الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحتلال الأميركي لدول ذات سيادة بحجة التدخل الانساني ونشر الديمقراطية

ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)

2022 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


مع نهاية الحرب الباردة وانهيار جدار برلين ، في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، سقط النظام الدولي الذي جرى وضعه في نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد أدى ذلك لإختلال البنية القانونية والتفاعلات الواقعية النابعة من توزيع القدرات في النظام الدولي، مما أدى إلى الاضطراب في العلاقات الدولية، أدت إلي تداخل الشؤون الداخلية للدول بالعلاقات الدولية، وبروز مفهوم التدخل الإنساني من جانب القوى الكبرى، التي تملك القدرة العملية على القيام بكل ما تريد بعيداً عن البنية القانونية الدولية، ثم تقديم الحجج التي تجعل هذا العمل مقبولاً من قبل المجتمع الدولي. وكانت مواقف بعض الدول الكبرى من مبدأ التدخل متناقضة إلي حد كبير. فعقب الثورة الفرنسية أعلنت فرنسا تمسكها بمبدأ عدم التدخل ضماناً لعدم الاعتداء علي حرية الشعوب، ولكنها أعلنت أنها ستقف إلى جانب الشعوب التي ترغب باستعادة حريتها، أي أنها أعلنت تمسكها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى. وقد أعلنت الولايات المتحدة المبدأ المعروف بمبدأ “مونرو”؛ و كان هذا المبدأ ناتجاً بشكل مباشر عن سياسة التدخل لصالح المشروعية التي اتبعها الحلف المقدس في بداية القرن التاسع عشر بعد هزيمة نابليون. فقد كانت دول الحلف تميل إلي مد سياساتها التدخلية إلي أميركا؛ وإن تساعد أسبانيا في استعادة سيطرتها علي المستعمرات الأسبانية في أميركا الجنوبية، التي أعلنت استقلالها واعترفت بها الولايات المتحدة كدول مستقلة ذات سيادة. ولتجنب الخطر الوشيك، صرح الرئيس الأمريكي “جيمس مونرو” في رسالته السنوية إلي الكونجرس في 2 ديسمبر 1823، عن ثلاث نقاط مختلفة تماماً ولكنها متساوية الأهمية:
1ـ فيما يتصل بالحدود غير المستقرة في شمال غرب القارة الأمريكية، أعلنت الرسالة أن: “القارة الأمريكية من خلال وضعها الحر والمستقل، الذى استطاعت فرضه والحفاظ عليه، هي من الآن فصاعداً لا يمكن اعتبارها خاضعة للاستعمار المستقبلي من قبل أية دولة أوروبية”. هذا الإعلان لم يكن معترفاً به من قبل الدول الأوروبية، وقد هاجمته بريطانيا وروسيا صراحة؛ وفي الواقع فإنه لم يكن هنالك ثمة احتلال لأي إقليم أمريكي، من جانب أي دولة أوروبية منذ ذلك الإعلان.
2ـ استمرار سياسة الرئيس “واشنطن” المُعبَّر عنها في الرسالة التي بعثها عام 1796، والتي تقرر أنه: “في الحروب بين الدول الأوروبية، في مسائل فيما بينهم، فلن نقف بأي جانب، وليس من المتناسب مع سياستنا أن نفعل ذلك......".
3ـ بخصوص تدخل الحلف المقدس فيما بين أسبانيا ودول أمريكا الجنوبية، أعلنت الرسالة أنه في الوقت الذى لم تتدخل فيه الولايات المتحدة، ولن تتدخل في الحروب في أوروبا؛ فإنها من جانب آخر، ومن أجل السلام، فإنها لن تسمح لدول الحلف الأوروبية أن تمد نظامها السياسي إلى أي جزء من أميركا.
ويتبين أن الولايات المتحدة من خلال إعلانها مبدأ عدم التدخل وتمسكها به تجاه الدول الأوروبية، فإنها تبيح لنفسها التدخل في شؤون الدول الأمريكية، إذ يبدو أنها أعطت لنفسها الحق في التحدث عن غيرها من الدول حول مبدأ “مونرو”.
وقد عَمَلت الولايات المتحدة على تأجيج التوترات في جميع أنحاء العالم من خلال شن الحروب وإثارة المواجهات والإطاحة بالحكومات باستخدام القوات المسلحة، وإشعال الحروب والاضطرابات في العديد من البلدان والمناطق. ومن خلال اعتناق ما يسمى بـ"الاستثنائية الأمريكية"، أفرطت البلاد في استخدام معايير مزدوجة مع عدم مراعاة القوانين والقواعد الدولية، حيث أعاقت بشدة التعاون الدولي من خلال الاستفادة من المنظمات والاتفاقيات الدولية لملائمة احتياجاتها، مع التخلي عما يتعارض مع مصالحها؛ فمن خلال التلاعب بالنظام المالي الدولي، استحوذت الولايات المتحدة على ثروة هائلة بينما كانت تغض الطرف عن الجشع والمضاربة، ما أدى إلى اندلاع الأزمة المالية العالمية. وفرضت الولايات المتحدة بشكل صارخ سلطة قضائية طويلة الذراع، لتشعل نزاعات تجارية مع العديد من الدول الأخرى، ولم تتوقف عند أي شيء لقمع أولئك الذين تعتبرهم خصوماً. وحاولت التلاعب بالرأي العام العالمي في الوقت الذي حاولت فيه تصدير قيمها لدول أخرى وشن غزوات ثقافية فيها.
نظريّةُ "التدخّل الإنسانيّ" تستند على افتراض وجود قاعدة قانونيّة آمرة، مُلزِمة لكلّ دولةٍ وفرد، وهي أسمى من التشريعات الوطنيّة ومن الاتفاقات الدوليّة، وتمثّل ما أُطلق عليه "القانون المشترك للإنسانيّة." وللتأكيد على ذلك يقول أبرزُ روّاد هذه النظريّة، أستاذُ القانون الدوليّ في جامعة بوردو الفرنسيّة، أنطوان روجيه: "عندما تكون الحقوقُ الإنسانيّة لشعبٍ ما موضوعَ تجاهلٍ من قِبل حكّامه، يحقّ لدولةٍ أو لمجموعةٍ من الدول التدخّلُ باسم الأسرة الدوليّة لمراقبة هؤلاء الحكّام، ووقفِ أعمالهم، ومنع تجدّدها في المستقبل. فتحلّ سيادتُها، موقّتًا، محلَّ سيادة الدول المُتدَخَّلِ في شأنها"(1).
وعلى الرغم من أن جميع تدخلات ما بعد الحرب العالمية الثانية تقريبًا تمت باسم "الحرية" و"الديمقراطية"، فإن معظمها تقريبًا في الواقع دفاعًا عن الأنظمة الديكتاتورية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة سواءً في فيتنام أو أمريكا الوسطى أو الخليج العربي، فلم تكن الولايات المتحدة تدافع عن "الحرية" بل كانت تحمل أجندة إيديولوجية (مثل الدفاع عن الرأسمالية) أو أجندة اقتصادية (مثل حماية استثمارات شركات النفط)، حتى في الحالات القليلة التي أطاحت فيها القوات العسكرية الأمريكية بـ"الديكتاتورية" - مثلما حدث في غرينادا أو بنما - فإنهم فعلوا ذلك بطريقة منعت شعب البلاد من الإطاحة بديكتاتورهم أولاً، وتثبيت حكومة ديمقراطية جديدة.
الشعارات "الإنسانيّة" التي رفعتها الولاياتُ المتحدة في سوريا، والسعوديّة والإمارات في اليمن، كانت تخفي أهدافًا سياسيّةً وجيوستراتيجيّةً واقتصاديّة. فالوجود السعوديّ ــــ الإماراتيّ في اليمن يُعدّ احتلالًا وانتهاكًا فاضحًا للقانون الدوليّ، ولميثاق الأمم المتحدة. فهو قد تمّ في ظلّ حكومة غير شرعيّة، ومن دون موافقة اليمنيين، وبعد حرب عدوانية لا تزل قائمة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوجود الأميركيّ في شرق سوريا، الذي يضمّ تسعين بالمئة من ثروات سوريا الطبيعيّة.
وتتركز ما تُسمى "التدخلات الإنسانية" في منطقة البلقان في أوروبا، بعد تفكك اتحاد يوغوسلافيا المتعدد الأعراق عام 1992، بقيت الولايات المتحدة تراقب الوضع لمدة ثلاث سنوات عندما قتلت القوات الصربية المدنيين المسلمين في البوسنة، قبل أن تشن غاراتها الحاسمة عام 1995، وحتى ذلك الحين، لم تتدخل أبدًا لوقف الفظائع التي ارتكبتها القوات الكرواتية ضد المدنيين المسلمين والصرب، لأن تلك القوات كانت مدعومة من الولايات المتحدة. وفي عام 1999، قصفت الولايات المتحدة صربيا لإجبار الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش على سحب القوات من إقليم كوسوفو الألباني، الذي مزقته حربًا عرقية وحشية، وأدَّى القصف المكثف إلى عمليات الطرد الصربي وقتل المدنيين الألبان من كوسوفو، وتسبب في مقتل الآلاف من المدنيين الصرب، حتى في المدن التي صوتت بقوة ضد ميلوسيفيتش، وعندما مكنت قوة احتلال تابعة للناتو الألبان من العودة، لم تفعل القوات الأمريكية سوى القليل أو لم تفعل شيئًا لمنع الفظائع المماثلة ضد المدنيين الصرب وغير الألبان الآخرين، كان ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها لاعب متحيز، حتى من جانب المعارضة الديمقراطية الصربية التي أطاحت بميلوسيفيتش في العام التالي.
التدخل الإنساني قد يكون يستغل أحيانا باسم القانون الدولي الذي مرَّ بتطور كبير ، وأطلق على القواعد التي تحمي حقوق الإنسان أثناء النزاعات (القانون الدولي الإنساني) ، هو بمعناه الواسع يقصد به مجموعة القواعد القانونية الدولية التي تكفل احترام حقوق الإنسان ، ومعناه الآخر هو تحديد المشكلات الإنسانية الناشئة بصورة مباشرة عن المنازعات المسلحة الدولية وغير الدولية التي تقيّد حق أطراف النزاع في استخدام طرق وأساليب الحرب التي تناسبها(2). الحقيقة المؤلمة إن الأمم المتحدة بمؤسسا تها ولاسيما مجلس الأمن أصبحت وسيلة وآلية في كثير من الأحيان لتبرير التدخلات لصالح بعض الدول الكبرى لبسط هيمنتها وتكريس سياستها والأخطر من ذلك لم يقم مجلس الأمن بمتابعة العمليات العسكرية وهو ما جعل التدخل يتحول الى عمل انتقامي وتجاوز في خطورته التدخل الإنساني وحق الدفاع عن النفس . لقد تزايد دور منظمة الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية الأخرى لتصبح أكثر انغماسا في الشؤون الداخلية للدول، فضلا عن انعكاسها على مضمون السيادة من حيث تراجع خصائصها ومظاهرها الداخلية والخارجية وهو ما يمكن إن نستشف منه إن مستقبل العلاقات الدولية سيشهد تراجع في ممارسة الدول لكثير من حقوقها السيادية بفعل الآليات السياسية والقانونية. وأصبح هناك تداخل بين ما هو عالمي وما هو وطني. فالشأن الداخلي في العديد من جوانبه أصبح عالميا وان حقوق الدول في التدخل الإنساني وحق الدفاع عن النفس مؤقتة لحين تدخل مجلس الأمن ليتمكن من اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن والسلم الدوليين وان لجوء الدول إلى الحرب أو التدخل بكل إشكاله عمل استثنائي في الأصل العام وان الحرب لا يجوز اللجوء إليها وحق الدفاع الشرعي عن النفس يفترض وقوع عدوان مخالف للقواعد القانونية التي يقررها النظام القانوني. و أصبحت المنظمة الدولية أداة لخدمة السياسة الخارجية الأمريكية. والنظرة الأمريكية ترى إن النظام الدولي الذي نشأت في ظله الأمم المتحدة بصورتها الراهنة قد تغيّر تماماً ً وأصبحت الحاجة الأمريكية تهدف إلى أمرين؛ الأول: تقويض كافة المؤسسات الدولية والإقليمية التي تُشكِّل عقبة في طريق الطموح الأمريكي والثاني: إفساح المجال إمام تجمعات جديدة تمثل الهيمنة الأمريكية مثل مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى وحلف الناتو لتأخذ دورا أوسعاً. إن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بالعديد من أعمال العدوان والتدخلات العسكرية في كثير من دول العالم تحت ذريعة التدخل الإنساني كالذي حصل في (نيكاراغوا) حيث رفضت محكمة العدل الدولية فكرة التدخل العسكري والحجج الأمريكية .وأوضحت المحكمة أن استخدام القوة ليس أسلوبا مناسبا لضمان احترام حقوق الإنسان من قبل الدول ، فليس هناك تناسب بين استخدام القوة وبين العمل من اجل ضمان احترام الحقوق الأساسية للدول الأخرى ، وعادةً ما يؤدي استخدام القوة حتى لو كان لأغراض إنسانية إلى أضرار واسعة بحقوق الإنسان في الدولة المتدخل فيها(3).
وفكرة السيادة ليست خالية من الغموض والاضطراب وان مفهوم السيادة اليوم لم يعد كما كان في ظل القانون الدولي التقليدي فما كان بالأمس انتهاكا للسيادة لم يعد اليوم كذلك وإذا كانت سيادة الدول في ظل ظروف طبيعية تثير جدلا واسعا فأن مسألة أخرى في غاية الأهمية أثارت هي الأخرى جدلاً أوسع بين فقهاء القانون الدولي إلا وهي مسألة سيادة الدولة التي تخضع للاحتلال عن طريق ما يسمى بالتدخل الإنساني مع وجود المشكلة الأساسية التي هي أن السيادة لا تتفق مع المركز القوي والفعّال للقانون الدولي. وعند الحديث عن مفهوم التدخل الإنساني لابد من القول أن هذا المفهوم ظهر كأحد القيود التي تحد من حقوق الدول في ممارسة السيادة وفقا ً لما حدده لها القانون الدولي من حقوق وواجبات دولية أو يعتبر حق الدولة في الحرية من الحقوق الأساسية في أن تتصرف في شؤونها بمحض إرادتها دون أن تخضع في ذلك إلى إرادة دولة أخرى.
وبعد هجمات الـ11 من سبتمبر عام 2001، أصبحت مكافحة الإرهاب محور الأمن الوطني والسياسة الخارجية لأمريكا. ومنذ ذلك الحين، وبازدواجية معايير وعقلية الحرب الباردة، شنت الولايات المتحدة "الحرب على الإرهاب" في جميع أنحاء العالم تحت ذريعتي "الأمن الوطني" و"الدفاع عن الحرية"، وقسَّمت البلدان إلى معسكرات مختلفة، بل وأسقطت حكومات دول أخرى تحت ستار مكافحة الإرهاب.
أصبح واضحا أن السلوك الأمريكي من خلال الاستراتيجيات المتعددة المعلنة يؤسس لمرحلة دولية جديدة سمتها الفوضى التي هي في صالح تكريس الهيمنة الأمريكية، بحيث أصبح بإمكان هذه الاستراتيجيات تشجيع بعض الدول على الاعتداء على دول أخرى تحت ادعاءات عديدة مثل امتلاك أسلحة محظورة أو السعي لامتلاكها أو دعم الإرهاب وبالتالي تكريس اللجوء إلى القوة لتسوية الخلافات وهو ما سيؤدي حتما إلى تهميش دور الأمم المتحدة في حل الأزمات الدولية ووضع حد لسياسة التدخل في شؤون الدول دون حدود أو ضوابط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار