الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة بثلاث لغات

عبدالكريم عمر

2022 / 10 / 16
الادب والفن


وقف وسط غرفة الجلوس، كمن يستعدّ لإلقاء خطابٍ حماسيٍّ في جمهور متحفّزٍ للصياح والتّصفيق إعجابا به وَابْتِهَالاً
- سأكتب قصيدة!
قالها بنبرة تنمّ عن الزهو والافتخار بما هو مصمم عليه. نظر نحوها بعين خاطفة، يبحث عن وقع ما قاله عليها
- ستصبح والله حديث امجالس عند المثقفين والعامة هنا في المهجر. أما في الوطن فستكسح المقاهي والحانات وستتحول أغنية يرددها المغنون في حفلات الفنادق والخانات.
- بأية لغة؟ سألته
بدا له وكأن رجفة خفيفةً طافت ردفيها وهي تمسح الغبار عن صورة لهما معلقة على جدار الغرفة، مدّ يده اليمنى نحو مؤخرتها، وفي عين اللحظة أدارت وجهها إليه، فحطت اليد أسفل البطن قليلا
- بالأجنبية طبعا.
- ولكنك مبتدئ على اللغة الأجنبية، ولم تنه بعض دورة تعلم الأجنبية للمهاجرين -
- الأمر ليس بهذه الصعوبة والتعقيد كما تتصورين. ألا تعرفين أنني ماهر في تقمص الأدوار وتهيج المشاعر... والأساس في الشعر هو المشاعر... أما فيما يتعلق بمسألة اللغة... سأطلب من معلمتنا في دورة تعليم الأجنبية تصحيح أخطائي اللغوية إن وجدت
تحركت أنامله قليلا نحو الأسفل، نحو المجرى الهابط بين فخذيها، صرخة خَفِيفَة انتشرت في الغرفة، نظرت بوجل نحو الباب، كأنها سمعت طرقًا عليه.
- هل تتذكرين يوم أبكيتها حين رويت لها القصة التي ألّفتها عن هجرتنا ومعاناتنا في الوطن؟
- المسكينة لم تكن تعرف أنك تكذب.
شدّ بالسبابة والإبهام قليلا في العمق بين الفخذين وَقُرْصهَا بشيء من العصبية. كادت أن تصرخ.
- معلمة اللغة التي رويت لها قصة هجرتنا، تركت العمل منذ أكثر من أسبوع... ذهبت إلى التقاعد، والجديدة لا ترغب كثيراً سماع سَيْر المهاجرين
- أنها عنصرية... لعنها الله.
قالها صارخاً. ضاعت رغبته في الكلام. سحب يده التي كانت قد استقرت للحظة تحت بنطالها
- سأكتبها بالعربية... هي لغتي الثانية وبها قرأت عن كل العلوم في المدرسة.
- ولكني أتذكر أنك كنت تعاني كثيراً من العربية أيام الدراسة.. وفشلك في المدرسة كان سببه، بالدرجة الأولى، هو رسوبك الدائم في امتحانات اللغة العربية.
- حاول إرجاع يده إلى المكان الذي كانت فيه، ولكن بإيماءةٍ لا تخلو من الغضب.
- ليس من الضروري أن أكتب القصيدة بقواعد لغوية سليمة. الشعر يعتمد أساساً على المشاعر... وأنا ماهر في استحضارها
صار ينظر إليها بقلق، ويتوقّع منها رداً سلبيا عن كل ما يقول.
- جارنا عبد المعطي سيدقق قواعد اللغة عندي... يقال إنه دقق أكثر من قصيدة لمحمود درويش.
-عبد المعطي مسافر إلى مصر منذ أكثر من شهر... وعلي حسب ما قالته زوجته فإنه سيستقر هناك بشكل دائم.
- الملعون أمضى كل أيام شبابه هنا ويعود إلى الوطن بعد أن صار على حافة القبر
تلاشت رغبته نحوها، لا بل فإنها انقلبت إلى كراهية، صار يشك في أسلوبها على التعاطي مع مشروعه في كتابة القصيدة
سأكتبها بالكردية، هي لغتي الأولى... كان بجب أن أفكر بذلك منذ البداية. -
- ولكني لا اتذكر أنك قرأت كتابا واحداً بالكردية، فكيف ستكتب القصائد بها.
- لم يكن همك في كل هذه السنين التي عشنه معا إلا الإثبات بأني إنسان فاشل... وها أنك تكررين ذلك مرة أخرى.
خرجت هي من الغرفة غاضبة، وفي تلك اللحظة كانت لديها رغبة قوية أن تبصق في وجهه. أما هو فقد ظل مصرا على أنه قادر على كتابة القصيدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر