الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دول الاتحاد الأوروبي تدفع فاتورة باهظة

فهد المضحكي

2022 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


تدفع دول الإتحاد الأوروبي فاتورة باهظة جدا، بعد ان انخرطت في مواجهة متعددة الجوانب مع روسيا، ويمكن القول: ان تعويض حجم الضرر الاقتصادي والسياسي الذي لحق بهذه الدول حتى الٱن سيكون مهمة صعبة وطويلة، والأخطر من ذلك، برأي المحلل السياسي السوري علاء ابوفراج، هو أن إمعان الاتحاد الأوروبي في سياسته هذه سوف يدفع الأمور إلى نقطة اللاعودة، حيث يصبح ترميم الأضرار عملية مستحيلة، ما يعني إعادة الأوروبيين إلى الوراء. تورطت الدول الأوروبية في الأحداث السياسية في أوكرانيا منذ 2014، وكان للاتحاد الأوروبي دور معلن وصريح، وقدموا الدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي اللازم للانقلاب السياسي، وما ترتب عليه لا حقا من تغييرات جوهرية في بنية النظام الأوكراني، وأرسل رسائل خطيرة إلى الجوار بعد أن أظهرت نزعات قومية متطرفة، وتوجهات فاشية خطيرة، هنا بالإضافة طبعا إلى إعلان صريح النية في الانضمام إلى حلف الناتو المقاد أمريكيا، وما يترتب على ذلك من تهديد معروف لروسيا. قد يختلف كثيرون مع توصيف الأحداث السابقة، ويرى البعض فيها ميلا إلى «الرواية الروسية» للأحداث، ولكن ثمة سؤال ملح وهو ما هي مصلحة الإتحاد الأوروبي في كل ما جرى؟ نعتقد يمكننا رصد عشرات الأمثلة تثبت بوضوح أن سياسات دول الاتحاد الأوروبي تعبر بشكل واضح - لا عن مصالح شعوبها - بل عن مصالح الإمبراطورية الأمريكية المتداعية خلف البحار، وهو ما يؤكد مجددًا أن قادة أوروبا ما هم إلا موظفين مخلصين، جرى تثبيتهم من قبل واشنطن كممثلين عن مصالحها في القارة الأوروبية.

نشرت «وول ستريت جورنال» تحقيقا يرصد تعامل أوروبا مع أزمة الطاقة، واختارت الصحيفة إليزا كولينز مدخلاً مثيرا للانتباه إلى هذا الموضوع، وهو ببساطة رصد موقف بعض الأوروبيين من ضرورة تقليل وقت مواعيد استحمامهم! ففي ظل سياسة التقشف التي تفرضها الدول الأوروبية لم يعد الاستحمام يوميًا ولمدة عشر دقائق صفة للمواطن الصالح المتحضر، بل العكس! إذ يورد التحقيق نقلا عن صحيفة هولندية أنها لا تحتاج للاستحمام سوى مرة واحدة في الأسبوع، وأنها وعلى الرغم من ركوب الدراجة يوميا لا ترى الاستحمام ضروريًا، فالمنشفة المبللة تفي بالغرض. لتكون السيدة وغيرها نموذجا للمواطن الأوروبي الصالح! هذا المثال بات جزءًا من حملة موسعة تقوم بها الحكومات لفرض قيود من هذا النوع، دون تقديم حلول جذرية لأزمة الطاقة المتفاقمة، وخصوصًا أن متوسط استهلاك الأسرة الهولندية من الطاقة، حسب التحقيق ذاته، قفز من 124 إلى 503 يوروّات شهريًا! «تحديد دقائق الاستحمام» جانب من خطط «طموحة» لخفض استهلاك الطاقة، والمشكلة أن أزمة الطاقة هذه ليست أزمة عابرة مؤقتة، فبحسب المسؤولين الأوروبيين سوف تستمر لسنوات، ولن تؤثر على «دقائق الاستحمام» فحسب، بل ستكون لها ٱثار كارثية على المجتمع ونمط الحياة من جهة، وعلى الاقتصاد الأوروبي من جهة ثانية، فالمعامل مثلا: لا تضمن توريدات طاقة مستقرة، وتشتريها في حال توفرها بأسعار باهظة، سينهي هذا - إلى جانب عوامل أخرى - أية ميزة تنافسية للصناعة الأوروبية، بل سيجعلها نشاطا غير مجد اقتصاديا! والمثير للاهتمام، أن حل هذه الأزمة نهائيا لا يمكن إلا من خلال معالجة جذر المشكلة وهو العقوبات الاقتصادية، التي عقدت كل أشكال المعاملات التجارية مع روسيا، وكانت السبب في خفض نسبة كبيرة من إمدادات الغاز. لكن هذه المسألة غير موجودة على جدول أعمال القادة الأوروبيين الذين يضيفون حزمات جديدة دوريا، بل إن المثير للسخرية انه وبحسب أنباء غربية وصينية، نبين أن أوروبا تشتري شحنات من الغاز الروسي، لكن بعد رحلة طويلة واجراءات معقدة، فروسيا تضخ الغاز الطبيعي إلى الصين عبر خط سيبيريا، وتقوم المعامل الصينية بتسييله، ومن ثم تصدر الفائض منه، وقد استلمت أوروبا بالفعل بعضا من هذه الشحنات، وصرح بعض المتداولين: أن الأرباح المحققة من مثل اوهذه الصفقة يمكن أن تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات، بل تصل إلى 100 مليون دولار في بعضها! وهي ملايين لاتكترث الحكومات الأوروبية في تحميلها لجيوب المواطنين الأوروبيين.

وتنقل جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية عن بعض الخبراء، أنه في حال تعويض الغاز الروسي من مصادر أخرى، لن تتمكن الاقتصادات الأوروبية من كبح جموح التضخم، لأن إرتفاع الأسعار، الذي بدأ المستهلكون يعانون منه، يشمل بشكل أساسي جميع المنتوجات والخدمات الأساسية التي يصعب الاستغناء عنها. يضاف إلى ذلك أن أرباح الشركات سوف تتراجع أكثر من المتوقع، وفي حال طال الحظر ستكون تداعياته كارثية على سوق العمل ونسبة البطالة. لكن القلق الأوروبي لا يقتصر على التداعيات الاقتصادية الناشئة عن العقوبات ضد روسيا فحسب، بل يتعداها إلى الارتدادات الاجتماعية والسياسية التي يمكن ان تعيد المشهد الأوروبي إلى حال من التوتر أخطر من تلك التي عقبت أزمة عام 2008 والسنوات التي تلتها. فالحرب الروسية ألاوكرانية كانت أضعفت خلال مراحلها الأولى الأحزاب والقوى الشعبوية واليمينية المتطرفة التى كان معضمها يقيم علاقات وثيقة مع موسكو. لكن بعد فوز بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية يشير إلى أن هذه الأحزاب وقفت ضد تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة وإطالة أمد الحرب وتدفق اللاجئبن وارتفاع معدلات التضخم.

لا شك أن أزمة العلاقات بين روسيا وأوروبا أزمة قديمة، وتطورت بشكل معقد منذ 2014 وما بعدها، وإن كنا، لا نحاول في هذه المادة معالجة جذور الأزمة وتطوراتها، أو الدور الأمريكي في تعقيدها، إلا أننا نجد أنفسنا معنيين بطرح سؤال محدد: إن كانت العلاقات بين الطرفين متوترة لتلك الدرجة وشهدت تعقدا مضطردا خلال السنوات الماضية. فكان الأجدى للدول الأوروبية أن تبحث عن مخارج؟ لكن ما جرى كان العكس تماما، فأبقت أوروبا الغاز الروسي كمصدر أساسي للطاقة، وتبجح القادة الأوروبيون بإغلاق محطات الطاقة النووية، مما جعلهم في الواقع أكثر اعتمادًا على الغاز بوصفه مصدر موثوق. وخضعوا لـ«وصفات المناخ» الأمريكية. كل هذا جعلهم أكبر هشاشة والحلقة الأضعف في المواجهة. كشف الرئيس الروسي في منتدى الشرق الاقتصادي عن معلومات لوسائل الإعلام، وهي: أنه يعلم بأن الإدارة الأمريكية السابقة أعلنت في مناسبات متعددة أنها ترى مصلحة في الأوروبيين لشراء الغاز الأمريكي المسال، ورأت في الفرق الكبير بين سعره وسعر الغاز الروسي المنقول بالأنابيب «كبديل أتعاب طبيعي عن الحماية الأمريكية لأوروبا». لا يعبر هذا التوجه عن الإدارة السابقة وحدها، بل هو رغبة أمريكية نجحت الإدارة الحالية في فرضها على الأوروبيين. ولم يكن الهدف تحقيق مكاسب مالية، بل لأهداف سياسية بعيدة المدى تضمن واشنطن من خلالها تحييد الأوروبيين من المنافسة على الساحة العالمية، وتحويلهم إلى وقود لتغذية النار المشتعلة بوجه موسكو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مطلوب اقصى درجات الحكمة والرشادة
ملحد ( 2022 / 10 / 15 - 11:25 )
تحليل جيد. اميركا وبريطانيا يلعبون دورا قذرا في هذه الحرب....
روسيا دولة عظمى شئنا ام ابينا ولديها اسلحة نووية قادرة على فناء العالم عدة مرات ولا يمكن لها تقبّل الهزيمة حتى لو إضطرت لاستعمال اسلحة نووية تكتيكية....يمكن للاسف ان تنتهي هذه الحرب بكارثة نووية صغيرة .....
يجب العمل على وقف هذه الحرب قبل فوات الاوان.....
اعتقد ان خطة المليونير الاميركي ايلون ماسك هي افضل الموجود وكذلك فكر وزير خارجية اميركا الاسبق هنري كيسنجر

أمل ان تسود الحكمة والرشادة لحل هذه الازمة الخطيرة جدا جدا

تحياتي

اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة