الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدمة الأدب في مصر والعراق

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2022 / 10 / 15
الادب والفن


في مقارنة لطيفة بين الأدب الشعبي في مصر والعراق خلال الأزمات رأيت أن الأدب العراقي يزدهر في وقت ينكسر فيه الأدباء المصريين، في مفارقة غربة لم تحصل على الاهتمام الكافي للمناقشة..

ففي مصر مثلا نرى أن الأدب المصري (شبه توقف) بعد نكسة 67 وقد اخترت القياس على أعمال الراحلين العظيمين "نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس" فالأول لم ينتج خلال 6 سنوات الأزمة بينما أنتج الثاني رواية واحدة أو اثنين، خلاف ما حدث في العراق الذي كتبت فيه الأديبة السعودية "حوراء الحسن" دراسة في الأدب المقارن لاستطلاع الفكر والأدب العراقي خلال حقبة الثمانينات وفي إطار الحرب بين العراق وإيران تحديدا..

وصلت حوراء أن الأدب العراقي كان مكثفا ومزدهرا خلال سنوات الحرب، وقد سجلت ذلك في كتابها "المرأة والكتابة في دولة العراق البعثية..الصراع بين خطابات المقاومة والتعاون 1968 – 2003" والذي نشرته مكتبة جامعة أدنبرة البريطانية، قالت فيه حوراء أن الأدب العراقي كان نشطا للغاية في إنتاج القصة ، وأن الحكومة العراقية أنفقت أموالا ضخمة لمساعدة الناشرين وقت الحرب، فلم تعق الحرب ولا الأزمة الاقتصادية المصاحبة لها دعم الحكومة العراقية للأدباء، حتى أنه يمكن توصيف سنوات الحرب مع إيران أنها كانت فترة ازدهار أدبي وثقافي للعراقيين ربما لم تتكرر في التاريخ، وهي مفارقة غريبة مع لُطفها الملحوظ، فمن جهة اللُطف يبدو أن السلطة العراقية كانت أكثر شعورا وأدبا وثقافة مع شعبها في الداخل ، في وقت كانت قاسية جدا على عدوّها الإيراني في الخارج..وتلك المفارقة تقول أن بعض الحكومات تتصرف في أزماتها الكبرى كخطيب الجامع حيث ينشط الخطباء في الأزمات لحشد الجمهور ويبدعون في ما لذ وطاب من الجُمل والعبارات الحية لدغدغة مشاعر الناس، ويملكون طاقة هائلة من الظهور الاجتماعي والسياسي لدرجة يطغى حضورهم ذلك على جوانب أخرى من العيش في ذهن الجماهير..

وكأن المقصود هو ملء فراغ الناس بهذا الأدب الموجه، ومناقشة خوفهم وقلقهم من نتائج الحرب بخطاب أدبي عالي التأثير (ودائم ) لكن الأغرب هنا غياب هذا النشاط الأدبي في مصر بزمن النكسة، فتفرغ الفنانون المصريون في صياغة وإبداع ما تمت كتاباته في حقبتي الخمسينات والستينات، وهو إنتاج أدبي ضخم يعود فيه الفضل للنظام الناصري الذي أعاد الحياة لقصور الثقافة وشجع الفنانين والأدباء بجوائز وحفّز الشعراء والممثلين على إبداع هذا الأدب في السينما والدراما، فكانت حقبة الستينات دسمة جدا من الناحية الفنية حيث جرى إنتاج أكثر من 150 فيلم سينمائي من عام 1960 – 1969 م وهو رقم ضخم في ظل احتكار الدولة المصرية للشأن العام وقلة أعداد المنتجين الذي لا يقارن هذا الرقم بأعداد ما بعد الانفتاح ودخول القطاع الخاص، لكن هذا الرقم ظل مميزا ليس فقط لأنه مصاحب للانغلاق الفني مثلما يصفه أنصار الانفتاح وخصوم التجربة الناصرية ، لكن تميزه أنه ومن ناحية الكيف السينمائي كان مميزا فنيا لدرجة حصول 4 أفلام منها على جائزة أفضل 10 أفلام في تاريخ السينما المصرية هي "الأرض والمومياء والحرام وبداية ونهاية" وحصول 27 فيلم منها على جائزة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

أستطيع فهم هذا الغياب الأدبي المصري بعد النكسة أن الشعور الوطني المصري كان مصدوما لدرجة اليأس، فأثر ذلك على الإنتاج العقلي لكنه لم يؤثر بشكل ملحوظ في الإنتاج الفني التمثيلي..بيد أن الممثلين والفنانين تفرغوا لصياغة وإبداع ما تمت كتابته في الماضي ، وهذا خلاف ما حدث في العراق..والذي يقول قائل أن نتائج الحرب لم تكن ظهرت بعد، ونظام صدام حسين كان يروج في الداخل أنه منتصر وأن أيام الخوميني معدودة وأن ثورته فشلت وتعيش أيامها الأخيرة، ولم يسأل أحد بما يكفي عن حقيقة ذلك بعد نهاية الحرب سنة 1988 وتفرغ الجميع للاحتفال بالنصر الذي أعلنه النظام البعثي..ربما هذا هو السبب في عدم شعور العراقيين بالصدمة التي حدثت للمصريين بعد نكسة 67 بدليل أن الباحثة حوراء الحسن لم تلحظ نفس النشاط الأدبي العراقي بعد نهاية الحرب مع إيران بنفس الزخم والقوة، بل انخفض الإنتاج الأدبي عن ما كان قبل الحرب وليس فقط أثناءها..

لقد اخترت هذه المقارنة بين نظامين ودولتين تعيشان نفس الأجواء تقريبا، الحلم الناصري في مصر وأجواء الاشتراكية والروح القومية العاتية هي نفس الأجواء التي شكلت الحلم البعثي في العراق ، وكلتا التجربتين عاشتا حلم ما بعد الاستعمار وبشريات الحضارة العربية الواحدة التي تلوح في الأفق..وأمنيات الوحدة العربية التي تنطلق من القاهرة أو بغداد، وحتى على مستوى الزعامة كان عبدالناصر في مصر وصدام حسين في العراق (مصدر فخر) لشعوبهما وقديسين لا يجوز نقدهما أو الاعتراض على بعض سياساتهم الداخلية والخارجية، وكلا الزعيمين أيضا يملكان شخصية وكاريزما تأثير مبهرة ولسانا شعبيا يأسر قلب الجماهير في لحظات، إنما حين تعرض كلاهما لأكبر أزمة في تاريخهم نرى أن ردة الفعل العراقية كانت ثقافية بل لم يحدث ذلك في مصر..لدرجة أن تأريخ بدء ظهور الوهابية وصحوة الإخوان في مصر يبدأ عند غالية المؤرخين من نكسة 67 فبعد هذا العام بدأ العملاق المصري في الترنح والانحدار حتى سقط أسيرا لحكم الإخوان المسلمين عام 2012 وهو مصير لم يكن أكثر المتشائمين في عهد عبدالناصر أن يتوقعه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال


.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس




.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً