الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الثورة التي أحدثت انقلابًا في إدراك ووعي البشرية جمعاء
خليل اندراوس
2022 / 10 / 15ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أشارت ثورة أكتوبر إلى الطريق الذي يجب على الإنسانية، أن تنتهجه من أجل القضاء على الرأسمالية وأعلى مراحل تطورها، ألا وهي الإمبريالية، التي تلحق الكوارث الانسانية، بدءًا من البيئة، وحتى انتشار الامراض والفقر والبؤس والجوع والحروب المحلية والمنطقية، وصولاً الى التهديد بحرب عالمية ثالثة لا يعرف أي إنسان مدى تأثيرها الكارثي على مستقبل الإنسانية.
لا شك بأن خبرة ثورة أكتوبر وما أحدثته من تغييرات اجتماعية وثقافية وسياسية وعلمية في المجتمع الروسي لهي أكبر دليل، بأنه ليس هناك بديل أمام الإنسانية سوى إحداث التراكمات التقدمية، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، وكسر سيطرة رأس المال، من أجل خلق الظروف الموضوعية الملائمة لإحداث التحولات الثورية الجذرية التي تناسب وتحمي مصالح الغالبية العظمى والمطلقة للإنسانية جمعاء.
ولولا ثورة أكتوبر وأثرها الإيجابي العالمي لما استطاعت الشعوب المختلفة تحقيق حق تقرير المصير، وإحداث تغييرات بعيدة المدى في الوعي الجماعي الإنساني، الذي أصبح من غير الممكن إقناعه بإمكانية إحقاق الحقوق المشروعة للطبقات المستغلة إلا عن طريق النضال الثوري المثابر، من خلال النقابات والبرلمانات والحركات الطلابية والنسائية وحركات السلام والحركات المناهضة للعولمة المتوحشة وأصولية السوق الحرة، والتي تـُسمى ديماغوغيًا بالليبرالية الجديدة، لأن ثورة أكتوبر أظهرت أهمية وحيوية التضامن الأممي للبروليتاريا القائم على أساس التضامن الطبقي لكادحي العالم.
العودة الى أحداث ثورة أكتوبر الاشتراكية الخالدة، لا تعتبر عودة الى التاريخ فحسب، بل مراجعة ودراسة لهذه المدرسة العظيمة لنضال جماهير الشعب الواسعة التي حققت هذه الثورة، وأنجزتها ومراجعة تأثيرها العالمي، وخاصةً، تأثيرها غير المحدود على تحرير الشعوب من الاستعمار المباشر، ورسم الطريق لإمكانية إحداث تغيير جذري في المجتمع، عندما تكون هناك ظروف موضوعية لإحداث الثورة.
لقد أكد ماركس وإنجلز مؤسسا الشيوعية العلمية على حتمية التطور الإنساني، الذي سيؤدي لا محالة الى أن تصبح الإشتراكية البديل الثوري للرأسمالية بكل أشكالها المحافظة منها أو الليبرالية، وأكد ذلك لينين لاحقًا عندما أوضح بأن الإمبريالية هي أعلى مراحل التطور الرأسمالي، والتي مهما فعلت وتفعل من أجل استمرار بقائها ستكون آخر مرحلة للتطور الرأسمالي، وبعدها ستحدث القفزة الثورية نحو المرحلة الانتقالية وبعد ذلك المجتمع الاشتراكي، مجتمع العدالة الاجتماعية والمساواة. هذا التطور أمر حتمي لا مفر منه، كما أكد ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي، لأن الرأسمالية هي آخر نظام استغلالي يشهده التاريخ، ويجري خلال تطورها، وخاصةً تطور وسائل الإنتاج وتحولها إلى عملية اجتماعية، التمهيد للظروف الموضوعية المؤدية للانتقال إلى درجة أعلى في حياة البشرية الشيوعية.
وقد اعتبر لينين أن سيادة الاحتكارات هي السمة الرئيسية للإمبريالية. وهذا ما نشهده من تطور في عالمنا المعاصر، من سيطرة الاحتكارات العالمية العابرة للقارات، من خلال حفنه من الاحتكاريين، وهذا يؤدي الى تفاقم التناقضات بين رأس المال والعمل، بين تركيز رأس المال وتحول عملية الإنتاج الى عملية جماهيرية واسعة.
ولذلك نجد الأوساط الحاكمة في الدول البرجوازية بعد نجاح الثورة، تستخدم كل الوسائل للتشهير بثورة أكتوبر، بعد أن أدركوا جيدًا مدى التضامن والعطف لدى الكادحين والجماهير الشعبية الواسعة الداعمة لنهج وسياسة وأفكار وممارسات الثورة البلشفية، مما جعلهم ينشرون الأخبار الكاذبة والمثيرة، عن الوضع في روسيا بعد الثورة، من خلال كتاب أبيض نشرته الحكومة البريطانية، مليء بالافتراءات الباطلة عن الأحداث الثورية في روسيا مباشرةً بعد الثورة.
كتب يقول: "إن التدخل المسلح للعصابات المتحالفة وذيولها في قضايا روسيا العمال والفلاحين، لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال حربًا للشعب الفرنسي ضد الشعب الروسي. إنها حرب البرجوازية ضد البروليتاريا، حرب الاستغلاليين ضد المستغلين، وفي هذا الصراع الطبقي، مكان كل اشتراكي حقيقي، وبالتالي مكاني في صفوف الجيش الأحمر".
وانعكست الأحداث العظيمة لثورة أكتوبر بصدق، في خطابات ورسائل سادول التي أرسلها إلى فرنسا، إلى رولان وباربيوس، وإلى الشخصيات السياسية الفرنسية وهكذا استطاعت الحقيقة أن تجتاز كل الحواجز رغمًا عن كل الإجراءات التي اتخذتها الأوساط الحاكمة في الدول الرأسمالية، وكتب فيما بعد زعيم الشيوعيين الفرنسيين موريس توريز:
"إن حملة الكذب والإفتراء المسعورة لم تؤثر تأثيرًا جديًا على عمال فرنسا، حتى أن أكثر المتخلفين فيهم كانوا يدركون بوضوح أنه في روسيا تقوم جمهوريتهم، وأن القضية التي يكافح العمال الروس من أجلها في بسالة ويستشهدون في سبيلها- قضيتهم، قضية عامة لكادحي البلاد".
ومن المهم أن نذكر بهذه المناسبة بأن أول مرسوم للثورة كان مرسوم لينين للسلام، حيث أثبتت الثورة الاشتراكية بأنه من الممكن إنهاء الحرب، أيّة حرب وتمامًا، وتحت تأثير أكتوبر انتشرت في كثير من البلاد، حركة جماهيرية تبغي إنهاء الحرب فورًا. وهكذا قامت في برلين وفيينا وباريس ولندن وبودابست، مظاهرات جماهيرية واسعة مطالبة بإنهاء الحرب العالمية الأولى وعقد صلح على أساس الشروط التي عرضتها روسيا السوفييتية. وفي كانون الثاني عام 1918 وحده شارك ما يقارب من مليون عامل ألماني في الإضراب السياسي مطالبين بإنهاء الحرب.
من الصعب المغالاة في تقدير تأثير ثورة أكتوبر على مصائر شعوب الشرقيين الأدنى والأوسط.
فقد تراجعت الحكومة السوفيتية نهائيًا عن كل الاتفاقيات والصفقات التي عقدتها الحكومة القيصرية، والموجهة ضد مصالح تركيا. وعبر الكادحون الأتراك عن تعاطفهم الشديد مع الشعب الروسي الذي أقام السلطة السوفييتية، ومع زعيم الثورة الروسية والبروليتاريا العالمية لينين.
وكانت الواقعة آنفة الذكر ذات دلالة عميقة عند مناقشة موضوع منح جائزة نوبل عام 1918 في جامعة القسطنطينية، حيث اتخذ قرار بمنحها إلى لينين.
وغدت الدولة السوفييتية الفتية قريبة وعزيزة بنفس الدرجة لدى شعوب الشرق العربي، وخاصةً بعد الكشف عن اتفاق سايكس بيكو الذي قسم الشرق العربي، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، إلى دويلات يحكمها انتداب بريطاني وفرنسي.
وجاء في إحدى وثائق "لجنة وحدة العرب" التي شُكلت في سوريا، ما يلي: "إنّ العرب يعتبرون حكومة لينين ورفاقه وثورتهم العظيمة لتحرير الشرق من نير الطغاة الأوروبيين، قوة عظيمة قادرة على منحهم السعادة والرفاهية. إن سعادة واستقرار كل العالم يتوقفان على التحالف بين العرب والبلاشفة". وأعطت ثورة أكتوبر دفعة قوية لتطور النضال التحرري في مصر وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين. وفتحت ثورة أكتوبر صفحة جديدة في تاريخ شعوب الشرق أجمع. فقد وضعت بداية نهاية النظام الاستعماري، وفتحت عصرًا جديدًا، عصر الثورات التحررية الوطنية في البلدان المستعمرة.
ولكن بسبب العديد من الظروف الموضوعية، مثل تأثير الأحزاب الاشتراكية الإصلاحية على الوعي الجماعي للجماهير الشعبية، تلك الأحزاب التي خانت الحركة الثورية في أوروبا الغربية، وعدم وجود أحزاب ماركسية ثورية حقيقية وانقسام صفوف الطبقة العاملة، وغيرها من الأسباب الموضوعية لم تستطع القوى الثورية في الدول البرجوازية تحقيق النصر في تلك الفترة، وخاصةً في المانيا وفرنسا. غير أن النضالات الثورية التي نشبت في جميع أنحاء العالم، لم تنته دون أن تترك أثرها الكبير والواسع على وعي الجماهير الشعبية، فمن خلال تجربة ثورة أكتوبر اكتسبت الشعوب في شتى أنحاء العالم خبرة النضال السياسي الطبقي. وفي ظل الحركة العمالية العالمية الصاعدة ظهرت في كثير من البلدان أحزاب شيوعية ضمت أكثر المناضلين ضد الامبريالية ثباتًا وصلابة، منها الحزب الشيوعي في فلسطين.
نجاح ثورة أكتوبر أدى الى حدوث انعطاف تاريخي على حركة التحرر الوطني، وهذا أدى الى تغيير الصورة الاجتماعية السياسية للعالم في الفترة التي أعقبت ثورة أكتوبر.
وكانت ثورة أكتوبر وموقف كادحي العالم منها نموذجًا للأممية البروليتارية، كم نحن بحاجة اليه اليوم.
ولقد أجبرت ثورة أكتوبر البرجوازية العالمية على تقديم بعض التنازلات للطبقة العاملة خوفًا من تأثير الثورة.
وكما هو معروف لم يكن هناك قبل ثورة أكتوبر في العالم الرأسمالي، لا تأمين اجتماعي ولا ساعات عمل محددة بأربعين ساعة في الأسبوع، ولا غير ذلك من المكتسبات.
ويقول الكاتب الأمريكي ثيودور درايزر، أن تحديد ساعات العمل الأسبوعية بأربعين ساعة، وتطبيق حد أدنى للأجور، وتقديم إعانة حكومية للبطالة وغيرها من الإصلاحات التي تمت لصالح الكادحين في الولايات المتحدة وبلدان أخرى، قد فُرضت تحت تأثير الدولة السوفييتية.
وكتب يقول: "إن المذنب في ذلك هو ثورة أكتوبر، ومن أجل ذلك أشكر ماركس وروسيا الحمراء".
إن ثورة أكتوبر وما أحدثته من تأثير على المستوى العالمي يجعلنا نؤكد بأن هذه الثورة أحدثت انقلابًا في إدراك ووعي البشرية جمعاء، وأسفرت مكتسبات الثورة، وظهور مفاهيم تقدمية مثل العدالة الاجتماعية، وحق الإنسان في العمل والتعليم والصحة والراحة والتأمين عند التقدّم في السن، مفاهيم إنسانية عامة تكافح من أجلها كل شعوب العالم.
ولذلك لن تنسى البشرية أبدًا، وخاصةً الطبقة العاملة وحلفائها، يوم 25 أكتوبر (بالتقويم الشرقي) سنة 1917 الذي كان نقطة انعطاف في تاريخ العالم.
كما كتب ماركس بأن تجربة بناء الاشتراكية قد تفشل مرة ومرتين وأكثر، ولكن في النهاية ستنتصر الثورة الاشتراكية لأنها التطور الموضوعي للتاريخ الإنساني.
مراجع:
- مقالات وخطابات لمناسبة ثورة أكتوبر- لينين
- تاريخ ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى- إصدار دار التقدم موسكو- رئيس هيئة التحرير- سوبوليف.
: معضلة مارد المقاومة وقمقم الطائفية
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم
.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة
.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.
.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة
.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال