الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة الفضاء العمومي العربي وإجابات التلقي النقدي حول مفهوم مصطلح مسرح الشارع

حسام الدين مسعد
كاتب وقاص ومخرج وممثل مسرحي ويري نفسه أحد صوفية المسرح

(Hossam Mossaad)

2022 / 10 / 20
الادب والفن


إن الإشكالية التي ننطلق منها هي المقاربات المدي لمفهوم مصطلح "مسرح الشارع" عربيا وتتسم بالتمايز الشديد والإختلاف الواضح حول طبيعة المفهوم والوظيفة،ومن هنا تتماهي التسأولات حول ندرة المراجع والمصادر البحثية العربية في مسرح الشارع .
ولعل في الوقوف علي إشكالية التعريف بالمصطلح عربياً ما يتجلي أثره علي الوجود الذهني ،والوجود اللفظي،والوجود الكتابي الذي سيفضي حتما للوجود العياني لمسرح الشارع.
فإن كانت أغلب التعريفات المعجمية وما اتفق عليه الباحثين من أن مسرح الشارع هو( اي عرض خارج العمارة المسرحية )(1)وهذا التعريف العام انتج السؤال الجدلي ،مسرح شارع ام مسرح في الشارع ؟
-لذلك سنسعي الي عقد مقاربات بين الأشكال الفرجوية التي تقدم في الشارع من جهة، وعروض مسرح الشارع التي تقدم في المهرجانات المتخصصة من جهة أخري،بغية طرح تسأولات الفضاء العمومي وإجابات التلقي النقدي العربي عليها حتي يتثني لنا الكشف عن اسباب ندرة وشح المراجع ،والدراسات النقدية العربية في مسرح الشارع. وإختلاف الفهم، والتأويل،والخلفيات،
والمرجعيات حسب ثقافة الناقد ومنهجه وأثر ذلك علي الوجود الذهني،و الوجود اللفظي،والوجود الكتابي الذي سيفضي حتما للوجود العياني، والنسق المفاهيمي لمسرح الشارع .

-إن أولي التسأولات التي تثور علي بساط البحث ما هو مفهوم الفضاء العمومي؟
إن فكرة الألماني "يورجن هابرماس"(2) في تصوره لفضاء عام يشكل مجالا للنقاش والمحاججة في حوار عقلاني ونقاش حجاجي حر،إنطلاقاً من " مقولة الدولة الدستورية، أي انسجام أفراد المجتمع السياسي مع المبادئ القانونية ذات الأهداف الكونية"ويتعلق الأمر
( بمبادئ العدالة والديمقراطية والمساواة في المواطنة وحقوق الإنسان والتي هي مبادئ لدولة القانون).
ونلاحظ من ذلك المفهوم أن السلطتين السائدتين في الفضاء العام "هما: السلطة الحاكمة الرسمية، وأخرى تترأسها سلطة غير رسمية، ولا تتمثّل في المؤسسات الرسمية، وهي كل أنواع الحركات الاجتماعيةوالسياسية
والاقتصادية.
فالسلطة الأولى الرسمية تتدّخل في الفضاء العام بشكل رسمي وشرعي لتنظيم شؤون
الدولة والمواطنين.
أّما السلطة الثانية غير الرسمية، فتصبو لتحقيق المزيد من المكتسبات والمطالب للمواطنين،
الذين يشكلون وقودها الحقيقي، فهم الفاعلون فيها. كما أن حقيقة مطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي أصل مشروعية السلطة غير الرسمية بالنسبة لهم،
وقوة هذه السلطة بمثابة قوة ضغط حيوية للمجتمع لخلق رأي عام ينسجم ومصالحها بكافة الموارد والإمكانات والوسائل، وذلك في
مواجهة السلطة التي تطمح دائماً
عن طريق السيطرة على الوظيفة النقدية، والتي هي في الأساس منوطة بالفضاء العام؛ أي أن الدولة تقوم من خلال التحكم عملياً بالدور النقدي للفضاء العام بالفعل السياسي، بحيث تقوم بتأطير الممارسة السياسية،وتوظيف الأحزاب والنقابات والجمعيات ودور النشر ووسائل الإعلام لتوجيه الرأي العام لصالحها،وبإعتبار المسرح عامة يشكل مجالا للنقاش والمحاججة وله سلطة غير رسمية بمثابة قوة ضغط حيوية للمجتمع لخلق رأي عام فإن أصداء المسرح تطرح سؤال هام .
.
- لماذا خرج المسرح إلي الشارع ؟
والإجابة علي هذا السؤال بسيطة جدا ،وهي بحثاً عن الجمهور ليكتمل ثالوث عناصر العرض المسرحي ،فالمسرح ليس إلا حدث يعتمد علي الحضور الفعلي للجمهور ويصنع علاقة بين العرض ،و الجمهور.تشكل المجال النقاشي والحجاجي العقلاني ،و قد تكون هذه العلاقة في شكل إستجابة عاطفية ، تشكل المعني بين مرجعية المشاهد الخاصة، ومرجعية العمل ،وبين العمل الوهمي المعروض عليه ،وهو ما نطلق عليه دور المتلقي في العرض المسرحي والذي يعني "المعني الذي ينتجه المتلقي للعرض المسرحي من خلال أفق توقعه الخاص وقراءاته السابقة للنصوص ،او مشاهداته السابقة للعروض المسرحية ،وكذا رصيده الثقافي والمعرفي ".
ووفقا لإشارة الأمريكي "بين ماسون "(3) والتي يقول فيها "أصبحت الحدود بين الترفيه ،الفن ، بين الجمهور ،الفنان ،بين الأداء نفسه ،والحدث الإجتماعي الأكبر ،اقل تحديداً .وظهرت محاولات للعمل علي خلق طرق ومناهج وعلاقات جديدة "
ونلاحظ من هذه الٱشارة أن المفهوم الغربي لمصطلح مسرح الشارع ثابت رغم تغير صياغته من تعريف إلي آخر ومن وجود ذهني أو لفظي أو كتابي فالمفهوم الغربي لمصطلح مسرح الشارع وفقاً لقاموس كامبريدج Cambridge Dictionaryفإن مسرح الشارع هو:(الترفيه الغير ربحي الذي يقدم خارجياً في الأماكن العامة خاصة قرب المحلات ،المطاعم،الحانات )،ونلحظ من هذا التعريف أنه قدشمل العروض الآدائية غير الدرامية ،والعروض التمثيلية الترفيهية ،المسرحية.
كما نلحظ أن هذه العروض تقدم مجاناً في الأماكن العامة والمفتوحة .وهذا التعريف يخالف الوجود العياني لعروض مسرح الشارع في وطننا العربي والتي هي عروض درامية مسرحية تقدم خارج العمارة المسرحية وفقا لمعجم المصطلحات المسرحية (ماري الياس،وحنان قصاب) بقصد الترفيه غير الربحي أو مناقشة قضايا المتلقي اليومية خالقة علاقات جديده بينه ،وبين رسالتها الإتصالية .
بمعني ادق اي اننا بصدد شكل فرجوي مسرحي يقدم في الفضاء المادي الطارئ ويستهدف جمهور هذا الفضاء خالقا علاقة جديدة معه .


لكن هل يختلف الجمهور المستهدف للأشكال الفرجوية التي تقدم في الشارع عن الجمهور الذي يستهدفه مسرح الشارع؟
ينبغي علينا أولا أن نقسم الأشكال الفرجوية التي تقدم في الشارع الي ثلاثة أقسام وحسب الوجود العياني لها :-
١عروض مسرحية جاهزة :-وهو العرض المسرحي الذي كان يعرض في فضاء تقليدي ثم تم نقله بذات الكيفية ليقدم في الشارع أو الفضاءات المفتوحة محاكيا الفضاء التقليدي والعلبة الإيطالية في منظوره الأحادي عبر فتحة البروسينيوم ووضعية المتلقي في المشاهدة .
٢ عروض تخرج بنصوص جاهزة لكنها تطوعها طبقاً لما توحي به مفردات المكان الجديد..." وهي درجة متقدمة من المسرحة يبذل فيها المخرج جهداً في التقريب بين النص والمكان الذي يقدم فيه نوع من المآلفة بينهما وحتى لا يبدو النص والمكان كلاهما غريب عن الآخر…
٣ عروض تخرج بنصوص مكتوبة خصيصاً للمكان وتستوحي موضوعاتها من المكان ذاته.
-وبالتالي فإن كل قسم من الأقسام الثلاثة السالفة يستهدف جمهور من المتلقيين يختلف ويصنف حسب الخصوصية التي فرضتها طبيعة المكان علي شكل العرض والعملية الإتصالية مع المتلقي المتواجد في فضاء الشارع

-يثار السؤال ماهو المكان الممسرح في عروض مسرح الشارع؟
هو «ذلك الحيز أو الفضاء المادي الطارئ المشغول من خلال وجود المؤديين وعلاقاتهم بالجمهور او المتلقيين»
وحيث إن طبيعة المكان الغير ثابتة في مسرح الشارع تخلق تلقائيا جوا من التحفيز ينطلق من حيوية الشارع ومسرحه الذي يتبني شعار إستخدام كل المساحة المتاحة جغرافيا ودون تقسيم بين منطقة الأداء ومنطقة التلقي التي تذوب في عروض مسرح الشارع
فإن وضع المتلقي في عروض مسرح الشارع ذلك المكان المحايد خلق تحديا أمام صناع مسرح الشارع ينبغي بحثه جيدا قبل الشروع في تنفيذ عروض مسرح الشارع، وكيف تمنحه إحساس مغاير لوضعه، وهو يشاهد عرض مسرحي في قاعة مسرحيه.مما يعني الزج بهذا المتلقي داخل رقعة الحركة والتمثيل من أجل إخضاعه لتجربة مغايره بها نوع من الصعوبة، والمتعة وإحساس التشاركية التي يجد المتلقي نفسه جزء من نسيج العرض.
إن هذه التشاركية هي امتزاج كل عناصر المسرح في منطقة فضائية واحدة هي فضاء الشارع الذي يدخل في حالة صيرورة الإندماج الذاتي مع عناصره مكونا سينوغرافيا طبيعية قائمة بذاتها. ولذا فالخيال الذي يخلقه، او يصنعه الممثل في مسرح الشارع يتحول تلقائيا الي مدرك حسي بطبيعة المكان وحدوده الجغرافية والزمانية
-إن إدراك المتلقي لخصوصية المكان(٤) عامة يحدث التحول في ذهنيته من مجرد تصور اللعبة التشخيصية التي تحدث امامه الي وعي بأن ما يشاهده حقيقة، ومن هنا يصبح المكان الممسرح في الشارع، والذي ليس وظيفته الأصلية العرض المسرحي مكان يعتمد التجسيد الخيالي من خلال التوظيف الأشاري لهذا المكان الفارغ العشوائي
-إن التعارض بين العرض والمكان عادة ما يؤدي الي تحييد تأثير العرض ذلك ان قابلية تحول المكان الي مكان ممسرح تتسق مع الرسالة، والموضوع الذي يكرسه المكان في اسلوبه،
فإذا تم طرح مشكلة وضع المقاعد علي الأرصفة خارج المقهي، وكيف تؤثر علي حركة المارة علي الرصيف، وتعرضهم للخطر اثناء سيرهم في الشارع، فإن الرسالة التي يطرحها هذا المكان العارض بوضعه المقاعد علي الأرصفة، هي رسالة دعائية لجذب المارة ليكونوا من رواد المقهي، لكن الرسالة الأصلية، هي رسالة الشارع الذي يصبح الرصيف فيه ملاذ لكل المارة، فإذا كان العرض المقدم في المقهي متفق مع موضوعه، ومتسقا في اسلوبه مع النظام الذي يكرسه المكان (رصيف الشارع) ازدادت قوة تأثير العرض.
-إن الممثلين في مسرح الشارع عليهم ان يجذبوا المشاهدين، وإن يكونوا حيز العرض، ولذا فإن المكان في الشارع اصبح بعد مسرحته مكان مادي مشغول بالمؤدين، والمتلقيين واكتسب صفة الفضاء المسرحي الذي يشترط لتحقق هذه المسرحة، هو حركة الممثل فيه، ووجود الجمهور داخل حيزه معتمدا علي نمط عشوائيته، او شكل تكوينه الطبيعي، او المعماري ولذا فإن فضاء الشارع الممسرح هو فضاء محدد، وسينوجرافيته سوف تشمل منطقتين، هما منطقة الأداء، ومنطقة التلقي اللتين تذوبيين في لحظة تتمحور حول أبعاد قيمية، وإنسانية،
فالمكان في مسرح الشارع لايعطي المتلقي احساس انه يشاهد عرض، او لعبا متأثر بالفضاء التخيلي، او الوهمي، ويرجع ذلك لأن عروض الشارع لا يستخدم فيها الإضاءة المسرحية، وعادة ما تعرض نهارا، فتنتفي الفضاءات الوهمية، والنفسية والتخيلية حتي لو تم استخدام الإضاءة المسرحية، فإن الفضاء في مسرح الشارع اصبح وحدة واحدة مندمجة لعدم الفصل بين المتلقي، وممثل، أو مؤدي مسرح الشارع.
-إن العشوائية الجغرافية تبقي علي حالها في شكل ومحتوي المكان المختار للعرض، وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طرديا وتلك العشوائية،فطاقةالممثل/المؤدي/الباث في عروض مسرح الشارع كمكان ممسرح بعشوائيته الجغرافية قد تعطيه الأنفلات في الإرتجال، وقد يدفع الممثل الي التمرد والمشاكسة علي الإرتجال، والذي يعني فن الخلق في لحظة التنفيذ وهذا الإنفلات الإرتجالي نابع من هواجس صناع مسرح الشارع القائمة علي إمكانية توليد علامات متدفقه، فالمكان في مسرح الشارع غايته توليد إشارات مسرحية بلا حدود لتدل علي معاني متناهية ناتجة عن التشكيل في المكان، او الفضاء، او حيز الشارع .
-هذا التشكيل في مساحة المكان لا يهتم بالمساحة من الناحية النظرية، بل يهتم لكونها اصبحت أداة تميز لنشوء علاقة بين الممثل والمتلقي لا تتحقق، إلا بالتركيز الذي لن يتأتي، إلا إذا توحدت الرؤية في ظل ظروف موضوعية بين المساحة والأداء.
-لذا فإن طبيعة الأداء في الشارع تكون ذات خلق، وارتباط المبدع بالمكان ذاته،
فالمكان في مسرح الشارع يشكل العرض ويشكل طبيعة الأداء، وبالتالي فإن المكان في مسرح الشارع يعتمد قيمة ما يقدم من شكل، ومضمون للعرض وقيمة اداء الممثل التي تساعد المتلقي في بلوغ الغايات الدلالية لعرض مسرح الشارع.
-ولأن المكان في الشارع يكتسب جماليته من كونه فضاء صاخب، ومنفلت تتحرك فيه الدلالات بسهولة، ويسر، ولأن هذا المكان هو في الأصل فضاء للمتلقي الذي يعتبر من أهم عناصر العملية الإتصالية، ولا يتصور أن يتحقق الإتصال دون دون معرفة المتلقي اوالمستقبل للرسالة الإتصالية، فأننا بحاجة إلي معرفة من هو المتلق في عروض مسرح الشارع؟
-المتلقي هو:- المستقبل أو الفرد المحتمل المصادف عشوائيا، ودون معرفته المسبقة بموعد العرض، وهو الذي توجه له الرسالة الإتصالية، ويستقبلها من خلال واحد، أو أكثر من حواسه المختلفة (السمع،البصر ،الإدراك)، ثم يقوم بتفسير الرموز ويحاول فهم معانيها .
-ينقسم جمهور المتلقيين من خلال الوجود العياني لعروض مسرح الشارع الي:-
أ-جمهور متلقيين عام وهو :-الذي نعنيه بمفهوم الحشد الذي يعرض نفسه تلقائيا، وفرديا بطريقة شخصية للعرض المسرحي ،وردة الفعل عند هذا الجمهور تكون مستقلة لإستقلال تعرضه، وإستجابته ولعدم وجود اهتمامات مشتركة بين اعضائه ،ويكون هذا الجمهور من المتلقين غير متحد ِ اللغة، أو اللهجة .
ب-جمهور المتلقين الخاص :-وهو النمط الذي يجمع بين افراده بعض من الإهتمامات، أو الإتجاهات المشتركة.
-ويذهب بعض الباحثين إلي تقسيم الجمهور إلي فئات مختلفة منها :
١الجمهور صاحب الإتجاه العلمي (وهم الذين يميلون الي الحكم في إطار القوانين ،والنظريات ،والعلاقات العلمية)
٢ الجمهور صاحب الإتجاه المادي العلمي :(وهم الذين يصدرون احكامهم في إطار المنفعة المباشرة وكذلك بمفهوم الجزاء المباشر للسلوك الإتصالي مع العرض )
٣ الجمهور صاحب الإتجاه المعنوي :(وهم اللذين تتأثر أحكامهم بالتوافق والإنسجام والإشباع الوجداني )
٤ الجمهور صاحب الإتجاه الإجتماعي :-وهم من ترتبط أحكامهم بإطار الأحكام التي تتوارثها الجماعة لنمط سائد من التقاليد والأعراف التي تحكم علاقة الفرد بغيره )
-وهناك تقسيمات أخري للجمهور تبعاً النطاق الجغرافي ( محلي،إقليمي، عالمي )
-كما هناك تقسيم تبعا للشرائح العمرية (اطفال ،شباب ،رجال ،نساء ،شيوخ )
-من خلال معرفتنا بتقسيمات الجمهور يتثني لنا دراسة السمات العامة لأنماط الجمهور و تصنيفاته ومن ثم نستطيع وضع محددات الرسالة الإتصالية مع هذا الجمهور وتقديم تصور عن كيفية إستمالتهم لها .

-لكن يثار السؤال حول ماهي طبيعة الرسالة الإتصالية وبُنيتها في عروض مسرح الشارع؟
-إن الإجابة علي هذا السؤال تعرضنا للبحث في إشكالية الكتابة النصية لمسرح الشارع
وهل مسرح الشارع يعتمد في رسالته الإتصالية علي النص المسرحي أم النص الدرامي ؟
إن عروض مسرح الشارع تعتمد علي الإرتجال وطرح التسأولات علي جمهور المتلقين مباشرة، أو ضمنا اي أنها تعتمد علي الحوار المباشر مع الجمهور المستهدف لمكان العرض، وبالتالي فإن الرسالة الإتصالية في عروض مسرح الشارع تتطلب السعي لإيجاد لغة مشتركة لتوصيلها، لا سيما أنه من خلال دراسة الجمهور الذي يستهدف مكان العرض قد يتضح لصناعه أنه من فئة الجمهور العام غير متحدِ اللغة أو اللهجة،وبالتالي فإن النص الذي نقصده في عروض مسرح الشارع هو النص الدرامي "السيناريو"وليس النص المسرحي الموجه للقارئ، والذي له إطار بنيوي محدد ،فنصوص مسرح الشارع هي نصوص ذات إطار مفتوح تعتمد علي الحوار الديالكاتيكي، أو عرض الحجج والبراهين للطرف الآخر ودون فرضها عليه .
-ومن ثم فإن دراسة المتلقي، وتحديد تصنيفاته من خلال الدراسات العلميةالديموجرافية،
والسيسيولوجية،والسيكلوجية .
سيتيح لصناع مسرح الشارع تحديد القضايا اليومية ودراستها ومن ثم طرحها من خلال العملية الإتصالية في عروض مسرح الشارع، لجني الإستجابة من المتلقي، وتأثير عملية الإتصال به، وتحقق النتائج المترتبة علي الإتصال أو هدف الإتصال المتوقع
كا(التأثير في معارف، ومعلومات المتلقي، أو في اتجاهاته، وسلوكه )
-إن التصور الأشمل لعمل الإتصال هو أن يكون المتلقي ملماً بشفرة المرسل لكي يصبح قادرا علي فك شفرة الرسالة .
-لذا فإن دور المتلقي في عروض مسرح الشارع يكمن في بلوغ الآثر الناتج عن التفاعل الإجتماعي الإيجابي مع العرض،لإرضاء رغبة لديه في المشاركة والتحول أثناء العرض من مشاهد الي متلق، ثم الي متلق ممثل، أو مؤدٍ يلقي بحججه، وبراهينه الي ممثل، أو مؤدي تحول الي متلقٍ.
-وهنا يعاود السؤال الجدلي مسرح شارع ام مسرح في الشارع فرض نفسه علي البحث بسؤال آخر،
ما الفرق بين عروض الإمبرو ،وعروض مسرح الشارع؟
إن عروض "الإمبرو" أو الألعاب الإرتجالية التي تقدم في الفضاء المادي الطارئ وتعتمد الي إشراك الجمهور في عروضها القائمة علي الإرتجال، و اللهو والترفيه الغير هادف للربح تختلف عن عروض مسرح الشارع في طبيعة الرسالة الإتصالية التي تناقش القضايا اليومية في عروض مسرح الشارع، وبالتالي فإن عروض الإمبرو هي العاب ارتجالية ترفيهية لا تناقش القضايا اليومية بل تطرح لعباً ولهواً في الفضاء المادي الطارئ.
-يظل الفضاء العمومي يلقي بتسأولاته حول بعض التجارب العربية في الفضاء المادي الطارئ كتجربة الشهيد الجزائري "عبدالقادر علوله" مسرح القوال أو السارد والحلقة
فهل عروض مسرح الحلقة تعد من قبيل عروض مسرح الشارع؟
إن تجربة "عبدالقادر علوله" هي توظيف التراث في العرض المسرحي من أجل كسر الهيمنة الغربية للمسرح، وبداياتها كانت محاولة لنقل عروض المسرح الملحمي الي الشارع، والتشاركية في عروض علولة تشاركية سماعية وهذا ماورد في حديث له بعد أحد عروضه المسرحية من [أن المتلقي كان يعطي ظهره للقوال أو السارد وينصت لما يقوله وبعد العرض اكتشف علوله أن هذا المتلقي يحفظ بعضا مما كان يليقيه القوال في العرض ]مما يشير إلي أن مشاركة المتلقي في عروض علولة كانت مشاركة سماعية لا مشاركة درامية تزج بالمتلقي داخل رقعة التمثيل .
لكن حادثة إستشهاد "علولة" والتي تتشابه مع حادثة مقتل الهندي "سافدار هاشمي" أحد أبرز صناع مسرح الشارع في الشرق الأوسط . كانت سبباً في الخلط بين مسرح الحلقة وعروض مسرح الشارع التي كانت تجاهد الإحتلال الإنجليزي في الهند علي يد سافدار هاشمي .
هذا فضلا عن أن تجربة علولة تندرج تحت عروض المسرح الملحمي الراديكالي وهذا ما دعا الي المقاربة بينها وبين عروض هاشمي في الهند .

-ويثار سؤال آخر .
فهل مسرح الشارع راديكالي ام ديالكتيكي؟
اننا لا نستطيع الجزم براديكالية عروض مسرح الشارع ،لأننا لا نستطيع حسم ثبوت مسألة التغيير الجذري الناتج عن رسائل العرض، ومدي تأثيرها علي المتلقي مباشرة أثناء تنفيذ العرض أو بعده ،لكننا يمكننا التثبت من ديالكتيكية عروض مسرح الشارع، وذلك في اللحظة التي يشتبك فيها المتلقي حوارياً مع المؤدي مستجيبا، أو متجادلا علنيا مع رسائل العرض بتقديم حججه، وبراهينه التي تضحدها،
فتنشأ الحالة الديالكتيكية التي تتشكل من جدلية (الآنا /ال هو ، الآنا /الآن العليا ).
-ولذا فإن المؤدي في عروض مسرح الشارع منوط بإدراك ووعي شديدين في التعامل مع مفردات المكان ،وطبيعة الأداء التمثيلي في الفضاء المادي الطارئ التي تفترض عليه قدرات فائقة تفوق نظرائه المؤدون في الفضاءات التقليدية كقدرة اومهارة، إدارة الحوار الإرتجالي مع المتلقي، وردة الفعل السريعة ومهارات التفاعل الإجتماعي الإيجابي.
وهنا يثار سؤال هام
هل مسرح الشارع آذان بموت المؤلف و المخرج ؟
-إن كان مسرح الشارع يشتغل علي الإرتجال فإن هذا الإرتجال يبتني علي الدراسات الديموجرافية والسيسيولوجية والسيكولوجية التي تدرس علاقة المكان الممسرح بالمتلقي المستهدف له، ومن ثم نستطيع تحديد تقنيات الأداء التمثيلي التي تساعد المؤدي الباث في تبليغ رسالة العرض، ومن ثم تحقيق هدف الإتصال المتوقع من هذه العملية الإتصالية، والتي يكونا للمؤلف والمخرج دور رئيس، وهام من خلال التدريبات، ووضع محددات الرسالة النصية التي تعتمد علي النص الدرامي الذي يدون الإرتجال أولا بأول .
وهنا يثور السؤال ماهي تقنيات الأداء التمثيلي في عروض مسرح الشارع التي تساعد علي خلق التباين الأدائي؟
الإجابة علي هذا السؤال تتلخص في تسعة تقنيات(٥) هي (الجسد- الصوت- الإيقاع- والانتباه والإصغاء -التكيف-الذاكره الإنفعاليه -التركيز- الإرتجال- إلإنتقال من حالة تشخيصيه إلي حالة تشخيصيه اخري ).
-إن مهمة الممثل عموما هي مهمة مزدوجة ، فعليه أن يكون هو نفسه ويكون ذاته في نفس الوقت وعليه أن يبدو شخصاً آخر, أي يتظاهر وأن يخفي ذاته تحت الشخصية المؤدية ، وعليه أن يوازن وأن يفكر بالتوازن عبر تقنيات الأداء, وهذا التقنيات قابلة للتغيير لكي تصنع استمرارية من أرسال العلامات الى المتلقي والتي هدفها أثارة الجمهور فكرياً، أنه مجموعة من الوضعيات الفعلية الجسمانية والصوتية كلها تدخل في عملية التمثيل, وعلى الممثل أن يسقط قناعة بين الفينة والأخرى ويكشف عن وجهه الحقيقي, ولكنه لا يستطيع أن يبقي القناع بعيداً عن وجهه لمدة طويلة إذ سرعان ما يرتديه من أجل أرسال علامة أخرى مكملة للعرض في اللحظة الأنية .
-ولكي نصنع صورة جمالية تجذب المتلقي في عروض مسرح الشارع إذ علينا أن نصنع جسد مرن وسريع الاستجابة لمكونات العرض من خلال قدرته في خلق صورة متناسقة قائمة في صناعة فرجة مسرحية إذ " على جسد الممثل أن يثبت في العرض المسرحي قدرته الحكائية والتمثيلية عن طريق تأكيد فرديته او الخلاص منها.
-إن عروض مسرح الشارع تبحث على استجابة المتلقي من خلال أثارة العواطف التي تتحقق من خلال القدرة الصوتية , إذن من خلال التقنية الصوتية يكمن تحقيق عنصر التواصل الفكري مع المتلقي مع تناسق بين أدوات الممثل إذ لا يمكن أن تحقق أداء حركي غير منسق مع الصوت , إذ أن الصوت في عروض مسرح الشارع يحتاج الى قدرة أعلى بكثير من الصوت والألقاء في الفضاءات المغلقة، إذ أن الفضاءات المفتوحة تكون مملؤة بالضجيج من أصوات السيارات، وغيرها من الأصوات التي نسمعها في حياتنا اليومية , لذلك الممثل في مسرح الشارع يكون في أمس الحاجة للتميز بطريقة الألقاء الذي يعرف بأنه " فن تشكيل الصوت الخام أو هو فن النطق بالكلام على صورة توضح ألفاظه ومعانيه "
-الصوت يشترك كعامل منظم مع تقنيات الإداء الصوتي (التركيز -التنويع-التقطيع-التنغيم )
ولذا لابد للممثل أن يضع في الاهتمام المكان الذي يقدم فيه العرض لكي يستطيع استخدام صوته ودفعة بالشكل السماعي الجيد الى المتلقي إذ أن الصوت يعتبر حلقة تواصلية بين الممثل والمتلقي , لما له قدرة تعبيرية تساعد في أيصال الأفكار والعواطف إذ " تتحرك الأصوات داخل المسرح بهدف درامي.
ويساعد التركيز للممثل في الإصغاء وإيصال أفكاره الى المتلقي من خلال التركيز على موضوع ما, إذ يجد هناك تجاوب معه من خلال دخول الأفعال و ردود الأفعال الجمهور فيسترعي الانتباه على هذا التداخل ويتحاور معه الممثل في استخدام طاقته في التجاوب مع المتلقي من خلال فعل فني صادق.
- إن قدرات الممثل الذهنية تساهم في أقامت علاقات جديدة تختلف عن العلاقات المحيط به في الحياة العامة, من خلال تبني الدور في سلوكها ومظهرها.
- إذ تأتي أهمية التكيف من خلال المشاركة وتقبل سلوك الدور بكل جوانبه الأدائية من تكنيك وانفعالات ضمن القدرات الحسية والأيمان والصدق الأدائي وعلية إذ أن ممثل الشارع يجب ان يكيف نفسة وأن يهيئ نفسة داخلياً وخارجياً للظروف المحيطة به , إذ أحدثت أخطاء أثناء العرض أو كان الممثل الذي أمامه قد نسى حواره فعلية الممثل أن يكيف قدراته من خلال الاستعانة بالارتجال لردم الفجوة التي تحدث أثناء العرض إذ يساهم التكيف في جمع قدرات الممثل الأدائية والحفاظ على استمرارية العرض , إذ أن عروض مسرح الشارع تبحث عن حالة التفاعل المنتج بين المؤدي والمتلقي .
إن الذاكرة الانفعالية تعني هو كل ما يظهر من مشاعر و أحاسيس مرت سابقاً علي الممثل وخزنتها ذاكرته وهنا يحاول الممثل في مسرح الشارع أن يستخدم هذه التقنية في كسب ود الجمهور من خلال التعاطف معه وتذكيرهم في الحدث , إذ أنها تعتبر ركيزة مهمة في استرجاع الأشياء التي مضت وجعلها تصاغ من جديد بأثر التقنيات الأخرى من خلال التركيز , الانتباه , الذاكرة ,معتمداً على مدركاته الحسية والشعورية في استرجاعها من أجل كسب ود الجمهور الية في عروض الشارع .
- أن الممثل في مسرح الشارع(6) يعزز حضوره من خلال كسر الرتابة والملل عند المتلقي من خلال إيقاع متنوع يسهم في جعل المتفرج مندهش في متابعة الأحداث, إذ أن أداء الممثل يرتبط ارتباطاً وثيق بإيقاع العرض, حيث تحقق العلاقة الجسدية ضمن زمان ومكان العرض في مسرح الشارع من خلال تنظيم الحركي للمثل وصناعة السيطرة التامة في الشارع من خلال الصمت والترقب المفاجئ، وخلق إيقاع يتوافق بين الإحساس، ونسق العرض في الشارع.
-نظرا للظروف وللمستجدات الحاصلة أثناء العرض في عروض مسرح الشارع يعد الارتجال من أهم التقنيات الأدائية في عروض مسرح الشارع لكون الشارع محمل بالمفاجأت التي تطرأ أثناء العرض، لذلك على الممثل أن يتكيف، وينسجم مع تلك الظروف والمستجدات الحاصلة أثناء العرض.
-إن الممثل في مسرح الشارع منوط بإدراك ووعي شديدين حين ينتقل من حالة تشخيصية إلي حالة تشخيصية اخري لأن هذا الوعي هو ما يخلق حالة التباين الأدائي(7) ويعطي دفعة إستمرارية للعرض تجذب وتدهش المتلقي للتفاعل مع العرض في مسرح الشارع .

-هنا يثار السؤال الرئيس ماهو مفهوم التلقي النقدي لمصطلح مسرح الشارع عربيا ؟ وهل أفضي الوجود الذهني والوجود اللفظي والوجود الكتابي للناقد العربي إلي الوجود العياني لعروض مسرح الشارع في عالمنا العربي ؟


-أغلب التعريفات العربية لمصطلح "مسرح الشارع "(8) أفرغت المصطلح من كل طاقاته الإجرائية وأسقطته في تبسيطية مبتذلة ،إذ انها لم تتناول مسرح الشارع تناولا إصطلاحيا بقدر ما إستثمرت مفهومه كوصف له وكذريعة ووسيلة فقط وليس كمصطلح نقدي له ابعاده الفنية التي تستمد منها الأسس النظرية له
-اننا ضيعنا هيبة المصطلح وسط النزعات الشكلية وإلحاق ثقافتنا النقدية بثقافات أخري .فأصبح لا سبيل لنا سوي البلاغة في جماليات التلقي والبحث عن أعماق المعني في العمل الفني بعيدا عن المصطلح ومفهومه .
-اتفقنا عربيا علي أن مسرح الشارع هو عروض مسرحية درامية(9) دون غيرها من العروض الأدائية غير الدرامية واري أن تعريف العراقي دكتور" بشار عليوي "هو الأكثر أماناً مع الوجود العيني لعروض مسرح الشارع ليتجلي لنا مفهوم خاص فرضته خصوصية الفضاء العمومي العربي .
-لكن الوجود العياني لعروض مسرح الشارع عربيا تأثر بالأوضاع السياسية والإقتصادية الراهنة وإنعكست بصورة جلية في الوجود الذهني ، اللفظي ،الكتابي للناقد وأفضت إلي مفهوم الإحتجاجية والرفض السياسي .
-عدم تحقق التراكم وفقدان إستمرارية عروض مسرح الشارع الذي باتت تقدم في مناسبات محددة وعدم إستقلاليتها بفعل هيمنة السلطة السياسية العربية علي الفضاء العمومي وبالتالي تخضع عروض مسرح الشارع لمحاولات المنع وعدم المزاولة دون ترخيص مسبق من السلطة السياسية .
-الآثر السيسيوثقافي لعروض مسرح الشارع هو كيفية تفاعل وتلقي الجماهير للعروض المسرحية وهذا يتطلب دراسة المرحلة البعدية لعرض مسرح الشارع كي يتثني لنا تجذير مثل هذه العروض المسرحية في التربة الثقافية .وما احدثته من تحقق لهدف الإتصال المتوقع والتأثيرات في معارف وسلوك وإتجاهات المتلقي من خلال الحجاجية الديالكتيكية الساعية بالتغير في الآخر جماليا وفكريا حتي ينعم المجتمع بالتعددية الثقافية وتشكل هويات جديدة قد تفتح بابا للتقدم أو تغلقه.
★المصادر التي استعان بها الكاتب :-
★★★★★★
1-معجم المصطلحات المسرحية ماري الياس ،حنان قصاب
(2)لفضاء المسرحي" جيمس بيردوند -ترجمة سيد محمد (القاهرة، وزارة الثقافة ،إصدارات أكاديمية الفنون ع ١٥)١٩٩٦،ص ١٤،١٣.
.
3-Bim Mason,Street Theater and Other Outdoor
.4- Bradford D Martin, The Theater Is in the Street: Politics and Public
Performance in 1960 America (Amherst: University of
Massachusetts Press,2004) .
5-"المونودراما التعاقبية "دراسة بحثية د.ابوالحسن سلام منشورة بجريدة مسرحنا المصرية .
6-"تحولات المشهد الممثل/ ،المخرج "محمود ابودومه .الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة ٢٠١٩ ص ١١٥.
7- "مسرح الشارع الأداء التمثيلي خارج المسارح " تأليف (آلان ماكدونالد ،وآخرين)ترجمة عبد الغني داود،واحمد عبد الفتاح (القاهرة ، الهيئة العامة المصرية للكتاب )ص ١٢ .
8-كتاب "مسرح الشارع ام المسرح في الشارع" إعداد د.عامر صباح المرزوك (العراق ٢٠٢٠)
9-كتاب "أنطولوجيا مسرح الشارع "د.بشار عليوي (العراق ٢٠١٩).











أسئلةالفضاءالعمومي"العربي"وإجابات التلقي النقدي لمصطلح"مسرح الشارع"
بقلم/حسام الدين مسعد
★★★★★★★★★★★
إن الإشكالية التي تنطلق منها هي المقاربات المفاهيمية المختلفة التي تفصح عن التلقي النقدي لمفهوم مصطلح "مسرح الشارع" عربيا وتتسم بالتمايز الشديد والإختلاف الواضح حول طبيعة المفهوم والوظيفة،ومن هنا تتماهي التسأولات حول ندرة المراجع والمصادر البحثية العربية في مسرح الشارع .
ولعل في الوقوف علي إشكالية التعريف بالمصطلح عربياً ما يتجلي أثره علي الوجود الذهني ،والوجود اللفظي،والوجود الكتابي الذي سيفضي حتما للوجود العياني لمسرح الشارع.
فإن كانت أغلب التعريفات المعجمية وما اتفق عليه الباحثين من أن مسرح الشارع هو( اي عرض خارج العمارة المسرحية )(1)وهذا التعريف العام انتج السؤال الجدلي ،مسرح شارع ام مسرح في الشارع ؟
-لذلك سنسعي الي عقد مقاربات بين الأشكال الفرجوية التي تقدم في الشارع من جهة، وعروض مسرح الشارع التي تقدم في المهرجانات المتخصصة من جهة أخري،بغية طرح تسأولات الفضاء العمومي وإجابات التلقي النقدي العربي عليها حتي يتثني لنا الكشف عن اسباب ندرة وشح المراجع ،والدراسات النقدية العربية في مسرح الشارع. وإختلاف الفهم، والتأويل،والخلفيات،
والمرجعيات حسب ثقافة الناقد ومنهجه وأثر ذلك علي الوجود الذهني،و الوجود اللفظي،والوجود الكتابي الذي سيفضي حتما للوجود العياني، والنسق المفاهيمي لمسرح الشارع .

-إن أولي التسأولات التي تثور علي بساط البحث ما هو مفهوم الفضاء العمومي؟
إن فكرة الألماني "يورجن هابرماس"(2) في تصوره لفضاء عام يشكل مجالا للنقاش والمحاججة في حوار عقلاني ونقاش حجاجي حر،إنطلاقاً من " مقولة الدولة الدستورية، أي انسجام أفراد المجتمع السياسي مع المبادئ القانونية ذات الأهداف الكونية"ويتعلق الأمر
( بمبادئ العدالة والديمقراطية والمساواة في المواطنة وحقوق الإنسان والتي هي مبادئ لدولة القانون).
ونلاحظ من ذلك المفهوم أن السلطتين السائدتين في الفضاء العام "هما: السلطة الحاكمة الرسمية، وأخرى تترأسها سلطة غير رسمية، ولا تتمثّل في المؤسسات الرسمية، وهي كل أنواع الحركات الاجتماعيةوالسياسية
والاقتصادية.
فالسلطة الأولى الرسمية تتدّخل في الفضاء العام بشكل رسمي وشرعي لتنظيم شؤون
الدولة والمواطنين.
أّما السلطة الثانية غير الرسمية، فتصبو لتحقيق المزيد من المكتسبات والمطالب للمواطنين،
الذين يشكلون وقودها الحقيقي، فهم الفاعلون فيها. كما أن حقيقة مطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي أصل مشروعية السلطة غير الرسمية بالنسبة لهم،
وقوة هذه السلطة بمثابة قوة ضغط حيوية للمجتمع لخلق رأي عام ينسجم ومصالحها بكافة الموارد والإمكانات والوسائل، وذلك في
مواجهة السلطة التي تطمح دائماً
عن طريق السيطرة على الوظيفة النقدية، والتي هي في الأساس منوطة بالفضاء العام؛ أي أن الدولة تقوم من خلال التحكم عملياً بالدور النقدي للفضاء العام بالفعل السياسي، بحيث تقوم بتأطير الممارسة السياسية،وتوظيف الأحزاب والنقابات والجمعيات ودور النشر ووسائل الإعلام لتوجيه الرأي العام لصالحها،وبإعتبار المسرح عامة يشكل مجالا للنقاش والمحاججة وله سلطة غير رسمية بمثابة قوة ضغط حيوية للمجتمع لخلق رأي عام فإن أصداء المسرح تطرح سؤال هام .
.
- لماذا خرج المسرح إلي الشارع ؟
والإجابة علي هذا السؤال بسيطة جدا ،وهي بحثاً عن الجمهور ليكتمل ثالوث عناصر العرض المسرحي ،فالمسرح ليس إلا حدث يعتمد علي الحضور الفعلي للجمهور ويصنع علاقة بين العرض ،و الجمهور.تشكل المجال النقاشي والحجاجي العقلاني ،و قد تكون هذه العلاقة في شكل إستجابة عاطفية ، تشكل المعني بين مرجعية المشاهد الخاصة، ومرجعية العمل ،وبين العمل الوهمي المعروض عليه ،وهو ما نطلق عليه دور المتلقي في العرض المسرحي والذي يعني "المعني الذي ينتجه المتلقي للعرض المسرحي من خلال أفق توقعه الخاص وقراءاته السابقة للنصوص ،او مشاهداته السابقة للعروض المسرحية ،وكذا رصيده الثقافي والمعرفي ".
ووفقا لإشارة الأمريكي "بين ماسون "(3) والتي يقول فيها "أصبحت الحدود بين الترفيه ،الفن ، بين الجمهور ،الفنان ،بين الأداء نفسه ،والحدث الإجتماعي الأكبر ،اقل تحديداً .وظهرت محاولات للعمل علي خلق طرق ومناهج وعلاقات جديدة "
ونلاحظ من هذه الٱشارة أن المفهوم الغربي لمصطلح مسرح الشارع ثابت رغم تغير صياغته من تعريف إلي آخر ومن وجود ذهني أو لفظي أو كتابي فالمفهوم الغربي لمصطلح مسرح الشارع وفقاً لقاموس كامبريدج Cambridge Dictionaryفإن مسرح الشارع هو:(الترفيه الغير ربحي الذي يقدم خارجياً في الأماكن العامة خاصة قرب المحلات ،المطاعم،الحانات )،ونلحظ من هذا التعريف أنه قدشمل العروض الآدائية غير الدرامية ،والعروض التمثيلية الترفيهية ،المسرحية.
كما نلحظ أن هذه العروض تقدم مجاناً في الأماكن العامة والمفتوحة .وهذا التعريف يخالف الوجود العياني لعروض مسرح الشارع في وطننا العربي والتي هي عروض درامية مسرحية تقدم خارج العمارة المسرحية وفقا لمعجم المصطلحات المسرحية (ماري الياس،وحنان قصاب) بقصد الترفيه غير الربحي أو مناقشة قضايا المتلقي اليومية خالقة علاقات جديده بينه ،وبين رسالتها الإتصالية .
بمعني ادق اي اننا بصدد شكل فرجوي مسرحي يقدم في الفضاء المادي الطارئ ويستهدف جمهور هذا الفضاء خالقا علاقة جديدة معه .


لكن هل يختلف الجمهور المستهدف للأشكال الفرجوية التي تقدم في الشارع عن الجمهور الذي يستهدفه مسرح الشارع؟
ينبغي علينا أولا أن نقسم الأشكال الفرجوية التي تقدم في الشارع الي ثلاثة أقسام وحسب الوجود العياني لها :-
١عروض مسرحية جاهزة :-وهو العرض المسرحي الذي كان يعرض في فضاء تقليدي ثم تم نقله بذات الكيفية ليقدم في الشارع أو الفضاءات المفتوحة محاكيا الفضاء التقليدي والعلبة الإيطالية في منظوره الأحادي عبر فتحة البروسينيوم ووضعية المتلقي في المشاهدة .
٢ عروض تخرج بنصوص جاهزة لكنها تطوعها طبقاً لما توحي به مفردات المكان الجديد..." وهي درجة متقدمة من المسرحة يبذل فيها المخرج جهداً في التقريب بين النص والمكان الذي يقدم فيه نوع من المآلفة بينهما وحتى لا يبدو النص والمكان كلاهما غريب عن الآخر…
٣ عروض تخرج بنصوص مكتوبة خصيصاً للمكان وتستوحي موضوعاتها من المكان ذاته.
-وبالتالي فإن كل قسم من الأقسام الثلاثة السالفة يستهدف جمهور من المتلقيين يختلف ويصنف حسب الخصوصية التي فرضتها طبيعة المكان علي شكل العرض والعملية الإتصالية مع المتلقي المتواجد في فضاء الشارع

-يثار السؤال ماهو المكان الممسرح في عروض مسرح الشارع؟
هو «ذلك الحيز أو الفضاء المادي الطارئ المشغول من خلال وجود المؤديين وعلاقاتهم بالجمهور او المتلقيين»
وحيث إن طبيعة المكان الغير ثابتة في مسرح الشارع تخلق تلقائيا جوا من التحفيز ينطلق من حيوية الشارع ومسرحه الذي يتبني شعار إستخدام كل المساحة المتاحة جغرافيا ودون تقسيم بين منطقة الأداء ومنطقة التلقي التي تذوب في عروض مسرح الشارع
فإن وضع المتلقي في عروض مسرح الشارع ذلك المكان المحايد خلق تحديا أمام صناع مسرح الشارع ينبغي بحثه جيدا قبل الشروع في تنفيذ عروض مسرح الشارع، وكيف تمنحه إحساس مغاير لوضعه، وهو يشاهد عرض مسرحي في قاعة مسرحيه.مما يعني الزج بهذا المتلقي داخل رقعة الحركة والتمثيل من أجل إخضاعه لتجربة مغايره بها نوع من الصعوبة، والمتعة وإحساس التشاركية التي يجد المتلقي نفسه جزء من نسيج العرض.
إن هذه التشاركية هي امتزاج كل عناصر المسرح في منطقة فضائية واحدة هي فضاء الشارع الذي يدخل في حالة صيرورة الإندماج الذاتي مع عناصره مكونا سينوغرافيا طبيعية قائمة بذاتها. ولذا فالخيال الذي يخلقه، او يصنعه الممثل في مسرح الشارع يتحول تلقائيا الي مدرك حسي بطبيعة المكان وحدوده الجغرافية والزمانية
-إن إدراك المتلقي لخصوصية المكان(٤) عامة يحدث التحول في ذهنيته من مجرد تصور اللعبة التشخيصية التي تحدث امامه الي وعي بأن ما يشاهده حقيقة، ومن هنا يصبح المكان الممسرح في الشارع، والذي ليس وظيفته الأصلية العرض المسرحي مكان يعتمد التجسيد الخيالي من خلال التوظيف الأشاري لهذا المكان الفارغ العشوائي
-إن التعارض بين العرض والمكان عادة ما يؤدي الي تحييد تأثير العرض ذلك ان قابلية تحول المكان الي مكان ممسرح تتسق مع الرسالة، والموضوع الذي يكرسه المكان في اسلوبه،
فإذا تم طرح مشكلة وضع المقاعد علي الأرصفة خارج المقهي، وكيف تؤثر علي حركة المارة علي الرصيف، وتعرضهم للخطر اثناء سيرهم في الشارع، فإن الرسالة التي يطرحها هذا المكان العارض بوضعه المقاعد علي الأرصفة، هي رسالة دعائية لجذب المارة ليكونوا من رواد المقهي، لكن الرسالة الأصلية، هي رسالة الشارع الذي يصبح الرصيف فيه ملاذ لكل المارة، فإذا كان العرض المقدم في المقهي متفق مع موضوعه، ومتسقا في اسلوبه مع النظام الذي يكرسه المكان (رصيف الشارع) ازدادت قوة تأثير العرض.
-إن الممثلين في مسرح الشارع عليهم ان يجذبوا المشاهدين، وإن يكونوا حيز العرض، ولذا فإن المكان في الشارع اصبح بعد مسرحته مكان مادي مشغول بالمؤدين، والمتلقيين واكتسب صفة الفضاء المسرحي الذي يشترط لتحقق هذه المسرحة، هو حركة الممثل فيه، ووجود الجمهور داخل حيزه معتمدا علي نمط عشوائيته، او شكل تكوينه الطبيعي، او المعماري ولذا فإن فضاء الشارع الممسرح هو فضاء محدد، وسينوجرافيته سوف تشمل منطقتين، هما منطقة الأداء، ومنطقة التلقي اللتين تذوبيين في لحظة تتمحور حول أبعاد قيمية، وإنسانية،
فالمكان في مسرح الشارع لايعطي المتلقي احساس انه يشاهد عرض، او لعبا متأثر بالفضاء التخيلي، او الوهمي، ويرجع ذلك لأن عروض الشارع لا يستخدم فيها الإضاءة المسرحية، وعادة ما تعرض نهارا، فتنتفي الفضاءات الوهمية، والنفسية والتخيلية حتي لو تم استخدام الإضاءة المسرحية، فإن الفضاء في مسرح الشارع اصبح وحدة واحدة مندمجة لعدم الفصل بين المتلقي، وممثل، أو مؤدي مسرح الشارع.
-إن العشوائية الجغرافية تبقي علي حالها في شكل ومحتوي المكان المختار للعرض، وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طرديا وتلك العشوائية،فطاقةالممثل/المؤدي/الباث في عروض مسرح الشارع كمكان ممسرح بعشوائيته الجغرافية قد تعطيه الأنفلات في الإرتجال، وقد يدفع الممثل الي التمرد والمشاكسة علي الإرتجال، والذي يعني فن الخلق في لحظة التنفيذ وهذا الإنفلات الإرتجالي نابع من هواجس صناع مسرح الشارع القائمة علي إمكانية توليد علامات متدفقه، فالمكان في مسرح الشارع غايته توليد إشارات مسرحية بلا حدود لتدل علي معاني متناهية ناتجة عن التشكيل في المكان، او الفضاء، او حيز الشارع .
-هذا التشكيل في مساحة المكان لا يهتم بالمساحة من الناحية النظرية، بل يهتم لكونها اصبحت أداة تميز لنشوء علاقة بين الممثل والمتلقي لا تتحقق، إلا بالتركيز الذي لن يتأتي، إلا إذا توحدت الرؤية في ظل ظروف موضوعية بين المساحة والأداء.
-لذا فإن طبيعة الأداء في الشارع تكون ذات خلق، وارتباط المبدع بالمكان ذاته،
فالمكان في مسرح الشارع يشكل العرض ويشكل طبيعة الأداء، وبالتالي فإن المكان في مسرح الشارع يعتمد قيمة ما يقدم من شكل، ومضمون للعرض وقيمة اداء الممثل التي تساعد المتلقي في بلوغ الغايات الدلالية لعرض مسرح الشارع.
-ولأن المكان في الشارع يكتسب جماليته من كونه فضاء صاخب، ومنفلت تتحرك فيه الدلالات بسهولة، ويسر، ولأن هذا المكان هو في الأصل فضاء للمتلقي الذي يعتبر من أهم عناصر العملية الإتصالية، ولا يتصور أن يتحقق الإتصال دون دون معرفة المتلقي اوالمستقبل للرسالة الإتصالية، فأننا بحاجة إلي معرفة من هو المتلق في عروض مسرح الشارع؟
-المتلقي هو:- المستقبل أو الفرد المحتمل المصادف عشوائيا، ودون معرفته المسبقة بموعد العرض، وهو الذي توجه له الرسالة الإتصالية، ويستقبلها من خلال واحد، أو أكثر من حواسه المختلفة (السمع،البصر ،الإدراك)، ثم يقوم بتفسير الرموز ويحاول فهم معانيها .
-ينقسم جمهور المتلقيين من خلال الوجود العياني لعروض مسرح الشارع الي:-
أ-جمهور متلقيين عام وهو :-الذي نعنيه بمفهوم الحشد الذي يعرض نفسه تلقائيا، وفرديا بطريقة شخصية للعرض المسرحي ،وردة الفعل عند هذا الجمهور تكون مستقلة لإستقلال تعرضه، وإستجابته ولعدم وجود اهتمامات مشتركة بين اعضائه ،ويكون هذا الجمهور من المتلقين غير متحد ِ اللغة، أو اللهجة .
ب-جمهور المتلقين الخاص :-وهو النمط الذي يجمع بين افراده بعض من الإهتمامات، أو الإتجاهات المشتركة.
-ويذهب بعض الباحثين إلي تقسيم الجمهور إلي فئات مختلفة منها :
١الجمهور صاحب الإتجاه العلمي (وهم الذين يميلون الي الحكم في إطار القوانين ،والنظريات ،والعلاقات العلمية)
٢ الجمهور صاحب الإتجاه المادي العلمي :(وهم الذين يصدرون احكامهم في إطار المنفعة المباشرة وكذلك بمفهوم الجزاء المباشر للسلوك الإتصالي مع العرض )
٣ الجمهور صاحب الإتجاه المعنوي :(وهم اللذين تتأثر أحكامهم بالتوافق والإنسجام والإشباع الوجداني )
٤ الجمهور صاحب الإتجاه الإجتماعي :-وهم من ترتبط أحكامهم بإطار الأحكام التي تتوارثها الجماعة لنمط سائد من التقاليد والأعراف التي تحكم علاقة الفرد بغيره )
-وهناك تقسيمات أخري للجمهور تبعاً النطاق الجغرافي ( محلي،إقليمي، عالمي )
-كما هناك تقسيم تبعا للشرائح العمرية (اطفال ،شباب ،رجال ،نساء ،شيوخ )
-من خلال معرفتنا بتقسيمات الجمهور يتثني لنا دراسة السمات العامة لأنماط الجمهور و تصنيفاته ومن ثم نستطيع وضع محددات الرسالة الإتصالية مع هذا الجمهور وتقديم تصور عن كيفية إستمالتهم لها .

-لكن يثار السؤال حول ماهي طبيعة الرسالة الإتصالية وبُنيتها في عروض مسرح الشارع؟
-إن الإجابة علي هذا السؤال تعرضنا للبحث في إشكالية الكتابة النصية لمسرح الشارع
وهل مسرح الشارع يعتمد في رسالته الإتصالية علي النص المسرحي أم النص الدرامي ؟
إن عروض مسرح الشارع تعتمد علي الإرتجال وطرح التسأولات علي جمهور المتلقين مباشرة، أو ضمنا اي أنها تعتمد علي الحوار المباشر مع الجمهور المستهدف لمكان العرض، وبالتالي فإن الرسالة الإتصالية في عروض مسرح الشارع تتطلب السعي لإيجاد لغة مشتركة لتوصيلها، لا سيما أنه من خلال دراسة الجمهور الذي يستهدف مكان العرض قد يتضح لصناعه أنه من فئة الجمهور العام غير متحدِ اللغة أو اللهجة،وبالتالي فإن النص الذي نقصده في عروض مسرح الشارع هو النص الدرامي "السيناريو"وليس النص المسرحي الموجه للقارئ، والذي له إطار بنيوي محدد ،فنصوص مسرح الشارع هي نصوص ذات إطار مفتوح تعتمد علي الحوار الديالكاتيكي، أو عرض الحجج والبراهين للطرف الآخر ودون فرضها عليه .
-ومن ثم فإن دراسة المتلقي، وتحديد تصنيفاته من خلال الدراسات العلميةالديموجرافية،
والسيسيولوجية،والسيكلوجية .
سيتيح لصناع مسرح الشارع تحديد القضايا اليومية ودراستها ومن ثم طرحها من خلال العملية الإتصالية في عروض مسرح الشارع، لجني الإستجابة من المتلقي، وتأثير عملية الإتصال به، وتحقق النتائج المترتبة علي الإتصال أو هدف الإتصال المتوقع
كا(التأثير في معارف، ومعلومات المتلقي، أو في اتجاهاته، وسلوكه )
-إن التصور الأشمل لعمل الإتصال هو أن يكون المتلقي ملماً بشفرة المرسل لكي يصبح قادرا علي فك شفرة الرسالة .
-لذا فإن دور المتلقي في عروض مسرح الشارع يكمن في بلوغ الآثر الناتج عن التفاعل الإجتماعي الإيجابي مع العرض،لإرضاء رغبة لديه في المشاركة والتحول أثناء العرض من مشاهد الي متلق، ثم الي متلق ممثل، أو مؤدٍ يلقي بحججه، وبراهينه الي ممثل، أو مؤدي تحول الي متلقٍ.
-وهنا يعاود السؤال الجدلي مسرح شارع ام مسرح في الشارع فرض نفسه علي البحث بسؤال آخر،
ما الفرق بين عروض الإمبرو ،وعروض مسرح الشارع؟
إن عروض "الإمبرو" أو الألعاب الإرتجالية التي تقدم في الفضاء المادي الطارئ وتعتمد الي إشراك الجمهور في عروضها القائمة علي الإرتجال، و اللهو والترفيه الغير هادف للربح تختلف عن عروض مسرح الشارع في طبيعة الرسالة الإتصالية التي تناقش القضايا اليومية في عروض مسرح الشارع، وبالتالي فإن عروض الإمبرو هي العاب ارتجالية ترفيهية لا تناقش القضايا اليومية بل تطرح لعباً ولهواً في الفضاء المادي الطارئ.
-يظل الفضاء العمومي يلقي بتسأولاته حول بعض التجارب العربية في الفضاء المادي الطارئ كتجربة الشهيد الجزائري "عبدالقادر علوله" مسرح القوال أو السارد والحلقة
فهل عروض مسرح الحلقة تعد من قبيل عروض مسرح الشارع؟
إن تجربة "عبدالقادر علوله" هي توظيف التراث في العرض المسرحي من أجل كسر الهيمنة الغربية للمسرح، وبداياتها كانت محاولة لنقل عروض المسرح الملحمي الي الشارع، والتشاركية في عروض علولة تشاركية سماعية وهذا ماورد في حديث له بعد أحد عروضه المسرحية من [أن المتلقي كان يعطي ظهره للقوال أو السارد وينصت لما يقوله وبعد العرض اكتشف علوله أن هذا المتلقي يحفظ بعضا مما كان يليقيه القوال في العرض ]مما يشير إلي أن مشاركة المتلقي في عروض علولة كانت مشاركة سماعية لا مشاركة درامية تزج بالمتلقي داخل رقعة التمثيل .
لكن حادثة إستشهاد "علولة" والتي تتشابه مع حادثة مقتل الهندي "سافدار هاشمي" أحد أبرز صناع مسرح الشارع في الشرق الأوسط . كانت سبباً في الخلط بين مسرح الحلقة وعروض مسرح الشارع التي كانت تجاهد الإحتلال الإنجليزي في الهند علي يد سافدار هاشمي .
هذا فضلا عن أن تجربة علولة تندرج تحت عروض المسرح الملحمي الراديكالي وهذا ما دعا الي المقاربة بينها وبين عروض هاشمي في الهند .

-ويثار سؤال آخر .
فهل مسرح الشارع راديكالي ام ديالكتيكي؟
اننا لا نستطيع الجزم براديكالية عروض مسرح الشارع ،لأننا لا نستطيع حسم ثبوت مسألة التغيير الجذري الناتج عن رسائل العرض، ومدي تأثيرها علي المتلقي مباشرة أثناء تنفيذ العرض أو بعده ،لكننا يمكننا التثبت من ديالكتيكية عروض مسرح الشارع، وذلك في اللحظة التي يشتبك فيها المتلقي حوارياً مع المؤدي مستجيبا، أو متجادلا علنيا مع رسائل العرض بتقديم حججه، وبراهينه التي تضحدها،
فتنشأ الحالة الديالكتيكية التي تتشكل من جدلية (الآنا /ال هو ، الآنا /الآن العليا ).
-ولذا فإن المؤدي في عروض مسرح الشارع منوط بإدراك ووعي شديدين في التعامل مع مفردات المكان ،وطبيعة الأداء التمثيلي في الفضاء المادي الطارئ التي تفترض عليه قدرات فائقة تفوق نظرائه المؤدون في الفضاءات التقليدية كقدرة اومهارة، إدارة الحوار الإرتجالي مع المتلقي، وردة الفعل السريعة ومهارات التفاعل الإجتماعي الإيجابي.
وهنا يثار سؤال هام
هل مسرح الشارع آذان بموت المؤلف و المخرج ؟
-إن كان مسرح الشارع يشتغل علي الإرتجال فإن هذا الإرتجال يبتني علي الدراسات الديموجرافية والسيسيولوجية والسيكولوجية التي تدرس علاقة المكان الممسرح بالمتلقي المستهدف له، ومن ثم نستطيع تحديد تقنيات الأداء التمثيلي التي تساعد المؤدي الباث في تبليغ رسالة العرض، ومن ثم تحقيق هدف الإتصال المتوقع من هذه العملية الإتصالية، والتي يكونا للمؤلف والمخرج دور رئيس، وهام من خلال التدريبات، ووضع محددات الرسالة النصية التي تعتمد علي النص الدرامي الذي يدون الإرتجال أولا بأول .
وهنا يثور السؤال ماهي تقنيات الأداء التمثيلي في عروض مسرح الشارع التي تساعد علي خلق التباين الأدائي؟
الإجابة علي هذا السؤال تتلخص في تسعة تقنيات(٥) هي (الجسد- الصوت- الإيقاع- والانتباه والإصغاء -التكيف-الذاكره الإنفعاليه -التركيز- الإرتجال- إلإنتقال من حالة تشخيصيه إلي حالة تشخيصيه اخري ).
-إن مهمة الممثل عموما هي مهمة مزدوجة ، فعليه أن يكون هو نفسه ويكون ذاته في نفس الوقت وعليه أن يبدو شخصاً آخر, أي يتظاهر وأن يخفي ذاته تحت الشخصية المؤدية ، وعليه أن يوازن وأن يفكر بالتوازن عبر تقنيات الأداء, وهذا التقنيات قابلة للتغيير لكي تصنع استمرارية من أرسال العلامات الى المتلقي والتي هدفها أثارة الجمهور فكرياً، أنه مجموعة من الوضعيات الفعلية الجسمانية والصوتية كلها تدخل في عملية التمثيل, وعلى الممثل أن يسقط قناعة بين الفينة والأخرى ويكشف عن وجهه الحقيقي, ولكنه لا يستطيع أن يبقي القناع بعيداً عن وجهه لمدة طويلة إذ سرعان ما يرتديه من أجل أرسال علامة أخرى مكملة للعرض في اللحظة الأنية .
-ولكي نصنع صورة جمالية تجذب المتلقي في عروض مسرح الشارع إذ علينا أن نصنع جسد مرن وسريع الاستجابة لمكونات العرض من خلال قدرته في خلق صورة متناسقة قائمة في صناعة فرجة مسرحية إذ " على جسد الممثل أن يثبت في العرض المسرحي قدرته الحكائية والتمثيلية عن طريق تأكيد فرديته او الخلاص منها.
-إن عروض مسرح الشارع تبحث على استجابة المتلقي من خلال أثارة العواطف التي تتحقق من خلال القدرة الصوتية , إذن من خلال التقنية الصوتية يكمن تحقيق عنصر التواصل الفكري مع المتلقي مع تناسق بين أدوات الممثل إذ لا يمكن أن تحقق أداء حركي غير منسق مع الصوت , إذ أن الصوت في عروض مسرح الشارع يحتاج الى قدرة أعلى بكثير من الصوت والألقاء في الفضاءات المغلقة، إذ أن الفضاءات المفتوحة تكون مملؤة بالضجيج من أصوات السيارات، وغيرها من الأصوات التي نسمعها في حياتنا اليومية , لذلك الممثل في مسرح الشارع يكون في أمس الحاجة للتميز بطريقة الألقاء الذي يعرف بأنه " فن تشكيل الصوت الخام أو هو فن النطق بالكلام على صورة توضح ألفاظه ومعانيه "
-الصوت يشترك كعامل منظم مع تقنيات الإداء الصوتي (التركيز -التنويع-التقطيع-التنغيم )
ولذا لابد للممثل أن يضع في الاهتمام المكان الذي يقدم فيه العرض لكي يستطيع استخدام صوته ودفعة بالشكل السماعي الجيد الى المتلقي إذ أن الصوت يعتبر حلقة تواصلية بين الممثل والمتلقي , لما له قدرة تعبيرية تساعد في أيصال الأفكار والعواطف إذ " تتحرك الأصوات داخل المسرح بهدف درامي.
ويساعد التركيز للممثل في الإصغاء وإيصال أفكاره الى المتلقي من خلال التركيز على موضوع ما, إذ يجد هناك تجاوب معه من خلال دخول الأفعال و ردود الأفعال الجمهور فيسترعي الانتباه على هذا التداخل ويتحاور معه الممثل في استخدام طاقته في التجاوب مع المتلقي من خلال فعل فني صادق.
- إن قدرات الممثل الذهنية تساهم في أقامت علاقات جديدة تختلف عن العلاقات المحيط به في الحياة العامة, من خلال تبني الدور في سلوكها ومظهرها.
- إذ تأتي أهمية التكيف من خلال المشاركة وتقبل سلوك الدور بكل جوانبه الأدائية من تكنيك وانفعالات ضمن القدرات الحسية والأيمان والصدق الأدائي وعلية إذ أن ممثل الشارع يجب ان يكيف نفسة وأن يهيئ نفسة داخلياً وخارجياً للظروف المحيطة به , إذ أحدثت أخطاء أثناء العرض أو كان الممثل الذي أمامه قد نسى حواره فعلية الممثل أن يكيف قدراته من خلال الاستعانة بالارتجال لردم الفجوة التي تحدث أثناء العرض إذ يساهم التكيف في جمع قدرات الممثل الأدائية والحفاظ على استمرارية العرض , إذ أن عروض مسرح الشارع تبحث عن حالة التفاعل المنتج بين المؤدي والمتلقي .
إن الذاكرة الانفعالية تعني هو كل ما يظهر من مشاعر و أحاسيس مرت سابقاً علي الممثل وخزنتها ذاكرته وهنا يحاول الممثل في مسرح الشارع أن يستخدم هذه التقنية في كسب ود الجمهور من خلال التعاطف معه وتذكيرهم في الحدث , إذ أنها تعتبر ركيزة مهمة في استرجاع الأشياء التي مضت وجعلها تصاغ من جديد بأثر التقنيات الأخرى من خلال التركيز , الانتباه , الذاكرة ,معتمداً على مدركاته الحسية والشعورية في استرجاعها من أجل كسب ود الجمهور الية في عروض الشارع .
- أن الممثل في مسرح الشارع(6) يعزز حضوره من خلال كسر الرتابة والملل عند المتلقي من خلال إيقاع متنوع يسهم في جعل المتفرج مندهش في متابعة الأحداث, إذ أن أداء الممثل يرتبط ارتباطاً وثيق بإيقاع العرض, حيث تحقق العلاقة الجسدية ضمن زمان ومكان العرض في مسرح الشارع من خلال تنظيم الحركي للمثل وصناعة السيطرة التامة في الشارع من خلال الصمت والترقب المفاجئ، وخلق إيقاع يتوافق بين الإحساس، ونسق العرض في الشارع.
-نظرا للظروف وللمستجدات الحاصلة أثناء العرض في عروض مسرح الشارع يعد الارتجال من أهم التقنيات الأدائية في عروض مسرح الشارع لكون الشارع محمل بالمفاجأت التي تطرأ أثناء العرض، لذلك على الممثل أن يتكيف، وينسجم مع تلك الظروف والمستجدات الحاصلة أثناء العرض.
-إن الممثل في مسرح الشارع منوط بإدراك ووعي شديدين حين ينتقل من حالة تشخيصية إلي حالة تشخيصية اخري لأن هذا الوعي هو ما يخلق حالة التباين الأدائي(7) ويعطي دفعة إستمرارية للعرض تجذب وتدهش المتلقي للتفاعل مع العرض في مسرح الشارع .

-هنا يثار السؤال الرئيس ماهو مفهوم التلقي النقدي لمصطلح مسرح الشارع عربيا ؟ وهل أفضي الوجود الذهني والوجود اللفظي والوجود الكتابي للناقد العربي إلي الوجود العياني لعروض مسرح الشارع في عالمنا العربي ؟


-أغلب التعريفات العربية لمصطلح "مسرح الشارع "(8) أفرغت المصطلح من كل طاقاته الإجرائية وأسقطته في تبسيطية مبتذلة ،إذ انها لم تتناول مسرح الشارع تناولا إصطلاحيا بقدر ما إستثمرت مفهومه كوصف له وكذريعة ووسيلة فقط وليس كمصطلح نقدي له ابعاده الفنية التي تستمد منها الأسس النظرية له
-اننا ضيعنا هيبة المصطلح وسط النزعات الشكلية وإلحاق ثقافتنا النقدية بثقافات أخري .فأصبح لا سبيل لنا سوي البلاغة في جماليات التلقي والبحث عن أعماق المعني في العمل الفني بعيدا عن المصطلح ومفهومه .
-اتفقنا عربيا علي أن مسرح الشارع هو عروض مسرحية درامية(9) دون غيرها من العروض الأدائية غير الدرامية واري أن تعريف العراقي دكتور" بشار عليوي "هو الأكثر أماناً مع الوجود العيني لعروض مسرح الشارع ليتجلي لنا مفهوم خاص فرضته خصوصية الفضاء العمومي العربي .
-لكن الوجود العياني لعروض مسرح الشارع عربيا تأثر بالأوضاع السياسية والإقتصادية الراهنة وإنعكست بصورة جلية في الوجود الذهني ، اللفظي ،الكتابي للناقد وأفضت إلي مفهوم الإحتجاجية والرفض السياسي .
-عدم تحقق التراكم وفقدان إستمرارية عروض مسرح الشارع الذي باتت تقدم في مناسبات محددة وعدم إستقلاليتها بفعل هيمنة السلطة السياسية العربية علي الفضاء العمومي وبالتالي تخضع عروض مسرح الشارع لمحاولات المنع وعدم المزاولة دون ترخيص مسبق من السلطة السياسية .
-الآثر السيسيوثقافي لعروض مسرح الشارع هو كيفية تفاعل وتلقي الجماهير للعروض المسرحية وهذا يتطلب دراسة المرحلة البعدية لعرض مسرح الشارع كي يتثني لنا تجذير مثل هذه العروض المسرحية في التربة الثقافية .وما احدثته من تحقق لهدف الإتصال المتوقع والتأثيرات في معارف وسلوك وإتجاهات المتلقي من خلال الحجاجية الديالكتيكية الساعية بالتغير في الآخر جماليا وفكريا حتي ينعم المجتمع بالتعددية الثقافية وتشكل هويات جديدة قد تفتح بابا للتقدم أو تغلقه.
★المصادر التي استعان بها الكاتب :-
★★★★★★
1-معجم المصطلحات المسرحية ماري الياس ،حنان قصاب
(2)لفضاء المسرحي" جيمس بيردوند -ترجمة سيد محمد (القاهرة، وزارة الثقافة ،إصدارات أكاديمية الفنون ع ١٥)١٩٩٦،ص ١٤،١٣.
.
3-Bim Mason,Street Theater and Other Outdoor
.4- Bradford D Martin, The Theater Is in the Street: Politics and Public
Performance in 1960 America (Amherst: University of
Massachusetts Press,2004) .
5-"المونودراما التعاقبية "دراسة بحثية د.ابوالحسن سلام منشورة بجريدة مسرحنا المصرية .
6-"تحولات المشهد الممثل/ ،المخرج "محمود ابودومه .الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة ٢٠١٩ ص ١١٥.
7- "مسرح الشارع الأداء التمثيلي خارج المسارح " تأليف (آلان ماكدونالد ،وآخرين)ترجمة عبد الغني داود،واحمد عبد الفتاح (القاهرة ، الهيئة العامة المصرية للكتاب )ص ١٢ .
8-كتاب "مسرح الشارع ام المسرح في الشارع" إعداد د.عامر صباح المرزوك (العراق ٢٠٢٠)
9-كتاب "أنطولوجيا مسرح الشارع "د.بشار عليوي (العراق ٢٠١٩).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب