الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين نصين

موريس عايق

2006 / 10 / 3
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


طرحت خلال الفترة الاخيرة ورقتين لليسار العربي. الاولى هي برنامج الحزب الشيوعي العراقي والثانية هي نداء للماركسيين العرب. لن أدخل في مناقشة تفصيلية لكلي الورقتين ولكن سأحاول قدر الامكان استكشاف المشاكل التي يطرحها الفكر الذي يكتب هذه النصوص.
يبدأ برنامج الحزب الشيوعي بالتأكيد على استفادته من التراث الماركسي والاشتراكي غير الماركسي وايضا تراث نضال شعوب العراق. البداية بحد ذاتها مجرد كذبة فعمل كهذا سيحتاج الى جهود فرق بحثية ولفترات طويلة وقد لا يصيبه النجاح وليس بضعة اشخاص مكلفين من الحزب وخلال فترة اسابيع لكتابة برنامج, لانلمس فيه نهاية أي اثر لأي فكر( وضمنا الفكر الماركسي). هذا النمط من اطلاق الكلام على عواهنه هو الميزة الاولى لهذا البرنامج. كذلك سيتحدث عن مراعاته للوضع العراقي ولكن سيكون واضحا من خلال سياق النص غياب العراق تماما.
الشيوعية تغيب من البرنامج وحتى كهدف يوتوبي ولا نعرف لماذا يحتفظ الحزب بعدها باسمه؟
بالمقابل تحل الاشتراكية مكان الشيوعية كهدف ولكنها أيضا لا تعرف بالملكية العامة ولا ترد الا في الختام ونشكل عابر.
ما يسعى اليه الحزب الشيوعي كما يبدو من نصه هو دولة رعاية اجتماعية قوية. ولكن أليست هذه الدولة لا تقل يوتوبية عن الشيوعية في العراق تحديدا.
كيف سيحقق الحزب هذا الهدف؟
هو لا يخبرنا, بل يجمع لنا كما هائلا من البنود التي يناضل الحزب لأجلها. واحيانا يلمح- بطريقة تدل على استغباء (وللدقة استحمار) لكوادره- للوسيلة التي يرغب عن طريقها بتحقيق أهدافه. فهو يريد أن يغري المستثمرين وأن يستدين من صندوق النقد والبنك الدولي, ولكنه بالمقابل يرفض شروطهما مسبقا ويدين العولمة ويطالب بالغاء الديون.دعونا نفترض أن العراق تحرر وانتهت المسألة الامنية على خير ما يرام واستلم الحزب الشيوعي السلطة وبأغلبية مريحة فهل سيكون قادرا على تنفيذ هذا؟
بكل تأكيد سينفذها البنك الدولي كرمى لعيون الحزب الشيوعي
في مكان آخريرفض الحزب الشيوعي المحاصصة الطائفية للعراق ولكنه وفي مكان آخر يؤيد الفيدرالية ويطالب بتعزيزها في كردستان واقامتها في الجنوب. فكيف سيوفق بين فيدرالية على اساس طائفي ورفض للمحصصة الطائفية للدولة, ان كان هناك اختلاف بالمعنى؟
يؤيد برنامج الحزب الشيوعي على النضال من أجل استقلال العراق ولكن دون ذكر لكلمة واحدة عن سيئات هذا الاحتلال, بالتالي لم نفهم لماذا يطالب أصلا بخروجه؟
الاطرف ان الحزب الشيوعي في الشق البيئي من البرنامج يتحدث عن اعادة الاهوار التي جففها النظام المقبور,ثم عن محاربة آثار اليورانيوم المنضب لكن من دون ذكر لمن استعمله.
برنامج الحزب الشيوعي العراقي هو احدى اجابات الحركة الشيوعية العربية المأزومة, اجابة الشق الرسمي منها. اجابة تحاول اخفاء ازمتها بتبني خطاب الجميع وكتابة نص يرضي الجميع. وهو لا يمتاز بأية معالجة نظرية أو تدقيق بواقع العراق وحتى أسوأ من أن يكون مجرد برنامج انتخابي. هو يخشى المحاولة الجدية لطرح الأزمة لأنها قد تؤدي الى انشقاقات بالاضاقة الى انها ستكشف العجز الواقعي الذي يعانيه.
نأتي الى النداء وهو يملك الكثير من الحسنات ولكن حصرا بالقياس الى برنامج الحزب الشيوعي العراقي. تبدأ مشاكل الاعلان بطريقة توصيفه للواقع وللمشكلة. فنحن لسنا الا ضحايا للامبريالية وحلفائها من الطبقات الاستعمارية أو مقاومون. اما مشاكلنا الفعلية فهي غائبة.
مشكلة النداء انه يمكن كتابته في أي زمن, بمعزل عن الجمل التي تحيل الى احداث حالية, فاننا لن نجد ما يدل على انه كتب في الزمن الراهن.
تجرد النص من زمانيته هي الدليل على ازمة مقاربته للواقع. هو يكدس لنا أهداف حركة التحرر بشكلها الاولي (زائد التعدد والاختلاف) دون أن يراعي واقعنا الجديد او التحول الذي أصاب هذه الاهداف.
لنأخذ على سبيل المثال "حق تقرير المصير" النص يتناسى -في ذهنه فلسطين حصرا- الاكراد او البربر أو القدرة على تعميم هذا الحق طائفيا ليتضمن الشيعة في العراق أو السعودية وخاصة أن تعريف الهوية حاليا هو تعريف طائفي. وحتى ضمن تعريف قومي اصبح حق تقرير المصير اشكالي ازاء حقيقة التداخل القومي.
في مكان آخر يتحدث النداء عن ضعف الحركة الشيوعية العربية ويعزيه الى القمع الذي طالها وبدون اعتبار للممارسة السياسية الذاتية لهذه الحركة واهمال تاريخها. الاهمال لا يقتصر على التاريخ انما يتعداه للواقع ذاته فهو يجعل من الطائفية مجرد وعي مزيف تسوقه القوى صاحبة المصلحة( ولا نعرف كيف) للتغطية على الصراع الحقيقي, أي الصراع الطبقي والوطني (والاخير يفترض أن يكون صراع مزيفا ولكن لعلة ما أدرج على انه صراع حقيقي) ودون اطلالة على " نمط الانتاج" الذي يفرز الطائفية كواقع.
يتماثل النصان في انهما كتبا بطريقة المعاجم, أي تجميع الكلمات المعجمية الجميلة وجعلها أهداف ودون النظر الى واقعيتها أو معناها أو قدرتنا على انجازها.
الأسوأ ان النصين ينتميان الى عقلية توحيدية (ربما بتأثير مذاهب التوحيد الدينية لدينا) تفترضان وبسذاجة ان المفاهيم الخيرة (حق تقرير المصير, الاختلاف, الحرية, المساواة...) تتماهى معنويا ولا تتناقض. طبعا هذا مجرد عسف فكري ضد الواقع(متعدد الالهة أو الوثني بتعبير سيء). فالحرية باطلاق نقيضة للمساواة باطلاق وكل منهما يحمل بذاته تناقضا. ونظرية العدالة هي انتاج ما بينهما.
لكن هذه النصوص لا تملك قوة تغيير الواقع ولهذا فهي غير مضطرة الى الاهتمام بما ستعنيه. فهي لن تمارس بالنهاية وعليه فانها لن تحاسب.
كذلك يبين النصان انعدام المسؤولية في مخاطبة الآخرين (وأولهم الكوادر) فلا صدق ولا مصارحة ولا مواجهة شفافة.
لكن بالمقابل لهما حسنة - ليست الانتقال الى مستوى أعلى من الوعي كما ذهب بعض المعلقين- وهي اظهار الازمة في الحركة الشيوعية بوضوح أشد. أزمة تفكيرها تتكثف في هذين النصين.
الحركة بشقها الرسمي تنتهي الى التعمية والآخرون الى المبالغة الثورية الفجة.
ما الذي سيحصل الآن؟
الشيوعيون العراقيون سيعقدون مؤتمرهم ويبدأون بالتأكيد على أن التاريخ أثبت صحة تحليلاتهم وينتهون بالتصويت على برنامجهم. وأهل النداء سيطرحون- كما فعلوا سابقا- بعد مدة نداءا جديدا للقوى الماركسية.
ما أردته في النهاية هو رمي حجرة في حوار الذات الذي يمارسه الطرفان واتمنى أن أكون أصبت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: اليسار يدعو لجبهة موحدة لمنع اليمين المتطرف من الفوز


.. فرنسا: اليمين المتطرف يرشح بارديلا رئيسا للوزراء في حالة فوز




.. الانتخابات الأوروبية: ما أسباب ودلالات صعود اليمين المتطرف ف


.. في ظل انتخابات برلمانية مبكرة في فرنسا...يسعى اليسار لتوحيد




.. ماكرون يحذر من خطر صعود اليمين المتطرف على فرنسا والاتحاد ال