الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رياضيون بقبضات مرفوعة

الطاهر المعز

2022 / 10 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


رياضيون مناضلون
بمناسبة نشر كتاب سيرة ذاتية لأحد مشاهير كرة السلّة الأمريكية
إلى الأبطال الذين ضحُّوا بالشهرة والمَجْد والمال، من أجل الدّفاع عن قِيَم العدالة والمُساواة
يكسب مشاهير الرياضيين المُحْترِفِين الكثير من المال، ما يجعلهم مُصَنّفِين ضمن الأغنياء الذين يسعون لاستثمار الأموال في مشاريع مربحة، ونادرًا ما يهتم مثل هؤلاء الرياضيين بمسائل الفقر أو انعدام المساواة أو قضايا الإستغلال والإضطهاد، ونادرًا يناضل هؤلاء الرياضيون من أجل قضية عادلة أو ينددون بعنف الشرطة، كشكل من أشكال العنف المؤسسي، لكن تخلى بعض الرياضيين عن توقيع عقود مع شركات متعددة الجنسيات تستغل عمالة الأطفال، وسجّل التاريخ للرياضيين السّود الأمريكيين التزامهم بقضايا مقاومة التمْيِيز، على غرار بطل الملاكمة محمد على كلاي الذي رفض أمْرَ تجنيده وإرساله إلى فيتنام، وحُرِمَ بذلك من للقب بطل العالم للوزن الثقيل ومن ممارسة الملاكمة لفترة خمس سنوات، وأبطال ألعاب القوى في أولمبياد مكسيكو 1968 وغيرهم من اللاحقين أو السّابقين، وأهمّهم "جِسّي أوينز" الذي أغاظَ "أدولف هتلر" لمّا فاز بأربع ميداليات في أولمبياد برلين سنة 1936، أو بطل كرة السّلّة "بيل راسّل"، الحاصل على 11 لقب بطولة، الذي تحول مع فريقه "بوسطن سلتيكس"، سنة 1961، ورفض النادي المنافس بمدينة "لكسينغتون كنتكي" مشاركة لاعب أسود على ميدانها، فقاطع كافة لاعبي نادي بوسطن المقابلة...
كان جاكي روبنسون أول أمريكي أسود يلعب في الدوري المحترف لرياضة البيسبول، سنة 1947، ورفض مالكو الأندية اللاعبين السّود لكن مدير نادي "بروكلين دوغرز" (ليو دوروتشر ) أعلن إنه لا يهتم بلون اللاعب وإنما بمواهبه ، وكان جاكي روبنسون معروفًا بنشاطه ضد العنصرية ومن أجل المُساواة، حتى وفاته سنة 1972، وصرّحَن قبل وفاته بأيام قليلة: "أنا فخور وسعيد للغاية، لكنني سأكون أكثر سعدةً وفخرًا وفخورًا عندما يتولى مسؤول أسود إدارة نادي للبيسبول".
خلال الألعاب الأولمبية بمكسيكو سنة 1968، فاز العدّاء "تومي سميث" بالميدالية الذهبية و"جون كارلوس" بالميدالية البرونزية في سباق 200 متر، ولمّا تم رفع العلم الأمريكي وعزف النشيد القومي، يوم 16 تشرين الأول/اكتوبر 1968، طأطأ العدّاءان رأسيْهما ورفعا قبضَتَيْهِما، تضامنًا مع إخوانهم من الأمريكيين السّود، بعد بضعة أشهر من اغتيال القس مارتن لوثر كينغ يوم الرابع من نيسان/ابريل 1968، ويُشكّل رفع القبضة المُغلّفة بالأسود علامة انتماء للمنظمة الثّورية "الفُهُود السُّود"، ما سَبَّبَ لهما استبعادهما مدى الحياة من الألعاب الأولمبية، وتلقّيَا تهديدات عديدة بالقتل.
من أهم الأحداث التي جسّدت التزام بعض الرياضيين بالقضايا العادلة، شهدت الرياضة الأمريكية المحترفة، سنة 2020، سلسلة من الأحداث، انطلقت خلال تصفيات الدوري الاميركي لكرة السّلّة بين نادي (Milwaukee Bucks ) وأورلاندو ، قرر لاعبو ميلووكي باكس الإمتناع عن المشاركة، احتجاجًا على إطلاق ضابط شرطة النار وقتل المواطن الأسود "جاكوب بليك" في كينوشا بولاية ويسكونسن، ثم تضامن معهم نجوم الدوري الاميركي لكرة السلة للمحترفين ( إن بي أي) ولاعبو دوري البيسبول والهوكي وكرة القدم والتنس...
كان "كريم عبد الجبّار" من أهم لاعبي كرة السّلّة وأعلن مقاطعته للألعاب الأولمبية بمكسيكو سنة 1968، بعد القمع الرهيب الذي تعرض له المتظاهرون المكسيكيون، بين آذار/مارس وأيار/مايو من نفس السنة، ودعمه بعض الرياضيين السود الذين تعرضوا للنقد والشتائم "والتشكيك بوطنيتهم"...
محمود عبد الرؤوف، نموذج البطل الرياضي المناضل، أو العزيمة كعلاج لمرض مزمن وخطير
نشر لاعب كرة السّلّة الأمريكي "كريس جاكسون" ( محمود عبد الرّؤوف) سيرة ذاتية، سنة 2022، بعنوان في رمشة عين ( In the blink of an eye )
مُقتطفات من الكتاب:
كل يوم ، كل دقيقة ، كل ثانية ، كان عليّ أن أتعامل مع هذا المرض ذي الإسم الغريب "متلازمة توريت" (Tourette s syndrome )... كل يوم هو صراع. يجب أن أُكافح طيلة الوقت في الحياة اليومية، دون الاعتماد على أحد، ودون الإهتمام بردود أفعال الأشخاص الذين ألْتَقِيهِمْ والذين لا يعرفونني جيدًا ... أحيانًا، عندما أذهب للتدريب، يجب أن أكافح منذ الصّباح لأرتدي ملابسي، وأحاول أن أدخل قميصي لمدة عشر دقائق، لأنني لا يجب أن أظهر كَمُهْمِل لهندامي، وأنا أشعر بالفشل عندما لا أتمكّن من القيام بما أُريد، ثم يجب أن أقضي عشر دقائق لأتمنكّن من ربط حذائي، ولا يعرف النّاس مدى الصعوبة التي ألاقيها للقيام بأشياء من هذا القبيل في الحياة اليومية...
في التاسعة من عمري، أكّد الطبيب إصابتي ب"متلازمة توريت" وفي نفس الوقت أُتِيَحت لي الفرصة لفهم أن كرة السلة هي الطريقة الوحيدة للتغلب على المرض (وليس المرض نفسه، فهو غير قابل للعلاج) ولم يكن الأمر مجرد شيء أردت القيام به، بل كان عليَّ القيام به، ولم تكن هناك خيارات عديدة بالنسبة لي، ولذلك اختلفتُ مع عائلتي وخالفتُ أمر أُمِّي، ولا زلتُ أذْكُرُ تلك الأوقات التي شحذَتْ عزيمتي وإرادتي وبدأتُ مستعدًّا للتضحية من أجل إنجاز هدف حَدّدْتُهُ بنفسي...
بعد حادثة رفضي الوقوف للعلم والنشيد الوطني، تغيّر اتّجاه مسيرتي، فقد كُنْتُ في أوج النّجاح في حياتي المهنية والرياضية، وتغيَّر الأمر، فأدركت أن كل هذه الأشياء حدثت لسبب ما، وكنتُ بحاجة إلى المرور بها لأكون حيث أنا الآن. أنا بالتأكيد في وئام مع نفسي، فقد صَنَعَتْنِي الأحداث التي مَرَرْتُ بها، وشكلت شخصيتي التي ترونها اليوم...
عاد كريس جاكسون (محمود عبد الرؤوف ، منذ 1991) إلى الواجهة بأحداث معينة ، بما في ذلك حركة Black Lives Matter. لا يزال أحد أكثر الشخصيات تعقيدًا في تاريخ بطولة كرة السلة الأمريكية ، الدوري الاميركي للمحترفين. يعتبر أحد نجوم كرة السلة الأمريكية من 1988 إلى 2011.
ولد "كريس جاكسون" (محمود عبد الرّؤوف) يوم العشرين من آذار/مارس 1969، وكان مُصابًا بمرض غريب، إلى أن شَخَّصَ الطبيب (عندما بلغ كريس سن التاسعة) نوبات الصّرع، وما يُعرَف ب"متلازمة توريت" (Tourette s syndrome )، وقد يقول المُصابُ بهذا المرض كلمات غريبة أو يقوم بإيماءات غير مُعتادَة، وهو اضطراب وراثي (غير قابل للشفاء) ينتج عن انتقال النبضات العصبية... تغلب كريس جاكسون على المرض لينجح كرياضي (لاعب كرة السّلّة) محترف من الدّرجة الأولى. اعتنق الإسلام سنة 1991، بعد أن اكتشف سيرة مالكولم إكس وأطلق على نفسه اسم محمود عبد الرؤوف. على الصعيد الرياضي ، بذل الكثير من الجهد وفرض نفسه في نادي مدينة "دنفر" بفوزه بلقب الدوري الاميركي للمحترفين وفاز بكأس اهم لاعب بالدّوري الأمريكي لموسم 1992-1993، كما حصل على العديد من الجوائز والألقاب الأخرى العديدة خلال مسيرته الرياضية، ويمتلك الرقم القياسي لأعلى نسبة من الأهداف عبر الرميات الحُرّة في تاريخ الدوري الاميركي للمحترفين، ثم تحول ليلعب في أوروبا واليابان، قبل أن يحترف التدريب، إلى جانب انخراطه في محاربة الجريمة والإدمان على المخدرات.
أثار محمود عبد الرؤوف الجدل عندما رفض الوقوف وتحية العلم الأمريكي قبل المباريات، قائلا إن العلم "رمز للقمع" وإن للولايات المتحدة "تاريخ طويل من الاستبداد"، وفي 12 آذار/مارس 1996، عاقبته إدارة الدوري الاميركي للمحترفين ( NBA ) وتم ايقافه عن مباراة واحدة لرفضه الوقوف، وتفاوضت الرابطة معه على حل وسط، حيث كان عليه أن يقف أثناء النشيد الوطني، لكن يمكنه أن يغمض عينيه وينظر إلى أسفل، وأدّت هذه الحادثة إلى تلقِّيه عدة تهديدات بالقتل، لكن بعد خمسة وعشرين عامًا، ركع اللاعبون أثناء النشيد، ولم تتم معاقبتهم، فكان بذلك من السباقين، وفي عام 2001 ، أحرق أعضاء من مجموعة المليشيات العنصرية "كو كلوكس كلان" منزله في "غولفبورت".
مكّن كتاب سيرته الذاتية من النتعرف على محمود عبد الرؤوف - النجم الرياضي والمعوق ، الأب والإبن، والطالب المُجتهد ، الأخ والعشيق، واللاعب والمناضل السياسي والإجتماعي، المسلم والرجل أسود في مجتمع أمريكي عنصري وطَبَقِي – الذي يصف رحلته الرائعة من غولفبورت بالميسيسيبي إلى الملاعب المزدحمة بالجماهير المُعجبة بلاعبي الدوري الاميركي للمحترفين، كما يفضح الأحداث المدمرة التي حطمت أحلامه.
يُمثل كتابه "في رمشة عين" ( In the Blink of a Eye ) سَرْدًا قويًّا وصادقًا لحياة نجم كرة السلة، الذي خربت حياته المهنية تلك القوى الرأسمالية المتعصبة للبيض، والتي تقود الإمبريالية الأمريكية وجيوشها وثقافتها السّائدة. يصف محمود عبد الرّؤوف الحادثة الشهيرة التي أنهت أحلامه في كرة السلة، ويُعلن أنه ملتزم لاختياره رفض الدفاع عن العلم الأمريكي، ويُدْرِك ويتحَمّل العواقب الوخيمة التي واجهها، ويُؤَكِّدُ أن الإنتقام منه كان مدفوعًا بالعقلية الرأسمالية والعنصرية للرابطة الوطنية لكرة السلة، ويُعلِن إنه فخور بالمناضلين الشجعان الذين تحدوا بلا خجل الوضع الاستعماري الاستيطاني الراهن داخل الإمبراطورية الأمريكية، ويدعم موقفهم.
سبب له مرضه المزمن وغير القابل للشفاء معاناة يومية من التشنجات اللاإرادية والإغماء، ومن الأفكار والوسْواس والسلوكيات القهرية، منذ سن مبكرة، وعانى من عدم السيطرة على جسده وحركاته، فتعلّم أن تكون أفعاله قريبة من الكَمال، وأنقذته كرة السلة فاستخدمها لبناء هويته الخاصة وللدفاع عن نفسه ضد العالم غير العادل الممُحيط به، فتبنى منذ صغره نظام تدريب صارم ومرهق وانفرادي وأحيانًا خطير، إذ يتدرب في ظلام الفجر وخلال هطول الأمطار الغزيرة ولا تمنعه العواصف الرعدية من التدريب.
يعتبر محمود عبد الرّؤوف هذا النّسق من التّدريب القاسي دافعًا له من أجل الحرية والإنعتاق، والتحرر من المرض ومن المجتمع الأمريكي الظالم، لتصبح كرة السلة وسيلة للهروب من مصاعب الفقر، دون لكنه طلب الصدقات، فكل ما يريده هو العدل، ويعتبر نفسه متحدّثًا باسم من لا يمكنه التعبير، وباسم كل من كرس نفسه لمهمة أو هدف نبيل في الحياة، سواء كان رياضيًا أم فنانًا أو أبا أو أُمّا أو مناضلا، في بيئة اجتماعية مليئة بالعُنف وبالفساد...
اتسمت هذه السيرة الذاتية بالوضوح في تشخيص وانتقاد المجتمع الأمريكي، الذي تُشكل اريته ونشيد الرّسمي رُمُوزًا للإستبداد والقَمْع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا