الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب نبض الحقيقة

عبدالله رحيل

2022 / 10 / 19
الادب والفن


يقول أرسطو:" إن الحبّ الّذي ينتهي ليس حبّاً حقيقيّاً"، لذلك تتماهى الطبيعة في أطوارها المختلفة، بخلق عناصر جديدة من الأحداث، والأنفس، لتعطي للمخلوق أيا كان دوافع جديدة مُخلَّقة، وغير مُخلَّقة؛ ليستمر في علاقته معها، حيث يبوح لها عن قيم الحب المتداخلة في قيمها المثالية، فيظل يتمازج مع الموجودات العديدة، والمتنوعة الجديدة، ثم ينتقل وفق رؤاه الخلاقة المبدعة، من عالم محبٍّ، يهيم فيه إلى عالم آخر أكثر جمالية، وأكثر تآلف للحب مع الأشياء المحيطة به، فلا ينتهي حبه للطبيعة مطلقا.
ومن هذا التمازج الخلّاق المبدع في حبّ العناصر، ولذوات الطبيعة المختلفة؛ نرى المخلوقات تتآلف في جماعات مماثلة، تتوافق في سيرورة حياتها المثالية للحبّ، فتستقر في أمكنة تتشابك فيها العلاقات والدوافع والغرائز؛ فتنشأ مجتمعات متوارثة لهذا الحبّ النبيل، الذي يدوم دهورا مختلفة وطويلة، لذا نجد تمايز المجتمعات، واختلاف طرقها في إنشاء الحبّ العفيف، والعاطفي الجارف، والعشق والأهواء، فتتحول الرؤية في نظريات متعددة، إلى قوانين يسير إليها المفتنون في حبّ الأزمنة، والأمكنة، والأشخاص، وربما الكائنات الأخرى في الطبيعة، وبهذا المعنى يظهر الحبّ للمكان أقوى من أي حبّ آخر، فهو انعكاس صورة الحبّ للأشياء والموجودات، التي تتعلّق بذلك المكان، ولعلّ أكثرها تأثيرا في حبّ المكان هو حبّ الأوطان، وكل ما يتعلّق بها، وهذا الحبّ المطلق يتبدى في الدفاع الشديد، وربما القاتل، وفقد الحياة؛ لقاء ذلك الدفاع، فالأسد حين الاقتراب من عرينه، يفترس المهاجم، والنبتة حين تقطفها، يزول لونها مسرعا، وتذبل، ثم تجفّ وتّرمى، والناس حين يهاجرون تدمى قلوبهم بالنظر إلى جهة الأمكنة، والأوطان، ويظلون يذكرونها، لا يفتؤون، وإن صادفوا أرضا خيرا منها، إنها فلسفة الحبّ، التي لا تنتهي؛ لأنّها حبٌّ حقيقيٌّ.
النهار يعود حثيثا، يطرد الليل بنوره، فيرتسم الحبُّ في وجه الأشياء كلها، فتتورّد ثغور الزهور بألوان مختلفة، ويهبّ النسيم العليل على الوديان والهضاب، وتشدو الطير نشوانة ملوحة بحب دائم جديد، وفي البعيد من الفضاء الرحبّ تتموضع أشكال مختلفة من الغيم، تركض حثيثة نحو مواطن الجمال، فتبدع الطبيعة في رسم لوحات الحبّ السامي فيلتقطها الإنسان الشاعر، والفلسفي، معانيَ من الودّ المختلفة، يظهرها ببينه الساحر الخلّاق قصائد شعر منمقة للعاشقين فيترسلون بها، ويقرؤون، ويتبادلون، ثم تنتشر معاني الحب في الأزل، وتتمازج وتتشارك في تزاحم الكلمات، والصور في وجه العاشقين، ثم تخلد للديمومة والسرمدية المبهجة، هكذا حال أعين ورؤى البشر، ألا نرى الحب الطوعي الممارس للحيوانات الموجودة، فتأنس الطير للإنسان، وتخدمه، وتحميه في بعض الأحيان الحيوانات المفترسة، وتقدر سعيه في تقديم الطعام لها، لأن الحبَّ الحقيقيَّ، الذي لا ينتهي سار بين أعينها، وفي تموّجات قلوبها.
وبتكوّن عناصر الحب المختلفة، تنشأ علاقة مختلفة بين الأنا والغير، حسب أفلاطون، هي علاقة قائمة على التشابه والاختلاف، فبينهما تنشأ علاقة الصداقة؛ لأنها علاقة وسطية بين الخير المطلق، والكمال، وبين الشرّ الذي هو نقيض الخير، وبذلك الشعور النفسي لحاجة الحبّ، يظل المرء بفطريته ساعيا إلى علاقة مشابهة للغير، في منظور تكامليّ، وليس مشابهاً تماما في العلاقتين غير المتضادتين، وهي حسب أفلاطون:" أن أساس الصداقة في الحياة هو التكامل".
ولأن الأنثى هي عنصر الحبّ الأكثر جمالية عند المخلوقات كلها، وهي المحور، التي يتبدى الحب من خلاله عنصرا وقيمة راسخة في أعين البشر، وقلوبهم، نشأت علاقات حضارية وحياتيه، أدت إلى تكاثر المخلوقات ورسم صورة الجمال في الطبيعة، حينما يخلد العاشق إلى محبوبته، التي زرعت حياته تفاؤلا وحبّا وعشقا في استمرارية الوجود، الذي أظهرته تلك الأنثى الفاتنة بالجمال والسعادة، والخلق والإبداع الإنساني النبيل؛ فتجلت حالة من القداسة في رسم حب الأنثى العاشقة في رأي وفكر الشعراء والفلاسفة، وربما الأناس العاديون الساعون إلى سعادة الحبّ، فهنا اتّسمت قيمة المرأة المثالية للحب في أسمى معالمها الوجودية، وهي مرحلة القداسة الطهرية عند الشاعر كثير عزّة، الذي جعل مس تراب محبوبته بعد مفارقتها المكان، طهرا وخلاصا من الذنوب، ومكانا للعبادة والصلاة المأجورة:
خليلَيَّ هَذا رَبْعُ عَزَّةَ فَاعْقِلَا
قلوصيكما ثُمَّ ابْكِيَا حَيثُ حَلَّتِ
وَمُسّا تُرابًا كَانَ قَد مَسَّ جِلدَها
وَبيتا وَظِلاَ حَيثُ باتَت وَظَلَّتِ
وَلا تَيأَسا أَن يَمحُوَ اللهُ عَنكُما
ذُنوبًا إِذا صَلَّيتُما حَيثُ صَلَّتِ
ونجده في شم النسيم من جهة الديار المفارقة، منذ حين، وقد حملت آثارا نفسية من جهة المكان، الذي يظل حاضرا في عقل الغريب المفارق، الذي يلهج به في كل حدث، وفي كل ذكرى له تعترض عينيه، من ذلك ماعناه ابن الدمينة من بعد نفسي خلاّق، في تعلق للأمكنة التي تنقى جسده فيها:

أَلاَ يَا صَبَا نَجْدٍ مَتى هِجْتِ مِنْ نَجْدٍ
لَقَدْ زَادَني مَسـراكِ وَجْداً عَلى وَجْدِ
أَأَنْ هَتَفَتْ وَرْقَاءُ في رَوْنَقِ الضُّحى
عَلى فَنَنٍ غَضِّ النَّبَاتِ مِنَ الرَّنْدِ
بَكيْتَ كَمَا يَبْكي الوَليدُ وَلَمْ تَكُنْ
جَليداً وَأَبْدَيْتَ الَّذِي لَم تَكُن تُبْدِي
وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ المُحِبَّ إِذَا دَنَا
يَمَلُّ وَأَنَّ النَّأْيَ يَشْفِي مِنَ الوَجْدِ
يتخفّى خلف أسطورة الحب عاشق مغترب، يظلّ بهواجسه المتدفّقة، يرمق المدى بعيني متمننٍّ حَرِقٍ، بأمنيات يائسة غير اعتيادية ليبلغ مكان حبّه الآسر، وقد تغلب عليه لفظه البرّاق المنتشي في ذكر خبايا أمكنة حبه في وطنه، الذي لا يبرح الأزمنة والأمكنة، محمود درويش:
"أمّا أنا، فسأدخل في شجر التوت، حيث تحوّلني دودة القزّ خيط حرير، فأدخل في إبرة امرأة من نساء الأساطير، ثمّ أطير كشال مع الريح".
لكن هذا الشعور المتواري عن الأنظار، لا يفهم كينونته، ولا سمات شخصه، ولا كيفية التخلص منه، فهو لازم للمخلوق وممتزج بروحه، لا يغادره حين يتملكه، فهو أعمى وأصم عن غيره من الموجودات، ومن ذلك ما روى الأصمعي في بعض كتبه: أنه وجَدَ جاريةً مُعلَّقةً بأستار الكعبة، تُنشِد شعرَ غزل، وتستغفر؛ فسألها: ما الحبّ؟ فقالت: «هيهات! جلَّ، والله عن أن يُحصى، وخفيَ عن أن يُرى، فهو كامنٌ كُمونَ النار في حَجَرها، إن قدَحتَه ورى، وإن تركته توارى".
فترتمي المخلوقات في مقتنيات الحب الكبرى، فهو لا يقبل الشراكة، ويتطلب الوحدانية والتملك، ويسير رويدا إلى أودية التصوف في نظرة الإله للحبّ، فهو بداية البداية، ونهاية النهاية، فهو حنين، وشوق مستمران ومتجددان، لأنهما سر التجدد والاعتصام حول المحب، وبهذا الاستئثار العاطفي بالحب، يتبدى خلق الوجود؛ لأن الحب المستمر هو سبب الوجود، والموجودات كلها سبب لوجود الحب والمحبوب، ألا ترى العلاقة بين الموجودات قائمة عليه، فلولاه لانتفى الوجود، وللحب صور عديدة، منها الحبّ، وهو أول المحبّة، ثم الودّ، وهو أن يتودد المحب لمحبوبه غاية الود، والتحايل بالمحبة، حتى يرضيه، ومنها العشق، وهو المحبة المفرطة بلا غيرها من الأشياء، ومنه الهوى وهو استفراغ المحبة كلها، وتفرد الشخص فيمن أحب، وحصر الإرادة والتعلق بالمحبوب، كما ورد عند المكزون السنجاري.
أُحِبُّكَ حُبّاً جاوَزَ الحُبَّ بَعضُهُ
وَفي طولِ عُمري لَيسَ يُمكِنُ عَرضَهُ
وَنافِلَةً لي مِنكَ أَمسى تَهَجُّدي
بِذِكرِكَ يا مَن سُنَّةُ الحُبِّ فَرضُهُ
وَخالِدُ وَجدي في هَواكَ يَزيدُهُ
مِنَ الجاهِلُ اللاحي عَلى العِشقِ بُغضُهُ
وَحُقَّ لِمِثلي أَن يَهيمَ بِمِثلِ مَن
سَما كُلِّ حُسنٍ في البَرِيَّةِ أَرضُهُ
فما أجمل وأزكى! أن يعيش المرء متمسكا فيمن أحبّ، وأن يقدسه وأن يبقى على هواه قائما فلا يتعداه إلى هوى آخر، فإن كان محبوبا؛ فليخلص له غاية الإخلاص، وإن كان حبا إلهيا فليعبده تمام العبادة وإن كان حب الأهل والولد والذرية فليعمل على نشر محبته إليهم؛ لينشروها للورى صادقة وإن كان حبا للعمل؛ فيجهد نفسه في اتقانه، حتى يستقيم الوجود، وتستقيم النفس المكلفة بالمحبة، فالغيوم مصدر الأمطار تنشر محبتها ماءً للأرض، التي تتزين وتتجمل باخضرار المحبة الباسقة، فيجمل الإنسان وتهيم الطبيعة بجماله، فتحلو الألسنة، وتطيب الكلمات للارتقاء إلى عنان الحضارة في سر تكاملها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم