الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعومة الرجل وخشونة المرأة في كتاب حرائق البلبل على عتبات الوردة مازن دويكات وعفاف خلف

رائد الحواري

2022 / 10 / 14
الادب والفن


هناك أعمال أدبية نعتبرها فريدة ومتميزة، وهذا يعود إلى طريقة صياغتها، أو اللغة المستخدمة فيها، أو إلى تعدد كتابها، كما هو الحال في رواية "عالم بلا خرائط" التي كتبها عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا"، في هذا الكتاب نجد لغتين، لغة الرجل ولغة المرأة، واللافت أن لغة المرأة جاءت لغة قاسية وتحمل الألم، بينما لغة الرجل كانت ناعمة وهادئة، وهذا يستوقف القارئ الذي يجد تباين اللغة وطريقة تقديم الفكرة بين الكاتبين.
إذن الكتاب جاء من خلال لغتين، لكن ما يميزه لم يقتصر على تباين لغة الرجل عن لغة المرأة، فهناك مقاطع شعرية إضافة إلى اللغة النثرية، وهذا أضاف عنصر جمالي آخر على الكتاب، بمعنى أن هناك لغة متباين، وأيضا أجناس أدبية مختلفة.
ونلاحظ أن طريقة صياغة لغة الرجل جاءت قريبة من تلك التي أستخدمها "تموزي" حينما أراد ترغيب "أنانا" به ودفعها إلى قبوله كزوج بعد أن عدد فضائل أغنامة ومهنته كراعي، من هنا يمكننا القول أننا أمام كتاب فريد في لغة وطريقة تقديمه وفي الأشكال الذي قدم به.
سنحاول التوقف عند بعض ما جاء فيه، لتبيان كيف كانت المحاورة بين "مازن دويكات وعفاف خلف".
بما أننا نعيش في مجتمع شرقي، يقدم الرجل على المرأة فقد افتتح الكتاب من خلال الرجل: "بين صباح وصباح، يتحرك البرعم إلى حالات أكثر اتساعا تفضي إلى الحرير الملون في الأرض وإلى قوس قزح في أعلي الأزورد،...هذا النشيد الكوني الخارج من البستان والداخل في الكينونة العظمى.. الإنسان.. الإنسان ..الإنسان. آدم برعم الخليقة الأولى وحواء أول الوردات في بستان الخالق الأعظم، أعني الأرض. الأرض كذلك أنثى.
أبحث عن أنثى
لا أرض تحملها أو أفق
أنثى كالوردة
ليس يُرى فيها العبق
يا الله أعني. أني أحترق" ص6، إذا ما توقفنا عن المعنى فنجد أن الشاعر يحاول (تبيان ) طبيعة الحياة التي تتكون من رجل/آدم وامرأة/حواء، مستعينا بمشاهد من الطبيعة/"البرعم، قوس قزح، اخضرار الأرض/البستان" كما نجد استخدامه لعناصر الفرح، الكتابة/"النشيد" كل هذا ليستدرج المرأة إلى الحياة الطبيعية، وهذا ما أظهره بوضوح في المقطع الشعري/ "أبحث عن أنثى"، إذن هناك مجموعة من المحفزات يستخدمها الشاعر لترغيب المرأة وإخراجها من (عزلتها/عزوفها) من هنا كانت لغة بيضاء ناعمة تخدم فكرة الرغبة بالحياة وما فيها من بهجة وفرح.
يتقدم الشاعر أكثر محاولا (إثارة المرأة جسديا من خلال هذا المقطع:
"شيء ما يلمع في عينيك فأرتعد
يتلوى كنسيج النار على شفتيك وينعقد
يسحبها بخيط ليس يراها أحد
تنهمر علينا، يرتعش الجسدان ونتحد
هي قبلتنا أحلم أن تأتي
كفراشة صبح
تسرق حصتها من زنبقة الوقت
يلفح جنحيها ضوء الشمس" ص8، في هذا المقطع نجد (تكملة) المرغبات التي بدأ بذكرها في المقطع السابق، فهنا تم التركيز على متعة الجسد، وكيف أن الإنسان يمكنه الحصول على الفرح/المتعة من خلال الجسد، فكما يُستمتع بجمال الطبيعة وما فيها من تنوع وتعدد لمظاهر الجمال، يمكن أيضا الحصول على متعة من خلال الجسد.
ترد المرأة على ما قدمه الرجل من مُرغبات ومُحفزات بقولها: "يذبحني ليلك يحيك مواعيد لطقوس لا اعرف كيف تكون! وهل يتعشق المقتول يد قاتله تعبث فيه جراحا وإمعانا في النزيف؟ وهل يفتن البلبل الغريد فخاخ الوردة ترمي شبكها فيسقط رقصا متخبطا بدماء؟ وهل يعشق اللحم الكفيف سكينا تحرث فيه جراحا، وترعف فيه الخل وإمعانا في الإيذاء؟" ص20، إذا ما توقفنا عند الألفاظ المجردة التي جاءت على لسان المرأة: "يذبحني، ليلك، يحيك، لا، المقتول، قاتله، تعبث، جراحا (مكرر)، وإمعانا، النزيف، فخاخ، شباكها، فيسقط، متخبطا، بدماء، الكفيف، سكينا" يمكننا الوصول إلى ما تحمله من قسوة وألم، فاستخدامها لهذا الكم من الألفاظ القاسية يشير إلى معاناتها وألمها.
وإذا ما توقفنا عند عدد الكلمات التي جاء على لسان الرجل وتلك التي جاءت على لسان المرأة، سنجد أن كلام الرجل أطول وأكثر، وهذا يشير إلى (عزوف المرأة)عن الناس وعدم إيمانها/رغبتها في مجاراة الناس في الكلام، وهذا الأمر لم يقتصر على هذا المقطع فقط، بل نجده في كل الكتاب، فالرجل كان يسهب في الحديث، بينما المرأة كانت تختزل وتختصر وتقلل، وكأنها لا ترغب في الكلام/ وهذا يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى نفورها من الآخرين وعدم الرغبة في ملاقاتهم والحديث معهم.
المرأة تُبقي الرجل على أمل الأمل، وبأنها ستلين في نهاية الأمر، وستقبل أن تخرج من عزلتها وتتحرر من تلك الأفكار السوداء التي تحملها:
"ذات يوم قد تحلم غيمتي الغبية
بأنها كاتبة
فتكتب الأرض حروفا
بدموع لاهبة
وقد يأتي من يسرق الحلم
ويأمرها بالعودة
إلى ربها تائبة
وقد ترضخ غيمتي
ولكني أومن
بأنها ما زالت تكتب
وإن كانت حروفا شاحبة" ص30و31، في هذا الرد إشارة إلى ما تحمله من آلم، فاستخدامها: "الغبية، بدموع، يسرق، ترضخ، شاحبة" كلها تؤكد أن هناك وجع ما زال مؤثرا فيها، ولا تستطع ألتخلص منه، فهي ترى في الكتابة ذاتها، وجودها، من هنا تم استخدام هذه الألفاظ: "كاتبة، فتكتب/تكتب (مكررة ثلاث مرات)، حروفا (مكررة)، نحن نعلم أن عناصر التخفيف التي يلجأ إليها الكاتب/ة تتمثل في المرأة/الرجل، الطبيعة، الكتابة/الفن، التمرد، وغالبا ما تكون المرأة/الرجل هي المولد/ة لبقية عناصر الفرح/التخفيف، لكن نجد المرأة في كتاب "حرائق البلبل على عتبات الوردة" تفضل الكتابة على بقية العناصر وتجعلها أهم عنصر، وكأنها من خلالها تريد التعويض عن حاجتها إلى الرجل وعن بقية العناصر، فالطبيعة عندها طبيعة أنثوية، أوحادية الوجود، بلا نظير، لهذا نجدها طبيعة قاتمة لا جمال ولا حياة فيها: "غيمتي، غيمة، الأرض" فلا نجد أشجار أو بحار أو جبال أو سهول، فالمرأة في الكتابة تنحاز للأنثى وتفضلها على الرجل، لهذا تم تكرار الأنثى في "الكتابة" ثلاث مرات، بينما كررت المذكر في "حروفا"، وإذا ما توقفنا عند المقطع نجده مقطع متردد/ثابت غير متحرك، وأقرب إلى التردد منه إلى التقدم والفعل، كل هذا يشير إلى أننا أمام امرأة (تعزل نفسها) ولا تريد لأحد أن يشاركها.
هذا النهج/الفكر/السلوك له مبررات وأسس منطقية، تحدثنا عنها بقولها: "أومن بخصوصيتي وتفردي كإنسان أولا وكأنثى ثانيا، وأومن به كإنسان أولا وكرجل لاحقا، ولن أرضى أبدا أن تكون إنسانيتي الجسر الذي أدوسه لتحقيق أنوثتي" ص31، إذن هناك مشروع عند المرأة الكتابة، يتمثل في خلق حالة مساوة بين أفراد المجتمع بصرف النظر عن الجنس، فهي تعمل/تفكر/تكتب لإيجاب عادلة جنسية بين الأفراد ودون تمييز، وهذا يعلل سبب (عزلتها)، فالمشروع الذي تعمل له يحتاج منها أن تكون منسجمة بين الطرح/القول وبين الفعل/العمل، كما أنه (يمنعها) من ممارسة حياتها كامرأة، فمشروعها الاجتماعي يأخذ منها جل وقتها، بحيث (يمنعها) من أن تمارس دورها كأنثى، وأن تتمتع بحياتها كامرأة.
هذه الثنائية في اللغة/الفكر/الحور/المناظرة تبقى مهيمنة حتى آخر الكتاب، فلا الرجل يستسلم بعزوف المرأة/الكاتبة عن الرجال، ولا هي تلين/تتراجع عن فكرتها/نهجها/رسالتها، لهذا تستمر المناظرة محاولا الرجل أن يجعلها امرأة (اجتماعية) كباقي النساء في المجتمع، بينما هي تبقى متأثر بواقعها كأنثى في مجتمع ذكوري قاسي، وعليها أن توصل فكرتها/رسالها، من مظاهر هذا الحوار: "وما العيب في أن يضعف البلبل الذي تعرفينه في لحظة إنسانية شفافة أمام السطوة الحريرية للوردة المبتهجة! وما الضرر في أن تستكين الوردة التي أعرفها وتعرفينها في لحظة ما أمام حرائق البلبل المرتعش! قوتها وضعفه يشكلان نصف المشهد، وقوته وضعفها يشكلان النصف الآخر، وبهذا وبذاك يكتمل المشهد الرائع" ص36، نلاحظ أن الرجل يحاول استمالة المرأة/الكتابة من خلال استخدمه الفكرة التي يحملها المقطع، وأيضا من خلال استخدامه لغة قريبة من تلك التي تستخدمها المرأة، فنجده يميل إلى شيء من اللغة القاسية التي نجدها في ألفاظ: "يضعف/ضعفه/ضعفها، السطوة، حرائق، المرتعش" فهنا محاولة استمالة المرأة/الكاتبة فيها شيء من الذكاء والخداع، وهذا يشير إلى أن الرجل ما زال (متماسكا) لهذا (يخفي) ما فيه من اندفاع نحوها من خلال مجاراتها في استخدام اللغة والألفاظ.
الرجل شاعر، لهذا يحاول أن يستخدم موهبته الشعرية في ذات السياق، إقناع المرأة/الكتابة بحقيقة الحياة وطبيعتها الثنائية، يقول:
"لعشتار أغني
تترنم بأنشودة الحياة
تنتشي بالحب
وتسكرها روعة
الكلمات
لتموز يؤجج الحرف
ناراً وتتصاعد النغمات" ص41، نلاحظ أن الألفاظ الناعمة متعلقة بالمرأة/عشتار: "أغني، تترنم، بأنشودة، الحياة، تنتشي، بالحب، تسكرها، روعة، الكلمات" وكأنه بها، يريدها أن تعود إلى لغتها الناعمة، إلى مكانتها ودورها في الحياة، وأنها أهم عنصر فرح/تخفيف في حياة الرجل، بينما يعطي نفسه/تموز صفات القسوة: "يؤجج، نارا، تتصاعد" وهو بهذا يعيد الأمور إلى طبيعتها، المرأة الناعمة والرجل القاسي، وهذا يشير إلى أنهما ما زالا متمسكين بما يحملانه من أفكار/قناعات.
لكن اللافت في المقطع أن الرجل/الشاعر يمزج بين القسوة والنعومة، بين الرجل والمرأة، بين تموز وعشتار، لهذا أقرن ألفاظ القسوة بألفاظ ناعمة: يؤجج الحرف، نار وتتصاعد الكلمات" وكأنه يقول أنه يمتلك شيء متميز، شيء مزدوج/ثنائي، وبما أن المرأة/الكاتبة تتميز بقسوة لغتها، فإن هذا يعد عامل (جذب) لها، فقد قدم لها اللغة/الكتابة التي تستخدمها في إيصال فكرتها/رسالتها: "الكلمات/الحرف، النغمات"، ومن ثم عليها أن تستفيد من هذه اللغة/القسوة لتساعدها على إيصال رسالتها، ما تريد تقديمه للمجتمع.
الكتاب من منشورات مركز أوغاريت الثقافي للنشر والترجمة، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2004.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي: بعض المهرجانات الفنية لا ترتقي بالذوق العام


.. ظهور حمادة هلال بعد الوعكة الصحية في زفاف ابنة صديقة الشاعر




.. كل يوم - -ثقافة الاحترام مهمة جدا في المجتمع -..محمد شردي يش


.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص




.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود