الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديكتاتورية العامة- الجمهورية

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


هي تلك التي تتحقق حين يملي العامة إرادتهم على أنفسهم بشكل مباشر من دون وسيط، وهي أيضاً التي وصفها أفلاطون كأسوأ أنظمة الحكم الرشيد لتأتي في المرتبة الثالثة بعد حكم الفيلسوف أولاً وحكم القلة ثانياً. كانت هذه الديمقراطية المباشرة هي الوضع القائم في أثنيا أيام أفلاطون، وهي نفسها التي قد حملها أفلاطون المسؤولية عن انحلال المدينة وتفسخها وضعفها، ثم هزيمتها في نهاية المطاف لخصمتها المجاورة إسبرطة، حيث كان يسود حكم النخبة الأرستقراطية. كانت نظرة أفلاطون لعامة الناس نظرة دونية، لأن فيهم بالضرورة الجاهل والأحمق والطماع والشره والشرير والمتهور والمرتشي وقصير النظر والجبان وغير ذلك من مساوئ البشر المعتادة. وقد عاصر أفلاطون بنفسه واقع نظام سياسي أوصل مثل هؤلاء الأشخاص إلى حيث يصنع القرار ويمارس الحكم، في الغالب بنتائج كارثية. من حيث النظرية، اعتقد أفلاطون أن الديمقراطية المباشرة هي النظام الأرشد لكونها التجسيد الحقيقي للإرادة العامة. لكنها، في المقابل، لا تصلح للتطبيق سوى وسط التجمعات الصغيرة الحجم، مثلما كان الحال في الأزمنة الأولى لتأسيس مدينة أثينا. لكن بعدما كبرت المدينة ونضجت وتشعبت إلى الحد الذي أصبحت عليه أيام أفلاطون، أصبح مثل هذا النظام مفسدة كبيرة.

في الديمقراطية المباشرة، يجتمع كل المعنيين بالأمر معاً في مكان يتفق عليه لمناقشة الأمر والتوصل إلى قرار بشأنه، ويحددون آلية تنفيذه والجهة التي تنفذه وتبعات عدم الامتثال. وفي النهاية، هم المراقبون لصحة التنفيذ وهم المحكمة العليا ذات الاختصاص الحصري للحكم إما بتسوية الأمر أو بإعادة طرحه للنقاش من جديد. مثل هذا الوضع قائم بالفعل منذ القدم وسط المجموعات البشرية عبر كل أرجاء العالم. وفي المنطقة العربية، سنجد معادلاً له فيما لا يزال يعرف بالجلسة العرفية أو القبلية أو العشائرية، أو ما نسميه في مصر ’قعدة عرب‘. لكن، من جهة أخرى، إذا كانت هذه الآلية لصنع القرار وتنفيذه تصلح داخل مجموعات صغيرة وبخصوص مسائل معينة، فهي بالتأكيد ليست كذلك حين يكثر عدد المجموعة وتزداد المسائل المطروحة للنقاش تشعباً وتعقيداً. وهي نفسها التي قد أدت، في نظر أفلاطون، إلى الهزيمة المذلة لمدينته أثينا وتحول الأثينيون أنفسهم إلى عبيد لدى جيرانهم الإسبرطيين.

من الناحية النظرية، كان أفلاطون يرى أن كل رجل حر لابد من أن يملك إرادته بيديه، لأن الفرق بين الحر والعبد هو في كون إرادة الأخير ملك للأول. ومن لا يملك الإرادة لا يملك القرار، حتى لو كان قراراً شخصياً. السيد هو المالك لإرادة العبد، وهو الذي يقرر له، سواء كانت القرارات عامة أو حتى شخصية. لهذا، كان لابد وأن يشارك كل رجال أثينا الأحرار بأنفسهم في مناقشة وتقرير مصلحتهم العامة، عبر الاجتماع معاً والتناوب على مناصب الحكم سواء بالدور أو بالقرعة، بما يكفل- كونهم أحراراً- المساواة بينهم جميعاً. لكن مثل هذا الوضع، في مدينة كبرى مثل أثينا زمن أفلاطون، كان يأتي بنتائج عكسية، حيث يسود الصخب والفوضى ويصعب التوصل إلى أي قرار حكيم. وحتى لو تم التوصل إلى هكذا قرار، قد تجد أن شاغل المنصب المنوط بالتنفيذ إما جاهل أو فاسد أو ضعيف أو قصير النظر. وحتى لو لم يكن، وصادف القرار شخصاً تنفيذياً كفوء في موضع القيادة والتنفيذ، فهو لن يستمر في منصبه أكثر من عام واحد ليخلفه آخر إما بالدور أو القرعة، الأمر الذي لا يضمن أي استمرارية أو استقرار حقيقي لدولة المدينة.

لقد وقع الفيلسوف أفلاطون في معضلة فلسفية كبرى وفشل في أن يجد لها حلاً أو مخرجاً عملياً. فالفضيلة (الحرية) عنده هي معادل الإرادة الحرة، وكل رجل حر لابد أن يملك إرادته، أو أصبح عبداً. والنظام السياسي الحاكم لرجال أحرار لابد أن يكون معبراً (بشكل مباشر) عن إراداتهم الحرة جميعاً، وإلا أصبحوا مستعبدين له مثل العبد لسيده. لكن، في الوقت نفسه، كلما كثرت هذه الإرادات الحرة، مثلما كان الحال في أثينا، كلما ازداد الصراع والتناحر فيما بينها وأصبحت أقرب إلى الفوضى منها إلى التوصل لأي قرار مهما كان سيئاً. وحتى في حال التوصل، قد لا تجد من يقدر على إنفاذه. فهذا الوضع الأفضل نظرياً كانت عواقبه كارثية على أرض الواقع ودفعت أثينا أفلاطون استقلاليتها ثمناً له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام