الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطار آخن 16

علي دريوسي

2022 / 10 / 14
الادب والفن


جلس الثلاثة على أريكة واحدة نزولاً عند رغبة هينلوري للتفرج على صور العائلة، في المنتصف جلست هينلوري وألبوم الصور في حضنها، على يمينها سابينه وعلى يسارها إبراهيم. وزعت سابينه السجائر، أمسكت هينلوري واحدة من الصور، رفعتها عالياً وقالت: إنها جدتي أولغا. بدت جدتها بفستانها ومنديلها الحريري ونظارتها ويديها المشبكتين ببعضهما كأنها طفلة خجولة تنتمي لأسرة عريقة. ماتت أولغا حين كانت هينلوري طفلة في السادسة من عمرها. في صورة ثانية ظهر جدها الأشبه بباشا تركي وفي صورة ثالثة كان أهلها ـ الأب الأمير حسن أدليرهورست وأمها الدكتورة هناء شابر ـ جالسين في أحد مطاعم موسكو بملابس رسمية توحي بانتمائهم لشريحة البرجوازية الحديثة ومن تحت الطاولة عند أقدامهم أطلت الطفلة هنيلوري برأسها. وفي صورة لاحقة ظهرت هنيلوري تمتطي حصاناً في مزرعة كبيرة تعود ملكيتها للعائلة.

مع كل صورة تلتحم الأجساد الحّارة، مع كل صورة يتسرب بخار ثدييها المطبوخين إلى أنف إبراهيم أكثر فأكثر، مع كل صورة تلتقي عيناه بعيون سابينه، مع كل صورة تمتزج روائح أنفاسهم وعطر سجائرهم. كان طقس السهرة في حضرة الإمرأتين والسجائر والحكايات والمطر في الخارج غامضاً غريباً.

في إحدى الصور رأى إبراهيم الدكتورة هناء شابر عارية مستلقية إلى جانب زوجها الوقور فوق العشب الأخضر، كانت تلك الصورة أشبه بلوحة "غداء على العشب" للفرنسي "ادوار مانيه"، أحد الضباط الذين كانوا يتنزهون هناك في حديقة السيران التقطها لهما، هناك فرق كبير بين صورة تلتقطها بنفسك لتوثيق ذاكرة ما وصورة تُلتقط من قبل الآخر للمشهد ذاته كي تراها أنت. الصورة الأخيرة في الألبوم كانت لهنيلوري في الثامنة عشر من عمرها، ممدّة على رمل أحد شواطئ العراة في جزيرة روغن قبالة ساحل بوميرانيا في بحر البلطيق.

على العكس من هنيلوري لم يكن في حوزة سابينه ألبوم صور من الماضي. مع هروبها من القسم الشرقي "الشيوعي" في ألمانيا إلى القسم الغربي الرأسمالي ضاعت ذكرياتها ووثائقها. كانت لديها صورة عائلية حالمة، رومانسية، فيها معالم فقر واضحة والتي التُقطت لهم وللمئات من عائلات ألمانيا الشرقية من كافة الشرائح الاجتماعية على يد المصور "كريستيان بورشيرت"، قدّم من خلالها نظرة عامة عن المستوى المعيشي غير المتجانس في ظل النظام "الشيوعي". ثم بعد مرور عشر سنوات زار المصور العائلات نفسها مرة أخرى وقام بتصوريها. كان قد مضى يومها أكثر من خمس سنوات على هروب سابينه. أثبت المصور كما أثبت المئات من قبله وبعده أن النظام "الشيوعي" هو الكذبة الأكبر في تاريخ البشرية. في زمن الأزمات خاصةً، يكتسبُ التفكير باستخدام الصور أهمية كبيرة في إعادة تشكيل الإنسان وإطلاق قدراته الكامنة، التفكير المرئي ظاهرة لم تُدرس بعد بشكل كاف في مجتمعات الشرق العربي.

سقط جدار برلين واستثمرت كميات هائلة من الأموال في التطور العمراني والمشاريعي والإداري في القسم الشرقي وما يزال الفرق الزمني/التطوري بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية قائماً بما يعادل خمسة عشر عاماً على أقل تقدير.
**

نهضت سابينه، سوَّت وضع قميص ليلها الملتصق بمؤخرتها وقالت:

ـ علينا ألا ننسى بأننا نحتفل بعيد ميلاد هينلوري اليوم، تعالي معي لنعد طقوس الاحتفال، أتعبتني الصور والذكريات الملعونة، طار من رأسي كل ما هو جميل.

وحيداً على أريكته، أشعل إبراهيم سيجارة غارغويل جديدة واسترخى.
شعر بالخوف كأنه في قلب منظمة سرية رئيستها سابينه ونائبتها هنيلوري.
أسئلة كثيرة تدور في رأسه تحتاج للإجابة وللجرأة على طرحها ومناقشتها.

ما الذي يفعله هنا؟
من تكون سابينه؟ هذه المرأة التي تلتهم السجائر كالسكاكر ولا تدوخ! من أين لها هذا الثراء؟
من تكون هذه الهنيلوري حقاً؟
ما الذي يدفع المرأتان للاحتفاء به؟
من تكون هذه الدكتورة اليهودية هناء شابر؟
من يكون هذا الملقب بالأمير حسن أدليرهورست؟ ما هو اسمه الحقيقي؟
هل تعود الصور القديمة الذي شاهدها لعائلة هنيلوري فعلاً؟ ما الذي منعها من إظهار بعض الصور الحديثة؟
لماذا لم تتكلم هنيلوري معه حتى اللحظة عن مشروعها الذي تنتوي تأسيسه كما أخبرته سابينه؟
لماذا ترغب سابينه باصطحابه معهما في الرحلة إلى لندن؟
**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا