الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصادفة غريبة .. ! (قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2022 / 10 / 21
الادب والفن


كان يوم عطلة .. خرج زوجي دون أن يدعوني لمرافقته قائلا بأن لديه عمل سينجزه بسرعة ويعود .. فقلت مع نفسي انها فرصة لاذهب الى المول القريب من البيت وأسد شيئا من حاجاتي وأعود قبل عودت زوجي .. فذهبت وأشتريت ما أردت وعدت .
وفي طريق العودة مررت بكازينو صغير يرتاده العشاق من الشباب .. صُدمت وأنا أشاهد زوجي جالس مع امرأة .. وهم يتحدثون حديثاً ودياً متصلاً ، وفي آخر انسجام .. تصلب الدم في عروقي .. وتلوى قلبي وترنح حتى كاد أن يتوقف عن الخفقان .. ماذا أفعل مع هذا الجاحد الخائن ؟ لماذا استسلم لكل هذا الذل والهوان .. الى متى ؟ يجب أن أفعل شيئاً أنتقم به لكرامتي المهانة .. أهجم عليه الآن وأفضحه أمام الناس ؟ .. ليس هذا من طبعي .. ماذا أفعل إذن .. يا ربي ؟ فجأةً لمعت في رأسي فكرة .. وقررت أن انفذها فوراً .. وبعدها لكل حادثة حديث .. لمحت رجلاً قادماً باتجاهي .. طويل .. وسيم الشكل .. أنيق الملبس .. أعجبني فعلا فقلت انه عز الطلب وعندما اقترب مني استوقفته وقلت :
— يا أخ .. لو سمحت ..
التفت اليّ وقال في هدوء لكن بلهفة :
— نعم .. تفضلي ..
فقلت وأنا أداري خجلي :
— أنا محرجة أن أطلب منك هذا الطلب لكني مضطرة .. سامحني
فأجاب بمنتهى الأدب :
— أبداً أنت تأمرين .. تفضلي كلي آذان صاغية ..
فقلت :
— طيب .. هل ترى الكازينو هناك ؟
— طبعا أراها وهل يبدو علي اني أعمى ؟
— العفو .. ( برهة صمت ) .. موضوعنا .. اعتدت أن أشرب قهوتي كل يوم في هذا الكازينو .. وهناك من يضايقني كلما جلست .. ربما لاني أجلس لوحدي أو ربما لسبب آخر .. لا أعرف .. المهم اذا سمحت أن تصاحبني وتجلس معي لربع ساعة فقط حتى أشرب قهوتي بهدوء ، والحساب كله عندي واذا تتقبل مني خمس وعشرين ألف دينار حق وقتك الثمين الذي ستضيعه معي أكون ممنونة .. !
وعندما انتهيت هنأت نفسي على هذه الكذبة ..
قال وهو يهرش في مؤخرة رأسه ..
— أجعليها خمسين .. مدام ..
— اليس هذا كثير .. ؟
— ابداً .. هذا أقل أجر يمكن أن أقبله لربع ساعة .. سيدتي .. كل شيء أصبح غالي .. موجة الغلاء تكتسح البلد .. والحياة أصبحت صعبة ، وأنت سيدة العارفين .
قاطعته بضيق خلق وقلت :
— خلاص خلاص اتفقنا .. هيا بنا ..
وفي الطريق وحتى أزيد المشهد سخونة خلعت خاتم الزواج من إصبعي والقيت به في حقيبتي ..
ذهبنا ودخلنا الكازينو وجلسنا على المائدة القريبة من مائدة زوجي وحبيبته .. أعطيت ظهري لهم ، وتظاهرت باني لم أراه .. تشاغلت عنهم بالحديث مع جليسي .. وأنا أشيح بيديّ لكي يرى الغبي زوجي خلو أصبعي من خاتم الزواج .. كيد النساء .. تعرفون .. ! .. طلبنا قهوة .. وطلبت منه أن يذكر لي ردة فعل الشخص الذي أمامه .. وأفهمته بأنه زوجي .. عندما رآني وأنا أجلس معه .. يبدو أنه فهم اللعبة .. فقال لي بانه صُدم عندما شاهدنا معا ولم تتحول عيناه عنكِ .. وقال رأيت الفتاة تلاحق نظراته وتشعر بالغيرة وأتوقع انها ستتركه في أية لحظة .
واستمر صاحبي يتكلم كلاما حلواً مسليا يدل على أن صاحبه مثقف وقد سافر كثيراً .. وأنا أضحك فعلا من كل قلبي للنكت والقفشات التي كان يطلقها .. وأستمتع بوقتي معه حتى كدت أنسى زوجي ومصيبته … والحق أني شعرت بالاطمئنان اليه .. حتى تواصل الحديث بيننا سهلاً بدون كلفة كأني أعرفه منذ زمن ، وكانت كل أحاديثه معلومات استقاها من الكتب أو ملاحظات أستوعبها من الحياة ويطرحها باسلوب بسيط وشيق ، قلت في نفسي هذا شخص غريب ، كيف يكون في هذه السعة من الاطلاع والثقافة ، وهذه الروح المرحة .. ؟ وهو بهذا الشكل .. متشرد يقبل على نفسه أن يأخذ من امرأة نقود لمجرد أن يرافقها في جلسة بريئة لا تكلفه شيئاً .. ربما يكون نصاب محترف .. المظاهر خداعة ، وربما أناقته هذه وحلاوة لسانه هما عدة الشغل .. على أي حال مالي وماله .. ستنتهي الربع ساعة وكل واحد يذهب في سبيل حاله .. !
والغريب أن جليسي لم يكتفي بالقهوة فطلب غداء لانه كما قال جوعان جداً .. وهذا هو وقت غداءه وأنا أخرته عن هذا الموعد .. ماذا تتصورون طلب .. سمك .. نعم سمك .. وأنا جالسة مع هذا الانتهازي الجشع .. أتظاهر بالسعادة والمرح .. وهو صامت مستمتع بغدائه يلتهمه بنهم .. تصدقون التهم السمكة بخمس دقائق .. ثم عاد وطلب شاي فقلت ، وأنا أبتسم ابتسامة أقرب الى التكشيرة :
— يبدو أنك بدأت تستغلني .. يا سيد .
فقال في تخابث :
— سيدتي هذه فرصتي .. أكون غبي إذا لم أستغلها .. والان لو تكرمتي الاسم الكريم ..
— نعم .. ؟ لم نتفق على أن تعرف إسمي ..
— أصول الشغل .. سيدتي .. لو حدث وانكشف الملعوب .. هل يعقل أن أجلس مع واحدة المفروض أنها حبيبتي ولا أعرف إسمها .
قذفتُ باسمي بسرعة كأني أبصقه في وجهه :
— بشرى ..
ثم قال وهو ينظر الى ساعته ويرفع رأسه الى السماء كأنه يفكر في عملية حسابية :
— على أي حال انتهت الربع ساعة المتفق عليها ، وكرم مني سامددها ربع ساعة أخرى ، ولخاطرك أكتفي بخمس وعشرين الف دينار أضافية ..
وانا اكاد أجن غيضاً .. كدت أقفز من كرسيي وأخنقه وقلت في سخرية :
— لخاطري بعد .. ! خمس وسبعون الف دينار مقابل نصف ساعة يا نصاب .. يا حرامي .. !
ابتسم .. والغريب فقد أعجبتني ابتسامته .. وقال كأنه يصحح مفهوم خاطئ عندي :
— الحق حق سيدتي .. هل تقبلين بأن تظلميني .. ؟
وانتهت الربع ساعة الأخرى وأنا أغلي أكاد أنفجر من هذا الطماع .. ثم جاء الخادم بورقة كشف الحساب .. فمددت يدي لألتقطها ولأدفع الحساب كما اتفقنا ، وقبل أن تصل يدي الى الورقة اختطفها قبلي وقرأ الرقم ، ولدهشتي أخرج محفظته ودفع الحساب مع الإكرامية وانا فاغرة فمي دون أن أتكلم .. ابتسم وقال :
— هيا بنا ..
خرجنا مثلما دخلنا وزوجي حسب ما قال صاحبي قد طار عقله .. وعندما أصبحنا خارج الكازينو .. الغريب .. طلب خمسة وعشرون الفاً إضافية لأن الخطة كما قال قد نجحت بفضله هو .. ولا شئ بالمجان هذه الأيام .. كدت أقفز فعلاً وأخنقه .. لكني فكرت نحن في الشارع .. فتمالكت نفسي .. وعاتبته بهدوء مفتعل لأستعجل نهاية هذا الفصل البايخ .. وأخلص من هذا المخلوق الجشع .. أخرجت محفظة نقودي لادفع له حساب الاكل والمشروب والخمسة وسبعون الف دينار التي تحولت بقدرة قادر الى مائة حسب آخر اتفاق .. فقال بمباهاة دون أن يهتم لعصبيتي :
— أتدرين .. لو دفعتِ الحساب لفسدت الطبخة ، وتحولت اللعبة الى ما يشبه الرصاصة في الهواء .. فلا يعقل ان يجلس شخص مع حبيبته وبالتالي تدفع هي الحساب .
قلت في نفاذ صبر والغيض يكاد يخنقني :
— المهم تفضل المبلغ الذي اتفقنا عليه وأرجوك أن تقول لي كم دفعت ثمن الطعام والقهوة .. فأنا لا أحب أن يكون لأحد فضل علي ..
ثم دفعت بالمئة ألف دينار في وجهه كأني أقول له ( هاك لا هنآك ) … دفع يدي برقة وهدوء وقال :
— أولا أقدم لك نفسي .. الدكتور عبد الله سليم رئيس مركز الدراسات والبحوث ( … ) في جامعة ( … ) وأرجوكِ لا تفكري بالنقود ، لا تتصوري كم استمتعت بصحبتك وأحب أن أقول لك بان زوجك هذا في منتهى الغباء .. كانت فرصة سعيدة .. يسعدني أن التقي بك مرة ثانية لو حبيتي .. ويشرفني أن تقبلي صداقتي .
بهرني هذا الرجل في كل شيء حتى نسيت زوجي ومصيبته .. تبادلنا كارتات التعريف وانصرف وهو يرفع يده راسما صورة تلفون قرب أذنه وفمه .. علامة اتصلي بي .. وواصل طريقه .
وصلت الى البيت .. وبعد دقائق جاء زوجي عابس الوجه مقلوب الخلقة .. سألني بدون مقدمات :
— أين كنتِ .. ؟
— أبداً .. زهقت وذهبت لزيارة أمي ..
صمت ولم يتكلم طوال النهار .. وأنا غير مبالية أتظاهر بأن كل شئ في حياتي طبيعي ..
والآن .. جاء دور المثل الذي يقول : ( جاء يطببها عماها ) .. أتدرون .. لقد حدث شيء لا يحدث حتى في السينما :
دق جرس التلفون .. رفع زوجي السماعة وسمعته يتكلم :
— نعم .. تفضل .. منو حضرتك .. أهلا وسهلا .. بأي صفة تريدها .. تكلم معي أنا زوجها .. لماذا لا ينفع .. ؟
ثم جاء زوجي وهو يحمل السماعة ، وقال والشرر يتطاير من عينيه :
— تفضلي .. حبيب القلب .. !
مسكت السماعة وأنا مندهشة وغير فاهمة لأي شيء مما يجري حولي والحرج يكاد يأكلني :
— ألو .. أهلا دكتور .. ( تستمع بانتباه شديد .. ) .. معقول هذا الذي تقوله .. ؟ غريبة .. يا لها من مصادفة ولا في الافلام .. ما المطلوب مني الآن .. ؟ كيف أصارحه .. دكتور .. لا يمكن ؟ غير معقول .. مستحيل .. طبعا لا .. لا استطيع أن أقابلك .. هل تتصور نحن في باريس مثلاً .. طيب اعطني فرصة افكر وأرد عليك … لن أتأخر أطمئن .. مع السلامة ..
جلستُ وأنا غير مصدقة لما يجري .. يا لها من حوسة .. الدكتور يستنجد بي ويريدني أن اساعده كما ساعدني .. ثم جاء زوجي وقال غاضباً :
— لعلمك انا أعرف كل شئ .. كذابة .. لم تكوني عند أمك .. والمرأة التي تكذب تفعل كل شئ ..
قلت بعصبية وانفعال شديدين .. كأني فاض بي .. وأكاد أن أنفجر :
— وماذا عن الرجل الذي يكذب ويخون .. ملاك باجنحة .. ؟ استحي يا رجل .. كل البلاوي من تحت رأسك .. انك تكاد أن تفقدني صوابي ..
قال بعد فترة صمت قصيرة والغيرة تكاد تقتله :
— ماذا يريد عشيقكِ .. ( لا تجيبه .. ثم ) يبدو اننا لا نصلح لبعض ..
— فليكن .. لكن دعني أذهب لاقابله وأسمع منه وبعدها لك أن تفعل ما تريد ..
— ماذا تتصورين .. اني ديوث أقبل على نفسي أن تقابل زوجتي رجل غريب لوحدها ..
— خلي الطابق مستور مثل ما يقولون .. ولا داعي للملاسنة .. اعتبره موظف معي في العمل .. انا التقي يوميا بالعشرات .. اشمعنى الدكتور ..
صمتَ فترة طويلة .. ثم خرج عن صمته وقال :
— سأرافقكِ .. سأتصل به ونحدد موعد ..
— يريدنا أن نلتقي في بيتهم ..
— فليكن .. في بيتهم في بيتهم .. مو مشكلة .. !
وذهبنا الى بيت الدكتور بعد أن أملى العنوان على زوجي .. والموضوع الذي سنبحثه مع زوجة الدكتور ، وليس مع الدكتور ، ونحاول اقناعها بأن زوجها برئ .. كما أنا بريئة .. والمسألة لم تكن تتعدى أن تكون ملعوب برئ القصد منه اعطاء درس للزوج الخائن .. وبعد أن جلسنا ، وتكاشفنا .. ووضعنا كل شيء في نصابه الصحيح .. ضحكنا على المصادفة الغريبة .. وتبادلنا المجاملات والنكات وتم التعارف بيننا .. والأهم أن زوجي أعلن التوبة أمام اللة والحضور .. وأعطى وعداً على نفسه أن يترك هذه الأمور لأهلها .. وسامحته من كل قلبي .. ومع ذلك لن أثق به مائة بالمئة .. أليس هو من صنف الرجال ؟ والرجال بطبعهم خوانون .. هكذا تقول لي أمي دائماً .. وتحذرني .. أحذري بنتي بشورة .. عينك عليه دائماً .. نامي بعين وعين مفتحة .. بنتي صيري سباعية مو مثل أمك .. أف من أبوكِ !
انزويت بزوجة الدكتور وقلت لها :
— عندك زوج رائع .. !
نظرت الي نظرة خوف وشك وريبة .. فهمت .. فقلت لها :
— اطمئني سيدتي أني أحب هذا الملعون زوجي ولست على استعداد لمبادلته بأي رجل آخر مهما كان رائعاً ..
لكن الدكتور وقف فجأةً وقال كأنه يلقي خطاباً :
— يا جماعة .. أدفع نصف عمري وأعرف من هذا الذي رآنا .. أنا والمدام .. ( وهو يشير اليّ ) .. وأوصل الخبر الى زوجتي .. ؟!!

( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا