الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من عجائب السّياسة في تونس/هستيريا الحاكم وارتداد النّخب

الطايع الهراغي

2022 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


هست




"إذا بلغك أنّ غنيّا افتقر فصدّق، وإذا بلغك أنّ فقيرا استغنى فصدّق، وإذا بلغك أنّ حيّا مات فصدّق، وإذا بلغك أنّ أحمق استفاد عقلا فلا تصدّق.".
(أبـو إسحـاق).
"هبّت يوما ريح شديدة فأقبل النّاس يدعون الله ويتوبون،فصاح جحا:يا قوم، إنّما هي زوبعة وتسكن"
"لا شيء أسوأ من خيانة القلم، فالرّصاص قد يقتل أفرادا بينما القلم الخائن قد يقتل أمما"
(تشـي غيفـارا)

01/ لعنـة الكتابـة
الكتابة ورطة. ولكنّها ورطة جميلة،اختياريّة، واعية ومسؤولة، يُحكَم عليها أن تتحوّل إلى لعنة إن هي تنصّلت من هويّتها وجنحت إلى التّبرير والمسايرة وجفلت من المخاطرة بما هي تحريك للرّاكد ورجم للسّائد وتجديف ضدّ التّيّار، تيّار المهادنة الذي يجعل من الكتابة سلعة معروضة للبيع على قارعة الطّريق في سوق النّخّاسين .
لا معنى لكتابة ليست مشدودة إلى أهداف نبيلة وقيم إنسانيّة. الكتابة- ككلّ نشاط إبداعيّ- وظيفيّة بالتّعريف مهما ادّعى المشتغلون عليها من حياديّة، وإلاّ باتت مؤقّـتة مهدّدة بالموت والاندثار،عالة إضافيّة على مجتمع أنهكته الخطوب، جائحة تنضاف إلى جملة الأمراض الورميّة التي تنخر المجتمع وتعصف به، تصبح الكتابة عونا للحكّام الذين لا همّ لهم غير تأزيم الأزمات بغباء حينا وبقصديّة أحيانا، تقودهم في ذلك غريزة عبادة التّنفّذ والتّسلّط.
بعض الكتابات ليست إلاّ مجرّد ترسيم لحضور أنويّ، أصحابها مرضى بتسجيل أسمائهم لإيهام الذات –قبل الآخر- بأنّها متداولة في بورصة القيم المنقولة، إشباع لذات في حاجة للتّباهي وعطشى للاستنساخ، كتابة، أكبر إنجازاتها تجميل الواقع القبيح، وأليق مكان بها متحف الكائنات المنقرضة، يزوره النّاس للاعتبار إن كان فيه ما يصلح للاعتبار.هي حتما للنّسيان والكنس وليس للإحياء.

02/ انتقام التاريخ
أليس من نكد التّاريخ وعجائبه، التي تفوق في بؤسها وغرابتها ما أورده المؤرّخ عبد الرّحمان الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التّراجم والأخبار"، أن يصبح الماضي - وليس المستقبل- هو قبلة أغلب الفاعلين السّياسيّين؟أليس محيّرا حقّا أن يصبح زمن بورقيبة مرجعا ومنارة إليها يحنّ الجميع، وعليها يتباكى الأعداء قبل الأصدقاء، ويجمع الكلّ أو يكاد على أفضال ذلك" الزّمن الجميل"؟ أليس من المضحك (وإن كان ضحكا كالبكاء) أن يستدلّ التّونسيّون شعبا ونخبا ومتابعين على فظاعة أوضاعهم المعيشيّة اثنتي عشرة سنة بعد الثّورة بما كانت عليه أيّام حكم بن علي وزمرة الطرابلسيّة بجبروتهم وتسلّطهم وتصحيرهم لكلّ مناحي الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة؟ أليس جريمة أن يصبح الماضي البائس، الذي كان يوما لعنة، هو الملاذّ والحلم؟.
وماذا عن العهد السّعيد في زمن الرّئيس السّعيد قيس السّعيد؟ ماذا عن جمهوريّة الغد،جمهوريّ العلوّ الشّاهق الذي قيل عنه في الدّستور الطّغراني أنّه سيبهر العالم، جمهوريّة البلاغة والخطب الرّنّانة؟ ألم تعـِد تونس إلى ما هو أتعس من عشريّة النّحس بكلّ مصائبها وبلاويها؟ كم هو فظيع تبليد الأذهان وتعطيل الأفهام والاعتداء عل ملكة التّفكير باعتماد سياسة برعت فيها كلّ أنظمة الاستغلال الطبقيّ والاستبداد وكانت نتائجها كارثيّة حتّى على أنظمة الحكم :تبرير الفشل بإعلاء السّيّئ وتمريره والاستماتة في قولبته وإرساء قواعد قبوله بمقارنته بالأسوإ .؟
أليس من البؤس السّياسيّ الاتّكال على فظاعات الماضي لفرض مآسي الحاضر على أنها اختيار ليس منه بدّ - إن لم يُسوّق على أنّه الاختيار الأمثل؟
ألم تجرم بعض النّخب وبوعي (وإن كان وعيا مصلوبا على قفاه) في الهيام بشعارها "لا عودة إلى الوراء"؟. شعار برّاق إيهاميّ مغالط، فـهذا "الوراء" سقفه محدود، وترجمته الذّوبان في هذيان المنقذ الأعلى المهووس بدولة الرّئيس وحكومة الرّئيس ودستور الرّئيس وبرلمان الرّئيس.
ما قامت الثّورة من أجل نسفه والقطع معه،وما اسماتت كلّ التّرويكات في إعادة إنتاجه ورسكلته ببعض النّجاح(نتيجة مقاومة كلّ قوى المجتمع المدنيّ) أحياه الرّئيس في أشنع صورة وأتعس مظهر ومضى به إلى أقصاه وقطع فيه مزيدا من الأشواط، بعد أن أضاف إليه من التّخيّلات ما يصلح لحيثيّات رواية عبثيّة انفلتت أحداثها عمّا رسمه مؤلّفها.
استبدلت النّهضة،التّعبيرة الرّسميّة للإسلام السّياسيّ والمعبّر عن طموحاته وأهدافه بتزكيّة من مشتقّاتها،استبدلت الحكم بآفة التّحكّم، فالدّولة دولة الشّيخ الجليل، والمؤسّسات ضيعة من حوزات الخليفة، الشّأن العامّ حلّت عليه لعنة الإمام، محظور وجب محاربته وبعقليّة ثأريّة هي جوهر الإسلام السّياسيّ بما هو جائحة في الحكم وكارثة في/ وعلى المعارضة.
فماذا كانت النّتيجة مع الحاكم بأمره،دولة الرّئيس ؟ حوّل الحكم إلى ثأر وتشفّ من كلّ معالم الحياة السّياسيّة والفكريّة، نسف كلّ سمات الحراك الاجتماعيّ، علّب الأنصار والحشود ودفعهم إلى اختزال مهامّهم في وهم مقاومة تعبيرة من تعبيرات اليمين بالاصطفاف القطيعيّ وراء بديلها الجنيس وتعميده فرعونا أوحد ليدوس على رقاب العباد ويعمّم الوهم في مؤامرة غير مسبوقة، مآلها الكارثيّ فرض ثنائيّة، قطباها: الشّعب ككتلة هلاميّة مترجمة في شعار"الشّعب يريد" والمعبّرعنه صانع عرس 25جويلية / النّخب كاختزال للفساد والتّمثيل الزّائف،الفرقة النّاجيّة(سعيّد وإلى حدّ ما الشّرّاح والمفسّرون) / الفرق الهالكة، آية الله/ المهدي المنتظر، الشّيخ الجليل / الرّئيس المعصوم، شيخ الإسلام / الشّيخ الرّئيس، مجلس الشّورى / البناء القاعديّ، أهل الحلّ والعقد/ نوّاب مجلس العشائر والقبائل/ في كلمة الغنّوشي /سعيّد.

03/ انسحـاب النّخبـة
النّخبة التي ترتضي المهانة لنفسها بأن تكون خادمة للحاكم ترتكب أبأس الشّناعات في حقّ نفسها أوّلا وفي حقّ مثيلاتها من النّخب وأساسا في حقّ المجتمع الذي تدّعي به وصلا وتتبجّح بالتّعبير عن همومه ومشاغله،
تستعدي إرثها وتخونه فيصبح عقدة لها ونقمة عليها.
في مزالق الولاء ومستنقع التّأييد تنحدر النّخبة إلى منزلة وعّاظ السّلاطين وفي أبشع نسخة، بحكم تباعد الزّمن وتبدّل الظّروف والملابسات.
كلّ التّجارب التّاريخيّة، في مشارق الأرض ومغاربها، قديما وحديثا، تنهض دليلا على أنّ النّخبة تسير إلى حتفها وتحفر قبرها بيديها حالما تفرّط في مبرّر وجودها، ومتى جنحت إلى ترذيل ذاتها بالارتماء في أحضان السّلطان - أيّا كان السّلطان-.مهمّة النّخبة التي تخجل من التّاريخ (منذ غابر الأزمنة) النّقد وليس المسايرة، المعارضة وليس التّزكية، معانقة هموم المجتمع وليس التّستّر على فضائح النّظام القائم، معانقة اللّحظة وليس التّفرّج على الأحداث.
عندما تضرب النّخبة عن التّفكير تتحوّل إلى عامل تعطيل، ضررها حاصل ونفعها منعدم.
قد تُـلام النّخب على تقاعسها، على عجزها عن التّأثير في مجريات الأحداث، على محدوديّة انغراسها في محيطها،على فشلها في بناء ذات قادرة على رسم بديل (بدائل) والالتحام بالطّبقات المؤهّلة لقيادة عمليّات التّغيير الدّيمقراطيّ والثوريّ.وقد نجد لها الأعذار في ما هو ذاتيّ وما هو موضوعيّ.
ولكنّ الفرق كبير وجليّ بين الصّمت والانكماش والاحتجاج السّلبيّ الذي قد تتوفّر له يوما ظروف تجذّره وتنقذه، وبين الارتداد والتّورّط الواعي في إعادة إنتاج الموجود بتعاطي مهمّة مدح السلطان وتبييض سود فعاله.
النّخبة التّونسيّة في معظمها مازوشيّة تجد متعة في تتلذذ الإذلال الذي يسلّطه عليها من أحالها على التّقاعد الوجوبيّ، والغريب أنّ التّماهي يقودها إلى أن تختلق له الأعذار. في عرفها أنجز سعيّد ما لم يستطعه الأوائل مجتمعين ومنفردين.فلا حلّ إذن إلاّ بمكافأته بالاصطفاف البقريّ وراء سيّد الأسياد.
بتورّطها في الذّوبان في المنقذ الأعلى انحدرت جملة من الأطراف إلى ما دون منزلة المعارضة الكرتونيّة على أيّام بن علي. فهذه أنجزت ما هو مرسوم لها من قبل أباطرة النّظام دولة وحزبا، تصرّفت دوما كديكور، في حين عمدت النّخبة اليوم إلى وضع نفسها على ذمّة سلطان "الباب العالي" وتقبّلت بطواعيّة وتباه أن تكون العصا التي يتّكئ عليها وتنوبه في تأديب خصومه(قيس سعيّد ليس له منافسون/الجميع أعداء) وتحجيمهم ومحاججتهم وتقزيم رؤاهم ومقارباتهم.

04/ قيس سعيّد في مهبّ الرّيح
الاحتجاجات التي تشقّ البلاد، بقطع النّظر عن الموقف منها، بعيدا عن طبيعة وهويّة الجهات المنخرطة فيها، أيّا كانت الأطراف التي قد تُـتّهم(على عادة كلّ الأنظمة في التّعامل مع الأزمات) بأنّها تقف وراءها وتفتعلها، بقطع النّظر عمّا يمكن أن تلجأ إليه الدّولة من اتّهام جهات بعينها حتّى يصحّ الحديث عن مؤامرة تستهدف مسار 25جويلية، بقطع النّظر عن كلّ ذلك فإنّ احتقان الوضع وتوسّع دائرة ومجالات الاحتجاج نتاج مناج طبيعيّ لأزمة خانقة، إنكارها عمل صبيانيّ . الأزمة وانسدادها إدانة لسياسة الأمر الواقع التي دأب عليها سعيّد وحكومته، سياسة المرور بقوّة، سياسة الهروب إلى الأمام وتجاهل واقع يفقأ العيون . سياسيّا لا مناص من الاعتراف بأنّ استفراد نظام الحكم باحتكار كلّ السّلط وانتهاج سياسة المكابرة بشطحاته البهلوانيّة وبتهميشه للجميع - بمن فيهم أنصاره وشيعته- وباستهانته بالأخطار التي قد تجعل من تونس دولة مهدّدة بالإفلاس قد قدّم هديّة مجانيّة لكلّ الجهات السّاخطة على نظامه مهما كانت تعاستها وتعاسة مشاريعها .
تلك هي ضريبة السّياسة عندما توكل إلى هواة ،تكون خسارتها فادحة وكلفتها باهضة.



.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية


.. إطلاق رشقة صاروخية من جنوب لبنان تستهدف الجليل




.. ما آخر الغارات الإسرائيلية على منطقة المريجة؟


.. روسيا تعلن عن ضربات مدفعية ضد وحدات أوكرانية في كورسك




.. بعمر 20 يوماً فقط.. لبنانية تروي رحلة نزوحها برفقة طفلتها ال