الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنه يبكي، ذلك القاضي الذي اسعدكم!

صائب خليل

2006 / 10 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من بين كل كوارث العراق الدامية المخيفة يطالعك خبر يطغى على غيره. خبر مقتل زوج شقيقة القاضي محمد العريبي وابنها, لأنه تجرأ ووقف مع القانون ومشاعر شعبه الممزق فعامل المتهم الوحش كما يليق بمعاملة متهم.

شاهد العريبي بلا شك الهزال الذي اختير لتمثيل ارادة الشعب والقانون متمثلاً بالقاضيين السابقين وهو يصب الملح على جروح الشعب العراق, وتألم مع المتألمين في العراق وهم يرون الدكتاتور البغيض ينفث السموم بوجه الشعب من زنزانته وقضاته يتراجفون. وبلا شك ايضاً اعتصره الألم وقال لنفسه : "اليس في العراق من رجل؟" فأجابه ضميره: "لم لا تكون انت؟" فكان ما كان.
في عالم اليوم, أمر مكلف جداً ان تصحب معك ضميراً صاحياً, أما في العراق فهو حكم بالإعدام تقريباً.

لقد افرحتنا أيها القاضي الرائع بكبرياء رجولتك وأنت تدخل قفص الوحش الرهيب فلا ترتجف كما ارتجف من دخل قبلك ولم تتصاغر كما تصاغر من جاء قبلك, فوقفت مع القانون المهيض العاجز عن الدفاع عن نفسه دع عنك الدفاع عن مريديه. كنت تعرف الثمن جيداً, لكنك اردت ان ترسم ابتسامة أمل طال افتقادها,على وجوه أبناء بلادك.

لم تكن الأول الذي يدفع الثمن غالياً ولن تكون الأخير يا محمد. لقد سبقك الكثير من العراقيين الذين عز عليهم ان يقف الخوف بينهم وبين فرصة للحياة رأوها لشعب العراق. هذا شأن أبناء العراق الحقيقيين, بل وفي القائمة غرباء ايضاً لا يجمعهم مع العراقيين من قرابة إلا قرابة الإنسانية. اتذكر سيرجيو دي ميلو يا محمد؟

ليس إرهابيي الوحش وحدهم مسؤولين عن حزنك الكبير أيها الكبير. إنهم ايضاً رزكار وعبد الله عندما انحنيا فتركا رأسك بارزة تغري السياف بوحدتها وارتفاعها, وحين لم يتمكنوا من الوصول اليها صوبوا سهامهم الى قلبك, ليصيبوك في افراد عائلتك. لقد أراد القتلة إبعادك, ولو أنهم علموا ان قضاة العراق كلهم محمداً لما ارتكبوا ما لايعود عليهم بالنفع. لكنهم توقعوا رزكاراً اخر, او عبد الله آخر, يضع الشعب مكان وحشهم في قفص الإتهام فيحزن الثكالى ويفرح القتلة.
ومسؤول عن السهم الذي اصابك ايضاً, رئيس دولتك أيها القاضي حين غازل الوحش معتذراً مسبقاً عن توقيع اعدامه ان حكم عليه, وتأوه لأخيه السادي الذي إدعى المرض وأنبرى يقف بوجه المطالبة بمحاكمة زوجته, كأنها اول امرأة كانت ستحاكم في التأريخ. لقد نشر هذا الرئيس الجديد الرعب في العراق بحركاته البهلوانية, وأعلم الجميع ان وراء الوحوش في القفص تقف وحوشاً حرة اكبر كثيراً, تأمره بالرقص فلا يستطيع لها رفضاً.

ومسؤول عن المك العميق يا سيدي, نحن وسلبيتنا القاتلة وحيرتنا البلهاء وعجزنا المخزي عن الرد. النا ان نتوقع أن يعرف الفرح طريق بيوتنا وهذا مصير من يحاول إعادة الإبتسامة اليها؟ أغريب هو الحزن الطويل الذي يخيم علينا إن كان كل من يحاول ان يقف بوجهه, يترك وحيداً وأهله لسيف الجلاد؟

أكون كاذباً لو طمأنتك يا محمد ان شعبك سينتصر في النهاية, وأن تضحياتك لن تضيع هباءً. فالأمر معلق على كف عفريت وتضحيتك لاتعدوا ان تزيد فرصة النصر شيئاً. ألتضحية من أجل حياة انسانية كريمة تضحية سامية, أما التضحية من أجل مجرد فرصة لتلك الحياة, فأسمى وأكبر كثيراً, وقد كتبت عليك مثل تلك التضحية.

لا احد يدري من سينتصر في هذه الحرب الشرسة: الشعب ام الوحوش المتحدة, لكن الناس سوف تراقب الجلسات القادمة لتلك المحاكمة التي اصبحت رمزاً لمعركتها, لترى ان كان القاضي سيجرأ على الوقوف مع القانون في محنته والشعب في أصعب ايامه, ام مرتجف تتقافز على شفتيه الإبتسامات البلهاء. سينظر الناس الى شاشاتهم بلهفة وقلق, لترى ان كان الذي يجلس على كرسي القضاء فيها له ملامح العريبي ام رزكار محمد امين!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن الجمعية الوطنية الفرنسية؟ • فرانس 24


.. فلسطينيون يقيمون مصلى من القماش وسط الركام في جباليا




.. دمار كبير في أحياء غرب رفح جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غ


.. مصابون يصلون إلى مستشفى ناصر في خان يونس بعد قصف على مناطق ج




.. حريق ضخم اندلع في سانتا باربرا الأميركية .. والسلطات تخلي ال