الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان: المعارضة الطائفية وترسيم الترسيم

عديد نصار

2022 / 10 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


للوهلة الأولى، ظنَّ البعضُ أن أحزاب المعارضة الطائفية اللبنانية سوف تعارض اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي من منطلق معارضتها لقوى السلطة الحالية التي أنجزته والمتمثلة بالتيار الوطني الحر (العوني) وحزب الله المتحالف مع حركة أمل ورئيسها نبيه بري رئيس البرلمان.
غير أن هذا البعض تفاجأ بانضمام هذه الأحزاب وتحديدا حزبَي القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية الى جوقة المحتفين بهذا الاتفاق باعتبارهم اياه "إنجازا" يُبنى عليه.
ولئن كانت القوى التي شاركت في المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال بوساطة الوسيط الأمريكي آموس هوكستين احتفت بهذا "الإنجاز" كون ذلك يسهم في تلميع صور زعمائها بعد ما أصابها من تنكيل وتسفيه خلال سنوات انتفاضة 17 تشرين من جهة وكون ذلك الاتفاق يُنهي ولاية الرئيس ميشال عون الكارثية بما أطلق عليه "إنجاز تاريخي" يَعِدُ البلاد بسنوات الرغد والبحبوحة بعد سنوات العهد العوني الجهنمية التي جلبت الانهيار الشامل للبلاد، فلماذا اعتبر الكتائبيون والقواتيون المعارضون للعهد العوني وللثنائي أمل وحزب الله الذي أدار التفاوض من "خلف الدولة" وكانت له الكلمة النهائية في ما انتهت اليه المفاوضات، أن ما جرى إنجاز يبنى عليه؟
في مقابلة أجرتها فضائية إل بي سي آي ( lbci ) اللبنانية مع النائب سامي الجميل رئيس حزب الكتائب اللبنانية مساء 17 تشرين أول / أكتوبر طالب الأخير أن يُعرض اتفاق الترسيم مع الاحتلال الاسرائيلي على الحكومة وعلى مجلس النواب للمصادقة عليه. كما أعلن وأصرّ على مطالبته التفاوض على ترسيم الحدود البرية الجنوبية مع الاحتلال استكمالا لترسيم الحدود البحرية والتوصل معه الى مرحلة نهائية من الأمن والسلام والاستقرار الذي يجب أن ينعم بها لبنان أسوة بسائر البلاد العربية التي طبّعت علاقاتها مع اسرائيل.
هنا نتبيّن أن الأحزاب الطائفية المعارضة لقوى السلطة الطائفية المهيمنة قد انحازت الى هذا الاتفاق وتطالب بـ"ترسيمه" برلمانيا "لكي يُبى عليه" ترسيمٌ بَريٌّ يُقدم للبنان السلام والأمن على طبق من فضّة وبالتالي تصبح حُجّة وجود السلاح لدى حزب الله منتفية أصلا.
الأحزاب الطائفية سواء المسيطرة على مقاليد السلطة اليوم أو تلك المعارضة لا تنفك تَعِد اللبنانيين بأوهام الرغد والبحبوحة أو الأمن والسلام والاستقرار حيث هي هي لم تترك للبنانيين أيّا من هذه الأمنيات فباتوا يُلقون بأنفسهم وأطفالهم في غياهب زوارق الموت في محاولة أخيرة لهم للخلاص من "جهنم الوطن" التي تلاحقهم بلظاها.
ولئن كانت وعود الرخاء القادم تستند الى حقيقة وجود ثروات هائلة في مكامن الغاز والنفط شرقي المتوسط كما دلّت الاستكشافات والتنقيبات والدراسات والتحاليل، إلا أن ذلك كله لا ينفي عن هذه الوعود صفة الوهم كون من يطلقها ويروّج لها هم أنفسهم من نهبوا مقدرات البلاد وشردوا خيرة شبابها وعقولها المنتجة وأوقعوها في هاوية انهيار لا قرار له تستمر في السقوط الحر فيه تحت قيادهم أنفسهم. فكم من بلد وُهب ثروات لا تقدر يعاني أهله صنوف الشقاء وزعماؤه يتنعمون بما نهبوا وينهبون! وإذا كانت حاجة أوروبا الماسّة الى الغاز والنفط، في محاولة منها للتخلص من التبعية للغاز الروسي بعد أن شنّت روسيا حربها على أوكرانيا، جعلت من التوصل الى اتفاق الترسيم ايّاه أمرا واقعا بضمانة أمريكية قاطعة فرضت على لبنان التنازل عن معظم ثرواته الكامنة في المنطقة المتنازع عليها مع الاحتلال الاسرائلي، فإن حاجة قوى السلطة والنظام في لبنان الى "إنجاز" ولو كان وهميا مخادعا ينهي عهد المهانة التي أصابتها خلال انتفاضة 17 تشرين / أكتوبر ويعيد لها شيئا من الاعتبار داخليا ومن الدعم خارجيا، دفعتها لرضوخ موّهته بألوان النصر.
أما وَهْمُ السلام والأمن الذي تَعِدُ به الأحزاب الطائفية المعارضة نتيجةً حتميةً لترسيم الحدود البرية مع الاحتلال الاسرائيلي فتؤكده مسيرة المفاوضات البحرية المديدة التي كانت خلال أكثر من عقد من الزمن تتحرك وفقا لبازار المصالح الإقليمية والدولية ثم تنام لسنوات إلى أن حانت اللحظة الحاسمة التي فرضت اتفاقية الترسيم كما هي، الاتفاقية التي فرضت على المفاوض اللبناني ليس فقط التراجع عن أحادية امتلاك حقل قانا كاملا، بل ايضا التراجع عن كل "الملاحظات" التي أبداها الجانب اللبناني في اللحظات الأخيرة والتي رأى فيها الاحتلال الاسرائيلي تهديدا محتملا لعمليات التنقيب والاستخراج. فمن أين نأتي لحزبي الكتائب والقوات اللبنانية بتقاطع مصالح إقليمية ودولية يفرض ترسيما حدوديا بريّا يَعِدُ بالسلام والأمن والاستقرار لجميع الأطراف؟
صحيح أن اتفاقا من نوع ترسيم حدود المنطقة البحرية الخالصة بما تحويه من ثروات يقع تحت أحكام المادة 52 من الدستور التي تنص على أن رئيس الجمهورية مخوّل إجراء المفاوضات وابرام المعاهدات التي ينبغي أن تُعرض على البرلمان لإقرارها في حال كانت تتعلق بمالية الدولة أو غير قابلة للفسخ سنة فسنة، فهذا الاتفاق يتعلق ليس فقط بمالية الدولة بل بثروات البلاد عموما، وهو يتضمن شرطا يمنع لبنان نهائيا من أن يتنصّل منه لاحقا. غير أن نوايا أحزاب المعارضة الطائفية تذهب الى حيث يُقَرّ الاتفاق كما هو وليس لمناقشته وامكانية رفضه كونه يؤدي الى تنازلات خيانية في الحدود وتفريط في السيادة وتنازل عن الثروات، بل لإقراره واعتباره سابقة تبرر ليس فقط ترسيم الحدود البرية بل الالتحاق بركب التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي باعتباره باباً إلزاميا للسلام والاستقرار والرفاه!
خلاصة القول، كل أحزاب النظام الطائفي، موالاة ومعارضة، لا تعد اللبنانيين الا بأوهام مخادعة وتبذل كل ما تستطيع وتستحوذ من امكانيات كي تبقي على إمساكها بمفاصل السيطرة على المجتمع مهما كانت النتائج مدمرة على البلاد والمواطنين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة