الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النازية لم تولد من فراغ

حمدى عبد العزيز

2022 / 10 / 13
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


بالمصادفة شاهدت الفيلم الفرنسي المؤثر جداً (ڤينوس السوداء) وهو من اخراج الفرنسي من أصل تونسي (عبد اللطيف كشيش) ، وبعيداً عن التقييم الفني للفيلم وهو فيلم رائع بالمناسبة ولكن ربما يتسع الوقت لاحقاً للحديث عنه ..
فموضوع الحديث هو أن هذا الفيلم قد حرك داخلي واجب البحث في واحدة من أفظع مآسي التاريخ الاستعماري لأوربا وهي ظاهرة حدائق الحيوان البشرية التي تصاعد انتشارها في مدن وساحات أوربا وأمريكا منذ بدايات القرن التاسع عشر وحتي منتصف القرن العشرين ، حيث كان يتم جلب أبناء الأفارقة الزنوج والهنود الحمر من الفلبين وامريكا اللاتينية ويتم عرضهم على مسارح العرض أو في الساحات كعروض استعراضية ضمن عجائب المعروضات من الحيوانات المستجلبة من غابات أفريقيا يقبل عليها الناس من كل انحاء مدن أوربا وأمريكا ، وكانت هذه العروض تقدم الإنسان الأفريقي على أنه حيوان آدمي متوحش تم إحضاره وترويضه بواسطة الرجل الأبيض الأوربي ليشاهد المتفرجون من رواد هذه العروض كيف يتحرك وكيف يعيش وكيف يصرخ فيسخرون من أناته وأوجاعه ويتسلون بمداعبة أجزاء حساسة في جسده كجزء من العرض العام الذي كان يجلب لأصحابها من تجار البشر الأوربيين أرباحاً بملايين الجنيهات الإسترلينية أوالدولارات الأمريكية أو الفرنكات الفرنسية أو غيرها من عملات ..
وكانت بعض معاهد التاريخ الطبيعي والأنثربولوجيا في أوربا لاتختلف كثيراً عن حدائق الحيونات البشرية ودور العرض والسيرك في تداول البشر الافارقة وبقايا سلالات الهنود الحمر الناجين من الإبادة في الأمريكتين كمادة للشرح واثبات بعض النظريات العنصرية التي تقول بكون الرجل الابيض الأوربي قد جاء من سياق تطور بشري مختلف عن السياق المتخلف الذي جاء عليه الافارقة والهنود الحمر كسلالات أقرب إلي القردة منهم إلى الإنسان
ولعل ابلغ الأمثلة على ذلك هو أن الملك ليوبولد الثاني ملك بلجيكا قد أمر في عام 1897 بإنشاء حديقة حيوان بشرية في شرق العاصمة البلجيكية بروكسيل كان يتم فيها عرض 260 أفريقي تم جلبهم من الكونغو ليقدموا كمادة يتندر بها المتفرجون .
كذلك فبعد انتهاء الحرب الأسبانية الأمريكية التي انتهت بهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الفلبين في عام 1898 نقل الأمريكيون أعداد من الفلبينية لعرضهم في ساحات المدن الأمريكية الكبرى وتم تقديمهم كفقرات مثيرة للشغف وجالبة للمشاهدين في مسارح هذه المدن
بل أنه في عام 1914 كان هناك في عاصمة النرويج أسلو حديقة حيوان بشرية تستحوذ على 80 رجل أفريقي جئ بهم من السنغال ..
وفي فرنسا بلد الثورة الفرنسية التي رفعت شعارات الحرية والمساواة والإخاء - فوفقاً لموضوع أفردت له جريدة الليموند الفرنسية مساحة كبيرة من صفحاتها - أقيم في باريس معرض دولي في عام 1889 تم فيه عرض 400 انسان افريقي تم جلبهم من الجابون والسنغال والكونغو بالإضافة لعدد آخر من الفيتناميين من سكان جبال (أناميتي)
واستمر هذا المعرض الدولي الضخم الذي اقيم تحت برج إيڤل ستة أشهر حضره ملايين البشر من كافة ارجاء أوربا وامريكا
وظلت تلك الظواهر التي ظلت موجودة مجالاً للعروض والاستعراضات في لندن وباريس وبروكسيل وأسلو وغيرها من المدن الأوربية وبعض مدن ولايات الولايات المتحدة الأمريكية تمثل أبشع صور الإستعلاء العنصري واذلال البشر الذين لاذنب لهم سوى أن لون بشرتهم وبنيتهم الجسمانية مختلفة عن لون الرجل الأوربي الأبيض حتي ماقبل الحرب العالمية الثانية .
ودائماً ماكنت اعتقد أن الفاشية والنازية لم تنشأ في فراغ بل كانت جزءاً من ظاهرة أوربية عامة وجزءاً من سياق احتدام مستوى التنافس الاستعماري بين دول أوربا ، وأن اشتداد قبضة الرأسمالية على المجتمعات الأوربية ذاتها قد أدت إلى نمو ظواهر الفاشية والنازية داخل أحشاء المجتمع الأوربي ، فكان طبيعياً أن تفرز هأمثال هتلر وموسيليني لكنهما لم يكونا وحدهما اللذان يمتلكان مثل هذه الأفكار ، بالعكس فافكار هتلر العنصرية كمثال لم تكن افكار هتلر وحده ولم تكن ألمانيا النازية وحدها مجتمع هذه الافكار ، فمجتمعات العالم الحر لم تكن منزهة عن تلك الظواهر ومن يشاهد فيلم مايكل هانيكي المخرج النمساوي الفرنسي الشهير (الشريط الأبيض) سيرى كيف قدم هانيكي تفسيراً اجتماعياً لمقدمات صعود النازية والفاشية في أوربا وكيف صور أجنتها التي تنمو في أحشاء المجتمع عبر عرضه لقرية نمساوية صغيرة تدور فيها أحداث اجتماعية دامية ومفزعة تدلل على أن صعود النازية لم يكن إلا سياقاً أوربياً طبيعياً ، ولولا أن التاريخ يكتبه المنتصرون لما رأينا اللعنات من نصيب هتلر وموسليني وحدهما ولما كانا هما فقط اللذان نادا بالأفكار العنصرية ..
ولعل ابلغ دليل على ذلك ماوجد بخط يد تشرشل نفسه عندما كان وزيراً للداخلية والمستعمرات ضمن ماتركه في مفكرته التالي :
[ .. إن النمو الشاذ المتزايد لطبقات ضعاف العقول يشكل خطراً قومياً وعرقياً على أوربا ، ويجب وقف هذا الرافد الذي يغذي نهر الجنون..]
انتهت كلمات تشرشل التي لاتختلف في جوهرها كثيراً عن جوهر الافكار النازية ، ولكن بقيت الأسئلة حول حقيقة مدى إيمان النخب الإجتماعية والسياسية الأوربية (الحقيقي) بأفكار الإخاء والمساواة والحرية ، وأن نظريات الاستعلاء العرقي قد انتهت إلى الأبد من عالمنا وأن افكار الرجل الأبيض أصل الحضارة ومنشئها وضامنها ومالكها الحصري مجرد نظريات يمينية شعبوية لاينبغي أن ننظر لها كظاهرة لها وجودها المتأصل داخل ادمغة الطبقات الاجتماعية العليا المهيمنة على المجتمع الأوربي؟
هكذا عرفت شيئاً عن تشوهات الضمير الأوربي ومغزي المواقف الأوربية المتناقضة تجاه قضايا الشعوب المستعمرة سابقاً والفقيرة حالياً ..
وعرفت لماذا لاتعترف غالبية الدول الأوربية بماضيها الاستعماري البشع في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية؟
وإن اعترفت كنوع من التطهر الظاهري فهي لاتريد تقديم الاعتذار حتي لاتكون ملزمة بدفع كلفة مايمكن أن يترتب على هذا الاعتذار الرسمي من تعويضات ..
ولعل المراوغات الفرنسية تجاه تحمل تبعات الماضي الاستعماري المؤلم والبغيض وتعقد ماسمي بمسألة (الذاكرة الجزائرية) وكذلك المراوغة البلجيكية تجاه الشعب الكنغولي بإبداء الاعتراف بهذا الماضي البشع ولكن بلاتبعات على الدولة البلجيكية كمثالان يعدان وغيرها من أمثلة متعددة ومتنوعة دليلاً دامغاً على ذلك ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التمييز العنصري في اوروبا الشرقية
د. لبيب سلطان ( 2022 / 10 / 14 - 17:05 )
سيدي الكاتب المحترم
اليمين في العالم يقف مع افكار قومية او عنصرية او دينية وليست شعوبا ودولا متحضرة وليبرالية كالتي نراها اليوم في كندا وبريطانيا وامريكا وغيرها حيث اصبحت ثقافة التعدد واحدة من مقومات الحياة اليومية العادية ولاتجد اثرا للتمييز بل العكس تجد اثرا واضحا في اللاتمييز في حياة هذه الشعوب وثقافاتها
ان مقالكم جعل اوروبا مركزا للتمييز العنصري ، وارجو معذرتكم، هي مقولة دوغينية بوتينية ويمينية بامتياز، وتنافي الواقع
واذا وجدت العنصرية كثقافة في اوربا فتجدها في روسيا وهنغاريا وبولندا وجيكوسلوفاكيا ومعظم الدول الاشتراكية سابقا التي ادعت الاممية
وتجدها في دول الخليج ضد البنغلادش والفلبينين
وعليه اعتبرمقالتكم اتهام اوروبا مجرد دعاية او رأي شخصي لاعلاقة له بالواقع
مع التقدير


2 - لم هذا الاصرار في التعامل مع الدمقراطية الغربيه با
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 10 / 14 - 22:26 )
بوقائع واحداث الماضي -في حين حتى البدو المتخلفين في شخص المسلمين الاولين اخذوا عن الرومان القاعدة القانونيه عن المسؤلية الشخصية المباشره حي نص قراءنهم تلك القاعده ب ولاتزر وازرة وزر اخرى-لماذا فرنسيو اليوم ونظامهم الدمقراطي المتطور اليوم يجب ان يحاسب على ماقام به فرنسيو او حكام فرنسا قبل 100 او اكثر من السنين-حتى ماركس حينما سؤل عن موقفه من الهند-في اواسط القرن 19 -قال ليس في الهند شعب وطبقات في الهند قبائل-انا حينما انتهت الحرب في الجزائر عام 1962 وجدت نفسي في عاصمة احدى البلدان في اوربا الشرقيه مسؤلا عن نقل الجرحى الذين تجلبهم طائرات من المطار الى قائمة من المستشفيات وكنت متاءثرا جدا وانا شاب يافع مملوء بالعاطفة الانسانية -وجدت نفسي ابكي كل الوقت لسببين مختلطين اولا للحاله الماءساويه لهؤلاء الجرحى وثانيا حينما كنت اتكلم مع كل جريح جزائري كمناضل وطني ضد الاستعمار الفرنسي يظهر انه لايفهمني وبصورة عفويه يصحح مااقول باءنه مسلم وكان يكافح وبالبندقية بيده ضد الكفار لم يكن يستعمل حتى كلمتي جزائري وفرنسي وانما احنه المسلمين وهمه الكفار-ولقد ثبت تاريخيا بعد الفشل الشنيع للحكم الجزائري بخدمة


3 - مسكينة شعوب اوربا الشرقيه لازالت تحكمها الكنيسه وع
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 10 / 14 - 22:49 )
لازالت تحكمها الكنيسه وعصابات عتاة القوميين المتخلفين والعدوانيين-مثل متخلفينا الذين حين تساءلهم عن انتمائهم يقولون احنه المسلمين ولايدخل بدماغه ان القبطي مصري والصابئي عراقي ناهيك عن المسيحي وخصوصا اليهودي- -واتذر بعد سقوط الحكم التابع لروسيا في بولنده عام 89 وبعد عدة تغيرات بشخص رئيس الوزراء تقلد المنصب-رئاسة الوزراء في لحظة حاميه رجل هادئ برفيسور جامعي وطني مستقل -محايد -في اجواء مشحونه-اقول واذا بالمجتمع البولندي يصاب بالذهول لانه اكتشف ان هذا الرجل ينتمي الى المذهبية البروستانتيه وكيف اخذ-عقلاء القوم يهدئون النفوس قائلين -ولكنه مواطن بولوني-لانه وحتى الان يسود عقول الملايين ان الكاثوليكيه والبولونيه مترادفتان -لذالك يقف اليوم السيد اوربان بدور عنتر بن شداد -مدافعا عن اسم وكرامة وعزة وسيادة هنغاريه-ضد فكرة قرارات الاتحاد الاوربي يجب ان تنفذ من قبل جميع دول الاتحاد الاوربي-فاوربان وصاحبه البولندي كاجينسكي يريدان استلام عشرات المليارات من اليورو لاسراع تطوير بلديهما المتخلفان ولكنهما لايرضخان للمبداء الاوربي -مثلا-في عدم تسييس القضاء والتاءكيد على استقلال القضاء عن سلطة الحكومه ه

اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ