الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوحدة الوطنية دروس وتجارب

مهند طلال الاخرس

2022 / 10 / 20
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


يخلق المشروع الاستعماري تناقضا مع الوطنيين ككل ، وهو تناقض تستطيع حركات التحرر الوطني عادة أن تستند إليه في نضالها التاريخي ضد الاستعمار، وتنجح في ذلك عموما، ولكن النجاح لا يصيبها دائما ، سواء بفعل التركيبة المعقدة اجتماعيا لمجتمع الوطنيين (من انقسامات طبقية وقبلية واثنية ودينية وفصائلية وحزبية....) او بسبب السلوك الواعي من جانب سلطات الاحتلال، الذي يعمد الى شق الصفوف بفصل بعض التكوينات الاجتماعية عن المسار التحرري العام، وذلك عن طريق ايجاد فئات وطبقات وافراد لها مصالح محددة في استمرار المشروع الاستعماري.

وهذا كله يضاف الى دور الحرب النفسية التي يمارسها الاحتلال واعوانه وادواته المختلفة بهدف بث اليأس والاحباط في إمكانية إنتصار حركات التحرر الوطني(مثل مشروع روابط القرى الاسرائيلي ومشروع المخاتير والوجهاء والاقطاعيين في مؤتمر توحيد الضفتين ومشاريع التنمية الاقتصادية الخادعة).

وهذا ايضا يضاف له استغلال المحتل والمستعمر للاخطاء التي تقع فيها هذه الحركات والتنظيمات في مسيرة نضالها وتحررها داخل المجتمع.

ان خبرة حركات التحرر الوطني تشير الى ان هذه الظاهرة الانقسامية تمتد عموما الى داخل حركات التحرر ذاتها بالمعنى التنظيمي، ولا يقتصر الامر عند مجرد تنافس اكثر من تنظيم في النضال ضد الاحتلال ويساهم، حيث يُسهم الاحتلال عبر تاريخة ومسيرته بتشجيع وتغذية صور ورؤى وطروحات فكرية وسياسية واجتماعية متمايزة ومتنافسة ومتصارعة، بهدف التضارب والتنافر وصولا للانقسام والاقتتال ان امكن، وبذلك يضمن المشروع الاستعماري استمراريته وتفوقه وبقائه وصولا لمرحلة الهزيمة الساحقة الماحقة.

ان التطلع الى مجتمع ما بعد الاستقلال والتحرر والتعاطي مع الحلول الخاصة بذلك من خلال البرامج والمبادرات والمشاريع السياسية المطروحة، امر غير سلبي على اية حال اذا توقف عند هذا الحد، ولكنه بغياب الوحدة الوطنية او الاجماع الوطني بحده الادنى، يمتد الى الاقتتال المسلح بين تنظيمات وفصائل وافراد حركات التحرر الوطني، وهذا كله لا يتم إلا بدعم مباشر او غير مباشر من الاحتلال، او في الحد الادنى يكون الاحتلال مساهما بدعم ومباركة هذا الانقسام وتغذيته.

ومن نافلة القول هنا ان نخلص الى نتيجة رئيسية مفادها البحث عن المستفيد والمتضرر لتتأكد الصورة الواضحة اصلا.

ان هذا الاحتلال -كالاحتلال الاسرائيلي مثلا- والذي يفترض فيه ان يكون مشتركا بشكل او بأخر باحداث هذا الانقسام، يحتم علينا النظر دائما اليه كمستفيد اول من هذا الانقسام وتداعياته، وفي نفس الوقت ولكي نحسن جيدا قراءة المشهد برمته، يجب أن لا يغيب عن اذهاننا ايضا طرح السؤال الاهم، ألا وهو: من المتضرر الرئيسي في موضوع الانقسام؟.

ان هذا الاحتلال الاسرائيلي لهو صاحب المصلحة الاولى في الانقسام، والذي تقف قواته وسائر ادواته واعوانه عادة لتراقب صدام أبناء القضية الواحدة وتغذيه بشتى الوسائل، كي يسهل لها بعد ذلك الانفراد بالمنتصر منهم بعد ان تكون قواه قد وهنت وضعفت ولو الى حد ما عداك ان اثر الشرخ الذي احدثه ذلك الانقسام. وهذا لا يمنع طبعا من ان يكون هناك دورا في الانقسام واطالة امد الاحتلال لاصحاب الاجندات الخاصة والضيقة والوضيعة من بين ابناء شعبنا ك الاغبياء والجهلاء والعملاء وانصاف العملاء واشباههم واصحاب النواية الطيبة ايضا؛ فجل هؤلاء يمثلون الطريق المعبدة جيدا نحو جهنم.

وعلاوة على ذلك كله تلعب ظاهرة انقسام حركات التحرر الوطني دورا خطيرا في بعض الاحيان عندما تبدأ مرحلة الاتصال بالاحتلال والتفاوض معه، فقد يكون هذا الانقسام سببا في خسارة غير مبررة على الاطلاق لبعض الاوراق من ايدي المناضلين ، سواء بسبب تهافت الفصائل والتنظيمات او الاشخاص والممثلين الاقل صلابة على الاتصال بالاحتلال، أو مسارعة الفصائل الاكثر صلابة تقديم تنازلات غير مبررة خوفا من تقويض ارضيتها والمكانة وصفة التمثيل والشرعية التي تتمتع بها.

ومع ذلك فإن الانتصار النهائي لحركات التحرر يجد تفسيره في المنطق العام لحركة التاريخ، ذلك ان المسار العام لحركة الجماهير يكون هو الضمان الاكيد لانتصار القوى الاكثر تعبيرا عن جوهر فكرة التحرر والانعتاق من حكم المحتل والمستعمر.

وفي بعض الاحيان تمتد الاثار السلبية للانقسام الى ما بعد الاستقلال ، فيستمر الصدام مابين رفاق النضال القدامى الذي قد يتحول الى الخيانة الشاملة ، وبحيث تستنزف في هذا الصدام المستمر الموارد الشحيحة التي خلفها الاحتلال للدولة الوليدة.

ليست خبرات حركات التحرر الوطني على الرغم من مسارها التاريخي الصاعد ناصعة اذن من منظور الوحدة الوطنية ، والواقع ان المتفحص والمطالع لتجارب حركات التحرر في الوحدة الوطنية يمكن ان يصاب باليأس والاحباط من ذلك الكم والوزن الهائل للفرص التي ضاعت من هذه الحركات بسبب تلك الظاهرة الانقسامية ، ومما يبدو من ان الاساليب التي تم اللجوء اليها أحيانا للحفاظ على الوحدة الوطنية تبدو مسؤولة ولو جزئيا عن طبيعة نظم الحكم في مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي.

بعد هذه الطرح ينبثق السؤال المشروع من هذا المقال وهذه المقدمة:كيف لم تنتقل الخبرات الخاصة بدروس الانقسام وامكانية تفاديه داخل حركات التحرر الوطني إلينا فلسطينيا؟

وبعبارة اخرى لماذا لم تحدث عملية التعلُم الواجبة من الاخطاء التي تم الوقوع بها في هذا الشأن رغم أننا أمة إقرأ، ورغم اننا وريث راية حركة التحرر العالمي، واصحاب انبل ثورة واعدل قضية عرفها التاريخ الحديث!؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن