الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بكره العيد وبنعيد، محمد سرسك

مهند طلال الاخرس

2022 / 10 / 22
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


بكره العيد وبنعيد كتاب من القطع المتوسط لمحمد سرسك، وهو عبارة عن مجموعة قصصية تقع على متن 75 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب من اصدارات الفينيق للنشر والتوزيع في الاردن 2022.

هذه المجموعة القصصية كتبت بلغة سلسة ومكثفة ومزدحمة بالتأويلات والاستنباطات، فبين سطورها كثير مما لم تبح به، واكتفت بالتلميح والترميز، وهذا ما يجعل القاريء يذهب الى عوالم اخرى تمتد وتتسع، لكنها جزما لن تبتعد عن عام النكبة 1948وما تلاه من تشريد ومحن ونشوء المخيم حتى النهوض من تحت اكوام الركام، ومن ثم اعادة التموضع والاتكاء على مجموع الهزائم والنكبات والخيبات حتى الثورة وولادة الانسان الفلسطيني من جديد، وهذه الولادة شملت الفلسطيني في كل المجالات واحد معالم نهوضها وارتقائها هذا النص (الشهادة)..

وفعل الولادة هنا كان احد ثماره فتى النكبة والمخيم محمد سرسك. فلا يخفى على القاريء المتفحص ان صاحب هذا القلم هو ابن هذه التجربة وابن هذه المعاناة، فمثل هكذا صور في الكتابة لا ينجح بالتقاط حيثياتها إلا ابن الوجع والمخيم والقضية، ومن هنا ولدت وكانت هذه المجموعة بهذا الحس المرهف.

في هذه المجموعة القصصية نجح صاحبنا بتصوير مشاهد عدة لحياة وعوالم الاسرة والافراد في المخيم، وهذا ما عبر عنه صاحبنا بصورة جلية في الصفحة 7 من الكتاب بالتقاطه لحكمة روسية يقول صاحبها:" من بين مهام الادب العظيمة تسجيل العوالم الفريدة قبل انقراضها نهائيا" وهذا ما ذهب اليه صاحبنا، حيث جعل من هذه الحكمة او المقولة مخططا يحدد ما هو ذاهب اليه في عمله هذا.

ففي هذه المجموعة ومن خلال قصصها 12 اقتدى سرسك بهذه الحكمة حيث عمل كجواهري محترف وكمصوراتي بارع، فنجح بالتقاط اجمل الصور واشدها وجعا وتأثيرا في حياة ابناء المخيم والنكبة، وعمل عمل الجواهري المبدع باتقان، فصاغ اجمل القصص والحكايات ونجح بانتزاعها من فم الالم والنسيان، لتأخذ مكانها الطبيعي بين دفتي هذا الكتاب.

من خلال القصص 12:" الفرن الذي غرق، بكره العيد وبنعيد، الوجبة، انا والاخر، السيد، امي امراة، الكرة المخروقة، الجدث، الموت المبكر، دبحت بعضها العصافير، رجل من اضنة، عرام" نجح سرسك بتناول موضوعات عايشها كل جيل النكبة، لذا فهي من هذا المنظور جائت سيرة جمعية تتشابه مع حياة افراد المخيمات وابناء النكبة حيث كانوا، لذا فهذه المجموعة تختلط فيها الاجناس الادبية وتتداخل مع بقاء السيرية الجمعية اطار جامع يتشارك بصياغة احداثه ابناء المخيم والجيل الثاني من النكبة.

في هذا الكتاب مجموعة من القصص والذكريات التي تبقى عالقة في اذهان كل من عاصر تلك المرحلة، ولن يتمكن النسيان منها مهما بلغت وكثرت صفحات مأسيه بحق الشعب الفلسطيني، وان حصل وغابت او اختفت الى حين، فلا تلبث هكذا اقلام مثل قلم صاحبنا سرسك من استدعائها من خابية الحنين وركام الذكريات.

هذا الكتاب دليل حي على يقظة الذاكرة وحراسها القابضين على الجمر، فلا صخب الحياة ولا محاولات الطمس والتغييب بقادرة على ان تُنسي جيل النكبة واللجوء تلك المرحلة، او تلك الصور والمحطات الفارقة في حياتهم، فتلك الصور ستبقى عالقة في الذاكرة وفي صفحات التاريخ ، اما ان سألت عزيزي القاريء لماذا، ساجيبك بما كانت تردده جدتي هيجر ومن خلفها والدتي مريم:" عمره الاسى ما بينتسى"، اما الكاتب سرسك فقد عبر عن اسبابه تلك على ظهر الصفحة 56 حين قال:" تبقى الذكريات كنقش في الروح فلا تذوب مع اعضائنا او انفعالاتنا".

في مجمل قصص المجموعة نجح سرسك بعين المصوراتي المحترف وبقلم ابن المخيم والنكبة صاحب القضية ان يلتقط اهم وابلغ الصور، وتلك الصور يشترك فيها الكثيرين، لكن تبقى تلك الاهزوجة "بكره العيد وبنعيد" هي الاجمل والاكثر حضورا وتأثيرا، اذ كان التقاط حكايتها واعادة الحياة اليها مميزا جدا، ولازمه التوفيق اكثر حين احسن صنعا باختيارها عنوانا لمجموعته القصصية التي بين ايدينا، وذلك لما لها من وقع على اسماعنا ومخيالنا الجمعي، فهي تعبير حي ومكثف عن مسيرة جيلنا الذي تربى وعاش تحت ظل الخيمة واغتسل كثيرا تحت حبات المطر.

في هذه القصة"بكره العيد وبنعيد" الواردة على ظهر الصفحات من 17-23 عوالم تتفتح وذكريات تنفجر حين ياخذك سرسك نحو ليلة العيد وطقوسها واهازيجها، ويمتد حنين الذكريات لديه حتى صباحات العيد وطقوسه المرافقة، من زيارة المقابر واجوائها والعيدية واحوالها ومقاصدها، ونية امه ومقصدها وحُسن تدبيرها وتوجيهها لدروب صرفها وانفاقها..

هذه الاهزوجة بكره العيد وبنعيد... والتي اصبحت كلماتها متلازمة غنائية لدينا مع اطلالة كل عيد والتي تقول كلماتها:
بكره العيد وبنعيد، وبنذبح بقرة السيد، والسيد ماله بقره، بنذبح بنته هالشقرة، والشقرة ما فيها الدم، بنذبح بنت العم العم ..هذه الاهزوجة نجح سرسك باستنطاقها وتفكيك لغزها ومغزاها حين امتلك القدرة على استدعائها وتوظيفها في سياق نصه ليخرجها لنا باجمل حُلّة تستعيد لنا كل تلك الذكريات التي اختفت فجأة، ثم ما لبثت ان استفاقت من تحت الركام رغما عن الاهوال والايام.

هذه القصة بالذات "بكرة العيد وبنعيد" تعود للظهور من جديد في هذا الكتاب، كما لو ان الريح سرقتها في يوم عاصف، ونثرت حروفها على طول المدى والايام، ثم جاء صاحبنا ولملم شتاتها وبث فيها وفينا الحياة من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الحالة الرابعة لنزع حجاب المتظاهرات.. هل تتعمده الشرطة ا


.. استشهاد طفلين وإصابة آخرين إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا




.. طلاب جامعة بيرزيت يطردون السفير الألماني من المتحف الفلسطيني


.. نتنياهو: سنواصل الحرب حتى تحقيق أهدافها كافة بما في ذلك تنفي




.. باتيل: إذا لزم الأمر سنحاسب مرتكبي الجرائم بقطاع غزة