الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية الليبرالية بين مجتمعات (الحديقة) ومجتمعات (الغابة)!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2022 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


سؤال للتدبر :((هل يمكن أن تجر (الديموقراطية الليبرالية) مجتمعات (الحديقة) كبريطانيا نحو (الغابة)!!؟؟))
*******************
في الوقت الذي يعاني فيه العالم وأوروبا وبريطانيا من التداعيات الاقتصادية الخطيرة لأزمة كورونا ثم أزمة هجوم بوتين على أوكرانيا واقتطاع عدة أقاليم منها وضمها إلى روسيا الاتحادية، نجد الصراع السياسي السلطوي الحزبي بل والشللي بل وربما الشخصي يحتدم بشكل محموم بين النخب السياسية في بريطانيا (!!)، ليس بين حزب العمال وحزب المحافظين وحسب بل بين أجنحة وشلل تتصارع داخل حزب المحافظين على زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، وكذلك الشيء نفسه داخل حزب العمال!!.. صراعات محمومة على السلطة والقيادة والزعامة تسقط - في خضم ووطيس الخصومة السياسية والشخصية - أحيانًا في هاوية الاسفاف والمهاترات والسعي إلى تلويث سمعة الخصوم بالحق والباطل على طريقة (الغاية تبرر الوسيلة) مما يعكس حالة افلاس اخلاقي مفضوحة تعاني منها مجتمعات (الحديقة) (الغرب)، في أمريكا وأوروبا الغربية، بشكل مفضوح حيث معقل الديموقراطية الليبرالية !، هذه الديموقراطية الغربية - ديموقراطية الحديقة - التي كانت - ولوقت قريب - تلهب مشاعر الحالمين بمجتمع العدالة والحرية والمساواة في كل أنحاء المعمورة(!!)

إن هذا الافلاس الاخلاقي المتزايد في الغرب خصوصًا عند النخب السياسية - ربما - هو ما يفسر حالة خفوت بريق النموذج الديموقراطي الليبرالي الغربي ليس لدى الشعوب الأخرى التي تحلم بالديموقراطية في العالم الثالث والثاني فقط بل ولدى الشارع الغربي نفسه!!...هذا الأمر الذي ربما بدوره يفسر حالة صعود نجم (اليمين الوطني والقومي المتشدد) في الغرب في مواجهة (التطرف الليبرالي) الذي تسبب - في نظرهم وفي نظرنا أيضًا - من جهة في تزايد الهجرة غير النظامية للغرب (حديقة العالم) من دول العالم الثالث والثاني (الغابة) مما يهدد بالفعل على المدى البعيد الخصوصيات الثقافية والوطنية للمجتمعات الوطنية الغربية ويهدد هدوء ونعيم أهل (الحديقة)!!، ومن جهة تسبب هذا التطرف الليبرالي في تزايد موجة (المثلية) التي تعمل على تقويض النظام العائلي والطبيعي للمجتمعات الغربية بطريقة أسرع واخطر مما عملته (الحرية الجنسية) و(الاباحية)!!، فأشد ما يهيج حركة اليمين الوطني والقومي والاجتماعي في الغرب هو هاتان المسألتان، الأولى: مسألة تزايد موجة الهجرة غير النظامية من مجتمعات غريبة (مجتمعات الغابة) أو (البرابرة الجُدد!؟) وزحفها نحو المجتمعات الغربية (مجتمعات الحديقة) مما يهدد خصوصياتها وهويتها الوطنية ((الاستبدال الكبير)) بل ويهدد رفاهيتها الاجتماعية، والمسألة الثانية: هي تزايد موجة المثلية التي تهدد النظام الطبيعي والعائلي للمجتمعات البشرية!!.. وهما موجتان تسبب في حصولهما كما ذكرنا (التطرف الليبرالي) الذي يعني التمادي في (النزعة الانسانية) (الحالمة) ولو على حساب (النزعة الوطنية) التي أساسها الهوية القومية والوطنية والثقافة والخصوصية الاجتماعية للمجتمع الوطني من جهة، ومن جهة أخرى التمادي في التسامح مع (الحرية الفردية) ولو على حساب النظام العائلي والاجتماعي الطبيعي للمجتمع الوطني!

وهكذا وفي ظل هذه المعاناة والأزمات الشديدة التي تتخبط فيها المجتمعات الغربية (مجتمعات الحديقة) وخصوصًا في أوروبا بسبب أزمة الطاقة، وبدلًا من أن تتوحد الجهود والصفوف للنخب السياسية والحزبية في أوروبا لمواجهة تداعيات الحرب التي يشنها (بوتين)، رجل شرق أوروبا القوي، على أوكرانيا بغرض قضم و التهام بعض أجزائها وضمها بالقوة للاتحاد الروسي واستخدام سلاح الطاقة وورقة الردع النووي لتخويف أوروبا كورقة تهديد بإغراقها في الفوضى السياسية وتهييج الشوارع الغربية ضد حكوماتها إذا عملت على الوقوف ضد تحقيق هذا الحلم القومي الامبراطوري الروسي، بدلًا من هذا، أي توحد النخب السياسية، في بريطانيا، لمواجهة الخطر الروسي ومن خلفه الغول الصيني، نجد العكس هو الذي حدث!!... تشرذم وتبديد للطاقة السياسية للدولة وسط صراع محموم على السلطة والحكم!.. ليس بين الحزبين الرئيسيين فقط، المحافظين والعمال، بل وبين الشلل والأجنحة المتنافسة والمتصارعة داخل كل حزب !!، تلك الأجنحة والشلل التي تتصارع على رئاسة الحزب كخطوة لرئاسة الحكومة!!.... ووسط هذا الصراع وعدم الاستقرار السياسي تزداد الأزمة الاقتصادية والمعيشية استفحالًا وسوءًا ويزداد الشارع البريطاني قلقًا وتشاؤمًا !!.

وفي المقابل فإن هذا الوضع الغامض وغير المستقر يشجع ويهيّج ليس أنصار اليمين المتطرف فقط بل وأيضَا أنصار اليسار المتطرف (الفوضويين والشيوعيين) اللذين - وبالرغم من كل العداء الايديولوجي بينهما والاختلاف الجذري بين مشروعيهما ورؤيتهما للبديل- تتقاطع رغبة وأمنية كل منهما في نقطة مشتركة وهي أن يريا يومًا ينهار فيه الحزبان التقليديان (المحافظ والعمال) بل ويتمنيان تقويض النظام الديموقراطي والليبرالي القائم برمته واحلال محله البديل (الجديد!!؟؟) كما أخبرني أحدهم في حوار مباشر معه منذ سنوات!، ولذا أتصور من جهة أنهما - في أعماقهما - يتمنيان انتصار (بوتين) في معركته ضد الغرب لأن هذا يعني هزيمة الاحزاب التقليدية القائمة وانحسار شعبيتهما وهو ما يصب في تحقيق المزيد من تألق نجميهما في سماء أوروبا كما حدث في ايطاليا مؤخرًا ، ومن جهة أخرى لا يمكنني أن أستبعد أن تكون المخابرات الروسية وكذلك الصينية تدعمان - منذ عقود - بطرق ملتوية وخفية ومن وراء ألف حجاب وحجاب - هذين التيارين، اليميني المتطرف واليساري المتطرف، باعتبارهما من أشد أعداء التوجه الديموقراطي الليبرالي القائم والسائد بنخبه السائدة التي تتبادل وتتداول الحكم بينها منذ قرون!... هذا التوجه الديموقراطي الليبرالي الذي شهد منذ ثلاثة عقود جنوحًا نحو الغلو والتطرف في (كمية الليبرالية/ الانسانية والفردانية) مما تسبب في زيادة موجة الهجرة (الأجنبية) وزيادة موجة (المثلية) على السواء!!، لا بسبب (الليبرالية) في حد ذاتها كمذهب يُعزز ويُعظّم (الروح الانسانية والفردانية) في المجتمع بل بسبب غلوها الليبرالي الذي ترتب عنه غلوها في التسامح مع الغرباء والأجانب بدعوى تشجيع الوحدة الانسانية على حساب الخصوصية الثقافية الوطنية، والتسامح مع الشاذين جنسيًا بدعوى تقديس الحرية الفردية وحرية التعاقد الحر بين الافراد!!، ولهذا نلاحظ في خطاب بوتين وفريقه السياسي والاعلامي والثقافي التركيز من جهة على مسألة احترام الخصوصيات الثقافية والدينية والوطنية من جهة ومن جهة أخرى على محاربة المثلية... وهي نقطة التقاء واضحة بين خطاب اليمين الوطني في أوروبا الغربية واليمين الوطني في أوروبا الشرقية والذي يأتي بوتين وفريقه السياسي والايديولوجي على رأسه!

شخصيًا لا أعتقد أن المشكلة في (الديموقراطية الليبرالية) في حد ذاتها ، فالديموقراطية الليبرالية - حتى الآن - هي أفضل وأكرم نظام سياسي انساني يليق بالبشر، وإن شئت يمكنك أن تقول: ((أفضل الانظمة الموجودة السيئة)) أو ((أفضل ما يمكن)) أو ((أفضل الموجود)) لكن تبقى الاشكالية بالفعل تكمن في ((التطرف والغلو)) الليبرالي أي في غلو (المذهب السياسي الانساني الفرداني) على حساب القيم الجماعية الاجتماعية التي بلا شك هي جزء أصيل في مفهوم الانسانية تمامًا كما هو حال القيم الفردانية ومفهوم فردانية الانسان!، فالمبالغة في التسامح مع الحرية الفردية على حساب النظام الاجتماعي والعائلي الطبيعي للمجتمع الوطني وعلى حساب خصوصيات كل مجتمع وطني بلا شك هو تصرف غير سليم وغير حكيم وغير رشيد، والعكس صحيح أيضًا، وكما تقول (الحكمة الشهيرة)): ((كل ما زاد عن الحد انقلب للضد)) !!، فطغيان الحرية الفردية ينتهي بالنهاية إلى رد فعل اجتماعي وثقافي (أصولي)، وطني أو قومي أو ديني أو بخليط منها جميعًا، ضد الليبرالية مما يُسهّل - بالمحصلة - الطريق أمام عودة أو اقامة أنظمة حكم جماعية (شعبوية وشمولية) بخطاب وطني أو ديني أو قومي أو عرقي - أو بمزيج منها جميعًا - تضيّق الخناق على حريات وحقوق الافراد الأساسية بدعوى حماية مصالح وهوية الأمة وحقوق الجماعة الوطنية!!

والصلاح في اعتقادي انما يكون في العدل والاعتدال، وفي التوزان بين حقوق الافراد وحقوق جماعتهم الوطنية !! ... التوازن بين هويات الافراد وهويتهم الأم الجامعة (هويتهم الاجتماعية/الوطنية)، فلا هذا يطغى على ذاك، ولا ذاك يطغى على هذا .... وهذا هو الطريق!
هذا رأيي فما هو رأيكم !!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قرار أميري بحل مجلس الأمة الكويتي وتعليق العمل بعدد من مواد


.. تسلسل زمني لأبرز الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله.. فما هي أ




.. دولة الإمارات ترفض تصريحات نتنياهو بشأن المشاركة في إدارة قط


.. عبر الخريطة التفاعلية.. لماذا قرر جيش الاحتلال الإسرائيلي ال




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في رفح جنوب قطاع غزة