الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيميائية العاطفة في ديوان أشجان الناي للشاعر محمد دياب غراوي

صبري فوزي أبوحسين

2022 / 10 / 14
الادب والفن



يشهد الشعر المصري المعاصر، في العقد الثاني من هذه الألفية الآسرة الساحرة الغريبة العجيبة! حالة فريدة من الوهج والألق والتطور الغزارة، بفعل هذا التطور التكنولوجي المدهش، وذاك التواصل البشري السريع المثير، وقد نتج هذا الانطباع الأدبي لدي عن طريق معاشرتي الخاصة نتاج جملة من الشعراء الشباب الرقميين! الحاضرين بشاعرية عالية صاخبة، وبحيوية وانطلاق وإنجاز يحسب لهم، في واقعنا المعاش، وواقعنا الافتراضي(ذاك الفيس!) أمثال:علاء جانب، والسيد خليل أبوديوان، وعبدالحميد بدران، وعبدالوهاب برانية، والبيومي عوض، ومحمد سالمان، والسيد جلال، ومحمد حافظ، ومحمد الشرقاوي، وليلى العربي، ومحمد أمان، ومحمد ناجي، ومعهم محمد دياب غراوي، شاعرنا في هذه القراءة الأولى في تجربته الشعرية الزاخرة الهادرة الفينانة الشاجية الوافية، المنطلقة كل وقت وحين، في عمله الشعري الخامس!
ذلكم الإنسان الطموح، الجامع لمعارف شتى، والمتنقل بين ثقافات إنسانية متنوعة: تربويًّا(حيث بكالوريوس تربية)، وأكاديميًّا(حيث ليسانس الآداب، في تخصص اللغة العربية)، ودينيًّا(حيث معهد الدراسات الإسلامية من وزارة الأوقاف)، هذا إضافة إلى دورات تدريبية لتطوير مهارات التنمية البشرية، والتعامل مع الحاسوب وتكنولوجيا التعليم، وتعليم العربية لغير الناطقين بها. وهو في كل هذا من الفائقين، المعلمين المطورين.وقد تخصص في عالم الدراسات الأدبية والنقدية المنداح، فدرس المعارضات النثرية، والقضايا النقدية في كتاب تراثي، وعني بشعر الحلاج، والطليق المرواني، ونهج البردة، جامعًا بين الشعر الأصيل المحافظ، والمنهج الحداثي المتطور، وقد نبغ الشعر لديه فجأة في عقده الخمسيني، فصدرت له دواوين ثلاثة: خلال عامي 2020/2021م، بدأها بهذا الديوان الطريف، ابن زمنه، وابن وباء عالمي، ومصور مشهد فاصل من حياته، والمعنون بـ: (الحب في زمن الكورونا)، ثم كان ديوانه الثاني(معزوفات تائهة)، ثم كان ديوان الثالث(تراتيل العشق)، وله ديوان رابع بعنوان(ترانيم البحر).
وها نحن أولاء مع هذا الديوان الخامس(أشجان الناي) نعايشه ونفاتشه، ونسائله:
ماذا يريد أن يضيف باحث عالم في ديوان الشعر الآني خلال ديوانه ذا؟!
ماذا يريد أن يضيف صعيدي القلب والقالب إلى دنى الشعر؟
سؤالان كانا أمامي وأنا أقرأ هذا الديوان الطازج(أشجان الناي) لشاعرنا الصعيدي الأكاديمي: محمد دياب غراوي! وكانت الإجابة تتسرب إلي من قصيدة إلى أخرى، وتعلن لي عن شخص آخر غير الذي أعرفه!
وهكذا الشعر يكشف! وهكذا الشعر يبين! وهكذا الشعر يجلو البشر، يخرج مكنوناتهم، ويعلن عن مدفوناتهم!
ها هوذا في قصيدته مفتاح الشاعرية لديه(مذهبي في الشعر) يصدع قائلاً:
وَلِهٌ أَنَا وَالشِّعْرُ يَجْرِي فِي دَمِي
مُتَهَالِكٌ وَالنَّظْمُ كُلُّ كِيَانِي

يَجْرِي الْقَصِيْدُ عَلَى لِسَانِي إِنَّهُ
رُوْحُ الْحَيَاةِ وَنِعْمَةُ الْمَنَّانِ

فَأَرُوْحُ فِي كُلِّ الْمَعَانِي سَابِحًا
فِي لُجِّ حُبٍّ أَوْ هِجَاءِ الثَّانِي

وَأُنُوِّعُ الْأَشْعَارَ مَدْحًا سَاخِرًا
مُتَغَزِّلًا قَدْ هِمْتُ بِالْغِزْلَانِ

مُتَصَوِّفًا فِي حُبِّ لَيْلَى وَالْأُلَى
سَكِرُوْا الْقِدَاحَ بِكُلِّ قَلْبٍ حَانِ

وَبِحُبِّ أَحْمَدَ قَدْ نَظَمْتُ مُتَيَّمًا
وَالْعَيْنُ تَذْرِفُ بِالدَّمِ الْهَتَّانِ

إنه يعوم في كل معنى أو حدث أو مشهد أو شعور يثيره ويستفزه ويهزه، ومن ثم يستفز قارئه ويهزه، شعري عاطفي: يبدأ من العاطفة، ويحيا معها، وينتهي بها، ويرسلها إلينا!
إنه ديوان يكاد يكون صادرًا عن شخص آخر، غير الذي أعرفه! هيكله يبنى من تجارب فيها عاطفة خاصة! عاطفة مثيرة! عاطفة صادقة، صادعة! فاعلة منفعلة! أو كما قال:
فَالشِّعْرُ رُوْحٌ مِنْ رسول مَانِحٍ
وَمِنَ الْخَيَالِ وَوَقْعِهِ أَرْكَانِي!

إننا في هذا الديوان مع عاطفة إنسان عربي مسلم، مصري، صعيدي، أكاديمي، العلم غايته، والبحث مهنته! إنسان جاد رصين، محتشم، في علاقاته الاجتماعية والرسمية، يفجؤنا بتحول إلى العاشق الهائم المُثير المُثار، المحب، المحبوب، الإلف المألوف، العاشق المعشوق!
يبدأ الحب، ويبدؤه الحب، تثيره الأنثى، ويثير الأنثى! وبإجمال: عنتري الهوى مرة، نزاري الهوى أخرى! نواسي اللغة حينًا، عذري حينًا آخر! وذلك في غالب تجاربه! وبإحصاء تقريبي! في اثنتين وثلاثين تجربة من شعره الخليلي البيتي البالغ خمسين تجربة، وفي تسع من تجاربه التفعيلية السطرية البالغة عشرًا!
وليست العاطفة في هذا الديوان فقط! إذ يكاد يكون باحثنا وشاعرنا عزلاً، غارقًا في شعر الغزل والهيام صوفيًّا وأندلسيًّا في مجموع أبحاثه، وكذا يظهر هذا الغرق الغزلي في عنوانات دواوينه الأربعة السابقة، حيث ألفاظ: الحب/تائهة/العشق/ترانيم. بل إن هذه العاطفية والوجدانية لتهيمن عليه في مجموعتيه القصصيتين: المطبوعة، المعنونة بـ (العاشقان والخريف)، والمخطوطة المعنونة بـ(فراق الروح)..
وهذا ما دفعني دفعًا إلى القصد إلى عنصر العاطفة وانتخابه من عناصر عملية الشعر؛ كي يكون محط نظري هذا الديوان الطريف الكاشف الدال!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي