الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدمر في ذاكرة سجين

علوان حسين

2022 / 10 / 14
الادب والفن


الكتابة إنقاذ أم غرق ؟ أتخيل الكتابة مركبا ً والحياة بحرا ً ماذا لو كان في مهب العاصفة ؟
تخيلت نفسي كاتبا ً لم يكتب بعد . لابد من حكاية والحكاية تستدعي حياة ً وتجارب بتفاصيل محبوكة تدهش قارئها . لكني بلا حكاية والحياة التي رافقتني شريكة عمر ليست حياة . الحياة الحقيقية سلبت مني وطواها النسيان . تركتها هناك تتفسخ بين جدران ٍ أربع في معتقل صحراوي يموت فيه الهواء . أستطيع التحدث عن الجدران مثلا ً , كان لي معها ألفة طويلة تستحق أن تـُذكر َ . باب المهجع الأسود بكل قبحه والشقوق التي فيه واللوحات التي رسمها الهواء المشبع بكثافة وروائح تنفس المقيمين وقد كانت تجريدية .
الهواء نفسه حكاية تستحق أن يوصف فيها , أليس هو الآخر سجينا ً معنا ؟ متاع السجين الذي يؤثث المكان بما فيه جسده والإسمنت تحته وشراقة السقف حكاية أخرى . الصوت وصداه ما يصدر عن كائنات السجن المنطوية على نفسها وما يأتينا من خارج المهجع من أصوات ٍ بما فيها الأصوات التي تصدر عن أفراد الشرطة العسكرية وعناصر البلدية . هذه الأصوات تستحق فصلا ً خاصا ً بها .
بقي لدينا الأصوات النادرة التي قد تأتي من الخارج كهبة ٍ سماوية في مناسبات معينة يجود بها الله علينا نصغي برهافة وشوق , بحواس مفتوحة وآذان تنبت في كل عضو ٍ من أجسامنا إلى صوت طفل يلعب أو حمار ٍ ينهق واحيانا ً سقسقة عصافير جاءت لتموت في السجن . إدارة المعتقل لم تسمح لنا بالطبع بإقتناء الكتب فهي ممنوعة بكل أنواعها . كذلك ورق الكتابة والأقلام حرمنا بذلك من تدوين يوميات السجن كنوع من الإنقاذ من الخوف والملل والشعور باليأس والموت البطيء .
الممنوعات كثيرة في السجن بعضها مضحكة كالعطاس مثلا ً أو حتى الضرطة وأنت في المرحاض تكون سببا ً وجيها ً لعقوبة الجلد كما حدث معي مرة ً . كنت أنا في المرحاض وأثنين من رفاق السجن كانوا في الخارج ينتظرون دورهم . خرجت ضرطة أنا داخل المرحاض لم تصدر مني . سمعها الشرطي كان فوقنا يطل برأسه من الشراقة . صرخ من فوق :
_ مين ولا هاذ يللي ضرط ؟
_ مو انا حضرة الرقيب الأول . قال أحد الواقفين
_ مو أنا حضرة الرقيب الأول . قال الرفيق الآخر
لم يبق غيري أنا الذي في المرحاض ولم أفعلها .
_ انا حضرة الرقيب الأول ..
_ وليش ما طلعت من الأول يا أبن الشرموطة ؟
_ كنت باشطف حضرة الرقيب الأول ..
_ تشطف يا شو أنت ولا ؟
_ أنا كلب حضرة الرقيب الأول ..
_ الكلب أنظف منك ولا حقير وأرقى ..
_ انا صرصار حضرة الرقيب أول ..
_ الصرصار محترم لو قارناه معك ولا وبش .
_ انا يلي بتريدو حضرة الرقيب أول ..
_ أنت ولا شي ولا . أنت حثالة ..
_ أنا حثالة حضرة الرقيب أول ..
_ علم نفسك ولا , من يفتح الباب تطلع على الدولاب ولا منيك ..
_ أمرك حضرة الرقيب أول ..
_ حارس مهجع ولا ..
_ حاضر حضرة الرقيب أول ..
_ هذا معلم تطلعو من يفتح الباب ولا ..
_ حاضر حضرة الرقيب أول ..
النوم في النهار ممنوع . الأحلام في تدمر ممنوعة منعا ً باتا ً . أحلام اليقظة في السر , وقت العلن ممنوعة ! التحدث بصوت ٍ عال ٍ أو مسموع ممنوع . المشي داخل المهجع ممنوع . الغناء أو البكاء كلاهما من الممنوعات . التطلع إلى فوق خصوصا ً نحو الشراقة ممنوع الممنوع .
النوم على الظهر أو البطن ممنوع . نوم النهار ممنوع . ممنوع النوم بلا طماشة . الحركة أثناء النوم ممنوعة . التحدث مع أحد وقت النوم ممنوع . الذهاب إلى الدورة إسم المرحاض ليلا ً ممنوع . الحديث مع الشرطي يكون عبر رئيس المهجع ويتطلب إذن . الكلام مع عنصر البلدية ممنوع كذلك الحديث مع الحرس . الصلاة ممنوعة منعا ً باتا ً . قراءة القرآن ممنوعة قطعا ً . لا شطرنج ولا ورق لعب أو اي نوع من وسائل التسلية كلها تعد ممنوعة بحكم قانون معتقل تدمر . الغناء ممنوع . إطلاق النكات بغرض الضحك أو السخرية ممنوعة . أن تصفن كفيلسوف أو حمار , هذه الصفنة تخضع لمزاج الرقيب فهي ممنوعة عند البعض ومسموح بها عند البعض الآخر . وأنت واقف وقت التفقد مغمض العينين , يداك خلف ظهرك ورأسك إلى الأرض لا تعلم كيف تأتيك الرفسة وأين تكون ؟
الركلة على الخصيتين تتلقاها لا تعلم كيف ؟ الكف ينحفر في وجهك والكرباج على رأسك . كل هذا ومطلوب منك أن لا ترتعش مثلا ً أو يصدر منك رد فعل ٍ ما لا إرادي . في لحظات الخوف ممنوع عليك الخوف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات