانضواء تحت شعار تصدير الثورة، وهذا هو سبب فشل التجربة العراقية الشيعية والتي ستنتهي بإندحار تام لرموزها وعنوانها وحتى التفكير مرة أخرى بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألهوية الفرعية لاتمثل فكرا بل تراثا محليا
د. لبيب سلطان ( 2022 / 10 / 13 - 19:32 )
استاذنا الفاضل
انما الرد على فكرة خاطئة او متطرفة مثل الشيعة لايصلحون للحكم لا يتم اجابتها بفكرة خاطئة مثلما توردون مثل ان الشاه كان شيعيا مثلا ..فلا الشيعة ولا السنة ولا حتى الكرد ولا العرب يصلحون للحكم كطوائف وكقوميات ..ومفهوم الحكم بحد ذاته هو خاطئ اليوم في عصر الدول والادارة المجتمعية لها .فالمسألة مرتبطة بفكر وشكل الدولة ( ديمقراطية او ديكتاتورية ، مؤدلجة ام ليبرالية ، دينية او مدنية ) ومكان وفهم السلطة والأدارة وموقفها من تطوير المواطنة وحقوها وليس بفروع قومية او دينية ..فهذه تؤدي لنظم فاشلة وديكتاتورية وقمعية وارهابية سواء شيعية
او سنية او عربية او كرديىة ..واليوم نشهد دولا لايوجد فيها عرق او قومية مثل اميركا وكندا وهي متفوقة في العالم كمت تعرفون
مع التقدير


2 - رد
عباس علي العلي ( 2022 / 10 / 13 - 19:38 )
صديقي مساء الخير انا لا اقول ان الشاه كان يمثل حكم الشيعة او صورة مثالية لهذه الحاكمية، إنما قلت لم تكن الحركة الخمينية تمثل نجاحا للفكرة بل هي عملية تحديث او لنقا عملية تجديد للحلم الامبراطوري القومي الفارسي بزي ديني مقدس عن البعض... تحياتب لك صديقي

اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل