الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء العنف في العراق ؟؟ الجزء الثاني

اسماعيل شاكر الرفاعي

2022 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء الثاني
5 -
مبدأ الثقة المتبادلة بين الناخب والمرشح النيابي هو القاعدة الفلسفية التي تزود آليات النظام النيابي بالوقود وتدفعها الى الاشتغال : فاختيار الناس لممثليهم ، ومنحهم صلاحية تقرير مصيرهم نيابة عنهم لأربع او لخمس سنوات : نابعة من مبدأ ثقة المواطن بان مرشحه لن يستغل موقعه للإثراء الشخصي ، ولن يتخذ القرارات التي تعود بالنفع على شخصه وعلى عائلته وحزبه ، وانما سيتخذ القرارات التي تعود بالنفع على الصالح العام .
في النظرية النيابية : الثقة عميقة ومتبادلة بين المواطن ومرشحه ، لكن لا تزكية لهذا العناق التاريخي على ارض واقع العراق : اذ ان شكوك المواطن لا بد وان تتصاعد : لان مرشحه سيبدأ بالاختفاء مع وعوده عن الواجهة : ما ان تنتهي الانتخابات . وهذا ما لا يحسه المرشح الذي تبدأ مكاسبه الكثيرة بتبليد احساسه ، وبأفقاره من حرارة التواصل مع الواقع ، فهو ما ان اصبح وزيراً او رئيساً لمجلس الوزراء حتى كانت أمور اخرى قد أبعدته عن ذكريات اللقاءات الحميمية بمرشحيه ، وعن وعوده الخلابة لهم ، فيظل يحمل شعور تلك اللقاءات ، مطمئناً - الى ان ولاء المواطن ثابت له ، حتى لو اتخذ أسوأ القرارات الاقتصادية ، وأقدم على تغليب الحرب على الحلول الدبلوماسية في علاقات الدولة الخارجية . وهذه واحدة من اوهام ساسة البلدان المتخلفة ، الذين لا يجري الاعلام في بلدانهم : استفتاءات لسبر أغوار الرأي العام ، ولا يشجعون صناعة رأي عام عن طريق الحوار الجاد لخوفهم من المعارضة . فيحصل التداخل في الوعي السياسي لدى النواب : بين مفهوم الدولة وبين مفهوم السلطة السياسية : فطول ممارستهم لاتخاذ القرار مع تغييب واضح لحضور المواطن ، ومنعه من مراقبتهم : يمنحهم الشعور بانهم : هم السلطة والدولة في آن واحد . وهذه واحدة من اشكاليات النظام النيابي في الدول المتخلفة وعلى رأسها العراق ...
6 -
ترسخَ مبدأ الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم في القرن التاسع عشر ، وبلغ الذروة في منتصف القرن العشرين الذي تكامل فيه نموذج الدولة الليبرالية : دولة الرفاه بعد الحرب العالمية الثانية . لقد كانت الثقة معدومة بين الحاكم والمحكوم في جميع الانظمة السياسية للحضارات الزراعية ، وهي في الغالب انظمة دينية قامت على مبدأ الشك بتصرفات الانسان ، وليس على مبدأ الثقة به . الانسان في عرف الانظمة الدينية قاصر عقلياً وعرضة لوسوسات الشيطان . فمراقبة المواطن ورصد تصرفاته اولوية اولى بالنسبة لاجهزة الحكم الدينية عبر جماعات " الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، وليس بالعمل معه على تحسين شروط معيشته ، وتربية ضميره على احترام المختلف دينياً واثنياً . تقوم مؤسسات الدول الدينية وسط هالة من القداسة ، وهي تقرر كل شيء نيابة عن الانسان وتأمره الالتزام بما قررته ، وتراقبه كي تنقذه من طبيعته الهشّة وعدم تركه يختار ما يشاء ويقرر ما يشاء . وانطلاقاً من نظرة القصور هذه للانسان بشكل عام ، تقوم الانظمة السياسية للحضارات الزراعية بتثبيت آلية عمل مؤسساتها على حقيقة كون الانسان ؛ دائم التعرض لوسوسات الشيطان ، التي تحثه على التمرد على شرع الله ، وتدفعه الى التآمر على نظام الله السياسي المقدس ، فكانت مؤسساتها بالغة القسوة : في ما اتخذته من عقوبات القتل وبتر اعضاء الجسد والحرق ...
7 -
لم تبلغ الشعوب الاوربية مبدأ الثقة المتبادلة بين حكامها ومحكوميها فجأة . استغرق انتقال وعيها بقدرة الانسان على العيش باستقلال عن الكنيسة : قروناً . حدث ذلك بعد بداية تفكك النظام الاقطاعي ، وولادة طبقات اجتماعية جديدة في المدن ، بالتزامن مع الاستمرار بالاكتشافات الجغرافية التي ساعدت على ولادة الثورة الصناعية ، فتجذرت حركة التنوير العقلية وتحول فلاسفتها ومفكريها الى كتاب شعبيين ومقروئين على مستوى واسع . وبهذه الجهود والحوادث المشتركة لم تعد النظرة الى الانسان ككيان هش ، سريع الاختراق من قبل القوى الشيطانية الشريرة التي حثته في السابق - حسب التفسير الديني - على مخالفة تعليمات الرب بعدم الاقتراب من شجرة المعرفة في الجنة ، فطرده الرب من جنته حين اكل منها . وهبطت هذه اللعنة معه وظلت تطارده من سلطات الارض ، ومن رموزها السياسية والدينية الى وقت منأخر من نهاية القرن / 19 . لقد استغرق عبور الوعي الاوربي الى عصر الثقة بالانسان قروناً من الزمان طويلة ، تخطّت فيها اوربا عصور النهضة والاصلاح الديني وعصر الاستنارة والثورات السياسية اضافة الى الثورة الصناعية . وفي جميع هذه العصور كان تنويريو اوربا يرسمون لها طريقاً للخروج من قلب ظلام العصور الوسطى ، والتخلص من نظرية هشاشة الانسان واستعداده الفطري لتقبل وسوسات الشيطان . رفضت الكنيسة نظريات الثقة بالانسان : بدعوى ان مصدرها الاله نفسه : وانها لذلك مقدسة ، ولا يجوز المساس بها والتمرد عليها . لكن التنويريين امعنوا في نقد البنية المؤسساتية والكهنوتية للكنيسة ، وفي خضم هذا النقد المتواصل : تغيرت رؤية اوربا للانسان : من الشك بقدرته على العيش باستقلال عن توجيهات الكنيسة الكاثوليكية ، الى الثقة بقدرته على العيش في الحياة من غير ان يتلقى تدريباً على ذلك من كنيست او كنيسة او جامع . وفكرة الثقة بالانسان هذه : هي التي انتجت النظام النيابي الذي يحث المواطن على الثقة بمرشحه ، وعلى الايمان بميله الفطري الى محاربة الفساد والرذيلة ، وأقدامه على اصلاح البيئة التي نشأَ المواطن في أحضانها ، وهكذا بدأَ المفكر التنويري او الليبرالي الديمقراطي : يربط بين وجود الشيطان وبين وجود الظروف السيئة التي تحيط بالانسان ، فانصب اهتمامه على تخليص الانسان من هذه الظروف السيئة التي اصبحت هي الشيطان بعينه ...
8 -
في الرؤية الاوربية الجديدة : لم يعد الشيطان القوّة الخفية القادرة على الوصول الى أهدافها البشرية بسهولة ويسر : وتحرك فيهم نوازعهم الغريزية واللاعاقلة ، والظلامية العنيفة : بل اصبح الشيطان هو الظروف السيئة المحيطة بالانسان التي يمكن دراستها ووضع الحلول الناجحة لها . في الرؤية الجديدة التي نحتتها اوربا العَلمانية للانسان ضداً على رؤيتها الكهنوتية القديمة : اصبحت الحركة وليس الثبات هو مقياس التقدم والرقي ، ومن هذه الحركة ولد مفهوم التغيير كضرورة نستدعيها كلما واجهت الإنسانية : تحديات ضخمة . وبايحاء من ضرورة التغيير : بدأت الغالبية تتحرك وتنزع امتيازات الاقلية : والغالبية هنا هم : الشعب الذي خلق مجالس عمومه التشريعية في معظم البلدان الاوربية ، فارتبطت ولادة النظام النيابي بشكليه : البرلماني والرئاسي ببروز الشعب كمصدر وحيد للتشريع بعد ان انتزع حقوق التشريع من الملك والكنيسة . وقامت مجالس العموم هذه او البرلمانات بنزع صلاحيات وامتيازات الملوك والكنائس : تدريجياً كما حصل في بريطانيا العظمى ، او بالعنف الثوري كما حدث اثناء الثورة الفرنسية 1789 ...
9 -
لقد ارتبط مفهوم النظام النيابي بالتغيير الذي اصبح هو المحور الذي تدور من حوله جميع المفاهيم السياسية والفكرية والعلمية الحديثة ، بحيث لا يمكن الحديث عن اي جانب من جوانب الثقافة الاوربية الحديثة بمعزل عن الحركة والتغيير . وفي عصر الحداثة لم تعد الفكرة السائدة هي فكرة الجواهر الثابتة التي اوحت بها التوراة : وفيها تبدّى العالم مشطوراً الى عالمين : عالم الشهادة الذي هو عالم الحياة المرئية ، المسموعة ، الملموسة التي نولد وننمو فيها ونتعلم لغتها وعموم ثقافتها ، الّا اننا وفق رؤية التوراة بلا حول ولا قوة ، وعلينا ان شئنا إنقاذ أنفسنا والنجاة في الآخرة : طاعة خالقنا والالتزام بكل ما أمرتنا به شريعته ، والايمان باننا من صناعة : عالم الغيب . وهنا تكمن عقدة ضعفنا ونقصنا : تكمن في تابعيتنا ، وكل مخلوق هو بالضرورة تابع لخالقه الذي منحه القوة والنشاط والحركة ، وبرمجه على الفعل وعلى رد الفعل ، ووضع له سقفاً زمنياً محدداً لمعيشته في الحياة ، ويوماً معلوماً لمغادرتها الى : عالم ما بعد الموت . تدامجت فكرة وجود عالم غيب بيده كل شيء : وما نحن الا تابعون وظلال له : تدامجت هذه الفكرة ، فكرة الغيب اللامرئي -عبر تاريخ الفكر الفلسفي ، بنظرية " المُثُل " الأفلاطونية " في كتابات القديس اوغسطين في " مدينة الله " او توما الاكويني في : " نظام الحكم " او سواهما من الحالمين المسيحيين : وسادت ثقافياً طوال العصور الوسطى وتحكمت بالوعي السياسي الذي حثّ كل شيء في عالم " الشهادة " على ان يشرئب بعنقه الى " عالم الغيب " ويحاول النسج على منوال مفرداته ( مفاهيمه الكلية ) . لكن مع انبلاج صبح الحركة والتغيير : تم امتحان نظرية المُثُل الأفلاطونية ، ونظرية عالم الغيب التوراتية : فلم يصمدا امام اشتغال قوانين المختبرات العلمية ...
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الوعي هو المسوْول
طلال بغدادي ( 2022 / 10 / 16 - 19:44 )

العلاقة بين الناخب والمرشح يحددها الوعي !!؟ مالذي يجعل المواطن ينتخب من ليس جديرا بالثقة؟؟ انه الوعي
المواطن (الناخب ) والمرشح ( النائب عضو البرلمان ) ينتمون الى نفس الطبقة الاجتماعية المْوثرة في صناعة الأحداث ، وثقافتها السائدة في العراق (الان ) ، اغلبهم يرجع إلى أوساط بيئات اجتماعية مضطربة ومحافظات يتصف أغلب سكانها بالعنف والرغبة في الفوضى و التمرد، الرغبة في الاستحواذ على ماليس لهم.
المغالاة والإفراط في الولاء والعداء وسرعة الانتقال من الولاء إلى العداء وبالعكس
التطرف و العنف في التعبير عن الولاء والعداء. التطرف والمغالاة في الحزن والفرح

هذه هي الثقافة السائدة الآن و لا تصلح لبناء دولة
الوعي الجمعي للعقل العراقي ماعاد قادرا عى بناء الدولة
طريق الانحدار مازال طويلا

اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة