الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صهيل جسد لعبد الجليل ولد حموية من عتبة العنوان إلى اللامفكر فيه

عبيد لبروزيين

2022 / 10 / 16
الادب والفن


صهيل جسد؛ رواية في إطار سردي يتقارب بتجاور الأحداث وتعاقب كل ما هو وجودي، ليملي جملة من المكونات الذاتية والنفسية الخاصة بالكتاب الذي يرسم من خلال هذه العتبة، خطاطة دلالية لسير العلاقات وإبداء كثير من مغامض الأشياء، وتنوع التفاعلات التي تحدثها طبيعة الصهيل وطبيعة الجسد على المستويات الباطنية ومقاربتها بالتشاكلية، من حيث العتبة في حد ذاتها كقنطرة لبناء مفاهيم النّص. فهذا العنوان يسترشد بعلم السرد والمقاربة النصية في شكل مصطلحين ينبئان بفورة وغليان داخلي ليس له إلا أن يصهل. والجسد عندما يأخذ صفة أخرى غير بشرية من نوع الصهيل إنما يعبر عن مكنونات داخلية تحتاج الى صرخة تقتضي القراءة والوقوف عند حدود الكلمتين الموازيتين لما يتم التعبير عنه في الواقع. فصهيل الجسد أو خطاب العتبة هذا، يعد شكلا ذا دلالة نصّية باختيارات تتماشى بالعملية الابداعية محلولة ومكشوفة ضمنيا، حرفا حرفا ولونا وشكلا، فهي في واقع النص، وفي واقع ما يحمله خطاب العتبة تتعالق جماليا من حيث البحث عن معنى لا يكتفي بلغة النّص بقدر ما يكشف منذ الوهلة الأولى عن إلماعات الكامن والمسكوت عنه والمحكوم عليه في العنوان، لأن عادة بعض النّصوص السردية تحاول أن توجه من العنوان تفاعله مع الأشياء باتجاه مغامض ذاتية مركبة وتبحث عن السيطرة الفكرية والنفسية على مضامين النص وتجلب فكر القارئ بالشكل الذي يمنحه فرصة بث الرسالة بثا قويا منذ العتبة، فالجسد البشري لصيق بالواقع الإنساني وإن كانت روابطه توظيفا مختلفا للرموز والأيقونات وعيّنات لا تخلو من خرافة أو أسطورة، وإنّ الصهيل ملتصق بالواقع الحيواني (الفرس) فتتبدى علاقة العتبة بفضاء الكتابة علاقة إبداعية ارتكازية تعتمد التساير وفق استراتيجية خطابية تحقق أكبر قدر من التوزيع، فخطاب الغلاف أو جمالية العنوان من أهم عناصر هذا النص الذي يساعد على تناول النّص الأدبي من حيث مستوى الدلالة والبناء والتشكيل والمقصدية. ولذا فإنّ عتبة الغلاف، هذا الغلاف وهذا النص عتبة يكتنفها التشويق بما تكشفه من ثنائية دلالية الجسد والصهيل، تساعد على التعمق في مستويات النّص واستكناه ما تضمنه من أفكار والوقوف على أبعاده الفنية والإيديولوجية والجمالية والنفسية. لذلك فالجسد والصهيل هو أول ما يواجه القارئ قبل عملية القراءة والتلذذ بالنص، فهو يتلذذ أولا بهذه الخاصية التي تكشف عن عمق المادة السردية في الجسد الجامح المنكسر الذي يصهل ليبدي الأنا والآخر، فيحيط بالنص الروائي، ويغلفه، ويحميه، ويوضح بؤره الدلالية من منظور خارجي مركزي يترجم لنا معاناة الكاتب وما ستتضمنه الرواية من مقصديات أو تيمات دلالية عامة. فصهيل جسد عنوان روائي، وجنس إبداعي، له حيثيات اللوحات التشكيلية، وله مقومات العمل الأدبي وله صفة التناول السردي وله معاني الدلالة الحقة. فإذا كان الصهيل في المعنى يتجه نحو حِدَّةُ الصوت مع بَحَح كالصَّحَل والصهيل للخيل، فإن الجسد في عموم دلالته يتحدد حسب الفلاسفة كصيغة الحضور المادي للإنسان في العالم باعتباره يستحضر واقعة التجسد أي الانتقال من المستوى التصوري المرتبط بوعي الإنسان بذاته إلى المستوى الواقعى أي مستوى تجسد الذات في العالم. وهو فهم حيوي للإنسان ورغبة ووعي من حيث إن الوعي هو إدراك للرغبة أي إدراك لنزوعات وميول الجسد فهو قوام الوجود الإنساني ذاته بقوة الحركة والسكون. وبذلك يجمع العنوان صهيل الجسد بين مقومين أساسيين يعبر كلاهما عن سمت المعنى من خلال الوعي والحركة. وهي ثنائية ابداعية استثمرها الكاتب في هذه العتبة ليمرر خطاباته من خلال عمل وجداني ينتصر للذات بكل ما تحمله من عناصر ومكونات داخلية.
اللامفكر فيه في النص الروائي يتشكل في اللاوعي، اللاوعي باعتباره انعكاسا للحقيقة المجهولة في ضمير المتكلم المفرد، لاوعي تتجاذبه فكرة الموت والحياة بمعناهما الحقيقي والرمزي، موت الحلم في سبت أيت إيكو، موت في المكان والزمان، الموت بهذا المعنى، واقع اجتماعي يكبل ذات البطل ويمنعه من ممارسة حريته، فقد جاء في الرواية "كان السجن طريقة أبي في تقويم سلوك طفل متمرد على سلطته. طفل كان يضرب كل التقاليد والأعراف والأخلاق المصاحبة لها عرض الحائط، سجن أبي حظيرة صغيرة، يستعملها لعزل العجول عن الأبقار، مملوء بالروث والتبن" ص 6. البؤس والشقاء في حياة عبدو الزبلبولي مرادفان للموت، موت في الزمان والمكان، وهو نفسه الدافع للسفر إلى سان فرانسيسكو، السفر الذي سينقله ليعيش تجربة الموت في زمان ومكان مختلفين، لكن الموت هذه المرة، تضمره الغربة في الكون بكل أبعادها، جاء في الرواية "الجوع، العطش، الرغبة في التدخين، الندم، الشك في كل شيء، اللعنة، دموع الأم، صورة زوهرة، الحزن، الكابة. اختلطت علي الأحاسيس والمشاعر، لم أعد أعرفني. الشيء الوحيد الذي أتذكره هو أنني وجدت لأتعذب وأعذب الأشخاص من حولي. لملمت أشلائي مرة أخرى، استجمعت قواي المنعدمة وقررت المواصلة" ص 26. وجد عبدو الزبلبولي كل القيم التي كان ينشدها في بلده، فتحول الحلم في مدينة سان فرانسيسكو الكثيرة الأضواء إلى كابوس مزعج، سيرمي بتقاليده خلف ظهره، وستبلغ ذروة التنكر في مضاجعته للرجل الأنثي كريستين "أطلقت ضحكة هستيرية أثارت انتباه زبائن المقهي، لما تذكرت لحظة اندماجي مع كريستين في الحب المشتهي فوق السرير الملائكي، ويدي تتسلل لتخترق صفحات الزمن وتسرع العملية. كانت الصدمة قوية عندما اكتشفت أني بصدد مضاجعة متحول جنسي..." ص 14. بلغ عبدو الزبلبولي يأسا لا حد له بسبب خيبات الأمل التي تعرض لها في مدينة سان فرانسيسكو، مضطر للدفع بعرقه السفلي كما يقول، يضرب الناس مع خوليو لكسب قوت يومه، اليأس مرادف للموت هنا أيضا، ولكن في حقيقة الأمر، كان موتا جميلا، موت يستيقظ فيه الإنسان داخل شخصية عبدو الزبلبولي، ليعلن بموته حياة القيم التي يفتقدها، إنه بروميثيوس العصر الحديث.
وهنا يظهر الجانب اللامفكر فيه في الحياة، وهو جزء قابع في شخصية عبدو الزبلبولي، أسئلة وجودية عن مصير الإنسان، الهوية بين الأنا والاخر والحرية، لامفكر فيه يرسم خريطة القلق الوجودي للإنسان الحديث، الإنسان المعذب دونما سبب، الإنسان الذي تتجاذبه فكرة الموت والحياة بشكل فونتاستيكي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05